بقلم د. عادل عامر مازالت مشكلة استعادة الأمن في كل مصر تمثل عائقا لعودة الحياة الطبيعية فالخوف مازال جزءا في حياتنا اليومية وسلبية جهاز الشرطة تزيد من مساحة الخوف وبمفهوم المخالفة تزيد من ثقة البلطجية بل وتشجع آخرين يرغبون في ممارسة البلطجة ربما لاستعجال حقوقهم أو لممارسة استثنائية في ظرف استثنائي يتسم بانسحاب رسمي من الشرطة طال وقته وغاب مبرره ! فقد فوجئنا بتجاوزات كثيرة في الشارع وفى الغيط، في المرور وفى الإشغالات بالطرق ،في المساجد والكنائس، في الرخص وفى الغرامات المستحقة ولم نجد خطوة واحدة رسمية نحو تغيير الصورة الذهنية عن رجل الشرطة لدى الشعب باستعلائه وعنجهيته في الأداء وبلطجته في الحديث وعنفه في المعاملة وتلفيقه التهم للأبرياء واستحلاله ما لا يستحق ! وقد طاف ضباط ائتلاف الشرطة وهم أصحاب روح جديدة وعظيمة لاستعادة مكانة ضابط الشرطة - على كافة القوى والأحزاب للتمهيد للنزول للشعب عن طريق الرموز وعمداء العائلات وشيوخ القرى والطوائف ودارت حوارات كان ملخصها " نحن نريد كسر حاجز الخوف والشك بين الشرطة والشعب لا كسر حاجز الهيبة" لكن عدم الجدية في محاكمات قاتلي شباب الثورة والعودة إلى الإهانات في المعاملة لا تطمئن أن الحل هو استدعاء روح ميدان التحرير التي كانت سببا لإسقاط نظام القهر والظلم والاستبداد والبلطجة ! الذي يثير الغضب ويدعم الاستعانة بالبلطجية لحل المشاكل المترتبة على غيابهم المتعمد ! وهنا يبدو الأمر كأنه درسا من الشرطة للشعب – ونظن أن هذا أمر قد انتهى- لنقل تبعية البلطجية من الشرطة في عصر المخلوع إلى الشعب في عصر المجهول وما حدش أحسن من حد الموضوع بكل وضوح أن هيبة الدولة في الماضي القريب كانت قائمة على الترويع والقهر والإهانة والتلفيق وكان خوف الشعب وفزعه من رجال الأمن في مقابل هيبة الدولة ورجال الشرطة الذين استباحوا كل شئ وبعنف للحفاظ وتكريس هذه الهيبة مهما كان الثمن !! أن الاستقرار بمعنى استتباب الأمن غير مرتبط بالدستور سواء المعدل أو الجديد بقدر ارتباطه بعودة الشرطة لممارسة مهامها في الشارع وتوقف إضرابها غير المعلن. في الحقيقة أرى أن مداخل الاستقرار الحقيقية تتمثل في 3 خطوات؛ الأولى هي خطة شاملة لتطهير مؤسسات الدولة والقطاع العام من القيادات الفاسدة وتعديل الأوضاع المالية داخلها، بوضح حد ادني وحد أقصى للأجور بحيث لا يزيد الأقصى عن 25 ضعف الأدنى، والثانية هي إعادة هيكلة الشرطة بما في ذلك إحالة المتورطين في التعذيب والرشوة للتقاعد وإمداد الجهاز بعناصر شابة لم تصطدم بالشارع خلال الثورة أو قبلها وتأسيس لجنة لبحث أي شكاوى متعلقة بتجاوزات الشرطة خلال الأعوام الثلاثين الماضية وإحالة “من ترى اللجنة أدلة كافية على تورطه في تجاوز القانون” للقضاء، وسيكون ذلك مقدمة كافية تسمح بعودة الثقة في الشرطة، أما الخطوة الثالثة فهي إعادة البناء السياسي بما في ذلك السماح بقيام أحزاب جديدة وكتابة دستور جديد وتعديل نظام الانتخابات من الفردي إلى القائمة النسبية. أن نزول الجيش للشارع كان له سببين هما انهيار سلطة مبارك والهروب الكبير للشرطة، وبالتالي عودة الجيش لثكناته ليست مرتبطة بانتخابات ما أو تعديل محدود للدستور يصنع استقرارا سحريا يعود بعده الجيش، فالعودة مرتبطة أساسا باستتباب الأمن وعودة الشرطة بعد إجراءات لحصولها على القبول الشعبي ووجود سلطة مدنية مقبولة من الأغلبية وتستمد شرعيتها بوضوح من الثورة، سواء سلطة رئيس أو برلمان منتخب بطريقة تعبر بأفضل صورة عن المجال السياسي لما بعد الثورة، (أقصد هنا برلمان يتم انتخابه بآليات جديدة بعيدا عن النظم والقوانين التي تم تفصيلها على مدى 30 سنة لاستبعاد العناصر المعارضة وجعل الانتخابات صراع فردي على منصب وليس منافسة سياسية بين الآراء، والانتخابات السريعة ستقيم أشكالا بلا مضامين). باختصار شديد فإن عودة الجيش إلى ثكناته ليست مرتبطة فقط بإجراء انتخابات أو استفتاء ما فالجيش يمثل قوة الردع الوحيدة التي تحفظ للدولة وجودها في ضوء صعوبة عودة الشرطة. واليوم بعد ثورة 25 يناير مطلوب التأكيد على أن هيبة الدولة شرط لازم لإدارة الحياة اليومية لكل المصريين لكنها تقوم اليوم على احترام حقوق الإنسان والقانون نصا وروحا وغير ذلك لم يعد مقبولا ونحن على استعداد لدفع دمائنا لحماية رجال الشرطة عند تنفيذ القانون واحترام المواطن بعيدا عن البلطجة والإهانة والتلفيق ! باختصار لن نقبل عودة الماضي في تعاملات رجال الشرطة كما لم نسمح لأحدهم بممارسة عمله في مكان أخر تم نقله إليه في محاولة لخداع الشعب من جانب الداخلية طالما مارس عنفا وتجبرا وإهانة وظلما في عمله السابق قبل أن يؤخذ الحق منه ! وهى لاشك تلقى بظلال كئيبة وتعنى أن حقوق الناس وأمنهم مازال لا يشغل بال وزارة الداخلية إنما متابعة المؤتمرات والندوات والكلمات التي تقال في الشارع هنا وهناك!! وهو عين ما كان يحدث في الماضي بشكل فيه تلصص وخبث وإهانة لشعب ثار وانتفض وقدم الدماء من أجل حريته ! وليعلم مخططي الفساد الذين مازالوا في أماكنهم أن الماضي لن يعود وسندفع من دمائنا ما يحفظ كرامة الشعب المصري بعد أن قضى على دولة الفساد والظلم والاستبداد ولن نتنازل تحت أي ضغط أو مناخ عن حقوقنا المكتسبة وسنفضح التآمر الذي يتم بليل - وتصلنا أحيانا تفاصيله أولا بأول – وفى نفس الوقت سنقدم أيدينا كشعب متعطش للحرية والآمان لعودة جهاز شرطة جديد في سياساته وأولوياته واهتماماته وبعض رجاله إن لزم الأمر! لكن هذا البطء وهذه التعليمات وتلك التحركات الجديدة لعودة الماضي البائس الذي يعد علينا أنفاسنا أمور غير مقبولة على الإطلاق ! وعلى الشرفاء رجالا ونساء ، شبابا وشيبة بتعقب كل محاولة لإعادة أجهزة قديمة بقناع جديد وفضحها بالوقائع والأسماء إن لزم الأمر والله من ورائهم محيط