هيئة الأنفاق تكشف حقيقة توقف السلالم المتحركة والمصاعد الكهربائية بخطوط المترو    إعلام فلسطيني: شهيد وجرحى في قصف إسرائيلي لبرج سكني وسط غزة    أستاذ علاقات دولية: العالم أجمع يعول على دور مصر في مفاوضات إيقاف حرب غزة    بالصور .. شاهد غرفة ملابس الفراعنة قبل مباراة بوركينا فاسو    حافلة المنتخب تتحرك إلى إستاد القاهرة استعدادا لبوركينا فاسو    وكيل رياضة القليوبية يعلن صرف إعانات مالية للاعبين المصابين في حادث سير    تسليم جثة طفل لقي مصرعه دهسا تحت عجلات سيارة نقل في المنيا إلى ذويه    "هجبلك شقة".. ضبط سيدة استولت على 27 ألف جنيه من اُخري بسوهاج    مصرع شخصين وإصابة 15 آخرين في حادث انقلاب سيارة بالفيوم    مفاجأة جديدة في واقعة سفاح التجمع.. سر وجود نجله أثناء تنفيذ الجرائم    كارول سماحة تجري البروفة الأخيرة لحفلها في لندن (فيديو)    هاني تمام: الأضحية من مال الزكاة لا تجوز ويمكن الذبح بالوكالة    10 ذو الحجة كم يوافق ميلادي 2024؟.. صيام العشر الأوائل يبدأ من الغد    رئيس جامعة بنها يفتتح المؤتمر العلمي السنوي لأمراض الباطنة    للمرة الثانية... BMW تقدم تجدد الفئة الثالثة    إسعاف الفيوم توفر 81 سيارة بالمناطق السياحية خلال أيام عيد الأضحى    أستاذ علم نفس تربوي يوجه نصائح قبل امتحانات الثانوية العامة ويحذر من السوشيال ميديا    القباج وجندي تناقشان آلية إنشاء صندوق «حماية وتأمين المصريين بالخارج»    5 أبراج فلكية تعشق تربية الحيوانات الأليفة (تعرف عليهم)    رئيس جامعة الأزهر يبحث مع وزير الشئون الدينية الصيني سبل التعاون العلمي    التشيك: فتح تحقيق بعد مقتل 4 أشخاص وإصابة 27 جراء تصادم قطارين    أبو اليزيد سلامة يكشف أهداف المشروع القرآني الصيفي    الفريق أسامة عسكر يشهد تنفيذ البيان العملي لإجراءات التأمين التخصصي بالجيش الثالث    نقيب معلمي الإسماعيلية يناقش مع البحيري الملفات التي تهم المدرسين    رئيس هيئة الدواء يستقبل وزير الصحة الناميبى    أشرف زكي محذرًا الشباب: نقابة المهن التمثيلية لا تعترف ب ورش التمثيل    فصائل فلسطينية: استهدفنا مبنى يتحصن به عدد من جنود الاحتلال وأوقعناهم قتلى وجرحى    البنك الأهلي يطلق حملة ترويجية لاستقبال الحوالات الخارجية على بطاقة ميزة    اعتماد مخططات مدينتى أجا والجمالية بالدقهلية    الفريق أول محمد زكى يلتقى منسق مجلس الأمن القومى الأمريكى    على من يكون الحج فريضة كما أمرنا الدين؟    تكريم أبطال نادى ذوى الاحتياجات الخاصة بأسوان    لاعب الإسماعيلي: هناك مفاوضات من سالزبورج للتعاقد معي وأحلم بالاحتراف    «تنمية المشروعات»: تطوير البنية الأساسية ب105 ملايين جنيه بالإسكندرية    ياسمين رئيس بطلة الجزء الثاني ل مسلسل صوت وصورة بدلًا من حنان مطاوع    ماذا قال الشيخ الشعراوي عن العشر من ذي الحجة؟.. «اكتمل فيها الإسلام»    غرامة تصل إلى 10 ملايين جنيه في قانون الملكية الفكرية.. تعرف عليها    هيئة الدواء تستعرض تجربتها الرائدة في مجال النشرات الإلكترونية    سوسن بدر تكشف أحداث مسلسل «أم الدنيا» الحلقة 1 و 2    "مكنتش مصدق".. إبراهيم سعيد يكشف حقيقة طرده من النادي الأهلي وما فعله الأمن (فيديو)    وزير الخارجية يلتقى منسق البيت الأبيض لشئون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا    " ثقافة سوهاج" يناقش تعزيز الهوية في الجمهورية الجديدة    نمو الناتج الصناعي الإسباني بواقع 0.8% في أبريل    مستعد لدعم الجزء الرابع.. تركي آل الشيخ يوجه رسالة للقائمين على فريق عمل فيلم "ولاد رزق"    التحقيق مع عاطل هتك عرض طفل في الهرم    فحص 889 حالة خلال قافلة طبية بقرية الفرجاني بمركز بني مزار في المنيا    للمساعدة في أداء المناسك.. نصائح هامة للحجاج لتناول وجبة غذائية صحية متكاملة    رئيس الوفد فى ذكرى دخول العائلة المقدسة: مصر مهبط الديانات    عضو بالبرلمان.. من هو وزير الزراعة في تشكيل الحكومة الجديد؟    إسبانيا تبدي رغبتها في الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام «العدل الدولية»    أبوالغيط يتسلم أوراق اعتماد مندوب الصومال الجديد لدى جامعة الدول العربية    رئيس وزراء الهند للسيسي: نتطلع للعمل معكم لتحقيق مستويات غير مسبوقة في العلاقات    توزيع درجات منهج الفيزياء للصف الثالث الثانوي 2024.. إليك أسئلة مهمة    البرلمان العربي: مسيرات الأعلام واقتحام المسجد الأقصى اعتداء سافر على الوضع التاريخي لمدينة القدس    نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية يتابع سير العمل بمشروعات مدينة أخميم الجديدة    هشام عبد الرسول: أتمنى تواجد منتخب مصر في مونديال 2026    مصر تتعاون مع مدغشقر في مجال الصناعات الدوائية.. و«الصحة»: نسعى لتبادل الخبرات    ملخص أخبار الرياضة اليوم.. أولى صفقات الزمالك وحسام حسن ينفي خلافه مع نجم الأهلي وكونتي مدربًا ل نابولي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أى دمٍ قد أعاد كتابة التاريخ العربي(*)!..الجزء الخامس
نشر في الواقع يوم 28 - 05 - 2011


بقلم : حازم خيري
[3] من ناحية رداءة التعاطي العربي مع الهجمات:
السبتمبريون "ضحايا" و"جناة"! "ضحايا" لأنهم أبناء دولة "ما بعد الاستعمار"!! فأيمن الظواهري(الرجل الثاني في تنظيم القاعدة) مصري من مواليد عام 1951، وأسامة بن لادن(الرجل الأول في تنظيم القاعدة) سعودي من مواليد عام 1957! الظواهري وابن لادن لم تتفتح أعينهم إلا على أنظمة استبدادية، يبذل القائمون عليها قصارى جهدهم بدعم "خارجي"، مُستتر أحياناً، ومُعلن أحياناً أخرى ، في تدجين عقول وقلوب مواطنيهم، عبر تجفيف منابع الحرية أمامهم!
ضحايا لأن الطُغاة في أوطاننا يأتمرون بأوامر السيد الغربي! ألم يكن ابن لادن شاباً عندما جاءت الأوامر لحُكامنا أن ألقوا بشباب بلادكم في آتون حرب طاحنة، ليس دفاعاً عن حرية وإنما دفاعاً عما كان يجهله بن لادن وصحبه(40)! أما كونهم "جناة"، فمرجعه اقدامهم "اللاانساني" على التفتيش في ضمائر البشر ومحاكمتهم على أساس عقائدهم، بل واتخاذهم من هذا ذريعة لازهاق ما تسنى لهم من أرواح بريئة، ناسين أن أكثر الناس ظلماً وخيانة لشعوبهم من المسلمين!
التعاطي العربي مع "السبتمبريين" ورسالتهم الخطيرة لم يأخذ في الاعتبار كالعادة أياً من هذه الأمور! ولشد ما تصدق على مفكرينا مقولة أولبرايت "إن طول النظر أمر نادر عند العرب"! صدقت إمرأة، وخاب فكرنا الاستراتيجي!
أذكر أني وقعت يوماً على كتاب صغير(41)، تحدث صاحبه في مقدمته عن عزمه التأصيل لفكر استراتيجي واعد، يستمد أصوله من حضارتنا الاسلامية العتيقة! وهو ما دفعني لقراءة الكتاب بنهم، وليتني لم افعل! لقد اكتشفت أن الانجاز الوحيد لمؤلف الكتاب، هو اقتراحه استبدال مصطلح "المذخورية" بالاستراتيجية!
من ناحية أخرى، توجد مراكز البحوث العربية الاستراتيجية، وهي على قدر طيب من الأهمية، ليس لما تُخرجه من رؤى استراتيجية نزيهة ومُنظمة، فهي فقيرة من هذه الناحية، ولكن للاطلاع الواسع من جانب العاملين فيها، والمتعاونين معها، على انتاج أبرز مراكز البحوث الاستراتيجية في العالم(42)، فضلاً عن قيام هذه المراكز بترجمة العديد من هذه الاصدارات العالمية، خاصة الغربية.
لم يكن مُمكناً وفكرنا الاستراتيجي على هذا القدر من التواضع أن يفلت التعاطي العربي مع هجمات سبتمبر وتداعياتها من الرداءة! لنتأمل مثلاً عجز الأنظمة العربية الواضح عن التقدير السليم لخطورة رسالة "السبتمبريين"، وجدية التعاطي الغربي، خاصة الأمريكي، معها! وربما يكون الزعيم الراحل ياسر عرفات، في تبرعه بدمه لضحايا الهجمات(43)، نموذجاً لسذاجة وانتهازية قراءة حكوماتنا لطبيعة المُتغيرات، وما يُتوقع أن يكون عليه عالم "ما بعد 11سبتمبر"!
قراءة استراتيجية نزيهة ومُنظمة لما أحدثته هجمات "السبتمبريين" من تداعيات، خارج الولايات المتحدة وداخلها(44)، كانت كفيلة بالتنبيه إلى سذاجة وانتهازية تعاطي حكوماتنا معها! ما لاحظته هو غياب مثل هذه القراءات! باحثونا لم ينبهوا إلى حرص حكوماتنا "المكشوف على الأقل للغربيين "، على استغلال هجمات 11/9، في تشويه صورة الاسلاميين في الداخل والخارج، وفي تقديم نفسها كبديل "وحيد" للفوضى والعنف، في منطقة الشرق الأوسط والعالم!
عوامل عديدة على ما يبدو ساهمت بقوة في تعميق قناعة أنظمتنا السلطوية "المُغادرة"، بامكانية الالتفاف على الاصرار الغربي الشديد على مداواة البيئة العربية المُحتقنة، كونها ملائمة برأي الغربيين ورأينا لتفريخ العنف والارهاب:
· تخبط إدارة الرئيس بوش(الابن) الشديد في ترجمة استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، في شقها المعني بالعالم العربي، إلى واقع، لابد وأنه ساهم بقوة في طمئنة الأنظمة العربية سواء الصديقة لأمريكا أوالمناوئة لها، وكلاهما هنا سواء إلى صعوبة، بل استحالة، تكرار السيناريو العراقي معها، نظراً لكارثية المأزق الأمريكي في العراق، وما ألحقه بسمعة الولايات المتحدة من ضرر شديد! لم يدر بخلد حكوماتنا أن ثمة بدائل أخرى "ناعمة"، يمكن ان يلجأ إليها الغربيون، لادراك ما عجزت قوتهم "الخشنة" الجبارة، عن الوصول إليه!
خذ مثلاً ما أحدثته إدارة الرئيس بوش من جدل واسع بشأن استخدام القوة في أعقاب 11/9. فوفقاً لنص الاستراتيجية الأمريكية للأمن القومي: "بالنظر إلى أهداف الدول المارقة والارهابيين، فإن الولايات المتحدة لا تستطيع الاعتماد فقط على وضعية رد الفعل كما كنا نفعل في الماضي. إن عدم القدرة على ردع مهاجم محتمل، وطبيعة التهديدات الفورية اليوم، وحجم الضرر المحتمل الذى يمكن أن يُلحقه بنا أعداؤنا، لا تتيح لنا ذلك الخيار. لذا لا يمكننا أن ندع أعدائنا يسددون الضربة الأولى"! الصخب الذى استُقبل به ما يُدعى بمذهب "الضربات الاستباقية" أدى بالفعل إلى تحويل انتباه العالم في وقت حرج عما فعلته "القاعدة" إلى ما تفعله الولايات المتحدة، رغم والكلام لمادلين أولبرايت عدم صحة الزعم باكتفاء الولايات المتحدة تاريخياً بوضعية رد الفعل، فقد استخدمت الولايات المتحدة القوة عدة مرات دون أن تُهاجَم، ففي الربع الأخير من القرن ال20 فعلت ذلك كثيراً!
أيضاً، وعلى خلفية ما يُعرف بمشروع "الشرق الأوسط الكبير"، اجتمعت الانتخابات في العراق وأفغانستان وجورجيا وأوكرانيا ولبنان لتوليد موجة مدية، بلغت ذروتها فبل الأوان! ولقد أيدت كونداليزا رايس عندما زارت مصر عام 2005 بشجاعة الاصلاحات الديمقراطية. غير أنها، عندما عادت بعد سنتين التزمت الصمت حيال القضية نفسها. كان الدرس المُستقى في رأي الأمريكيين في الفترة الفاصلة أن العديد من العرب، عندما تُتاح لهم حرية الاختيار، لا يختارون ما تحبه أمريكا! وبالتالي وجدت الادارة، التى سبق وزعمت أن الاعتماد على الحكام العرب غير المنتخبين من أجل الاستقرار كان خطأ تاريخياً، نفسها وللغرض نفسه، مُتلبسة باللجوء إلى حكام غير منتخبين، أسمتهم المعتدلين!
وعندما تحدث الرئيس بوش عن التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط فيما كان العراق يحترق، فسر الرأي العام العربي بايعاذ من الأنظمة العربية ومفكريها النوايا الأمريكية بأنها تهديد لحكامهم وأوطانهم المُستقلة(!!) أكثر مما اعتبروه خطة أمريكية لنشر الليبرالية السياسية! الأمريكيون فارقتهم براعتهم في التعبير عن دعمهم بطرق لا تُثير ارتياب الشعوب في أن التغيير بيدها لا بيد الغرب! دعاة غزو العراق أخبروا أنفسهم على ما يبدو أن العرب يحترمون القوة الخشنة، وأن إظهار "الصدمة والرهبة" سيقنع الجميع في المنطقة بأن الولايات المتحدة الأمريكية مُصممة على فرض إرادتها. وتوقعوا أن يُفسح هذا الطريق أمام البنتاجون لاسناد السلطة إلى المنفيين العراقيين المؤيدين لأمريكا. بوش لم يكن له وكما تعاتبه المخضرمة أولبرايت ، أن يتجاوز في هذا كله الاشارات التى يشيع ارتباطها بالمثالية، تقصد استخدامه لها كغطاء: احترام القانون الدولي، احترام الأمم المتحدة، التعاون مع الحلفاء، الاهتمام بمباديء الحرب العادلة(!!).
التخبط في معالجة المأزق العراقي زاد الطين بلة! الرئيس بوش لم يستقر على التحول الديمقراطي كسبب رئيسي للغزو إلا بعد أن ظهر حُمق منطق إدارته "المُستهجن". فبما أنه لم تكن هناك أسلحة دمار شامل ولا ارتباط ذو مغزى بين صدام حسين والقاعدة، صار لابد من طرح نظرية جديدة لتبرير الحرب. لم يكشف بوش إلا في نوفمبر2003، أي بعد مرور ثمانية أشهر على الغزو، عن استراتيجيتة للحرية في الشرق الأوسط. وأتبع هذا الاعلان بسلسلة مزاعم لم تلق قبولاً في مجتمعاتنا، عن الديمقراطية باعتبارها ترياقاً للارهاب وتجفيفاً لمنابعه!
الرئيس بوش لم يتنبه على ما يبدو لاستفادة القاعدة من قدرتها على تصوير نفسها بأنها مدافعة عن الاسلام ضد الصليبيين الامبرياليين وصنائعهم من الأنظمة العربية غير المنتخبة. وكذا لم يتنبه للتأثير المُعاكس لحرب العراق على القدرات الأمريكية العسكرية. لأنه وعلى الرغم من أن الأعداء المحتملين والكلام لأولبرايت لا يشكون في قدرة الأمريكيين على الحاق الضرر بهم، فقد تعلموا استخدام الجبروت الأمريكي ضد الأمريكيين، بطرق عديدة، منها: أ تصوير الدمار وبث الصور في العالم أجمع، لاسيما عندما يسقط مدنيون بين الضحايا! ب توجيه الضربات إلى الغرب لاثارة رده الأخرق بإعمال الجبروت أكثر من الفكر فيسقط "شهداء" جدد وتبرز أدلة جديدة على أن الاسلام تحت الحصار. ويتطوع العديدون مُقابل كل مُسلم يُقتل، ويسعون إلى الثأر بسفك دماء جديدة.
رسالة الرئيس بوش إلى كل دول العالم، في أعقاب 11/9، كانت: "إما أن تكونوا معنا وإما ضدنا". رسالة كهذه كانت ستكون ملائمة لو استمر تحديد الرئيس للعدو على حاله. فقد كان توحيد معظم العالم ضد من فجر الابرياء أمراً سهلاً. لكن بوش فارق الحكمة، حين شوش بعد ذلك القضية بالسماح بتحويل التركيز عن القاعدة. فسرعان ما وجدت الولايات المتحدة نفسها تطالب الآخرين بأكثر من الوقوف معها ضد أسامة بن لادن. صارت تطالبهم بالتغاضي عن "ابو غريب"، وقبول "جوانتانانو"، والتصديق على غزو العراق، والرؤية الأمريكية للشرق الاوسط. في وقت كانت القاعدة تقدم للعالم خياره، بين المسلمين الذين يعانون وأمريكا المولعة بالحرب. ترك ذلك العديد من الاشخاص في حيرة من امرهم.
فهم لا يريدون الموافقة على تكتيكات القاعدة، لكنهم لا يريدون الاقتراب من أمريكا كثيراً! حول الجلاد بوش لسوء حظه الحلفاء إلى متفرجين!
· عدم تنبه حكوماتنا "المُغادرة" لحتمية أن تواجه شاءت أم أبت ، حقائق البيئة العالمية الجديدة، والتى تشهد قتالاً ضارياً من جانب أبناء الغرب وحلفائهم، لاعادة انتاج نظام الهيمنة القديم، فحضارة الغرب تُمثل محوراً لعالم اليوم! بطل "فالدن 2"، عبر بدقة عما يُتوقع أن يكون عليه هذا النظام الجديد من الهيمنة الغربية، حين قال(45): "اننا نلتزم نظاماً للسيطرة بحيث أن المُسيطر عليهم يشعرون بأنهم أحرار، على الرغم من أنهم يخضعون لقانون أشد صرامة من النظم القديمة. إذ عن طريق تصميم دقيق وحذر للثقافة نتحكم في نوازع السلوك، وليس في السلوك النهائي، أي نتحكم في الحوافز والرغبات والأماني. وها هنا تصبح مسألة الحرية غير ذات موضوع"! ثم يتساءل بطل "فالدن 2": ماذا بقي لكي نفعله بعد ذلك؟ ما رأيك في تصميم الشخصيات؟ والتحكم في الأمزجة؟ هل يبدو ذلك الأمر خيالياً؟ ولكن بعض التقنيات متاحة، ويمكن اعداد كثير غيرها تجريبياً. إننا نستطيع أن نحلل السلوك الفعال ونصمم التجارب لاكتشاف كيف نغرس ما نريد في الشباب. الانسان ضعيف، يمكن اخضاعه للسيطرة، ويكون ضحية..!
· ارتضاء حكوماتنا، على نحو شديد "الاستهتار" و"الانتهازية"، فتح حدود بلادنا، لبعثات بحوث غربية، أو مشتركة، من كل حدب وصوب، تقوم بعمليات مسح شاملة، في الحضر والريف، تناولت بحوثاً اجتماعية ونفسية وطبيعية..الخ. لتعود بمعلوماتها ونتائج بحوثها إلى بنوك المعلومات المملوكة للحكومات الغربية خاصة الأمريكية(46) ، أو الشركات متعدية القوميات التى تمول هذه المشروعات البحثية الاستطلاعية بسخاء واضح! وتظل هذه المعلومات حبيسة البنوك، تخرج بقدر وحسب المصلحة، ملك للمتحكمين في مصائر المُستضعفين في الأرض، ونحن في طليعتهم، وإن صور لنا جهلنا وتُجار الآلام خلاف هذا!
· تعويل حكامنا الشديد على امكانية نجاح جهودهم الرامية لتأجيج حملات التشهير المتبادلة بين العرب والغربيين خاصة الأمريكيين ، في تشتيت انتباه الطرفين عن ضلوعهم وأنظمتهم في تهيئة البيئة الملائمة لتفريخ الارهاب والعنف في أوطانهم، عبر تجفيف منابع الحرية وحرمان شعوبهم من حق النقد والتطوير! أغرى حكوماتنا بهذا اشتباك مفكرين عرب بارزين مع هذه الحملات رفضاً أو قيولاً، وكلاهما هنا سواء ، حتى أن أحدهم خصص كتاباً لمنافشة الأمر(47)!
· استهانة أنظمتنا "المُغادرة" بالشعوب، استناداً لكونها موجهة، يسهل انقيادها والتأثير عليها، من خلال الاحكام التقليدي للسيطرة على وسائل الاعلام الرسمية ورموز الخطاب الديني الرسمي ومؤسسات العنف..الخ! غفلت أنظمتنا على ما يبدو عن خطورة ما تشهده الساحة العربية في السنوات الأخيرة من توحش للاعلام البديل(48)، والخطاب الديني غير الرسمي(49)، والاحتجاجات السياسية(50)، فضلاً عن الرواج المُؤرق لمنظمات المجتمع المدني ومُعظمها مُمول من الخارج(51)! لم يدرك حكامنا أن الزمام يُسحب بدُربة وحذر من يدهم!
· أنظمتنا الاستبدادية أيضاً لم تتنبه أو أنها تنبهت واستهانت بخطورة قنوات الاتصال الغربية مع بعض القوى الداخلية الطامحة بقوة إلى التغيير، ومن بينها بعض قوى الاسلام السياسي، خاصة بعد هجمات 11سبتمبر، واعلان الولايات المتحدة استراتيجيتها الجديدة للأمن القومي! الغرب على ما يبدو أعاد قراءة المشهدين العربي والاسلامي، بانتهازيته "العارية" المعهودة، بحثاً عن أمان مواطنيه "المفقود"، ومصالحه المُعرضة إلى الخطر، في أرجاء العالم! القراءة الغربية كشفت عن مُغريات عديدة، لخيار التغيير في الحكومات "القائمة"(52):
1. انتهاء صلاحية الأنظمة القمعية "الموروثة" في العالم العربي "ما بعد الاستعمار"! وعجزها الكارثي عن مواكبة المستجدات على كافة الأصعدة والمستويات، وهو ما يتجلى في تردي الأوضاع المعيشية، واستشراء الفساد وعلانيته، وتزايد الاحتجاجات الشعبية، واصرار الأنظمة على قمع قوى الاسلام السياسي وعدم احتوائها في النظام السياسي، فضلاً عن نزوع بعض هذه القوى للتخريب، محلياً واقليمياً وعالمياً، على نحو بالغ العنف!
2. مشكلة الغرب، والحال كذلك، مع حركات أكثر مما هي مع أنظمة حكم، إلى أن يصل الاسلاميون إلى السلطة! قوى الاسلام السياسي، باعتبارها الوحيدة تقريباً المناهضة للغرب، بعد تهاوي الشيوعية، وبمساعدة غير مقصودة من آليات القهر في الدولة، استطاعت أن تحقق احتكارها للعمل إزاء غياب الآخرين، وذلك باعتبارها المعارضة الجادة الوحيدة، لأنظمة قمعية ضعيفة الشعبية، واستطاعت أن يكون لها تواجدها المؤثر وأن تحقق جاذبية "المحظور"، واكتسبت وضعاً له "سحره"، يعكس الحضور الدائم والبسيط لشعارها: "الاسلام هو الحل". وحيث أن هذه القوى محرومة من فرصة المشاركة الواسعة في الحكم، فإن لها ترف الاعلان عن الحل، دون أن تكون عملياً ملزمة باثبات حقيقيته، بالنسبة للكم الهائل من المشكلات العويصة المُحتاجة إلى حل. تفاعل هذه القوى، بأطيافها المختلفة، مع العملية السياسية والاندماج فيها وحده الذى سيُفضي إلى أن تفقد هذه القوي في النهاية جاذبيتها الراهنة، ومن ثم تصبح أدخل في الطابع العام العادي.
3. القوة السلبية لحالة اليأس الاجتماعي تشير إلى أن الهدف الرئيسي في المجتمعات العربية والاسلامية هو تحسين الأوضاع الداخلية فحسب! ففكرة "الحرية" لا تؤرق الانسان العربي! وأمثال إدوارد سعيد ومحمد أركون وغيرهم من موقظي "الشرق" العظام ليس لهم حضور يُذكر في الفضاء العربي! فضلاً عن قناعة العربي بأولوية الاستقلال ولو زائف(!!)، على الحرية، وهو ما يُفشل أي تدخل خارجي "مُباشر" "خشن"، لاقتلاع القمع!
4. وجود احتمال قوي في أن يشهد العالم الاسلامي وصول حركة أو أكثر من الحركات الاسلامية إلى السلطة في المستقبل المنظور، والأرجح أن يتم ذلك في العالم العربي. وأكثر البلدان احتمالاً لظهور سلطة اسلامية فيها هي البلدان التى: ا ترتفع فيها نسبة النمو السكاني وتزداد فيها مظاهر العجز عن الوفاء بمتطلبات المجتمعات الناشئة في المدن على نطاق واسع. ب والتى تتفاقم فيها مستويات المعيشة المنخفضة بسبب تفشي الفساد. ج والتى قضت الحكومات فيها على معظم المعارضة السياسية الهادفة ومن ثم اصبح الاسلاميون دون منافس. د والتى استخدمت الحكومات فيها العنف الضاري لسحق قوة الاسلاميين، وهو ما لم يؤد إلا إلى الاستقطاب وتفاقم المشكلة. ه والتى زعم الاسلاميون فيها أنهم وحدهم أصحاب القوة المعارضة الشرعية الوحيدة داخل الشارع العربي.
5. سوف تسعى قوي الاسلام السياسي حال وصولها للسلطة، إلى دعم القوة الحقيقية للدول الاسلامية وهو هدف لا يكاد ينفرد به رجال الحكم والقادة الاسلاميين ، في صورة علاقات مع الدول الأقوى في الغرب، بغية التعامل من أرضية تهيىء لها قدراً من المساواة، بدلاً من حالة الضعف الاستراتيجي. وسوف يتضمن هذا النهج السعي من أجل تحقيق قوة عسكرية أكبر، بما في ذلك امتلاك أسلحة الدمار الشامل، لاقامة علاقات مع الغرب على أساس من التكافؤ على الصعيد الاستراتيجي على الأقل.
6. من هنا، يلزم استباق المباغتة، والمُبادرة باحداث تغيير واسع النطاق في الشرق الأوسط، بمنآى عن الأنظمة القمعية في دولة "ما بعد الاستعمار"! فقوى الاسلام السياسي هي التى تهدد، أكثر من غيرها، النظام المستقر في غالبية البلدان المسلمة، أكثر مما تهدد الغرب نفسه! والاسلام السياسي يستغل أسباب السخط والاستياء الناجمة عن هذه الأنظمة القديمة العاجزة، ويضع خطته على أساس العمل للاستيلاء على السلطة وتغيير الوضع القائم. هذا "الخطر" وهو واقع يتهدد الكثير من الأنظمة المُتسلطة ، لا سبيل إلى مواجهته ومعالجته في نهاية المطاف إلا عن طريق قبول قوى الاسلام السياسي كطرف جديد وادماجه إلى حد ما داخل النظام السياسي. ذلك أن استبعادها سوف يُقضي في الغالب الأعم إلى مزيد من المواجهة والعنف، وإلى احتمال وقوع انفجار. إن عملية دمج الاسلاميين بنجاح داخل النظام السياسي مُعقدة جداً وتستلزم حذراً وبراعة! فقد يُفضي سوء معالجتها إلى مزيد من زعزعة النظام السياسي. وليس ثمة حل يسير أو بسيط ما دامت القوى المسئولة عن العنف والتطرف مُستثناة ولم تُحتوى.
7. امكانية التوصل مع التيار الرئيسي في قوى الاسلام السياسي لحد أدنى من القيم المشتركة، يمكن الالتقاء عنده، خاصة فيما يتعلق بالتعددية السياسية!
8. والملاحظ أن القدر الأكبر من الخلاف القائم والمحتمل بين العالمين الاسلامي والغربي لا يتضمن بالضرورة الاسلام السياسي من حيث هو في ذاته. إذ قد تظهر المواجهة كتعبير عن احباط أو عن عداوة من جانب المسلمين غير الموالين تحديداً للاسلام السياسي، وإنما لهم مع هذا شكاواهم التى تؤثر على سلوكهم تجاه الغرب، وتجعله مُشبعاً بالمشاعر المناهضة!
9. الحضارة الاسلامية أميل دون غالبية الحضارات إلى الاعتقاد بأنها قادرة على الصمود وأنها سوف تصمد لفترات طويلة من الزمن أمام الصعاب الدولية القاسية دون أن تسعى إلى لحل وسط بشأن وحدة موقفها. ويمثل هذا في نظر الغرب تعبيراً عن التعصب والجمود والعزوف عن مواجهة حقيقة علاقات القوى غير المتساوية. وتفهم الحضارة الاسلامية هذا باعتباره رفضاً للمساومة بشأن الكرامة والسيادة في مواجهة القوة العظمى. علاوة على هذا، فإن "الشهادة" مندمجة بانتظام في القاموس السياسي للاسلام أكثر مما هو الحال في معظم الثقافات الأخرى! والاسلام السياسي ينزع لمرونة أقل في تعاملاته، خاصة مع الغرب، ومع القوى المنافسة له علي الاقليم، إذا ما رئي أن الحل "الوسط" هو الناتج عن علاقات قوى "غير متكافئة".
10. وحيث أن الاسلام كما هو متوقع يمثل الرمز الجليل للمصالح الاقليمية المتصارعة، فإنه قد يحتل حتماً على الأرجح القدر الأعظم من حوار الشمال والجنوب. وعلى نحو أكثر عمومية، نجد أن تطلعات العالم المتخلف بسبيلها إلى أن تفرض مطالبات متزايدة على الأمم المتقدمة، بغية بناء علاقات قائمة على قدر أكبر من الانصاف والكرامة. وإن فشل الدول الغربية في التلاؤم مع هذه المطالب من شأنه أن يشجع نزعة التطرف في العالم المتخلف في صورتيها القومية والاسلامية. ولا ريب في أن المعاملة الخشنة الفظة التى تسود العلاقات السياسية بين الجانبين من شأنها أن توسع نطاق الجانب الأيديوبوجي في علاقات المواجهة، بل وربما تُفضي بالضرورة إلى تكتل دول العالم المتخلف في صورة جبهات متعارضة.
في وسط كل هذه الأجواء المُربكة والمُلتهبة، جاء "الملاك" أوباما ليمحو عن عالمنا البائس شرور "الشيطان" بوش(53)، ويُعيد للانسانية المُروعة أمانها المفقود، ويهب للمعذبين خلاصهم! أذكر أن بعض النوبيين الذين أعرفهم، بادروا بتوزيع الحلوى، ابتهاجاً بالمُخلص أوباما، لا لشيء إلا لامتلاكه بشرة سمراء مثلهم! وأذكر أيضاً أن واعظاً تحدث في تليفزيون بلادي أثنى على الرجل كثيراً! لا لشىء، وإنما لما يُروج عن أصوله المسلمة! وأذكر أن شيخ الأزهر الراحل طنطاوي ألف كُتيباً(54)، مدح فيه الضيف بما يستحق وما لا يستحق، على خلفية القاء أوباما خطابه "الخداعي" في جامعة القاهرة "المُلطخة بانحطاط المُستوى"!
وقتها كتبت في مقالة نشرتها على الانترنت، عنوانها "الله والحرية"، ما نصه: "جاء أوباما ليعتذر عن وعد سلفه بوش لشعوبنا بتخليصها من زوار الفجر، وإعادتها إلى التاريخ بعد خروجها منه! جاء أوباما ليُسعد الآخر العربي ويُشقينا!". ظننت وقتها أنا وغيري أن ثمة تراجع أمريكي عن الالتزام باستراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، في شقها المعني بمجتمعاتنا! وأن فشل الجلاد بوش في العراق وأفغانستان، وما لحق بسمعة الولايات المتحدة من تلطيخ، على خلفية التعذيب الوحشي للعراقيين في "أبو غريب"، وللاسلاميين في "جوانتانانو"، وللفلسطينيين في معتقلات اسرائيل، سيدفع حتماً الساسة الأمريكيين بانتهازيتهم المعهودة لاعادة النظر في مسألة تهجير مجتمعاتنا من دولة "ما بعد الاستعمار"!
كان منبع حزني إزاء ما تصورته وغيري تراجعاً أمريكياً، هو خوفي من عدم اهتبال فرصة كهذه! فالمراجعات الغربية للاستراتيجات، كما هو حاصل الآن على خلفية هجمات 11 سبتمبر من الأحداث الاستثنائية! فالغرب لا يُعيد حساباته "شديدة الأنانية والانتهازية" إزاء بلادنا وشعوبنا وحضارتنا كل يوم! بل هي استراتيجيات مدروسة بعيدة المدى، يتم الابقاء عليها، ما بقيت المصالح الغربية مصونة! دون أدنى اعتبار لآلام الشعوب، التى يتأثر، بل يتوقف مصيرها على هذه الاستراتيجيات! بوصفها الطرف الأضعف والأقل قدرة على تقرير المصير!
الكارثة الأشد، هي اعتماد الغربيين الدائم في سعيهم المحموم لخلق أوضاع بعينها وتكريسها، على كتيبة من قيادات محلية "موثوق بها"، لا تخلو من طموح جارف واعتزاز شديد بالذات، تُبادر على نحو مُذهل بالتقاط الطُعم والنضال من أجل الأوضاع الجديدة المُستهدف الوصول إليها وتكريسها! ومن وراء هذه الزعامات المهيبة أو الآباء المؤسسين يأتي القطيع "المقهور" ليُناضل ويهتف ويفتدي بدمه ما يتصوره انتصاراً غير مسبوق، وزعامة، وإن كانت مستبدة وقاسية بعض الشيء، لكنها قادرة بثوريتها على انتزاع الحُلم من رحم المستقبل!
الغرب ولعلمه بأهمية هذه القبادات المحلية، خاصة عند التأسيس لمراحل جديدة، كما في دولة "ما بعد الاستعمار"، يساهم في بناء هذه القيادات وتلميعها، والتى قد يضطر لاحقاً حال توحشها إلى مناهضتها، بل والتخلص منها إن امكن، ليضمن عدم تنبه القطيع لقواعد اللعبة! "المحلي" ضرورة لتمرير الوضع الجديد!
شعوبنا لا تعي ولا أظنها راغبة أو حتى قادرة أن تعي، فكرة دولة "ما بعد الاستعمار"! رغم اننا وعلى ما يبدو على مشارف دولة جديدة، أقترح تسميتها دولة "ما بعد هجمات 11 سبتمبر"، لارتباط نشأتها بالهجمات، بشكل أو بآخر، شأنها في ذلك شأن دولة "ما بعد الاستعمار" المُغادرة، والتى ارتبطت نشأتها هي الأخرى، وعلى نحو مُماثل، بانتهاء الحرب العالمية الثانية وزوال الاستعمار التقليدي، ونشوء دول، تسمح بانبثاق بدائل محلية، تُجهض باستبدادها الاستقلال!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.