بقلم د. رفيق حاج حب الذات.. لا حب الذات لا ينفي محبة الآخرين ولا ينهى عن الرغبة في العطاء. حب الذات هو ان تحب شكلك ومنظرك ان تكون راضيا بما وهبك الله من عقل وذكاء وقدرة ذهنية ومهارات يدوية ولا شكوى لك على كثرتها أو قلتها او انعدامها. بالمقارنة, الأنانية هي ان تعمل من أجل نفسك فقط وان تسعى من أجل سعادتك فقط, وان تحسب الدنيا كلها تدور حولك, وأن تقوم بالاستحواذ على مصادر الآخرين وتسخّرها من أجل خدمتك ان أول ما يتبادر الى أذهاننا عندما نحاول تفسير مصطلح "حب الذات" هو الأنانية. والانانية هي أمر منفّرٌ ومقزّز ومُدان من قبل فئات كثيرة من الناس, لكن الفرق بين "حب الذات" و "الانانية" شاسع ومن لم يعِ بعد ذلك علينا ايقاظه من غفلته, فهذا محبّذ وذاك مكروه, هذا حسنة وذاك سيئة. حب الذات هو ان تحب شكلك ومنظرك بغض النظر اذا كنت سميناً ام نحيلاً, قصيرا ام طويلاً, كثيف الشعر او مُعدمه, ابيض البشرة أم اسودها. حب الذات هو ان تكون راضيا بما وهبك الله من عقل وذكاء وقدرة ذهنية ومهارات يدوية وقوة جسمانية ولا شكوى لك على كثرتها أو قلتها او حتى انعدامها. ان حبك لنفسك يمنعك من ان تفكّر يوماً بأن تتظاهر بما لا انت فيه وهذا يجعلك انسانا واقعيا وعمليا ومدركاً لنقاط قوته وضعفه وصائب في اختياراته. ان حبك لنفسك يعني تقديرك لنفسك وهذا يعطيك الكثير من الثقة بالنفس والايمان بجدارتك واحقيتك واوليتك. انظروا حولكم وتأمّلوا الشخصيات الناجحة التي صادفتموها في حياتكم لتروا مدى محبّتهم لذاتهم وخصوصا المشاهير منهم كنجوم السينما والاثرياء والقادة العسكريين والوزراء والمدراء ورجال السياسة. في الحقيقة, اني لم ارَ من بين هؤلاء واحداً لا يحب ذاته, وعلى ما يبدو, لو لم يحبوا ذاتهم لما وصلوا الى ما وصلوا اليه. بالمقارنة, الأنانية هي ان تعمل من أجل نفسك فقط وان تسعى من أجل سعادتك فقط, وان تكون دنياك كلها تدور حول نفسك, وأن تقوم بالاستحواذ على مصادر الآخرين وتسخّرها من أجل خدمتك. الأنانية هي أن تحبّ نفسك فقط ولا وقت ولا طاقة لك لتهدرها على الآخرين وتتوقع من الآخرين ان يتفهّموا ذلك. الأنانية في نظري هي مرض نفسي ينبغي معالجته لأنها قد تؤدي الى القيام بأعمال اجرامية ومنافية للأخلاق من منطلق ان الانسان الاناني يستبيح كل شيء من أجل لذته. الانانية تعني الانغماس باللذات والشهوات والغيرة والاتكالية على الغير والارتقاء على اكتاف الآخرين بكل ثمن, والتكبّر والغطرسة والتعامل مع الآخرين كأنهم خدم اوعبيد. لا يتورّع الأناني من ايقاف سيارته "بالعرض" بمكان معد للمعاقين, وهو لا يعتذر عن تأخره في الحضور او في أي تقصير بدر منه, وان اعتذر فأنه لا يقصد ذلك ويعاود نفس السلوك. الأناني إنسان لا يقبلُ النصيحة والإرشاد من أحد لأنهُ يجد نفسه أفضلُ من كل الناس ولا أحدٍ مثلهُ في الكون حتى لو ادى ذلك الى تدهور حاله. وبهذا قال الإمام علي عليه السلام "من أستبّد برأيه هلك.." ككل الخصائل الانسانية, قسم من الانانية هو خاصة "موروثة" او بالأصح تولد مع الانسان والأخرى "مكتسبة". فقد تجد "عائلات انانية" من صغيرها الى كبيرها- الاب والام والجد والاولاد والاحفاد, وهنالك من يكتسب الأنانية من المحيط الذي يعيش به. الانانية هي آفة من آفات العصر التي سببتها سيادة "الفردية" (( individualism وغياب الروح الجماعية. في اوقات خلت, كان الأناني يحظى بالتنديد والاستنكار وحتى الإبعاد من مجتمعه, اما اليوم فيستطيع الاناني ان يؤمن مأكله وملبسه ومصدر رزقه بدون الالتجاء الى العشيرة او الحمولة مما يزيد من مغالاته بالأنانية. تنمو الانانية وتترعرع بدايةً في البيوت التي تُفرطُ بدلال اولادها وتزوّدهم بكل مستحدث وباهظ الثمن من العاب وهواتف نقّالة وحواسيب ليتباهوا بها امام أقرانهم فيتعاظم حبهم بالاستملاك وشعورهم بأنهم مميزون ومُفضّلون. من ناحية أخرى, أيضاً الطفل الذي يُعامل بقسوة مقارنة بإخوته هو "مرشح" أن يصبح أنانيا وان ينفرد بما يمتلك عندما يكبر ليعوّض نفسه على الحرمان الذي عاشه في صغره. أما حب الذات فلا ينفي محبة الآخرين ولا الرغبة في العطاء. يقولون من لا يحب نفسه لا يستطيع ان يحب الآخرين على غرار "فاقد الشيء لا يعطيه". لا ضير بأن تجد نفسك ذكيا او وسيما او تقياً او قائدا او قويا او ماهرا بشرط ان تكون متأكدا بأنك تحمل هذه المزايا ولا تدّعي بما ليس فيك. ان نظرتنا الايجابية حول نفسنا تعزز ثقتنا بها وينعكس ذلك على الآخرين وعلى موقفهم تجاهنا. لكي نفهم ما معنى حبنا لنفسنا ونعي اهميتها تخيّلوا انسانا يكره نفسه, وراقبوا ما يواكب ذلك من تصرفات غريبة وسلوكيات مثيرة للشفقة. لم أرَ قط رجلا صالحا يكره نفسه بل تجده في فئة البائسين والمنتحرين والمدمنين على المخدرات والمنحرفين. هنالك ايضا فئة اخرى "مميزة" من الناس التي لا تُعدّ على الذين يكرهون ذاتهم ولكنهم يفضلون مصلحة الآخرين على مصلحتهم. فعلى سبيل المثال, منهم من يقوم بترك تعليمه وبتدمير مستقبله المهني ليقوم بتعليم أخيه, ومنهم من يكرّس كل طاقاته ووقته وامواله لحزبه أو فريقه او طائفته على حساب أهل بيته, وهناك من النسوة اللواتي تخرّجن من الجامعات او يتمتعن بقدرات شخصية فائقة اللواتي قمن بالتنازل عن الانخراط بسوق العمل وعن التحصيل وتحقيق الذات من اجل "ارضاء الزوج" أو "اهل الزوج" أو "هكذا احسن للأولاد..!". محبتك لنفسك ينبغي ان تستمر دائما, وبدون قيد او شرط, حتى لو عجزتَ أو هرمتَ أو أفل نجمك أو ساءت أحوالك الاقتصادية. محبتك لنفسك يجب ألاّ تزعزع حتى لو كان رأي الآخرين مغايرا لرأيك بنفسك. ان حكمك على نفسك وتقييمك لذاتك يجب أن يكون مفصولا تماما عما يعتقد الآخرون عنك, فإذا كنت مقتنعا بأنك "طيب القلب" فلا تعبأ بما يقولونه عنك بأنك "ساذج" واذا كنت متأكدا بأنّك "رقيق" او "كريم" او "شجاع" فلا تعرهم اهتماما اذ وصفوك "بالهش" أو "المبذّر" أو "المتهوّر". وأخيراً, محبة الذات هي محبة ككل المحبّات, تضفي الى الحياة متعة ً ورونقا خاصا فلماذا لا نضيفها الى "البوم المحبة" الخاص بنا الى جانب "محبة العائلة" و "محبة البلد" و "محبة الوطن"؟!