رئيس مجلس الشيوخ يهنئ السيسي بذكرى تحرير سيناء    رئيس جامعة عين شمس والسفير الفرنسي بالقاهرة يبحثان سبل التعاون    الثلاثاء 23 أبريل 2024.. الدولار يتراجع 5 قروش أمام الجنيه ببعض البنوك    مجلس النواب يبدأ مناقشة المواد المستحدثة بمشروع قانون التأمين الموحد    القومي لتنظيم الاتصالات يصدر تعليمات بخصوص أوقات العمل الصيفية لمنافذ بيع مقدمي خدمات الاتصالات    النواب يوافق على استضافة مصر لمركز التغيرات المناخية التابع للاتحاد الإفريقي    وزير الخارجية: نحذر من مخاطر اجتياح رفح الفلسطينية عسكريًا    خلال الاستعدادات لعرض عسكري.. مقتل 10 أشخاص جراء اصطدام مروحيتين ماليزيتين| فيديو    نائب: مرور 200 يوم على حرب غزة دليل على ازدواجية المجتمع الدولي    الزمالك يكشف موقف عمر جابر من لقاء العودة أمام بالكونفدرالية    العين الإماراتي يسعى لكسر عقدة عمرها 18 عاما أمام الهلال السعودي    خلال 24 ساعة، تحرير 17429 مخالفة مرورية متنوعة أعلى الطرق السريعة    حصيلة 24 ساعة.. رادارات المرور تضبط 10 ألاف مخالفة لتجاوز السرعة المقررة    فى لفتة إنسانية.. الحماية المدنية بالإسكندرية تنقل مُسنا مريضا إلى المستشفى    مكتبة الإسكندرية تشهد فعالية "مصر حكاية الإنسان والمكان"    قطاع الدراسات العليا بجامعة القناة يعلن مواعيد امتحانات نهاية الفصل الدراسي الثاني    متحدث وزارة العمل: تعيين 14 ألف شخص من ذوي الهمم منذ بداية 2023    جيش الاحتلال الإسرائيلي يقصف مناطق لحزب الله في جنوب لبنان    البرلمان يحيل 23 تقريرا من لجنة الاقتراحات والشكاوى للحكومة لتنفيذ توصياتها    "جولدمان ساكس" الأمريكي يتوقع خفض الفائدة في مصر 200 نقطة الشهر المقبل    وزير الرياضة ومحافظ شمال سيناء يفتتحان المرحلة الأولى لتطوير استاد العريش (صور)    ناتاليا: درسنا أبيدجان جيدًا وهدفنا وضع الأهلي في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    كولر يشرح خطة مواجهة مازيمبي الحاسمة في محاضرة فنية    عبدالرحمن مجدي: مباراة الاتحاد بداية تحقيق طموحات جماهير الإسماعيلي    البورصة تستهل جلسة اليوم الثلاثاء 22 أبريل بتراجع جماعي لكافة المؤشرات    انطلاق النسخة الثالثة للمؤتمر الدولي لاستشاري المياه    تفاصيل اجتماع «حجازي» مع لجنة قيادات الوزارة لتحقيق ضمان الجودة التعليمية    سقوط المتهم بالنصب على الطلاب في دورات تعليمية بسوهاج    سلاح ومخدرات.. الداخلية تداهم أوكار المجرمين بالمحافظات    التعليم: عقد امتحانات طلاب الدمج بالأول والثاني الثانوي ورقيًا    "ضربها بمزهرية".. تفاصيل مقتل مسنة على يد سباك بالحدائق    غرق شاب في ترعة أخميم بسوهاج    بالصور.. تسريب مياه داخل إحدى السفن بغاطس البحر المتوسط في بورسعيد    محمد سامي ومي عمر بمسلسل جديد في رمضان 2025| تفاصيل    «مفاجآت مالية».. توقعات برج الدلو في الأسبوع الأخير من أبريل 2024    916 ألف جنيه إيرادات فيلم شقو في السينمات خلال 24 ساعة    وزير الأوقاف من الرياض: نرفض أي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته    وزير الصحة: التوسع في الشراكة مع القطاع الخاص يضمن خلق منظومة صحية قوية    تحذيرات هيئة الأرصاد الجوية من ارتفاع درجات الحرارة ونصائح الوقاية في ظل الأجواء الحارة    إطلاق قافلة طبية مجانية في قرى مرسى مطروح.. اعرف الأماكن والتخصصات    الرئيس السيسى يضع إكليلا من الزهور على النصب التذكارى للجندى المجهول    مجلس النواب يستمع إلي البيان المالي للحكومة لموازنة 2024-2025    رئيس الأركان الإيراني: ندرس كل الاحتمالات والسيناريوهات على المستوى العملياتي    البطولة العربية العسكرية للفروسية، تعرف على مدينة مصر للألعاب الأولمبية بالعاصمة الجديدة    شعبة الأدوية: انفراجة في توفير كل أنواع ألبان الأطفال خلال أسبوع    نيللي كريم تثير فضول متابعيها حول مسلسل «ب100 وش»: «العصابة رجعت»    توفيق السيد: غياب تقنية الفيديو أنقذ الأهلي أمام مازيمبي.. وأرفض إيقاف "عاشور"    رسولوف وهازنافيسيوس ينضمان لمسابقة مهرجان كان السينمائي    طلاب الجامعة الأمريكية يطالبون الإدارة بوقف التعاون مع شركات داعمة لإسرائيل    الدفاعات الأوكرانية: دمرنا جميع الطائرات المسيرة التي أطلقتها موسكو خلال الليل    الرئيس البولندي: منفتحون على نشر أسلحة نووية على أراضينا    بدرية طلبة تشارك جمهورها فرحة حناء ابنتها وتعلن موعد زفافها (صور)    الإفتاء: لا يحق للزوج أو الزوجة التفتيش فى الموبايل الخاص    خلال ساعات العمل.. أطعمة تجعل الجسم أكثر نشاطا وحيوية    "بأقل التكاليف"...أفضل الاماكن للخروج في شم النسيم 2024    مستدلاً بالخمر ولحم الخنزير.. علي جمعة: هذا ما تميَّز به المسلمون عن سائر الخلق    الإفتاء: التسامح في الإسلام غير مقيد بزمن أو بأشخاص.. والنبي أول من أرسى مبدأ المواطنة    علي جمعة: منتقدو محتوى برنامج نور الدين بيتقهروا أول ما نواجههم بالنقول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رضوان السيد يكتب : الإمامة والخلافة وخسائر الإسلام والعرب
نشر في الوفد يوم 27 - 11 - 2015

تحدث وزير الداخلية اللبناني، نهاد المشنوق، في كلمته بمناسبة العيد الوطني
لدولة الإمارات العربية المتحدة عن أخطار الولاية والخلافة على الدين
والدولة، وضرورة الخروج منهما باتجاه عروبة الاعتدال (والأدق الحديث عن
الإمامة والخلافة، لأن الخلافة ولايةٌ أي سلطةٌ أيضًا). وكلا المصطلحين
كلاسيكي، وكانا يُستخدمان بالتبادل، بمعنى أنّ كل أمير للمؤمنين (وهذا لقبٌ
ثالث) كان يستطيع تسمية نفسه في الخُطَب ورسائل دواوين الإنشاء إمامًا أو
خليفةً، هذا وإن تكن الظلال الدينية في القديم أغلب على لقب الإمام، والظلال
السياسية أغلب على لقب الخليفة. إنما في نهايات العصور الوسطى قلَّ استعمال
لقب الإمام لرأس الدولة - ولأنّ موازين الخلافة منصبًا ومعنى خفّت أو زالت،
فقد كان العثمانيون يستخدمون اللقب أحيانًا مقرونًا بسلطان أو خاقان البرين
والبحرين (السلطة الفعلية)، أو ينسونه لفتراتٍ طويلةٍ، إلى أن ختم عبد الحميد
الثاني العهد العثماني بالالتزام بلقب الخليفة وأمير المؤمنين، لأسباب لا
يتسع المقام لشرحها.
عندما تبلورت الرؤية الشيعية للسلطة السياسية، جرى الالتزام بلقب الإمام،
باعتباره الرأس في الدين والدنيا. وظهر ذلك في العقائد، فصارت الإمامة
المعصومة ركنًا من أركان الدين مثل الوحدانية والنبوات واليوم الآخِر. ومن
طرائف الأمور وعجائب التاريخ والعقائد أنّ عدة دولٍ شيعيةٍ قامت منذ القرن
الثالث الهجري (= التاسع الميلادي)، وكان الإمامُ حاضرًا فيها مثل الزيود في
طبرستان واليمن، والفاطميين بالمغرب ومصر والشام. بيد أن الكثرة الشيعية
التزمت رؤيةً أخرى تقول بغيبة الإمام، وحُرمة إقامة الدولة لحين حضوره. ولسببٍ
غير مفهوم أيضًا، تربط هذه الرؤية العقدية بين الإمام الذي يتحدر من سُلالة
النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، والمهدي الذي يأتي في آخر الزمان. وفي
زمن الغيبة الطويل هذا يتولى إدارة الشؤون الحسْبية، أي الدينية، للجماعة
الفقهاءُ، ويتصرف عامة الشيعة في الشؤون العامة، حسب ما يرون فيه مصلحتهم
(مبدأ التقية).
إنّ الذي حصل مع القلق الديني الذي أثارته الاستعماريات والحداثيات والتغريب
في الأزمنة الحديثة أنّ هذا القلق تحول إلى ثورانٍ ظهرت من خلاله «إحيائياتٌ»
عند السنة والشيعة، وعند السنة قبل الشيعة. وقد سميتُ ظاهرة الثوران الديني
في بحوثي «إحيائية»، لأنني شبهتها بالموجات البروتستانتية التي تتشارك
إحيائياتُنا معها في عدة أمور. أول تلك الأمور: الخروج على السائد المعاصر،
والخروج في الوقت نفسِه على التقاليد المستقرة في فقه الدين وفقه العيش.
وثاني تلك الأمور العودة إلى ما قبل التقليد، فعند الإنجيليات الجديدة
العودة إلى نص العهدين القديم والجديد، والقديم بالذات. وعند الإحيائيات
السنية العودة إلى الكتاب والسنة لقراءتهما قراءةً حرفية مخالفة لمنهجيات
التفسير المستقر في الأعمال الكلاسيكية، ومخالفة لما استقرّت عليه مذاهب
الفقهاء القُدامى. أما عند الشيعة فقد بدأ الإحياء بالحملة على التغريب، ثم
الحملة على اعتزال المراجع الكبار (= مراجع التقليد) للشأن السياسي،
انتظارًا لظهور المهدي المنتظر. وقد اختلط ذلك بتفسيرات جديدة لتجارب آل
البيت في النضال والمعاناة والاستشهاد.
إنّ المؤسسة الدينية الشيعية القوية في إيران، وتحت وطأة خيبة الجمهور
المتدين، والمثقفين، من الحداثة وحكم الاستبداد، استطاعت قيادة ثورةٍ عارمةٍ
على السلطة الملكية عام 1979، واستولت على النظام، وأقامت دولة ولاية
الفقيه التي كان الخميني قائد الثورة قد تصورها في رسالةٍ صغيرةٍ مطلع
السبعينات بعنوان: «الحكومة الإسلامية». ما عاد الفقيه حارسًا للانتظار، بل
إنه فرض نفسه باعتباره صاحب الحق في إدارة الشأنين الحسْبي الديني، والسياسي
العام. هو يقيم «دولة التمهيد» لظهور الإمام المهدي، بوصفه وكيلاً أو نائبًا
كامل الصلاحيات لحين ظهوره أو حضوره. وهكذا قامت دولةٌ دينيةٌ في إيران أنْهت
الازدواجية، يتمتع إمامُها أو مُرشدها بالصلاحيات المطلقة للمعصوم المنتظَر.
أما عند السنة، فكان الأمر أصعب. فالمؤسسات الدينية عندهم لا تحمل سلطةً ولا
وكالةً عن الله ورسوله إلاّ بالمعنى الاحتسابي (= حمل العلم). هي مؤسسات
مفتوحة، وفقهاؤها أهل تطوع واختصاص. وفلسفتها تعد أنّ السلطة في الدين
والدنيا هي لجماعة المسلمين، وليس من مهامها إدارة الشأن العام أو التصدي
لذلك. ولذا فقد أفضت التحويلات التي قام بها الإحيائيون الخارجون على
المؤسسات المصير إلى اعتبار «الشريعة» غير مطبَّقة والفقهاء مهملين. وعبر عدة
عقودٍ من التحشيديات صارت «الشريعة» نظامًا كاملاً في الدين والدنيا لا بد من
تطبيقه ليس في التعبديات فقط، بل وفي الاجتماعيات والاقتصادات والسياسيات.
وهكذا تطور الأمر إلى ظهور رؤية «الحاكمية»، بمعنى أنّ هذا النظام الإلهي
يحتاج إلى استعادة الشرعية للمجتمع والدولة للاستيلاء على النظام السياسي
من جانب الفئة المختارة التي كلّفت نفسها بذلك. وعندما لم تستطع أحزاب
الإسلام السياسي الوصول إلى السلطة في دولةٍ سنيةٍ كبرى أو وسطى، انفجرت
«الجهاديات» التي أرادت إحلال سلطة الحاكمية الإلهية (= تطبيق الشريعة)
بالقوة.
لقد طرأ هنا في العقدين الأخيرين تطورٌ ثانٍ أو ثالث. فمع وضوح الخيار
البديل، خيار «الدولة الإسلامية» جرى تراجُعٌ عن التنكر للتقليد بالجملة،
واللجوء إلى نموذج خلافة الراشدين، في موازاة عودة الإمامة باعتبارها سلطةً
قائمةً لا تنتظر المهدي. ولذلك سمَّى البغدادي نفسه «خليفةً» ودولته «دولة
الخلافة». فظهرت لدى هذا الانشقاق السني دولةٌ دينيةٌ أيضًا تُناظرُ ممارسة
الإمامة عند شيعة إيران اليوم. وكلا النموذجين إيهامٌ وتحريفٌ وتحوير، ولا
علاقة له بالتجربة التاريخية. فالفقيه الشيعي ما كان حاكمًا حتى في الدول
الشيعية الكثيرة. والسلطة السياسية عند السنة ما كانت ركنًا من أركان الدين،
بل هي كما يقول الفقهاء الكبار أنفسهم مصلحية وتدبيرية، وتشكّلها الجماعة
حسب حاجاتها؛ خلافة أو سلطنة أو إمارة أو مُلْكًا أو نظامًا دستوريًا. ولذلك فقد
قلتُ إنّ مسارات «القاعدة» والملا عمر والزرقاوي والبغدادي هي مساراتٌ
انشقاقية، لأنها تُغيّر في أركان الدين وثوابته. وإذا أُضيفت إلى ذلك اعتباراتٌ
أخرى مثل التكفير واستحلال الدم والاستعراض (= التفجير الانتحاري العشوائي
لقتل أكبر عددٍ من الناس)، والتعرض لأتباع الديانات والعقائد الأخرى
بالاسترقاق والسبي، وهم الذين عاشوا مع المسلمين آمنين على أعراضهم وأنفسهم
وأموالهم وحرياتهم لأكثر من ألف وأربعمائة عام، يصبح ذلك كلُّه إجرامًا
وإرهابًا واختراعًا لدينٍ جديدٍ لا علاقة له بدين المسلمين ولا بكتابهم وسنة
نبيهم. وقد صدقوا وهم الكاذبون عندما سموا دينهم الجديد: إدارة التوحش!
الإمامة دولةٌ دينيةٌ جديدةٌ في التقليد الشيعي. والخلافة دولةٌ دينية لا علاقة
لها باعتقاد أهل السنة والجماعة، ولا بممارستهم السياسية في التاريخ
والحاضر. وهاتان الآيديولوجيتان تنشران الرعب والخراب في المنطقة والعالم.
ونحن العرب، سنةً وشيعة، أكبر المتضررين منهما في ديننا ودولنا ومجتمعاتنا.
ولذلك لا بد من مكافحتهما بكل سبيل.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.