بقلم رمضان الحلواني أتمني أن يصل الدين إلي أهل السياسة.. ولا يصل أهل الدين إلي السياسة .. فإن كنتم أهل دين فلا جدارة لكم بالسياسة .. وإن كنتم أهل سياسة فمن حقي أن لا اختاركم ولا جناح على ديني ..هذه مقولة شيخنا الجليل محمد متولى الشعراوى رحمة الله عليه .. أى كان يتمنى ان يكون دور رجال الدين هوجعل الدين سلوكا تلقائيا ينبع من داخل الناس دون التفكير فيه ودون ان يجبرهم عليهاحد او حتى يذكرهم به ..اذا نجحوا فى ذلك فالجميع اذن يطبق الشريعه الاسلاميه كلفيما يخصه مادام يعرف ما له وما عليه وما هى الوسائل المشروعه للحفاظ على الحدودبين هذا وذاك .. لذلك حان الوقت للتفكر والتمعن ومراجعة جذرية من داخل الاسلام ومنمصدره القرآنى والنبوى للمفاهيم السياسية المنسوبة للإسلام .. خاصة ما يطرح علىالساحة من قوى تسييس الدين في عصرنا هذا .. وهي مفاهيم لا تمت للإسلام بصلة ..فإن الحضارة الإسلامية كانت حضارة راقية ورائعة في العلم والفكر والعمران .. لكنهاكانت تفتقر البعد السياسي الذى بدد الكثير من طاقاتها الحضارية .. وعندما ظهرضعف مؤسسة الدولة الرسمية في مختلف أنحاء العالم الإسلامي .. لجأ الناس إلى التدينالمفرط وهو الغلو الذي حذر منه القرآن الكريم " يا أهلالكتاب لا تغلو في دينكم ".. أماإقامة الدولة الدينية فليس ثمة مقومات أو برنامج سياسي مكتمل لدى دعاتها وهم يستغلون الموجة الدينية السائدة الآن لكنهم لا يملكون الكفاءة اللازمة لإقامة الدولة .. فإن هذا الغلو الذي يشجعونه يسد ولن يؤدي إلى قيامها .. وكما أجمعباحثون مسلمون من مختلف الاتجاهات والاجتهادات .. فإن من أهم ما يلاحظ في الظاهرةالإسلامية أن الإسلام قرآناً وسنة قد أولى العقائد والعبادات والأخلاق اهتماماًمفصلاً ومحدداً إلى حد كبير .. بينما في الجانب السياسي كان ايجازه شديداً إلىدرجة تحديد مبادئ في منتهى العمومية كالشورى والعدل بما يحتمل مختلف التأويلاتومختلف النظم السياسية التي أفرزتها التجارب الإنسانية .. وقد أخذ المسلمون الحديثالنبوي الكريم الموثق "أنتم أعلم بشؤون دنياكم " على محمل اتصاله بتأبير النخل فقط .. وهو فهم ضيقالواسع من مقولته عليه الصلاة والسلام .. وحصره في ظرف المناسبة اللحظية فشؤونالدنيا تأتي في مقدمتها شؤون السياسة .. ولا بد من أخذ الحديث النبوي على هذاالمحمل فمن الطبيعي أن يكون الناس في كل زمان ومكان أعلم بشؤون سياستهم التي هي منشؤون دنياهم وهي الأهم لمصائرهم من تأبير النخل .. وعندما كان النبي صلى اللهعليه وسلم يكاتب زعماء الدول يدعوهم للإسلام .. وكان همه الأكبر والوحيد قبولهمبأساس العقيدة الإسلامية مع بقاء الأمير في سلطته حسب نظام بلده دون البحث في كيفيةإدارتها .. وهذا يعني أن عقيدة الإيمان هي الأصل في الإسلام .. وأن طبيعة النظامالسياسي من اختيار أهل كل بلد .. وفي رسالة النبي عليه الصلاة والسلام إلى المنذربن ساوى ملك البحرين كانت العبارة المبدئية هى " فإني أدعوك إلى الإسلام ..فاسلم تسلم يجعل الله لك ما تحت يديك " وهذا تأصيل لمبدأ نشر الدعوة الاسلامية دون الخوض فى النظامالسياسى للبلد .. والحكم في المصطلح القرآني والعربي الأصليهو الحكمة وهو البصيرة العادلة .. وإذا اقتربنا بمعانيه من سلطات الحكم فهو سلطةالقضاء وكان القاضي يسمى حاكماً كما ورد في أحاديث نبوية متواترة وكما فسرالمفسرون المصطلح القرآني في قوله تعالى "وتدلوا بها إلى الحكام " أن المقصود هنا القضاة .. أما أصحاب السلطة السياسيةفقد أطلق عليهم القرآن الكريم من منطلق المعنى العربي الأصلي الأمراء فقال أولو الأمر وتضمنت السنة النبوية مصطلح الأميرفي مواضع عدة بهذا المعنى .. وتعارف المسلمون على تسمية القائد السياسي بأميرالمؤمنين وهو الفهم السائد عند العرب في حينه .. ولنا فى صحيفة المدينة التي وضعهاالنبي الكريم عظة لأنها تمثل فكره السياسي عندما واجه مسألة السياسة في المدينةالمنورة .. فهي أول دستور في الإسلام وأول تعاقد سياسي بين المسلمين وغيرهم فينطاق الدولة الجامعة .. حيث نرى في الفكر السياسي النبوي تمييزاً واضحاً ومبدئياًبين المجتمع الديني الذي يضم المسلمين في دولة الرسول والمجتمع السياسي الذييشمل بالإضافة إلى المسلمين .. اليهود وقبائلهم في المحيط المدني .. وقد ذكرت الصحيفةبالاسم تلك القبائل واعتبرتها أمة واحدة مع الجماعة الإسلامية لهم مالها وعليهم ما عليها في شؤون الأمن والسياسة .. ولم يزايد أحد في حينه علىالنبي عندما أصدر الصحيفة أو الدستور الأول في الإسلام .. بالقول الذي نسمعه فيمزايدات الحاضر ولم يكن القرآندستورا فى ذلك الوقت لأنهكان يتنزل على الرسول ككتاب هداية للإنسانية جمعاء .. وليس كدستور لهذه الدولة أوتلك .. وعلينا أن نضيف أنه عندما خرقت تلك القبائل الدستور كان للنبي منها موقفآخر .. كأي خرق دستوري في أي زمان ومكان .. إندراسةصحيفة المدينة وإبرازها في الوعي الإسلامي المعاصركوثيقة تاريخية مسألة حيوية لتجديد شباب الفكر السياسي عند المسلمين .. كما أنإغفال هذا التعاقد السياسي من شأنه أن يضع الأمور في غير نصابها ويؤدي إلى تصوراتخاطئة بشأن الصلة بين الديني والسياسي في الإسلام .. فالدولة في الإسلام دولة مدنية كما أكد المفكرينالإسلاميين أمثال الدكتور محمد سليم العوا والدكتور أحمد كمال أبو المجد ومن منطقفكر إمام النهضة الشيخ محمد عبده لأنها تهتدي بقيم الدين ومبادئه وهي ليست حكومةرجال الدين .. حيث لا رجال دين في الإسلام.. فالمسلمون كلهم يحملون هذه الصفة .. والفرق يكمن بين عالم في الدين ومن هو أقل علماًفلا دولة كهنوتية أو ثيوقراطية في الاسلام .. والسياسة مسألة تجريب فيها الخطأوفيها الصواب .. أي أنها مسألة اجتهادية ظنية لا مسألة قطعية من مسائل الدين .