بقلم د. عادل عامر أن تسريبا لأسمدة من البنك والجمعيات التعاونية سببه الرئيسي هو الفساد وحالة التسيبالمنتشرة في بنك التنمية والجمعيات التعاونية حيث يحصل بعض الموظفين على مبالغكبيرة من صغار التجار مقابل هذه التسريبات، مشيرا إلى أن أكبر دليل على ذلك هووجود أسواق سوداء تعمل في العلن بالطرق الصحراوية دون أي رقابة. وكعادة السلطات الغادرة بعد أننهبت حقوق الفلاحين تركت لهم تركة المشاكل التي تحتاج إلى الحلول ووضع الخطط لحلهاوهو ما أصبح متاحا للفلاح القيام به من خلال النقابات الفلاحية التي تم تأسيسهابعد ثورة 25 يناير والتي تعطي لهم الحق في إدارة مصالحهم ورسم مستقبلهم المشتركومن بين المشاكل العديدة التي لا تحصى والتي يعاني منها الفلاح تبرز مشكلتان منأهم المشاكل وهما : مشكلة السماد ومشكلة تمليك أراضي الدولة بكافة أنواعها لصغارالفلاحين . السماد من مستلزمات الزراعة التي لا غنى عنها والتي يتوجب على الدولةتوفيرها للمزارع بأسعار مدعمة وهو ما يحدث بالفعل ولكن ما بين انتاج السماد ووصولهللفلاح رحله شاقة ملتوية لتعدد الحلقات يقبع فيها الفاسدين أاذناب النظام الفاسدالمخلوع والذين مازالوا يتحكمون فى رقاب العباد والاسواق المفتوحة لنهبهم فوصلتشيكارة اليوريا الى أكثر من 150 جنيه بالرغم من أن الدولة تقدم الدعم كى تصلللفلاح بحوالى 70 جنيه فمن هم الأطراف المسئولة عن إدارة هذه العملية وضمان وصولهبكميات كافية وأسعار عادلة للفلاح ؟؟ وأين حكومة الثورة التى تعهدت بحماية أرواحالشهداء وتلبية مطالب المواطنين ؟؟ ومن هو المسئول عن اختلال الخريطة السمادية فيمصر؟؟أما بالنسبة للمشكلة الثانية والتي تعتبر من أهم المشاكل التي يعاني منهاالفلاح هي مشكلة تمليك أراضي الدولة بمختلف أنواعها لصغار الفلاحين التي يقيمونعليها مساكنهم ويعيشون عليها ويقومون بزراعتها منذ سنوات طويلة ورثوا حياتهم فيهاأبا عن جد وحتى الآن لا تزال الدولة تعاملهم كمستأجرين وتقوم بفرض الرسوموالإيجارات وغرامات التأخير عليهم وكأنهم ليسوا مصريين استمرارا لسياسة النظامالبائد والتي كانت تؤمن بأنه كلما سرقت عرق المنتجين وحبست انفاسهم كلما طال عمرالنظام فى الاستبداد والحكم ."اختفاء الأسمدة الزراعية من الأسواق والجمعياتالزراعية" هي العنوان الجديد لمعاناة الفلاح المصري الذي استبشر خيرًا بالثورةالمصرية معتقدًا أنها ستحرره من أغلال النظام السابق الذي لعبت أقطابه الكبرى علىإفساد الزراعة المصرية وإفقار الفلاح المصري، وقام رجال أعمال النظام البائدباحتكار سوق الأسمدة والمبيدات؛ ليتحكموا في مصير المزارع المصري وقوته. ورغم سقوطهذا النظام إلا أن المعاناة لا تزال موجودة، وربما تكون قد زادت عن السابق؛ ما جعلالفلاحين يخرجون عن صمتهم في غالبية محافظات مصر من شمالها لجنوبها؛ لرفض ما يدبرلهم؛ ففي محافظة أسيوط تجمع المئات من أهالي قريتي المطيعة والنخلية للاحتجاج علىنقص الأسمدة وارتفاع أسعارها ما يهدد أراضيهم بالبوار ومحاصيلهم بالتلف؛ حيث قطعالمواطنون الطريق الزراعي أسيوط - القاهرة وطريق فرعي آخر موازٍ للسكة الحديد. كماتجمهر العشرات من مزارعي محافظة الغربية أمام ديوان عام محافظة الغربية للسببنفسه؛ حيث صرفت الجمعية الزراعية للفدان "شكارة كيماوي" واحدة بدلاً من10 شيكارات وهي الحصة المخصصة للفدان،، أن أزمة الأسمدة لها عدد من الأسباب التييجب معالجتها ومنها تصدير كميات من الأسمدة الزراعية خارج مصر، وانعدام الرقابةعلى الجمعيات الزراعية والأسمدة المدعمة، واحتكار رجال الأعمال التابعين للحزبالوطني المنحل لهذه المنتجات الهامة، وما يقومون به الآن هو نفس دورهم الذي كانوايمارسونه في فترة ما قبل الثورة، أن فلول الحزب المنحل يستخدمون مثل هذه الأحداثللضغط على المزارعين البسطاء. أن المظاهرات التي وقعت في العديد من المحافظاتومنها محافظة أسيوط هي رد فعل طبيعي من الفلاح البسيط الذي فوجئ بارتفاع سعرشيكارة الكيماوي من 70 جنيهًا إلى 200 جنيه، وتصل في بعض الأماكن إلى 250 جنيه،وهو ما يهدد بتدمير المحصول والزراعة وخسارة الفلاح الموسم الزراعي أن قرى أسيوطوالصعيد بشكل عام ليس لها أي موارد غير الزراعة، فلا يوجد أمام المزارعين طريق غيرالثورة والاحتجاج على هذه الأحوال. أن الأسمدة التي تباع الآن بهذه الأسعارالباهظة هي نفسها الأسمدة المدعمة الخاصة بالجمعيات الزراعية، والتي يجب توفيرهاللفلاحين بأسعار مخفضة إلا أن هناك مافيا كبيرة للسوق السوداء تقوم بالاستيلاء علىهذه الأسمدة وتخزنها قبل الموعد الذي يزيد فيه الطلب، ولأن كل المحاصيل والزراعاتتحتاج الأسمدة في وقت واحد يعطي فرصة كبيرة للمحتكرين ليرفعوا الأسعار مستغلينزيادة الطلب في آن واحد. أن تجاوز هذه الأزمة بشكل نهائي يتطلب عملاً من الحكومةعلى عدة محاور، وهي زيادة الإنتاج وإقامة مصانع للأسمدة في جميع أنحاء الجمهوريةبما في ذلك الصعيد؛ إعمالاً لمبدأ العدالة الاجتماعية وعدالة التوزيع مع إقامةمخازن تابعة للجمعيات الزراعية وفروع بنك التنمية والائتمان الزراعي؛ لتلافيالأزمات المفاجئة بسبب زيادة الطلب أو صعوبة النقل، وضرورة إقامة رقابة حقيقية علىسوق الأسمدة؛ لحمايةً الفلاحين والزراعة المصرية. أسباب اختفاء الأسمدة منالجمعيات الزراعية وبنوك الائتمان الزراعي إلى الأوضاع القائمة في مصر في الوقتالراهن من عدم استقرار سياسي وأمني الذي يترك آثاره على القطاعات كافةً، بما فيهاالقطاع الزراعي فصاحب القرار لا يستطيع اتخاذ قراراته أو متابعتها ولا يعلم هلسيستمر في منصبه أم لا، وتؤدي هذه الأجواء بأصحاب النفوس الضعيفة إلى الظهورواستغلال الفرصة لتحقيق مصالح خاصة. أن هناك كميات من الأسمدة الزراعية يتماستيرادها من الخارج، وتحاول بعض الشركات الاستفادة من الأجواء الحالية وغيابالرقابة في تحقيق أرباح كبيرة من خلال إخفاء الأسمدة في بداية الموسم وعدم توريدهاإلى الجمعيات الزراعية، وتسريبها إلى السوق السوداء، أن هذا الأمر يتكرر كل عام فينفس التوقيت لكنه لم يكن يصل إلى هذا الحجم في السنوات السابقة أن السرقة هذاالعام والتهريب والسوق السوداء أصبح بشكلٍ كبير وواسع "عيني عينك". أنأزمة الأسمدة تؤثر بشكلٍ كبير على المزارع المصري وعلى الإنتاج القومي فمع هذهالأزمة لا يصبح أمام الفلاح إلا أحد طريقين: إما أن يشتري الأسمدة من السوقالسوداء بأسعار عالية تزيد من تكلفة المحصول وتؤدي بالنهاية إلى خسارة المزارعين،أو عدم القدرة على الشراء بهذه الأسعار ما يخرج في النهاية محاصيل هزيلة ويضربالإنتاج الزراعي القومي. أن قضية الأسمدة خطيرة جدًّا ولها تأثير كبير جدًّا علىالزراعة المصرية؛ فالتسميد يرتبط بمواعيد دقيقة جدًّا وإذا تأخَّر التسميد فإنهيؤدي إلى انخفاض حاد في المحصول قد يصل إلى خسارة الموسم الزراعي بشكل كامل. أنالفلاح البسيط والمشروعات الزراعية الصغيرة هما أول مَن يتأثرون بغياب الأسمدةوارتفاع أسعارها، فالمزارع البسيط ليست لديه إمكانيات اقتصادية كبيرة تمكنه منشراء الأسمدة التي يحتاجها مبكرًا بل ينتظر حتى وقت الذروة الذي تختفي فيه الأسمدةوترتفع الأسعار، فيضطر للشراء من التجار والسوق السوداء بأسعار عالية جدًا، لينقذمحصوله وهو ما يسبب له خسائر فادحة، أما المشاريع الكبيرة فتكون لديها السيولةالمطلوبة والإمكانيات الاقتصادية القادرة على تجاوز هذه الأزمات وشراء الأسمدةبكميات كبيرة قبل وقت الذروة، والشراء من الشركات مباشرة بما يوفر فارق سعرالتجار. أن المصانع المصرية تنتج غالبية الأسمدة الزراعية- عدا الأسمدة البوتاسية-بكميات تغطي السوق المصرية بشكل كامل وبفائض أيضًا، فلا توجد أي مشكلة في الإنتاجلكن المشكلة في التوزيع، أن سياسات وزارة الزراعة المتخبطة هي السبب الرئيسي وراءهذه الأزمة؛ فمرة تجعل التوزيع ببنوك الائتمان الزراعي ومرة أخرى بالجمعياتالزراعية؛ فضلاً عن عدم الوضوح في شكل دخول القطاع الخاص في هذا المجال. إن كمياتالكيماوي التي تورد لهم من قبل الحكومة قليلة جدًا وغير كافية في المرحلة الحاليةالتي يزيد فيها طلب الفلاحين للسماد، أن تأخر وزارة الزراعة والجمعية المركزية فيتوريد الأسمدة لا يمثل إلا وجهًا واحدًا من وجوه الأزمة، حتى الكميات التي توردللجمعيات تكون من أصناف غير مرغوب فيها من قبل الفلاحين والوزارة لا توفر الأصنافالمطلوبة من المزارعين. أن القيود التي تفرضها عليهم وزارة الزراعة وإدارةالمراقبة والجمعية المركزية تمنع بيع الأسمدة في السوق السوداء من قبل موظفيالجمعيات الزراعية، ولكن بعض المزارعين هم من يقومون ببيع هذه الأسمدة في بعض الأحيانفبعضهم يمتلك مساحة واسعة من الأرض ويؤجر منها جزءًا كبيرًا فيتسلم حصته منالجمعية ثم يبيعها للتجار؛ ليستفيد من فارق السعر، أن هناك بعض الكلام يقال عن بعضالجمعيات التي تقوم ببيع الأسمدة في السوق السوداء، لكن لا توجد أدلة لتأكيد هذهالوقائع، كما أن هناك معلومات تشير إلى تورط الجمعيات المركزية المنوط بها توريدالأسمدة للجمعيات الفرعية في بيع الأسمدة للتجار. وفي إحدى قرىنجع حمادي، احتجز المزارعون موظفي الجمعية الزراعية بالقرية؛ احتجاجًا على قلةالأسمدة المطروحة بالجمعية، واتهموا الموظفين ببيعها في السوق السوداء. وتظاهرمئات الفلاحين من قرى المنيا أمام قسم بندر المنيا، احتجاجًا على نقص الأسمدةالزراعية، في معظم قرى المحافظة، ومماطلة المسئولين بالجمعيات والبنوك الزراعية فيتسليم الحصص المقررة للمزارعين، وفي قرية النخل بإدفو تجمهر عدد كبير من المزارعينأمام بنك التنمية والائتمان الزراعي؛ احتجاجًا على تخفيض حصص المزارعين من الأسمدةالأزوتية مهددين بمنع الموظفين من الوصول إلى مبنى البنك ومخازن الأسمدة.الاحتجاجات المنتشرة تدل على أن أزمة الأسمدة تعم جميع قرى الجمهورية ومحافظاتها،وهو ما يتطلب تحركًا حكوميًّا لمواجهتها سريعًا والوقوف على أسبابها. إن الأسمدةكانت تتوفر في بداية كل شهر بالجمعية الزراعية المقيدة حيازته بها إلا أنه ومنذ 5أشهر تفاقمت الأزمة ولم تعد الأسمدة تتوفر في الجمعية نهائيا فقد اختفى من الجمعيات وسعره ارتفع في المحلاتوالسوق السوداء، " أن أزمة الأسمدة أزمة قديمة وترجع إلى سيطرة شخصيات معروفةعليها: "بتوع الحزب الوطني هما اللي كانوا بيسرقوا الكيماوي ويبيعوه في السوقالسوداء، وكل الموظفين اللي في الجمعيات الزراعية أصلهم حزب وطني"، ومازال سيطرة فلول الحزب الوطني المنحل علىالبلد إحنا مش فاهمين إزاي الاحتكار زي ما هو حتى بعد الثورة؟"."زرعناهيموت لو ما جبناش كيماوي والجمعية الزراعية وبنك الائتمان مافيهُْمش، والكيماويفي السوق غالي ومش موجود أصلاً، يعني إحنا كنا بنجيب الشيكارة من الجمعية ب70جنيهًا وكان غاليًا علينا، دلوقتي بنجيب الشيكارة ب200 جنيه، مع إن الزرع بنفسالسعر وكمان التصدير واقف".ومن صور الفساد في قضية الأسمدة استغلال بعضالموظفين للروتين وجهل بعض المزارعين للأنظمة العاملة للسطو على حقوقهم في الأسمدةبالتعاون مع كبار التجار والمحتكرين، فمعظم الحيازات الزراعية التي مع الفلاحين لمتُجدد، وهناك أراضٍ ليس لها حيازة أو الأوراق تكون ناقصة وبعض الفلاحين لا يصرفونكمياتهم من الجمعية ويستغل الموظفون في الجمعيات هذه الأمور لتوفير كميات منالأسمدة في المخازن يقومون ببيعها في النهاية بالسوق السوداء بأسعار مرتفعة فيالأوقات التي لا تتوفر الأسمدة بالجمعيات الزراعية. الدكتور عادل عامر خبير في القانون العام ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية ورئيس تحرير جريدة صوت المصريين الالكترونية وعضو الاتحاد العربي للصحافة الالكترونية