ستظل القضية 1227 لسنة 2011 سُبة في جبين نظام مبارك وسيظل التاريخ يذكر أن رأس النظام حرض علي قتل المتظاهرين، ليس في ميدان التحرير وحده بل في جميع محافظات مصر. هذا ما أكدته تحقيقات النيابة العامة التي سجلت ما يقرب من 1600 شهادة في 14 ألف ورقة تعد وثيقة إدانة لمبارك و«السفاح» حبيب العادلي ومساعديه الستة ومن عاونهم. تنفرد «الوفد الأسبوعي» بنشر أقوال وشهادات آباء وأقارب المتوفين، الذي قضوا نحبهم برصاصات الداخلية وقوات الأمن المركزي في عدد من محافظات مصر التي اشتعلت بالثورة. ومن محافظة الغربية سجلت تحقيقات النيابة وقائع قتل عشوائية تمت من قبل قوات الأمن المركزي بتعليمات من قيادات «الداخلية»، وكان والد الطالب أمين محمد أمين الذي استشهد في طنطا أثناء تلقيه «كورسات» في بعض المواد، ووجهت النيابة سؤالها إلي والده: متى وأين حدث ذلك؟ الأب: ابني توفي بتاريخ 29 يناير بعدما انضرب بالنار في شارع الجلاء أمام قطاع الأمن المركزي. النيابة: ما سبب ومناسبة تواجد نجلك في المكان والزمان؟ الأب: هو أكيد كان ماشي علشان كان رايح يركب من موقف الجلاء بعدما لقي أن الشارع مقفول وفيه مظاهرات علشان يومها كان عنده «كورسات» خاصة بالمواد اللي بيدرسها في كلية التمريض. النيابة: ومن كان برفقته آنذاك؟ الأب: هو كان لوحده لكن لما انضرب بالرصاص كان فيه واحد اسمه مصباح خده ونقله للمستشفي. النيابة: هل شاهدت جثة نجلك المتوفي آنذاك؟ الأب: أنا ما شوفتوش غير وإحنا بننقله في عربية ميكروباص علشان نطلع به علي البلد. النيابة: وما هي الحالة التي كانت عليها جثة نجلك؟ الأب: هو كان ملفوف في ملاية وده اللي أنا شوفته. النيابة: وما الذي قرره لك شقيقك بشأن الحالة التي كانت عليها جثة نجلك؟ الأب: هو قاللي إن فيه طلقة في قلبه وحواليها رش ناري في الصدر. النيابة: وهل تم تحرير محضر بشأن وفاة نجلك؟ الأب: لأ.. لأن ما كانش فيه أمين الشرطة بتاع نقطة المستشفي ولا القسم بسبب المظاهرات اللي كانت في البلد. النيابة: وهل قمت باستخراج تصريح دفن جثة نجلك؟ الأب: لأ.. علشان ما كانش فيه دكاترة موجودين في الوحدة الصحية ومدير الوحدة كان في مصر ولما اتصلنا به قال إنه مش هيعرف ييجي بسبب المظاهرات وان الطرق مقفولة. النيابة: وما الذي قرره لك الشاهد تحديداً بشأن ذلك؟ الأب: قاللي إن قوات الأمن المركزي اللي كانت في أبراج المراقبة بتاعة قطاع الأمن المركزي اللي في شارع الجلاء هى اللي كانت بتضرب نار وقتها. النيابة: ومن تتهم تحديداً بإصابة نجلك؟! الأب: أنا أتهم قوات الأمن المركزي.. ومن الغربية إلي بني سويف حيث احتشد الآلاف للمطالبة بإسقاط النظام الذي أمر قواته بالضرب في المليان.. سجلت القضية رقم 4031 لسنة 2011 جنايات قسم بني سويف والمقيدة برقم 176 كلي بني سويف شهادات حية، منها شهادة عبدالرحمن إبراهيم حسين عبدالباقي الذي قال إنه بتاريخ 29 يناير خرج برفقة المجني عليه جابر أحمد عبدالباقي لمشاهدة ما يجري في المظاهرات وحال وقوفه أمام مكتب البريد بشارع عبدالسلام عارف شاهد قوات الأمن المركزي تطلق الأعيرة النارية تجاه المتظاهرين مما نتج عنه إصابة المجني عليه سالف الذكر بالصدر وتوفي علي اثرها. وقد سجلت النيابة العامة ملاحظات علي وفاة المجني عليه بقولها: ثبت من تقرير الصفة التشريحية أن إصابته نارية حدثت من الإصابة بمقذوفات متعددة من الرش اخترقت التجويف الصدري وأحدثت تهتكات بالرئة اليسري والقلب ولا يوجد ما يتعارض مع جواز حدوثها وفق التصوير الوارد بالأوراق وفي تاريخ يتفق وتاريخ الواقعة. محمد محروس جمعة يوسف نجار موبيليا مقيم ببندر بني سويف شهد قائلاً: المجني عليه وليد حمدي أبو طالب شارك في مظاهرة سلمية وقوات الأمن المركزي أطلقت القنابل المسيلة للدموع وأعيرة نارية خرطوش ورصاصاً صوب المتظاهرين مما نتج عنه إصابة المجني عليه سالف الذكر ووفاته. وسجلت النيابة ملاحظاتها حيث أكدت أن الإصابة بعيار ناري مفرد أطلق من سلاح ناري يتعذر تحديد عياره وأن إصابته جائزة الحدوث وفق التصوير الوارد بالأوراق. ومازالت الشهادات تتوالي لتكشف وتفضح أكاذيب اللواء أحمد رمزي مساعد الوزير الأسبق لقوات الأمن المركزي الذي أكد في التحقيقات أنه لم يصدر أوامر بإطلاق النار علي المتظاهرين، ففي شهادة ناصر محمد عيسي (مهندس زراعي) والمقيم بمحافظة بني سويف جاء ما يلي: يشهد بتاريخ 92 يناير في الساعة الرابعة عصراً أنه خرج لاستطلاع أمر المظاهرات فوقف علي ناحية الحارة التي يقيم بها فشاهد مظاهرة حاشدة يبلغ عددها 5 آلاف متظاهر يرددون عبارات تدعو لسقوط النظام ووزير الداخلية ويتجمعون بميدان الزراعيين وكانت قوات الأمن المركزي بالقرب من الحماية المدنية قامت بإلقاء القنابل المسيلة للدموع علي المتظاهرين لفض المظاهرة ثم قامت قوات الشرطة بإطلاق الأعيرة النارية الخرطوش في الهواء واستمرت في ذلك لمدة نصف ساعة وقامت تلك القوات بإطلاق الأعيرة النارية تجاه المتظاهرين فأصيب من جراء ذلك بطلق خرطوش أعلي العين اليسري وبالأذن اليمني. بينما جاءت شهادة خالد محمد نور الدين عبدالعاطي لتؤكد الهدف الأسمي لخروج المتظاهرين ببني سويف في المظاهرات. النيابة: ما معلوماتك بشأن الواقعة محل التحقيق؟ الشاهد: اللي حصل أن يوم السبت 92 يناير بعد صلاة الظهر الناس اتجمعت وقامت بمسيرة كمظاهرة بهدف إسقاط النظام والقضاء علي الظلم وجابت المظاهرة شوارع المدينة كلها ومع أذان العصر تجمعت المظاهرات عند ميدان الزراعيين. النيابة: وإلي أين كانت تتجه المظاهرة؟ الشاهد: في الأول تمركزنا بميدان الزراعيين وبعد كده بدأنا نتحرك علشان نعدي من قدام المطاحن ناحية أمن الدولة، راحت الشرطة منعتنا. النيابة: ما هي كيفية قيام الشرطة بمنع المتظاهرين؟ الشاهد: الشرطة ضربت بالقنابل المسيلة للدموع. النيابة: وما هو رد فعل المتظاهرين آنذاك؟ الشاهد: المتظاهرون مسكوا القنابل المسيلة للدموع ورموها علي الشرطة مرة ثانية ورموا كمان الحجارة والطوب علي الشرطة. النيابة: وإلي أي جهة تنتمي أفراد الشرطة الذين كانوا يتعاملون مع المتظاهرين بإطلاق القنابل؟ الشاهد: هم قوات أمن مركزي علشان كانوا لابسين أسود. النيابة: وما الذي بدر من تلك القوات؟ الشاهد: هم بدأوا يتحركوا بالعربيات المصفحة ناحية المتظاهرين وبدأوا يرضبوا طلقات خرطوش. النيابة: هل قام المتظاهرون بالفرار؟ الشاهد: لا.. المتظاهرون بدأوا يضربون العربات المصفحة بالطوب والزجاجات الحارقة وراحت الشرطة بعد كده ضربت المتظاهرين بالرصاص الحي والخرطوش. النيابة: وفي أي اتجاه بدأت تلك القوات تطلق الأعيرة النارية؟ الشاهد: الأمن المركزي بدأ يضرب بالنار في جميع الاتجاهات. النيابة: وما وصف نوع الأسلحة التي كانت تطلق من تلك الأعيرة النارية؟ الشاهد: الأمن المركزي كان بيضرب ببنادق خرطوش وبنادق آلي. النيابة: وهل أصيب أحد المتظاهرين من جراء إطلاق النار؟ الشاهد: أيوه فيه ناس كتير من المتظاهرين اتصابت من ضرب النار اللي كانت بتضربه قوات الأمن المركزي علي المتظاهرين. ومن محافظة القليوبية سجلت أوراق النيابة شهادة لأب بسيط يعمل في «فرن بلدي» فقد نجله الذي يعمل في أحد مصانع الملابس ويساعد في «مصروف البيت» الأب الذي يدعي مجدي ماهر أحمد بلال فرج يبلغ من العمر 15 عاماً، ووجد ابنه بعد البحث عنه في المستشفيات بعدما عرف بنبأ استشهاده. النيابة: متي وأين حدث ذلك؟ الأب: الكلام ده حصل يوم 28 يناير بالليل في دائرة قسم ثان شبرا الخيمة بعدما عرفت من الأهالي أن ابني مات توجهت إلي المستشفي وعرفت أن الأهالي كانوا قاطعين الطريق أمام القسم وهو نفس الطريق اللي كان بيرجع منه. النيابة: وما هي حالة نجلك المتوفي رحمه الله تعالي حال وصوله إلي مستشفي ناصر العام؟ الأب: أنا عرفت من المستشفي أن ابني دخلها متوفي زي ما هو مكتوب في التقرير الطبي. النيابة: وهل ثبت الإصابات الموجودة بجثة نجلك؟ الأب: أنا لما بصيت علي الجثة في الثلاجة لما كنا بنغسله كان فيه طلقة في جنبه اليمني وكان محطوط فيها قطن. النيابة: وهل نما إلي علمك إطلاق أعيرة نارية من أي من أحد المتظاهرين في ذلك الوقت؟ الأب: لا.. اللي كانا بيضربوا النار هما بتوع قسم ثان شبرا الخيمة الضباط والعساكر. النيابة: وهل نما إلي علمك نوع العيار الناري المستخدم في إحداث وفاة نجلك؟ الأب: أنا شوفت مكان الطلقة بس. النيابة: هل تتهم تحديداً أحداً بإحداث إصابة نجلك؟ الأب: أنا أتهم ضباط وعساكر قسم ثان شبرا الخيمة بإحداث إصابة نجلي وأنهم موتوه. النيابة: هل تم تحرير محاضر أخري بوفاة نجلك؟ الأب: لأ.. ما عملناش أي محاضر لأن الوقت ده كان ثاني يوم ما كانش فيه حكومة في القسم وأخذنا الجثة ودفناها في مركز زفتي بالغربية. النيابة: وهل ترغب في استخراج جثة نجلك لتشريحها؟ الأب: لا.