بقلم إيمان حجازي ستوقفتها و هى تهم باستقلال سيارتها طالبة منها ان تقلها الى القاهرة, فوافقت على الفور و إنطلقت بالسيارة ولاحظت اأناء الطريق أن ضيفتها تعانى القلق و الحزن يبدو عليها فسألتها فيما شرودك , هل من سوء ؟ و كأن الصغيرة كانت فى حديث مع نفسها و لم تر ضير من إعلانه , فتحدثت بدون صعوبة , و قالت أنها أحبت زوجها و هى مازلت طالبة فى الجامعة و قد تقدم لخطبتها بعد أن أنهى دراسته مباشرة , ولم يكن هناك أى إعتراض من والده ولا والدته فقد وافقا بمجرد سماع إسمها لمعرفتهما لوالدها و أمها و لسيرتها الحسنة , و عندما تقدما الى عائلتها لم يعترض أحد و تم عقد القران , و سرعان ما تم تأسيس بيت الزوجية الذى هو نفس بيت عائلة الزوج , و حتى وفاة والده المفاجىء لم يؤثر علي إجراءات الزواج لأنها كانت ما تزال طالبة و ليس هناك ما يستدعى العجلة بإتمام الزواج , و هذا ما جعل الأمور تأخذ وقتها فى تأسيس البيت على المهل , وحتى مرض والدته لم يكن إعاقة لإتمام الزواج على العكس فقد كان دافع للإسراع لإن الأم وحيدة بعد أن زوجت بناتها و أرسلتهن جميعا إلى بيت أزواجهن ... و بالفعل تم الزفاف و عاشت العروس و زوجها و الأم المريضة التى كثيرا ما تغيب عن الوعى , و لا تتذكر من حاضر أيامها إلا القليل , بل و تستحضر معها من ذكرياتها لتعيش بها و معها و تفرضها على الموجودين فيما يسمى بمرض العصر - الزهايمر - و هذا ما جعلها لا تتذكر العروس زوجة إبنها إلا قليلا , و لم تناديها بإسمها إلا مرات قليلة جدا , بل إعتادت أن تطلق عليها إسم ‘حدى بناتها , و لم تكن الزوجة تلقى بالا الى هذا الموضوع , و كانت تعلل لنفسها , بعيدا عن المرض , أن هذا الفعل من الأم يقربها من قلبها و نفسها , فالأم أحن قطعا من الحماة ,,و لذلك لم تكن تتضايق و لا تتململ عندما تطلب منها الأم الذهاب بها الى الحمام لقضاء حاجتها , أو أن تقوم بتحميمها و تمشيط شعرها , و كانت تعاملها برفق و بطيب خاطر ليس فقط لأنها مريضة و لا حتى لأنها مثل أمها و لا تنفيذا لتعاليم أمها و نصائحها و قولها بأن الأيام دول و اليوم لك و غدا عليك , إنما كان السبب الأقرب الى قلبها و الى الواقع أنها كانت تسترضى فيها زوجها و تحاول جاهدة أن تبر والدته حبا فيه و تحدثت عن زوجها فقالت أنه رجل دمث الخلق متدين يعشق أمه و يقدسها, فكانت شغله الأول حيث يدخل من باب المنزل و يلقى تحية سريعة على الحضور و يتوجه إليها مباشرة يطمئن عليها و يأنس بوجودها , يراعيها و يرعى الله فيها , يسأل عن مواعيد الدواء و هل تناولته و عن أكلها المخصوص و يطمئن على نظافتها , و أحيانا كثيرة كان يقضى معها ساعات طويلة يطمئنها و يهدأ من روعها و هى تظل فى إنتظاره بالخارج واقفة وتقف الدنيا معها فى إنتظاره أيضا , فكانت تتعمد ألا تقطع عليه خلوته بأمه حتى لا يشاع عنها أنها تغار من السيدة العجوز المريضة , و لأنه عندما كان يفرغ من لقائها و يتركها للنوم كان يأتى الى الزوجة محبا ودودا يقبل ما بين عينها و يبثها غرامه و يدعو لها بأن تكون له نعم العون على مصائب الدنيا و أما الأم فكانت لظروف مرضها , كأنها تعيش مع إبنها و بنتها فى بيت واحد , فلم تدرك أن هذه هى عروس إبنها , و لذلك كانت تتجول عليهم كلما إستفاقت و عاد إليها وعيها أو قدرتها على الحركة , بدون إستئذان , ففى إحدى المرات و كانت الأولى من نوعها التى قامت الزوجة من نومها و كأنها أيقظها شعور خفى يقول لها بأن هناك من يرقبك فلما فتحت عينها وجدت شبح يجلس على الكرسى أمام التسريحة مشعث الشعر , و فى ضوء الوناس للطرقة لم تستبين أنها الأم ففزعت و أخذت تصرخ و تصرخ حتى بعد أن إستيقظ الزوج و أضاء النور و تبين أنها أمه الجالسة فى شكل مرعب , ظلت الزوجة تبكى و خاصة عندما ربت على كتفها ربتة سريعة و أخذ أمه ليعيدها الى حجرتها و يضعها فى سريرها و يظل بجوارها الى أن تخلد للنوم , ثم عاد الى زوجته المفزوعة ليأخذ ما تبقى من إحساسها بالحياة بين ذراعيه و يضمها و يقبلها معتذرا يسوق الحجج بأنها مريضة و لا تعى ما تفعل ,, وهى لم تشتك برغم تكرار هذه الفعلة كثيرا , ولكن فى المرات التالية كانت توقظه فى هدوء ليضع أمه فى سريرها , ومرة قامت من نومها وجدتها تجلس بجوارها على السرير و ما أيقظها أنها وضعت يدها على شعرها و عندما نظرت إليها بعد أن أضاءت الأباجورة رأت فى عين الأم نظره حنان هادئة , فأحست عندها أنها أم تدلل إبنتها أثناء النوم , و هذه المرة التى جعلتها لا تشعر بالغضب من فعل الأم , و لا تشعر بالحنق عليها من أخذ زوجها منها ليلا ليظل بجوارها حتى تنام و عندما يعود و لم يكد يأخذ زوجته بين ذراعيه لينسيها سخافة ما حدث فيجدها واقفة وراءه و كأنها تسأل فى إستغراب عما يحدث , فيعود أدراجه بها الى غرفتها مرة أخرى تاركا الزوجة فى حالة من اللا وعى وقالت الزوجة , أما عن علاقتى بزوجى , فهى أكثر مما توقعت و أروع مما حلمت بكثير , فزوجى رجل بمعنى الكلمة طيب عطوف رائع بسام و مجامل و هو ليس بخيل إطلاقا , لا ماديا و لا معنويا , بل إنه من النوع الذى يغدق على أهله بالكلمات التى تنفتح معها القلوب و تذوب معها المعاناة و الصعاب , و لحديثه مفعول السحر فيمن يسمعه و صوته دافىء رخيم ينفذ للقلوب و النفوس فيريحها , هادىء الطباع لا يثور , حلو المعشر يعرف للناس حقوقهم ,,, و ذكرت أنه كان بينهم قصة حب طويلة قبل الزواج أكد رسوخها عشرتهما الطيبة لمدة سنة و نصف هى عمر زواجهما , وقالت أنه لم يسمعها كلمة لا تحبها , و لم ينظر إليها نظرة تعاتبه عليها , و حبه لأمه و رعايته لها ليس بالشىء الذى يلام عليه و لا يعيبه بل أكدت أنه يجعلها تحترمه و تجله أكثر , و ذكرت الزوجة بأنه كان لهما بداخل حجرتهما حياتهما الخاصة التى ليست بها حدود و لا تحكمها أعراف ولا خبرات سابقة من المحيطين بهما , وقالت أنه كان يدللها كثيرا بما يفعله حتى إنها لم تسمع عن مثل ما يفعله زوجها معها فى محيط العائلة , أو ربما تكون هذه حال كل الأزواج غير إن مجتمع الريف لم يعتاد ان ينقب و يفتش فيما يحدث خلف الأبواب المغلقة , و أكدت أنها أيضا كانت تدلله و لكن مثلما كانت ترى أمها تفعل مع أبيها , فكانت تنتظره حتى يأتى و تجلس عند قدميه لتنزع عنهما الحذاء و الشراب و تساعده فى فك زراير قميصه و فك حزامه و تحضر له الحمام , و أحيانا كثيرة كانت تشاركه حمامه فيساعد كل منهما الآخر ,هذه هى أسرارهما لا يبيحان بها لأحد , و قالت مضت حياتنا فى سعادة بالغة الى أن كان يوم هو بداية المأساة , حيث كانت الزوجة ترتدى ملابسها للذهاب للعمل , صعب عليها غلق سوستة الحذاء ( البوط ) فرآى زوجها هذا و وجد وجهها و قد إمتقع و نهجت من شدة المحاولات ,, فضحك وقال مش نعيش عيشة أهلنا أحسن , مالها الجزمة , و لكن لأنه كان دائما معتاد مساعدتها فى إستكمال إرتداء ملابسها , و شد سوستة الجيبة أو إحكام زراير البلوزة و تمشيط شعرها الطويل أو تدبيس لفة الطرحة , فهو دائما يحب ان تكون له لمسة فى شكل ملبسها النهائى , و كم أحبت منه هذه الفعال , حتى و إن كانت تتململ منها أحيانا فكان على سبيل التدلل و ليس التأفف ,,, و لذلك جلس على الأرض أمامها و أخذ قدمها بالحذاء على قدمه و بدأ يحاول مع السوستة , و لكن فجأة وبدون إنذار إنفتح الباب و دخلت الأم و وقفت لحظة تنظر و كأنها ذهلت مما رأت , و هول ما رأته أعاد إليها وعيها و تذكرت أن هذه السيدة ليست إبنتها بل هى زوجة إبنها .. و ظلت تصرخ فيهما , موجهة حديثها إليه ماذا تفعل بتلبسها الجزمة يا دلدول شفت أبوك بيعمل كدة معايا , يا خيبة أملى فيك ,,, وظلت تعدد و تولول ,,قال لما قالو ده ولد إتشد ضهرى و إتسند و جابولى البيض مقشر و عليه سمن البلد ,,, تعالى ياللى عايزة تخلفى صبيان شوفى ,,, الواد اللى حيلتى ,, سندى ضهرى عزوتى , بنت أبو .... عاملة معاه إيه , مخلياه يلبسها الجزمة , ركبتك يا فالح و دلدلت رجليها ,,, يا خسارة تعبى و سهر الليالى و تربيتك ,,, لو كنت أعرف كنت بركت عليك فى اللفة طلعت روحك صرخت الزوجة فى ضيق مما يحدث , و خاصة عندما وجدته لا يرد ,وجهت كلامها و غضبها الى الأم قائلة إنتى إزاى تدخلى هنا من غير إستئذان ؟؟؟ إنتى أساسا اإه اللى مصحيكى الآن ؟؟؟.... فثارت الأم مستكملة نوبة إستفاقتها و بدأت تثرثر هذا بيتى و أنا المتحكمة فيه أدخل و أخرج على هوايا براحتى , إنتى فاكرة نفسك هتعملى عليا ست ,,, فوقى و تقول الزوجة إنها إزدادت حيرة عندما أخذ زوجها والدته بهدوء ليضعها فى سريرها ولم يهمس ببنت شفة و رجع ليجلس فى الأرض بجوار السرير و يضع رأسه على السرير فى شكل و حالة لم تره عليها من قبل , وكأنه لا يرى تلك الزوجة , زوجته , فلم يطيب خاطرها ككل مرة , و كأنه لا يشعر بها بل بالأحرى هو لا يشعر بنفسه ,, و ظلا على هذا الوضع كثيرا و لم يذهبا للعمل , و تقول الزوجة بأنها لم تحاول أن تتحدث معه فقد كانت غاضبة و ترى أنه من حقها أن يسترضيها ,, بينما هو كان يفكر فى أشياء كثيرة , فى شرخ حدث بالجدار , بكسر فى دنيا المهابة التى رسمها لنفسه و يعيشها و يفرضها على الجميع لأنه كان يعلم أن أمه لن تترك أحد إلا و تسرد له ما حدث , و أنها دخلت لتجده مفترشا الأرض واضعا حذاء زوجته على رجله و هى جالسة على السرير موجهة قدمها فى وجهه بدون حياء و لا إحترام , و أنه سوف يكون حكاية و رواية تتندر بها نساء العيلة و ربما البلد كلها , كما سيكون معرة لأخواته البنات , فلن يكون هو المرجع المحترم, هو الركن الذى يلجأن اليه إذا إعتزم أحد الأزواج الخروج عن التقاليد أو الأعراف الأصولية ,,,, و ما كان يحسب حسابه و يفكر فيه قد كان ,,, و لم يمضى اليوم إلا ومجلس العيلة منعقد فى شرفة المنزل يحضره كافة الرجال الكبار و الشباب حتى الذين لم يبلغو الحلم بعد يحضرون أيضا ليكون لهم عبرة فى رأس الديب التى سوف تطير بعد قليل , و مما يؤكد ما يحدث إستقبالهم له , فقد كان يهم الجميع وقوفا عندما يهل عليهم و يرمقنه بنظرات إعجاب و إكبار ,,, أما الآن فالوضع مختلف ,, فقد حرق شنب النجعاوى ,, ووضع رأس الدهاشنة فى الحضيض , تحت وقع أقدام و جزمة زوجته ,,, وبعد طول مداولات و محادثات إرتأى مجلس العائلة أنه لكى يعيد للعيلة هيبتها و يستعيد هو كرامته و مكانته لابد و أن يطلق من استباحته فى الخلوة و جعلته حمارها الحصاوى,, و بعد ذلك عندما يقرر أن يتزوج لابد له أن يسترجل و يشرب بيريل و لا يفعل أفاعيل الصغار هذه مع حريمه ,,, و لم ينسى مجلس العيلة الموقر أن يتأكد من عدم وجود حمل و لا نتائج لهذه العلاقة الآثمة التى كانت بموافقة الجميع و على سنة الله و رسوله , حتى يتم نسيانها مع الزمن بمجرد إحداث الإصلاح اللازم و قد كان و لم ينفع تدخل مساعى الصلح بين العائلة و الزوج و لا تدخلات أهل الزوجة ,, و لم يشفع للزوجة الحب الذى كان , و لا عشرة السنة و نصف , و إنما كان الإنتصار للأعراف و التقاليد البالية ..... وهذه هى الزوجة بعد أن أخذت قرار الإعدام لحياتها و حبها , تصطحب معها ذكرياتها و تلملم خيبة أملها و تهجر حتى بيت أهلها ليستضيفها بيت عمها فى القاهرة , لتمضى فيه فترة نقاهة وتراجع ما فعلت , وتتساءل أيعاب على الزوجة التدلل على زوجها بمختلف الوسائل , و لماذا سمحو له التمتع بنزعها حذاءه فى حركة مستمرة يومية و إستكثرو عليها مساعدته إياها فى يوم إستثنائى ,,, و هو زوجها , أين قلبه و مشاعره ؟؟ أين عقله و عدله ؟؟ أين حكمته ؟؟؟ كل تلك الأشياء موجودة ,, بل هو أيضا ضحية مثلها تماما , فقد آثر مصلحة العيلة و هيبتها و كرامة أخواته البنات , فى سبيل التخلى عن حب عمره و حبيبته و وصلت السيارة إلى بيت عم الزوجة على مشارف القاهرة و فتصمت الفتاة لتمسح دموعها , و تودع مضيفتها ,,, و تترك السؤال قائم يصرخ عاليا قائلا هل يعتبر التدلل الحلال للزوجة على زوجها داخل حجرة نومهما عيبا , ذنبا لا يغتفر يهدم حياة