منذ اللحظة الأولى لسقوط الطائرة الروسية ايرباص A321-200 بالقرب من مدينة العريش صباح السبت الماضي، فإن الاجتهادات حول الحادث تراوحت بين العطل الفني ووصلت إلى العمل الإرهابي، وذلك بعد أن أعلن تنظيم داعش الإرهابي مسئوليته عن إسقاط الطائرة. ورغم أن الطائرة سقطت من على ارتفاع 31 ألف قدم، وهو ما يؤكد استحالة إصابتها بصاروخ كما زعم تنظيم داعش، وأكده جميع خبراء الأمن والطيران على مستوى العالم، فإن فرضية الإرهاب ظلّت منتشرة في وسائل الإعلام العالمية في الأيام الثلاثة التي أعقبت الحادث المأساوي، حتى تراجعت تلك النغمة كثيراً مع ذكرها على استحياء في بعض التقارير الغربية. "الشو الإعلامي" كان هو الهدف الذي سعى إليه تنظيم داعش، وهو الطُعم الذي التقطه الإعلام الغربي وبعض وسائل الإعلام المناهضة للدولة المصرية، وذلك بغرض ضرب الاقتصاد في مقتل من خلال الترويج بأن الأجواء المصرية غير آمنة، وهي الفرضية التي جعلت عدداً ليس بالقليل من شركات الطيران الدولية ومن بينها طيران الإمارات، فلاي دبي، واير فرانس - كي إل إم، تقرر تعليق رحلاتها الجوية فوق سيناء، رغم استحالة فرضية العمل الإرهابي، في حين أعلنت شركات أخرى مثل بريتش ايروايز استمرار رحلاتها فوق سيناء بشكل طبيعي. ومع مرور الوقت، واستكشاف بعض الحقائق، فإن الصاروخ الإرهابي أخطأ هدفه إعلامياً، وانقلب ضد من أطلقوه، بعد أن أكدت عمليات فحص الطائرة أنه يمكن حصر المأساة في سببين: الأول هو انفجار أحد محركات الطائرة، والثاني وهو الأرجح حدوث عطل فني، وهو السيناريو الذي كشفه الكابتن طيار طارق زكريا ل"بوابة الوفد"، حيث ذهب إلى أن الاحتمال الأقوى هو حدوث ماس كهربائي أدى إلى حريق وشلل في أجهزة الكمبيوتر الخاصة بالطائرة وأفقد قائدها السيطرة عليها تماماً. وما يعزز فرضية العطل الفني في السيناريو الثاني هو التقارير ذات المصداقية التي أشارت إلى أن قائد الطائرة أبلغ برج المراقبة بوجود مشكلة تقنية لديه، وأنه يريد الهبوط الاضطراري في أقرب المطارات وهو مطار العريش، إلا أن الفارق الزمني بين استغاثة الطيار والسقوط المروع للطائرة لم يكن طويلاً، حيث اختفت الطائرة من على شاشات الرادار بعد المكالمة الأخيرة للقائد مباشرة، وأشار آخر تسجيل لحركة الطائرة على شاشات الرادار إلى حدوث تحول درامي كبير حركة الطائرة التي ارتفعت وهبطت بمعدل 3 آلاف قدم وعانت من تراجع هائل في سرعتها قبل اختفائها وسقوطها في الصحراء. وهناك عنصر آخر ينبغي الإشارة إليه، وهو محاولة شركة "مترو جيت" الروسية المالكة للطائرة الترويج على حدوث "شيء غير طبيعي" للطائرة قبل سقوطها، والتأكيد على أن سقوطها لا يرجع إلى خطأ الطيار أو عطل فني، في محاولة لتجنّب دفع تعويضات هائلة تصل إلى مليار دولار، في حالة ثبوت وجود قصور في صيانة الطائرة، في ظل السجل السيء لبعض شركات الطيران الروسية الخاصة، وهو الأمر الذي قابله رد فعل قوي من الحكومة الروسية والمصرية، وصل إلى حد التوبيخ من السلطات في موسكو، حيث أكدت الدولتان ضرورة عدم استباق الأحداث في الإعلان عن أسباب المأساة. ومن الشواهد التي تعزز استبعاد السيناريو الإرهابي هو أن العديد من جثث الضحايا الروس كانت سليمة تماماً، مما ينفي نظرية وقوع انفجار في الطائرة قبل سقوطها، حيث لم يجد المحققون أي علامات لوقوع انفجار على جثث الضحايا، وفقاً لما أكدته شبكة التليفزيون الإخبارية الأمريكية "سي إن إن" في تقرير نشرته اليوم الأربعاء. وفي نفس الوقت فإن المكالمة الهاتفية التي أجراها مساعد كابتن الطائرة مع ابنته قبل دقائق على إقلاعها تكشف الستار عن الأسباب الحقيقية الحادث، حيث أعرب المساعد عن قلقه من الحالة الفنية للطائرة، وهو ما يؤكد أن المأساة وقعت كنتيجة مباشرة للقصور في الصيانة.