«استخدام الأساليب الشيطانية حتي تقع الفريسة في الشباك، تحقيق ثراء سريع دون عناء»، «سحب رجل الضحية إلي المشهد بصنع مكاسب مالية من الهواء» هكذا يكون الاستثمار في سوق تداول العملات الأجنبية أو ما يطلق عليه مملكة «الفوركس». منذ «فخ» رجل الأعمال نبيل البوشي، كبير مسئولي شركة أوبتما لتداول الأوراق المالية، نهاية 2008 واصطياده 60 مليون دولار من أموال المشاهير وصغار المستثمرين بدعوي استثمارها في سوق «العملات» مقابل عوائد تصل إلي 10% و12% شهريا، تضاعف نشاط تجارة «الفوركس» في السوق من خلال شركات أموال لاستقطاب «تحويشة» المستثمرين تحت شعار: «ضع أموالك لدينا واحصل علي أكبر العوائد». وصلت الأموال التي تعرضت لعمليات نصب في السوق مؤخراً وفقاً لإحصائيات محاضر الشرطة وتحقيقات الأمن إلي نحو مليار دولار بما يعادل 8 مليارات جنيه. الأداة في السنوات الأربع الأخيرة شهدت نشاطاً كبيراً، في ظل هرولة المستثمرين إليه باعتباره الوعاء الادخاري والاستثماري الأنسب في ظل تدني عوائد الأدوات الاستثمارية الأخري، يتصدرها ضعف معدلات الفائدة في البنوك، والعراقيل والبيروقراطية التي تضع أمام المستثمرين عند الرغبة في تأسيس شركة، أو إقامة مشروع استثماري، بسبب العوائد غير المجدية التي تقدم لمستثمرين، أو حرمانهم من فرصة الاستثمار في أوعية ادخارية تدر عائداً كبيراً مثل أذون الخزانة والسندات التي تحتكر البنوك فقط الاستثمار فيها، كل هذا فتح الطريق أمام استثمار «الفوركس». البنك المركزي المصري يعارض الاستثمار في سوق تداولات العملة علي اعتبار أنها أداة غير آمنة، تقوم علي المضاربة، وبالتالي تهدد اموال المستثمرين، وقبل هذا وذاك محاولته الحفاظ علي الدولار داخل السوق المحلي، لكن تبقى المشكلة الأكبر والمزدوجة في فشل الحكومة استقطاب أموال المواطنين التي تقدر بالمليارات في تشغيلها، بالطرق المشروعة والآمنة. المراقب للمبالغ التي جمعتها الحكومة من المواطنين في حفر قناة السويس الجديدة في 7 أيام فقط وصلت إلي 64 مليار جنيه، وكذلك الاكتتاب العام لشركة إعمار مصر الذي تم تغطيته 36 مرة، ورصدت من أجله أكثر من 3 مليارات جنيه، وهو يؤكد وجود سيولة كبيرة لدي المستثمرين والمواطنين، لكن تعجز الحكومة عن استقطابها واستثمارها بالصورة التي ترضي مالكها، فيضطر إلي الإلقاء بأمواله في شركات بئر السلم «الفوركس». ملف «البوشي» و«المستريح» الذي تم القبض عليه مؤخراً بعد جمع ما يقرب من 400 مليون دولار لن يكون الأخير في مثل هذه الحالات، من واقع المحاضر يتبين أن الملفات التي تم رصدها مؤخراً ضبط مديرية أمن القاهرة صاحب إحدى أكبر شركات توظيف الأموال التى تدعو المواطنين لاستثمار أموالهم فى مجال المُضاربة على العُملات الأجنبية والمعادن فى البورصات العالمية «الفوركس»، إذ قام بالاستيلاء على 300 مليون دولار من المواطنين خلال شركة «كابيتال إنكور بوريشن مصر» بتوجيه الدعوة للمُواطنين لاستثمار أموالهم، وتلقى مبالغ مالية منهم بالعُملات الأجنبية بغرض المُضاربة عليها فى البورصات العالمية، مقابل أرباح مُتفَق عليها، وهو ما يعد مخالفة لأحكام القانون رقم 146 لسنة 1988 المنظم لتوظيف الأموال، وكذلك سبق وقررت نيابة العجوزة حبس مالك مدرسة بتهمة النصب على المواطنين، تحت ستار توظيف الأموال في المضاربة بالبورصات العالمية الخاصة بالعملات الأجنبية. والاستيلاء منهم على مبالغ مالية، بلغت قيمتها 2 مليون دولار، بهدف توظيفهم وصرف عائد ربح تتراوح قيمته ما بين 5 إلى 10% شهريًا، كما قضت محكمة جنح طلخا، بحبس آخر بالدقهلية عقب الاستيلاء علي قرابة 40 مليون جنيه، وأيضا ألقت مباحث الأموال العامة بمديرية أمن الإسكندرية، فى ضبط شركة توظيف أموال بزعم المضاربة فى «الفوركس» بمبلغ 93 الف دولار، بالإضافة إلي 300 مليون دولار لإحدي شركات المضاربة في «الفوركس». «الفوركس» اختصار ل forex exchange وهو سوق تداول العملات الأجنبية ويعتبر من أكبر الأسواق المالية وأوسعها انتشاراً حيث يتم تداول العملات العالمية فيه ويتم التداول في السوق على أزواج العملات المالية وتتمثل: «اليورو- الدولار» «الاسترلينى – دولار» «الاسترلينى – ين» من عمليات الشراء والبيع، حيث إذا قام المستثمر بشراء اليورو / دولار، يقوم المستثمر باقتناء اليورو بسبب توقع ارتفاعه مقابل الدولار مما يحقق المكسب. تشرف العديد من الهيئات الرقابية العالمية على شركات الفوركس، منها FCA – MIFID- ASIC إذ تعتبر الترخيص من هذه الهيئات بمثابة الأمان والتطمين للمستثمر، حيث إنه في حالة قيام هذه الشركات بمخالفة شروط الترخيص يتم دفع غرامات مالية وأحياناً يتم سحب الترخيص منها وتفصح كل هيئة أرقام وأسماء الشركات الحاصلة على الترخيص لديها، ويصل عدد الدول العاملة بالفوركس أكثر من 190 دولة، باستثناء مصر التي تحظر الاستثمار وفقاً للقوانين في المجال باعتباره نشاطاً يقوم علي المضاربة وتعرض الأموال للخطر، كما يتم التداول فيه طوال 24 ساعة باستثناء يومي العطلات العالمية «السبت، والأحد، الدول العربية التى تمنح الشرعية ل«الفوركس» الإمارات، والكويت، ولبنان. سألت شريف خورشيد خبير وكبير استراتيجيى أسواق المال الأمريكية والمتخصص في سوق «الفوركس» حول رفض البنك المركزي الاستثمار في هذه الأداة باعتبارها وسيلة استثمارية مثل العديد من الأدوات في السوق. أجابني قائلاً إن «سوق التعاملات في العملة يخضع لرقابة من نوع خاص، ويجب أن يكون العاملون في هذه الرقابة لهم مؤهلات وكوادر، وحتى لا يلقي اللوم على البنك المركزي فليس لديه تلك الإمكانيات في الوقت الحالي لما تشهده البلاد من محاولة وضع أسس للاستقرار». وتابع أنه «إذا لم يتم وضع إطار قانوني صارم وباحترافية لتشريع «الفوركس» في مصر سوف نشهد أحداث تلاعب وسرقة لا حصر لها، حيث إن هناك أبواباً خلفية متعددة في السوق منها شركات توظيف الأموال، ويجب أن يحدد التشريع وقانون الرقابة، ويدرك كل كبيرة وصغيرة لأنها ليست مجرد قوانين يتم وضعها على ورق فقط». وسبق أنه اقترح تطبيق قوانين الرقابة الأمريكية أو الاتحاد الأوروبي خاصة القوانين البريطانية في السوق المصري وفقاً ل«خورشيد»، لاختصار الوقت والاستفادة من خبراتهم، كي يتم غلق الباب أمام خداع شركات توظيف الأموال للمستثمرين، بتوظيف أموالهم بعائد شهرى والتى تنتهى بمأساة حقيقية، وذلك لعدم وجود تشريع وقانون يحمى المستثمرين من خلال جهات رقابية مصرية. «اتجاه المصريين إلي الاستثمار فى «الفوركس» أحد عوامله، تتمثل في عدم الثقة بالبورصة المصرية، والخسائر التى تتعرض لها، وبالتالي تتجه شريحة كبيرة من المتعاملين لسوق الفوركس» يقول «خورشيد» إن «العديد يعتقدون أن سوق الفوركس نسخة من سوق الأسهم، وبالتالي يتجهون إليه دون خبرة ودراية كاملة، ويقعون فريسة لشركات مجهولة الهوية تقوم بفتح مكاتب تمثيل فى مصر بطرق غير شرعية من خلال حملات إعلانية وتجنيد موظفين متخصصين للاتصال بالعميل وإغرائه بالأرباح الوهمية والسريعة وتكون النهاية الاحتيال على أمواله». «يقدر التداول اليومي في سوق الفوركس بنحو 5 تريليونات دولار يومياً» بحسب قول محمد عادل الخبير في سوق العملات، كما أن هناك العديد من الأموال المصرية المستثمرة في «الفوركس» لكن لا يمكن حصرها نتيجة دخولها بشكل غير مباشر من خلال الأبواب الخلفية. ويتساءل «عادل» قائلاً: لماذا يقوم البنك المركزي بحظر الفوركس وعدم منح تراخيص للشركات العاملة بها، رغم أن هذا الإجراء يحافظ على النقد الأجنبي ويقلل من فرص تخارجه، خاصة إصرار المستثمرين علي الاستثمار فى الفوركس التي تحقق لهم عائداً». وتابع أنه «في ظل استمرار عدم منح تراخيص لهذه الشركات ومع إقبال الأفراد للاستثمار في سوق العملات أدي إلي ظهور أنواع من الشركات تقوم بالنصب على العملاء تحت شعار التجارة في الفوركس». تعاني قواعد الادخار والاستثمار لدى السواد الأعظم من المواطنين خللاً كبيراً بحسب قول محمد رضا الخبير الاقتصادي، في ظل تدني معدلات الدخل لدى قاعدة كبيرة من المواطنين، وفي ظل ارتفاع معدلات التضخم، يحاول المواطن إيجاد موارد إضافية يواجه بها مصاعب الحياة، وعند محاولته الادخار الاستثماري في قطاع البنوك يتبين فشل القطاع البنكي، في وضع واستصدار أدوات ادخارية استثمارية تستقطب المدخرات لشريحة عريضة من متوسطي ومحدودي الدخل، بالإضافة إلي فشل الحكومة في استقطاب هذه المدخرات وتوظيفها في استثمارات تحقق عائداً مرضياً للمواطنين، مما يدفعهم إلي استثمار أموالهم في شركات توظيف الأموال العاملة في سوق «الفوركس»، خاصة أن البنك المركزي يعارض منح تراخيص لمزاولة أعمال الفوركس منذ ظهورها من سنوات طويلة بسبب رغبة البنك المركزي للحد من تحويل الدولار الأمريكي بكميات كبيرة لخارج البلاد حيث إن هذا النوع من الاستثمار يتم التداول به في البورصات العالمية، ولم ينجح هذا التوجه من منع مزاولة هذا النشاط بل تم النصب على المواطنين وشهد توسعاً كبيراً. «التعامل في سوق تداول العملات يعد من أخطر أنواع الاستثمارات المالية»، هكذا كان تعليق محسن عادل نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار. وتابع أن «سوق العملات يرتبط بتسهيلات مالية توفر للمتعاملين في السوق خطوط ائتمان مرتفعة تصل إلى ما نسبته 400 % من رأس المال؛ فمن يمتلك 20 ألف دولار يمكنه المضاربة بما يقارب من 100 ألف دولار». كما أن ارتفاع حجم التغطية الائتمانية وفقاً ل«عادل» مقارنة برأس المال يزيد من مخاطر تصفية المراكز المالية في حال عكس السوق لمركز المضارب، إضافة إلى ذلك فالتداول في أسواق العملات يحتاج إلى خبرة واسعة، ومتابعة دقيقة، ومعرفة بالإحصائيات والبيانات المؤثرة في الأسواق وحركة العملات، وتاريخ نشرها بما يحمي المضارب من التغيرات المفاجئة للأسواق كنتيجة مباشرة للبيانات المعلنة. «إذن هناك تسويق محموم من قبل شركات الاستثمار لجذب شريحة كبيرة من المستثمرين إلى سوق تداول العملات دون خبرة استثمارية، مما يعني إقحامهم في أسواق خطرة قد تعرضهم لضياع أموالهم» بحسب عادل. التوسع في أسواق العملات يترتب عليه مخاطر كبيرة قد تتسبب بفقدان كامل رأس المال في يوم واحد، وبالتالي مطلوب من إقناع المواطنين باستقطاب أموالهم في المشروعات الاستثمارية بما يحقق المصلحة العامة للطرفين، بالإضافة إلي ضرورة القيام بتثقيف المستثمرين، وحمايتهم من حملات التسويق التي تقود إلى حافة الهاوية الاستثمارية، خاصة أن إعلان إحدى الشركات الأجنبية عن وجود نحو 600 ألف مستثمر مصري يتعاملون في سوق الفوركس تعد أرقاماً غير دقيقة، ولكن قد تكون الهدف منها استقطاب المزيد من المستثمرين. إذن سيظل سوق «الفوركس» حلماً للراغبين في تحقيق ثراء سريع، وفريسة لأصحاب شركات توظيف الأموال غير الرسمية العاملة تحت «بئر السلم».. فهل تتدخل الحكومة والجهات الرقابية للحد من الظاهرة أم يظل الأمر محلك سر؟