د. عبداللطيف عبدالحليم - د. نيللي حنا تحقيق: نهلة النمر منذ 12 ساعة 44 دقيقة إن علاقة التأثير والتأثر بين الأدب وأي متغير سياسي أو فكري هي جدلية لا تنتهي، فما بالنا بالثورات، فلا أحد يستطيع أن يغفل الحراك الأدبي الذي دب علي الساحة الثقافية في مصر في أعقاب ثورة 52 يناير. وعلينا أن نعترف أولاً أن قليلين منا مَنْ يتعرفون علي تاريخهم من كتب التاريخ، وأن كثيرين يبحثون عنه من خلال الأدب، فيقع علي عاتق الأدباء عبء تشكيل المكون الثقافي لأي شعب، ولأن المبدع ينتظر لحظة الانفعال والتوهج كي ينتج فهو لا يستطيع أن يتريث، أو أن ينتظر حتي يكتمل الحدث. ويبقي السؤال: هل هذا اللون من الأدب والذي يتولد بعد التغيير مباشرة يعتبر أدباً متعجلاً؟ أم أننا يمكننا أن نعتبره نواة لأدب ثوري حقيقي؟ ثمة فارق بين التعبير عن الفرحة بالحدث والتعبير عن الحدث ذاته، فالتغيير عن الفرحة مرحلة أولية.. مرحلة تذوق، لا تحتاج إلا الانفعال. أما التعبير عن الثورة فهو أمر أكثر تعقيداً يحتاج إلي الهضم والتمثل، فهل نحن قادرون علي التعبير الحقيقي عن الثورة؟ أم أن الثورات الكبري تحتاج إلي الوقت لاستيعاب مفرداتها لإنتاج أدب علي مستوي الحدث؟ يري الدكتور عبداللطيف عبدالحليم - أستاذ النقد بدار العلوم - أن ما صدر حتي الآن من كتابات عن الثورة سواء كان شعرًا أو يوميات أو سيرًا أو غيره، إنما هي كتابات مباشرة باستثناء أعمال قليلة جداً عبرت بصدق وأمانة عن الفرحة بالثورة. ويضيف الفرحة شعور إنساني بسيط ربما يجعلك انفعالك تستطيع التعبير عنه ببساطة، لكن أدب الثورات شيء آخر ومختلف دائماً ما يحتاج إلي وقت أطول، فهو يري أن كل أشكال الفنون التي تأخذ علي عاتقها التعبير عن الأحداث تتطلب هذا الوقت إذا أخرجنا الرسم من هذه الحلقة، موضحاً أن الرسم هو الفن الوحيد الذي يمكنه أن يقوم بدوره الآن، فالرسام يستطيع أن يرسم صورة للميدان تعبر عن الثورة، وتستطيع أن تكون هذه الصورة صادقة، مؤكداً أن الأدب مختلف وأن الثورة سوف تفرض بعد ذلك أدباً مختلفاً يمكن أن يعبر عنها التعبير الحقيقي. ويذكر د. عبدالحليم أن معظم ما كتب عن الثورة حتي الآن يراه أشبه بالهتافات التي كانت تنطلق من حناجر الثوار دون مقومات العمل الأدبي الصحيح، ويضيف: هذا شيء طبيعي، ربما كان استثماراً للحدث. ويؤكد أنه رأي بعض المسلسلات بالصدفة لم يجد فيها إلا نوعًا من تعليل المناسبة، أو اقتناص مشهد مفتعل في حشو واضح، لافتًا إلي أنه علينا أن نهدأ وأن ننتظر، فالتعبير عن الثورة قادم لا محالة، ولكن بعد تجاوز الحيرة التي لم ترحم أحداً منا، ونالت منا جميعًا. وكذلك تجاوز الفوضي والتنازع. كل هذا يحتاج إلي وقت طويل لتتضح الرؤية وتظهر أمام الكاتب ليعبر عن الحدث بصدق. ويذكر د. عبدالحليم أن هناك بعض الكتاب كتبوا فقط ليقال عنهم إنهم من كتَّاب الثورة، فالثورة عمل عظيم لذلك هناك مَنْ غيروا جلودهم من أجل عيونها، ومَنْ تغزّل فيها بشكل مفتعل لا يرقي أبداً لعظمة الحدث. أما الدكتورة نيللي حنا - أستاذ التاريخ في الجامعة الأمريكية - فهي تبدأ حديثها بإجابة قاطعة فتقول: نعم ما بدأ من كتابات عن الثورة هو نواة لأدب ثوري حقيقي، بل هو أدب ثوري بالفعل. وتتساءل: لماذا لا نعتبر كل ما كتب حتي الآن من أي شكل من أشكال الأدب لماذا لا نعتبره أدباً حقيقياً؟ وتضيف: الأديب ليس محللاً سياسياً يقدم تحليلاً للحدث تنبغي فيه الدقة، ولا هو رجل أمن يقدم تقريراً يتحري فيه الوضع بصراحة ووضوح. لافتًا إلي أن الكاتب لا يقدم دراسة، فهذه مهمة آخرين وليست مهمة الكاتب. وتشير د. حنا إلي أن الأدب يعبر عن فترة معينة لا يمكن أن تكتب إلا في هذه الفترة، وبهذه الحالة التي يتكون عليها الكاتب، فالكتابة فعل لا يقبل التأجيل، فالكاتب يهمه أن يكتب عن انفعاله الآني، ولتثبت الأيام رؤيته أو لا تثبتها، ليس مهماً، إنما المهم أنه أفرغ ما داخله علي الورق ولم يهمل لحظة توهجه. وجسدها في أي شكل فني سواء قصيدة أو رواية أو في لوحة رسمها. وبسؤال د. حنا عن أجمل ما قرأت من أدب الثورة إذا كانت تري أن ما أنتج حتي الآن هو أدب ثوري حقيقي. أجابت: أجمل قصيدة وأجمل لوحة هي الميدان ذاته مؤكدة أنها سمعت شعرًا وطرق إلقاء لم تلتقها منذ فترة، فالشعر في الميدان مختلف عن الشهر داخل الندوات وبين الجدران. وتضيف: الجميع كانوا في حالة تعبير عن الحدث وعن الذات حين توحد الجميع بعيداً عن اختلاف الأعمار والثقافات أو الجنس جميعهم بشر جمع بينهم إحباط واحد وألم واحد وحدث واحد ونصر واحد. الدكتور عبدالمنعم الجميعي - أستاذ التاريخ الحديث - يري أن الثورة لم تكتمل بعد ولها رؤوس متعددة وهذه هي المشكلة، فالثورة التي أينعت في البداية اختلط فيها الحابل بالنابل الآن، ولكن نحمد الله أنها لم تنطفئ بعد. ويواصل د. الجميعي: إن ما يقال عن الثورة يقال عن أدب الثورة، موضحاً أن الشعب المصري لم يتم تدريسه ديمقراطياً، فهو لا يعرف ما له وما عليه، ولم يتعلم كيف يتقبل الآخر. هذه التربية غير الديمقراطية تظهر في إبداع هذا الشعب. فبعض الكتاب يكتبون ما يرونه هم فقط دون النظر إلي باقي أركان الغرفة أو إلي المقاعد الأخري، فهو يكتب ما يراه هو بإحساسه هو. ويضيف نحن لنا سابقة في هذا، فثورة 25 التي بدأت عسكرية ثم تحولت إلي شعبية، أغلب ما كتب عنها من أدب حمل مزايدات، لم يكن مغايرًا، لكنه كان مزايداً. ويؤكد د. الجميعي احترامه لخيال الكاتب أو مساحة الإبداع لكن دون البعد عن الحقيقة بمسافات شاسعة قد تحول بيننا وبين حقائق واضحة، مشيراً إلي أنه علي علم بأن معظم الهيئات الثقافية تقوم الآن بجمع كل ما يكتب عن ثورة 52 يناير وربما يكون هذا نواة لتوثيق متخصص يحمي الثورة من أي أهواء خاصة أن أوراقها لم تكتمل بعد.