ننشر جداول امتحانات الشهادة الإعدادية وصفوف النقل في البحيرة    الغرف التجارية: انخفاض أسعار ساندوتشات الفول والطعمية من 20% إلى 30% الأسبوع المقبل    تسجيل أول سيارة بالشهر العقاري المتنقل في سوق بني سويف    وزير الاتصالات يشهد ختام فعاليات البطولة الدولية للبرمجيات بالأقصر    مطار مرسى علم الدولي يستقبل 149 رحلة تقل 13 ألف سائح من دول أوروبا    الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض عقوبات جديدة على روسيا    اعتقال مشتبه بهما في بولندا بسبب الهجوم على ناقد للكرملين في فيلنيوس    ناجلسمان مستمر في قيادة منتخب ألمانيا حتى 2026    أرتيتا: حان الوقت للاعبي أرسنال لإظهار معدنهم الحقيقي    إخماد حريق بمخزن خردة بالبدرشين دون إصابات    مصرع طفل دهسا أسفل عجلات سيارة بأبوقرقاص بالمنيا    مصرع طفلة وإصابة 3 آخرين في حريق منزل بالعجميين في الفيوم    "التعليم الفني" يكشف تفاصيل انطلاق مشروع "رأس المال الدائم"    مصر ضيف شرف.. ونجيب محفوظ الشخصية المحورية.. تعرف على تفاصيل معرض أبو ظبي الدولي للكتاب    صلاح السعدنى.. موهبة استثنائية وتأثير ممتد على مدى نصف قرن    التنسيق الحضاري ينهي أعمال المرحلة الخامسة من مشروع حكاية شارع بمناطق مصر الجديدة ومدينة نصر    وزير الصحة يفتتح المؤتمر الدولي الثامن للصحة النفسية بمحافظة الإسكندرية    عمل الحواوشي باللحمة في البيت بنفس نكهة وطعم حواوشي المحلات.. وصفة بسيطة وسهلة    كيف بدت الأجواء في إيران بعد الهجوم على أصفهان فجر اليوم؟    السودان: عودة مفاوضات جدة بين الجيش و"الدعم السريع" دون شروط    محاكمة عامل يتاجر في النقد الأجنبي بعابدين.. الأحد    6 آلاف فرصة عمل | بشرى لتوظيف شباب قنا بهذه المصانع    وزيرا خارجية مصر وجنوب إفريقيا يترأسان الدورة العاشرة للجنة المشتركة للتعاون بين البلدين    مؤتمر أرتيتا: لم يتحدث أحد عن تدوير اللاعبين بعد برايتون.. وسيكون لديك مشكلة إذا تريد حافز    من بينهم السراب وأهل الكهف..قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024    حماة الوطن يهنئ أهالي أسيوط ب العيد القومي للمحافظة    إسلام الكتاتني: الإخوان واجهت الدولة في ثورة يونيو بتفكير مؤسسي وليس فرديًا    افتتاح "المؤتمر الدولي الثامن للصحة النفسية وعلاج الإدمان" فى الإسكندرية    «التحالف الوطني»: 74 قاطرة محملة بغذاء ومشروبات وملابس لأشقائنا في غزة    رجال يد الأهلي يلتقي عين التوتة الجزائري في بطولة كأس الكؤوس    جامعة القاهرة تحتل المرتبة 38 عالميًا لأول مرة فى تخصص إدارة المكتبات والمعلومات    بالإنفوجراف.. 29 معلومة عن امتحانات الثانوية العامة 2024    الداخلية تكشف تفاصيل منشور ادعى صاحبه سرقة الدراجات النارية في الفيوم    وزير الاتصالات يشهد ختام فعاليات البطولة الدولية للبرمجيات بالأقصر    "مصريين بلا حدود" تنظم حوارا مجتمعيا لمكافحة التمييز وتعزيز المساواة    وفاة رئيس أرسنال السابق    القاهرة الإخبارية: تخبط في حكومة نتنياهو بعد الرد الإسرائيلي على إيران    شرب وصرف صحي الأقصر تنفى انقطاع المياه .. اليوم    بطولة إفريقيا للكرة الطائرة.. مباريات اليوم السادس    خالد جلال ناعيا صلاح السعدني: حفر اسمه في تاريخ الفن المصري    الصحة الفلسطينية: الاحتلال ارتكب 4 مجازر في غزة راح ضحيتها 42 شهيدا و63 مصابا    دعاء لأبي المتوفي يوم الجمعة.. من أفضل الصدقات    نصبت الموازين ونشرت الدواوين.. خطيب المسجد الحرام: عبادة الله حق واجب    انطلاق 10 قوافل دعوية.. وعلماء الأوقاف يؤكدون: الصدق طريق الفائزين    العمدة أهلاوي قديم.. الخطيب يحضر جنازة الفنان صلاح السعدني (صورة)    الكنيسة الأرثوذكسية تحيي ذكرى نياحة الأنبا إيساك    "التعليم": مشروع رأس المال الدائم يؤهل الطلاب كرواد أعمال في المستقبل    الصحة: فحص 432 ألف طفل ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض الوراثية    4 أبراج ما بتعرفش الفشل في الشغل.. الحمل جريء وطموح والقوس مغامر    استشهاد شاب فلسطينى وإصابة 2 بالرصاص خلال عدوان الاحتلال المستمر على مخيم نور شمس شمال الضفة    طريقة تحضير بخاخ الجيوب الأنفية في المنزل    تمريض القناة تناقش ابتكارات الذكاء الاصطناعي    استشهاد شاب فلسطيني وإصابة اثنين بالرصاص خلال عدوان الاحتلال المستمر على مخيم "نور شمس" شمال الضفة    نشر خدمات مرورية بمدينة نصر ومحور شنزو آبي لتوصيل الصرف الصحي    ليفركوزن يخطط لمواصلة سلسلته الاستثنائية    تعرف على موعد إجازة شم النسيم 2024 وعدد الإجازات المتبقية للمدارس في إبريل ومايو    دعاء السفر كتابة: اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ    دعاء الضيق: بوابة الصبر والأمل في أوقات الاختناق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سباق اللافتات..
نشر في الواقع يوم 04 - 06 - 2011


بقلم د. رفيق حاج
ان التنافس بين اصحاب المصالح الاقتصادية على نصب اللافتات الاكبر والأعلى والأزخر الوانا يسلّط الضوء على انعدام سلطة الردع في سلطاتنا المحلية وعلى استهتارنا السافر بجودة البيئة. على سلطاتنا المحلية القيام بسن قوانين مساعدة فورية لمعالجة قضية اللافتات.
ان الداخل الى قرية كفرياسيف او اية بلدة عربية أخرى يُذهل من ضخامة وكثافة اللافتات الدعائية التي تستقبله وكأنّ هنالك مسابقة حامية الوطيس بين اصحاب الاعمال والورشات والكراجات وصالونات الشعر على من يمتلك اللافتة الأكبر حجماً او الأعلى ارتفاعا أو الأزخرألواناً. على ما يبدو هنالك اعتقاد لدينا بأنه كلما "عظّمنا" من شأن اللافتة التي ننصبها على الشارع كلما ازدادت شهرتنا وتضاعفت مدخولاتنا والبعض يعتبر نصب اللافتات بديلاً غير مكلف لنشر الدعايات في الصحف او المواقع الالكترونية.
لو كان الوافد على البلدة العربية سائحاً اجنبيا او ضيفا هابطاً لتوّه من كوكب المرّيخ لظنّ انه موجود في وادي السيليكون في سان فرانسيسكو شمال كاليفورنيا او على الاقل بصدد بلدِ يمرُّ ثورة صناعية وتجارية ضخمة,وقد اتت هذه اللافتات العملاقة لتبشّر بقدومها, وان كلّ ما شرحنا له في وقت سابق عن سياسة التمييز والفقر الذي نقبع به كأقلية عربية مضطهدة في هذه البلاد ما هو إلاّ تجنٍّ على الدولة ونكرانٌ لجميلها.
طبعا, الحقيقة أبعد من ذلك بكثير, فقد أتت هذه اللافتات الضخمة والمنفّرة لتزوّدنا بشهادة اضافية حول تقصيرنا في ادارة شؤوننا المحلية, ولتعكس الفوضى العارمة في بلداننا العربية. ان نصب لافتة تجارية هو أمر هام ومن حق كل صاحب مصلحة ان يقوم به بغرض الترويج لبضاعته وعرض ارقام هواتفه وعنوانه ولكن هنالك "بعض الاصول" التي ينبغي مراعاتها والتي نظّمها المشرّع بشكل قوانين واجراءات والقى على السلطة المحلية مهمة تطبيقها. لا اريد الخوض بتفاصيل تلك الاجراءات والقوانين المساعدة لأنها ليست موضوع حديثنا وساكتفي بعرض المبادئ التي تعتمد عليها.
اولاً, على كل صاحب مصلحة ينوي نصب لافته في الشارع العام ان يتوجه للسلطة المحلية في بلده لطلب ترخيص لذلك, وبعد ان تقوم الأخيره بفحص الطلب تمنحه إذناً يحمل رقم الترخيص وتُلزمه من بعدها بدفع رسوم سنوية حسب مساحة ونوع اللافتة المُراد نصبها, فكلما زادت مساحة اللافته كلما ارتفعت تكاليف الرسوم التي ينبغي دفعها وهذا بدوره يردع بعض المصالح من المغالاة بتضخيم لافتاتهم لان ذلك مقرون بدفع رسوم باهظة. ثانيا, لقد حدّد المشرّع مساحة اللافته وجعلها مرتبطة بِبُعدها عن الشارع, فعلى سبيل المثال يُحظر على صاحب المصلحة نصب لافته تتعدّى مساحتها المترين المربعين اذا كان بُعد اللافتة عن الشارع اقل من ثلاثين مترا. طبعا هذا يُدخل الاغلبية العظمى من اللافتات في الوسط العربي في فئة المحظور والمُخالِف للقانون. ثالثا, هنالك تعاليم أخرى التي تخص عدد الكلمات المسموح عرضها وعدد الالوان والمضامين والنوعيه وتعاليم اخرى تخص متانة اللافتات وطريقة تثبيتها حرصاً الا تنهار على رؤوس المارة عاثري الحظ, والاهم من هذا كله انه لا يصح لصاحب مصلحة ان يقوم بنصب اكثر من لافتة واحدة خاصة بمصلحته.
يُلاحظ ايضا ان هنالك الكثير من اللافتات الضحمة التابعة لشركات كبيرة او مصالح متواجدة خارج نطاق البلد, حيث تقوم تلك المصالح باستئجار حائط او سقف وتضع عليه لافتاتها العملاقة والسارقة للانظار. ان النظر الى تلك اللافتات من قبل السائقين المارين بالمكان ومحاولتهم قراءتها او تفحّصها يمكن ان يؤدي الى حادث طرق وحالات دهس وخصوصا ان اغلب باحات المحال التجارية مندمجة تماما مع الشارع العام.
وفي هذا السياق تنضم ظاهرة اللافتات التجارية الى "أرسينال" ظواهر الاعتداء السافر على الحيّز العام. ان الرابحين الوحيدين من هذه اللافتات هم اصحاب المصالح وذلك على حساب جودة البيئة التي اصبحت موضوع استهزاء وسخرية في مجتمعنا, وكأنه لا يكفينا اقتلاع احراش الزيتون العريقة من جانبي الطريق لصالح المتاجر والمصالح والمناطق الصناعية وباحات الاسفلت الساخن. وكأنه لا يكفينا التآمر على الطبيعة الجميلة ومصادرة اجوائنا القروية الوادعة. وكأنه لا تكفينا الاخطار المتربّصة لنا في كل صوب الناجمة من انعدام شوارع داخلية فاصلة وخطوط متقطعة لمعبر المشاة وتعرُّضنا المتكرر للدهس من قبل سائقين متهورين.
كما اسلفت سابقا, الموضوع ليس موضوع لافتات وحسب وانما موضوع الفوضى العارمة التي تسود مجتمعنا والتجاهُل المتعمّد لكل ما يخص جودة البيئة وغياب سياسة الردع ضد المتجاوزين على الصالح العام. بصراحة, نحن كمجتمع ما زلنا نُقدّس المصلحة الشخصية ونفضّلها على المصلحة العامة في كل المجالات. ان "الانقضاض" على اقتناص اكبر مساحة من الحيّز العام يُذكرني بالتسابق الذي قام بها السكان البيض للاستيلاء على الاراضي في امريكا حال اكتشافها, ويُذكرني ايضا بتصرّف "عربنا" في فنادق "الكل مشمول!" حيث يملأون أطباقهم ما فوق وسعها مغتنمين فرصة كونها "مجانا". ويذكرني ايضا بقصة رعاة البقر الذين وجدوا مرعى جديدا فراحوا يتسابقون على اقتناء اكبر عدد ممكن من رؤوس البقر الى ان ضاق المرعى بالابقار وتدهورت احوالها وبات قحطا معدما مما اضطر رعاة البقر الى بيع مواشيهم واضاعة مصدر رزقهم. عندما تغيب سلطة القانون يتسارع الكل لاقتطاع اكبر نصيب من المُلك العام ولا يعبأ بأن يترك من بعدها الدمار للآخرين.
لكي تصل هيئةٍ ما في المجتمع الى مكانة "سلطة" ينبغي ان تتمتع بميزتين, الاولى هي القدرة على الإلزام والثانية القدرة على الردع. وهنا لا اظن اني اجور بحكمي على سلطاتنا المحلية العربية لو ادّعيت انها اخفقت في هذا وذاك, فهي مشغولة حتى اذنيها بتوفير المعاشات للموظفين, وترتيب الاعفاءات "للمحتاجين" والقاء التهم على سياسة التمييز وعلى حكومة اسرائيل التي تحيك لنا كل يوم مؤامرة جديده.
على سلطاتنا المحلية القيام بسن قوانين مساعدة فورية لمعالجة قضية اللافتات دون الأخذ بعين الاعتبار كون اصحاب المصالح المحاذية للشارع من فئة مؤيديهم أم معارضيهم, فهي اولا مصدر دخل لا يُستهان به وثانيا, بتطبيقها المعايير المهنية الخاصة باللافتات تحمي ما تبقى مما يسمى جودة الطبيعة "رحمها الله". لقد آن الأوان ان نأخذ زمام الامور بأيدينا وأن نكون أكثر حزما وجدّية مع انفسنا. بلدنا هو موطئ رأسنا ومصدر افتخارنا واعتزازنا فلماذا لا نحافظ عليه؟!
البريد الالكتروني: [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.