تكومت على الدكة القديمة وأسندت رأسها العيان لخشب الأشجارالمزدان بالهلال والحصان وأبي زيد والكف و بقعات الألوان السيالة .. حز جنبها النحيل بالمسند الناشف المنحوت بغلظة إسماعيل النجار .. الأرض ترابها طيار تهيجه الريح ، لتزكم أنفها وتحرق عينيها مع البكاء الحار .. لم يعد لها صوت .. لم يمربحنجرتها هواء ، و لم يبق غير الغصة والحطب الحارق في الخناق .. أنين مكتوم يشقق مجرى الدم ، و يفلق عين الروح .. دموع قليلة تثبت في المقلة ، لتصبغ كل المرئيات ببكاء كل الماضي .. لا تقوى على تخطية العتبة ، ولا تقوى على مس فراشه .. لا تقوى على النظر إلى نعليه و منديله و ثياب عطرها زنداه .. جاءوا بالأوراق والبطاقة و النقود و قالوا .. إبصمي يا حاجة معليهش ربنا يعوض عليكي .. جاءوها بسيدة بيضاء لها عينان زجاجية و شدقان مبتذلان ، وفي يديها كرة وسلوك سوداء .. مالي وضجيج الناس مالي و زعيق الست الملونة الغبية يا لقلبي .. يالكبدي آآآه . ما تقولين يا بنية ؟ لا أسمع ما تقولين يا بنية ! لا أراك . ما تقولين يا بنيتي البلهاء ؟ معلهشي ياحاجة دا مات شهيد . شهيد ! يعنى إيه شهيد ؟ هل يعون ما يقولون ؟ هل شهدوا ضحكته الأولى ؟ هل شهدوا رضعته الأولى ؟ هل يدرون حينما وضعوه على ثديي أول مرة و بسم الله التقم حليبي و تبسم والفجر يؤذن ؟ هل شهدوا خطوته مرة ؟ معلهشي يا حاجة الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون . آه آآآآه يرزقون ! قلت له يا ولدي عاود .. يقول لا . يا ولدي إرجع رب هنا رب هناك .. رزق هنا رزق هناك . يا ولدي !! ولا لك فرشة و لا مرة و لا عيل . تعال ياولدي حضني أولى بيك .. عاود . معليهشي يا حاجة .. وقبلت السيدة البيضاء وجهها المتغضن بأخاديد الحزن ورائحة الفقر والشقاء في الحقول الحارقة معليهشي يا حاجة . لا والله عليه وعليه . عليه عولت الآمال .. عليه سندت الظهر الموجوع .. عليه ريحت القلب الشقيان . معليهشي يا حاجة هايدوكي تعويض يا حاجة يا حاجة ردي علىّ .. ياست ما يصحش كده ! آآآآه يا بنتي .. آآآه شهيد بس الفراق صعيييييب .