إذا جاز لنا أن نحاول تحديد أهم القضايا التي تحتل أجندة الاهتمامات المصرية، بل والإقليمية والدولية في الوقت الحالي، فيمكن القول ببساطة إنها قضية الإرهاب، صحيح أنها تأخذ القدر الأكبر من الاهتمام المصري في الآونة الأخيرة في ضوء ما شهدته البلاد من أحداث إرهابية أفرزت إجراءات وقائية يمكن للمواطن المصري البسيط أن يلمسها بنفسه من تحصينات أمنية أمام الجهات والمراكز السيادية، إلا أن الظاهرة في المجمل ليست وليدة اليوم وليست مقصورة على مصر وإنما هي ظاهرة عالمية موغلة في القدم. هذا هو ما يمكن أن يترسخ في ذهنك بعد جولة في عالم الكتب التي تتناول قضية الإرهاب من جوانب شتى. وإذا كانت هذه الكتب تفوق الحصر، في ضوء تزايد الاهتمام بالإرهاب، فإننا نعرض هنا لثلاثة كتب صدرت حديثا أحدها يركز على الإرهاب في مفهومه الشامل، والثاني يركز على زاوية النظر إليه من حيث تأثيرات شبكة الإنترنت، والثالث يركز على البعد الخاص بارتباط الظاهرة بالعولمة وتأثيرات هذه الأخيرة على تنامي الإرهاب بأشكاله المختلفة. الكتاب الأول بعنوان الإرهاب بذوره وبثوره زمانه ومكانه وشخوصه لمؤلفه الدكتور هشام الحديدي وصدر في الأصل عن الدار المصرية اللبنانية ثم صدرت طبعة خالصة له عن مكتبة الأسرة. الكتاب يمثل إطلالة شاملة على الإرهاب في أبعاده العالمية ونماذجه سواء السياسي أم الديني أم حتى المالي. غير أن الكاتب يحرص على أن يضع قارئه في سياق الظاهرة في مقدمة الكتاب مقدما له خلاصة رؤيته بما يساعده علي هضم مضمون المادة التي يقدمها في ضوء اتساع نطاقها حيث يقع الكتاب في نحو 435 صفحة من القطع الكبير، فيشير الدكتور هشام إلى أن العنف قديم قدم البشرية منذ أيام قابيل وهابيل، وأنه في العصر الحديث توافرت عوامل كثيرة شجعت على العنف، الذي بدأ في أوروبا وتبنته جماعات متباينة عدة، ثم يبين أن العنف في الشرق الأوسط استنهضه الاحتلال والاستغلال الأجنبيان الانجليز في مصر والفرنسيون في الجزائر، والإسرائيليون في فلسطين والأمريكان في الخليج، وأن استجابة المجتمعات للعنف اختلفت فمنها من وأده في مهده ومنها من استبقاه ورعاه فانضجه وفي الحالة الأخيرة عد ذلك المجتمع مريضا او في حالة وهن شديد وفقدان مناعة. والكتاب ينقسم إلى ثلاثة أقسام في أبواب الأول منها يتناول ما يمكن وصفه بالعنف أو الإرهاب العربي أو الذي تتم نسبته إلى العرب ظلما في بعض الأحيان، ثم في الثاني الإرهاب الأوروبي ممثلا في المافيا وآل كابوني وكارلوس، ثم العنف حول العالم بدءا ببذور العنف الإسرائيلي والجيش الأحمر الياباني والعنف الأفريقي وفي كمبوديا وسري لانكا وغيرها. رغم ما يشير إليه المؤلف من حقيقة أن الإرهاب بدأ في الشرق الأوسط يهوديا ضد الإنجليز أولا الذين كانوا السبب المباشر في منح اليهود وطنا قوميا في فلسطين، كي يعجلوا برحيلهم عن فلسطين حتى تخلو لهم، إلا أنه يشير إلى أنه قبل عقدين تقريبا بدأت عملية دعائية شاملة استهدفت تعريب وأسلمة الإرهاب في الخطاب الإعلامي الدولي وهو ما يرجع لسقوط الاتحاد السوفييتي ثم صعود الجماعات الأصولية وممارستها عمليات إرهابية. استهدف ذلك حسبما يذهب المؤلف شيطنة العدو أي تحويل العرب والمسلمين بلا استثناء إلى شياطين أشرار يعاملهم الإعلام الدولي باعتبارهم هدفا يسدد عليهم نيرانه العشوائية إلى الحد الذي وصل لأن يقرن البعض من أمثال برنارد لويس بين الإسلام والإرهاب. ومن تعريف الإرهاب يشير المؤلف إلى محاولة توظيف التعريفات المختلفة لمصالح معينة، مشيرا إلى أن التعاريف المختلفة للإرهاب تظل عديمة الجدوى حيث إن الخطاب الإعلامي المسيطر ما زال انتقائيا بامتياز. ثم يوضح المؤلف ضرورة التمييز بين العنف والجهاد، مشيرا إلى أنه من هنا تبرز أهمية العلم في تصحيح المفاهيم والرؤى والمعتقدات. وفي إطار توضيح الخلط بشأن نسبة الإرهاب إلى الإسلام يذكر المؤلف بعض القضايا على الصعيد الأوروبي فيذكر أنه في عام 1981 وحده وقعت 400 حادثة من العنف السياسي والأيديولوجي في أوروبا مما يوضح أننا نعيش في عصر الإرهاب بكل تشعباته المخيفة. وفي إطار تفنيد مزاعم أن الإرهاب إسلامي بامتياز يشير إلى أن أول حادث اختطاف طائرة في الجو لم يكن اختراعا تعود ملكيته إلى بعض فصائل المقاومة الفلسطينية وإنما اختراع اسرائيلي حين قامت المقاتلات الإسرائيلية في ديسمبر عام 1954 بالتعرض لطائرة مدنية سورية وأرغمتها على الهبوط في مطار اللد. ثم يتجول بنا المؤلف في ثنايا بعض القضايا والأحداث التي جعلت من الإرهاب ظاهرة رئيسية في تاريخ الشرق الأوسط بدءا من حادث الاقصر في مصر عام 1997 ثم الوضع في افغانستان ثم شخصية أسامة بن لادن ثم الأحداث في الجزائر وغيرها. أما عن الحل فيقرر المؤلف بثقة أن التفكير في حل مشكلة العنف والإرهاب على أنها من أعمال الأمن فقط لهو بداية خطأ بالغ فوسائط الأمن هي خط المواجهة الأول ضد وسائط العنف. غير أنه يضيف أن أول خطوة عملية هي تشكيل هيئة خبراء على أعلى المستويات لوضع استراتيجية عامة ذات قواعد صارمة ملزمة تضبط إيقاع المجتمع فتعيد المنفلت إلى جادة العدل والبوهيمي إلى جادة الخلق القويم والالتزام، مقدما مجموعة من التوصيات العامة التي ينتهي معها إلى حقيقة أن «الموضوع مفتوح وهو ملك للقارئ يستطيع أن يضيف إليه أو يخصم منه».. وهو ما يقتضي بذل مزيد من الجهد لتقديم رؤى أكثر مواكبة لتطورات الإرهاب التي تعكسها الكتابات التي نتناولها في السطور المقبلة سواء لجهة خصوصية تزايده بفعل ازدهار شبكة الإنترنت أو تطورات العولمة. في كتاب الإرهاب عبر الشبكة العنكبوتية للدكتورة هديل مصطفى الخولي تشير إلى أنه مع كل المزايا لشبكة الإنترنت فقد أكدت بعض الدراسات وجود الكثير من السلبيات لاستخدامه منها انتشار الإرهاب وممارسته من خلال الشبكة حيث انتشار مواقع الكترونية كثيرة تحض على الإرهاب وتشجع على التطرف بشتى أنواعه سواء الديني أو السياسي أو الثقافي والخطير في ثقافة الإنترنت إذا جاز التعبير أنها تدفع الشباب إلى مزيد من العزلة عن المجتمع والعيش في عالم افتراضي يتم فيه غسل الأدمغة تحت تأثير ثقافة تجعل الفرد يعيش الحياة لحظة بلحظة وكل لحظة مستقلة عما قبها وبعدها وبالتدريج يكون التخلي عن الذات والمسئولية الاجتماعية ليصبح الشباب مجرد قطيع في عصر المعلومات المسيطرة عليه من قبل القوى العظمى. وخاصة في ظل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعلمية الإقليمية والمحلية التي تعيشها المجتمعات خاصة المجتمع المصري والتي أفرزت آثارا سلبية عميقة شديدة الخطورة تهدد بتراجع التنمية. يشير الكتاب إلى أن الإرهاب اتخذ ظاهرة أو بعدا جديدا مثيرا للقلق في القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين حيث استخدمت التقنيات الحديثة والتكنولوجيا المتطورة في تنفيذ عمليات ارهابية مدمرة بأقل مجهود عضلي ودون أن تتمكن الأجهزة الأمنية من ضبط الجناة ولقد كان لظهور الإنترنت دور كبير في تنفيذ الإرهابيين لعملياتهم الإرهابية والوصول للشباب والنشء والسيطرة عليهم وتجنيدهم. ويشير الكتاب إلى أن إرهاب الإنترنت لا يختلف في معناه عن الإرهاب التقليدي وإن اختلف عنه في الوسائل وبعض الأهداف واستغلال الإنترنت بخدماته المتنوعة بفضل طبيعة الاتصالات التي تتجاوز الزمان والمكان وزيادة فرص البحث السريع ونشر الوثائق والمنشورات الجماعية في اقل وقت وجهد. ومن صور الإرهاب المنتشرة على الإنترنت الإرهاب الديني وهو الإرهاب الذي تقوم به جماعات او أفراد تحت غطاء ديني وطوال قرن كانت الأعمال الإرهابية التي تجري على أسس ظاهرها ديني تحاول ان تنتشر بفرض نظام مؤيد لوجهة نظر المعتقد أو الرأى الديني. ويعرض الكتاب لجدول شامل يبين فيه الفرق بين الإرهاب التقليدي وإرهاب الإنترنت ومنها يتبين لنا أن هذا الأخير يتسم بأنه أخطر وأشد لتعدد وتنوع واتساع أهدافه مع توفير قدر كبير من السلامة للمهاجمين وضمان عدم تعرضهم للخطر أو اكتشاف هوياتهم أو المواقع التي شنوا منها هجماتهم، فضلا عن تنوع الاماكن التي يضرها الإرهاب محليا وإقليميا وعالميا ويمتد إلى جهات متنوعة في أزمنة ممتدة. ويشير الكتاب إلى أنه يمكن للإرهابيين استخدام الإنترنت في جمع الأموال من خلال التبرعات أو التدريب أو أخذ مشورة الخبراء أو المساعدة في عمل وثائق مزورة أو تبادل الأسلحة، كما قد يرتبط الإرهاب ببعض الجرائم الأخرى مثل غسل الأموال والمخدرات واستخدام هذه الأموال غير المشروعة في تمويل الانشطة الإرهابية العدوانية ودعم أعمال الوحشية والعنف ضد الضحايا الأبرياء، كما يستخدم الإنترنت باعتباره وسيلة غير مكلفة لتنظيم وتنفيذ أنشطة جمع الأموال بشكل غير مباشر من خلال غرف الدردشة. وأخيرا لا يكتفي الكتاب برصد الظاهرة وإنما يسعى إلى تقديم رؤى لمواجهتها من خلال ما يمكن وصفه بروشتة تربوية يمكن من خلالها مواجهة إرهاب الإنترنت تشمل مساعدة المؤسسة الدينية على تعريف الأبناء بصحيح الدين والحوار الدائم مع الأبناء ومناقشتهم في أمر دينهم ودنياهم وتوضيح العلاقة المتكاملة بين الدين والدنيا، هذا فضلا عن مجموعة من الرؤى العامة بشأن دور المدرسة والمنظمات التعليمية والمؤسسات السياسية والإعلامية وغيرها على النحو الذي يمكن أن يقوض من استخدام الشبكة العنكبوتية في عمليات الإرهاب. ويحاول كتاب الدكتور أحمد دراج أن يضعنا في سياق صورة أخرى مختلفة في النظر لقضية الإرهاب تتعلق بأثر العولمة، مشيرا إلى أنه إذا كان للعولمة مزايا ترتبط بالثورة التكنولوجية على نحو ما اوضحنا في تناول الكتاب السابق، من جهة الثورة التكنولوجية في القرن العشرين وأهمية تلك التكنولوجيا في تسهيل النقل والمواصلات، فإنها من ناحية ثانية ضارة بالمجتمع، حيث تسهم في عملية تفكيك المجتمعات من خلال نشر حالة من عدم الاستقرار الاجتماعي مستغلة في ذلك التكوين الفسيفسائي للمجتمعات العربية مثل العراق وسوريا ولبنان والسودان واستنفار الجماعات الإثنية العرقية لتحويل الدين إلى حالات تدين متصادم يصل بتلك الجماعات إلى مواجهة بعضها البعض وتصبح الأنظمة الحاكمة بذلك في حاجة دائمة لمسكن يضمن بقاءها في مواجهة التفتت والتشظى، ومن ثم عليها الاختيار بين الدمار أو الفوضى أو البقاء على حافة الأعراف بين الانتحار والحياة كالأموات. على هذه الخلفية يشير المؤلف إلى أن قضية انتشار الجماعات المتطرفة التي تنتهج العنف والإرهاب بدرجاته وصوره المتعددة هي إحدى نتائج تفكيك المجتمع بإثارة الاضطرابات وتبديد هويته القومية بعد أن كانت الوحدة الوطنية أهم الثوابت الوطنية للمجتمعات القديمة ومنها على سبيل المثال المجتمع المصري. وفي محاولة لتقديم رؤية خاصة بشأن ظاهرة الإرهاب ومدى ارتباطها بظاهرة العولمة وعملية تفكيك المجتمعات يفرد المؤلف جزءا خاصة في الكتاب لهذا الجانب، مشيرا إلى أن الإرهاب نشأ في المنطقة العربية كظاهرة اجتماعية فردية ثم تحولت إلى العمل الجماعي المنظم مع تطور الردع العام والخاص في النظم القانونية الوضعية حيث قامت فرق الجماعات الباطنية المختلفة باتخاذ العمل الإرهابي طريقا للوصول للسلطة في البلاد العربية وامتدت أعمالها التي انطلقت من الأهواز مرورا بالكوفة والشام واليمن وصولا إلى ساحل الشمال الأفريقي واستهدفت أعمالهم الإرهابية الأرواح والأموال والممتلكات وهتك الأعراض واستباحة المحرمات. غير أن المؤلف لا يتجاوز في تقديمه لهذا الجانب المتعلق بنشأة ظاهرة الإرهاب سوى صورة أرشيفية لا تتجاوز كتابات بشأن بعض الأحداث التاريخية وصولا إلى نشأة جماعة الإخوان على يد حسن البنا والذي فرض فهمه الخاطئ أو المراوغ المضلل لفقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووظفه سياسيا بشن هجوم على ممثلي السلطة السياسية غير معترف بأن هذا الحق من سلطة الدولة وأجهزتها ومؤسساتها عبر السلطة القضائية ووفق الدستور والقوانين المنظمة وهو ما يدعوه للتأكيد على ضرورة عدم إغفال أو نسيان دور البنا في فتح الباب أمام العنف الاصولي لجماعته بقتل القاضي أحمد الخازندار ورئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي باشا. ويقفز بنا المؤلف قفزة تبدو غير منطقية حين يحصر الإرهاب في جماعة الإخوان منتقلا من البنا إلى التطور الأخير الذي شهدته مصر في فترة ما بعد ثورة يناير حيث يشير إلى أن الجماعة انتقلت بخطاب البنا إلى المرحلة الجديدة التي اقتنصت فيها لنفسها سلطة موازية لسلطة الدولة بتأن وبطء شديدين في المدرسة والمسجد ورعاية الشئون الاجتماعية للفقراء والمعوزين بل وتعلو على سلطة الدولة وأداء مؤسساتها الرسمية، وهو ما انتقل بالجماعة لما يصفه بطورها الأخير حيث تبدت الجماعة بعد 30 يونيو كجماعة عنف مسلح وقلاقل وفوضى وتخريب تتواطأ في ثياب ملطخة بدماء غزيرة .. دماء شهداء الوطن والواجب ودماء الأبرياء.