المدارس اليابانية تعلن موعد مقابلات الطلاب الجدد    نتيجة الصف الرابع الابتدائي الترم الثاني في جميع المحافظات عبر بوابة التعليم الأساسي 2024    تعرف على أدوار القديس فرنسيس في الرهبانيات    تراجع سعر الذهب اليوم في السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات السبت 25 مايو 2024    خبير اقتصادي: الحرب بالنسبة لأصحاب القضية تتطلب التضحية بالنمو الاقتصادي    وليد عبدالعزيز يكتب: المقاطعة أهم أسلحة مواجهة الغلاء.. «المُستهلك سيد السوق»    محافظ الغربية: إزالة 8 حالات تعدي ومخالفات بناء بالغربية| صور    فلسطين.. قوات الاحتلال تقتحم مدينة قلقيلية وتداهم منازل المواطنين    ضياء رشوان: الاعتراف بالدولة الفلسطينية دون مفاوضات نموذج طرحته مصر وبدأ يجتاح العالم    «شيء يضحك».. عمرو أديب عن نشر إسرائيل صورة محمد شبانة    عمرو أديب عن نهائي دوري أبطال إفريقيا: عاوزين الأهلي يكمل دستة الجاتوه    6 نهائيات.. جدول مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    بولونيا يودع مدربه بهزيمة مفاجئة أمام جنوب بالدوري الإيطالي    الأرصاد تحذر من ارتفاع شديد في درجات الحرارة: يشبه الموجة الماضية    رابط نتيجة الشهادة الإعدادية بالقاهرة، اعرف نتيجتك بسرعة الترم الثاني من هنا    مصرع طفل دهسته سيارة في القليوبية    مع انطلاقها.. متى تنتهي امتحانات الدبلومات الفنية 2024؟    مصرع طفل غرق في حمام سباحة مركز شباب بالقليوبية    بعد واقعة معدية أبو غالب.. برلماني يطالب بإنشاء كباري لتفادي الحوادث    إصابة 16 شخصًا في انقلاب أتوبيس عمال بطريق الأدبية - السويس    حبس فتاة «بلوجر» بتهمة الزنا في حلوان    علاء مرسي يقبل يد محمد هنيدي في عقد قران ابنته (صور)    أول تعليق من مخرج فيلم «رفعت عيني للسما» بعد فوزه بجائزة مهرجان كان    فالفيردي: ويليامز لعب لمدة عامين وفي قدمه قطعة زجاج    رفع اللقب في اللقطة الأخيرة.. بونجاح يتوج مع السد ب كأس أمير قطر    سيطرة إيطالية على التشكيلة المثالية للدوري الأوروبي    إنبي: محمد صلاح وراء رغبتنا في عدم انتقال حمدي وحواش للقطبين    سعر الفراخ البيضاء والأمهات والبيض بالأسواق فى بداية الأسبوع السبت 25 مايو 2024    واشنطن تعلن إرسال مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا ب275 مليون دولار    مجلس الأمن يدعو إلى حماية العاملين في المجال الإنساني    تركيا تدعو الأمم المتحدة للضغط على إسرائيل بعد قرار محكمة العدل    محمد شبانة يعلن مقاضاة إسرائيل بسبب «صورته».. وعمرو أديب: «دي فيها مليون شيكل» (فيديو)    عمدة برلين يدافع عن الإجراءات الصارمة التي اتخذتها الشرطة ضد متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين    أبو هشيمة يعلن مد فترة استقبال الأفكار بمسابقة START UP POWER لنهاية يونيو    تصل ل10 آلاف جنيه.. بشرى سارة بشأن انخفاض أسعار الأضاحي    سعر البصل والطماطم والخضروات في الأسواق بداية الأسبوع السبت 25 مايو 2024    جيرونا ينهي موسمه باكتساح غرناطة.. وصراع مشتعل على الهداف    حظك اليوم برج الحوت السبت 25-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    العصبية خسرتني كتير.. أبرز تصريحات أحمد العوضي مع عمرو الليثي    حدث بالفن| نجوم الفن في عقد قران ابنة علاء مرسي أول ظهور ل محمد عبده بعد إصابته بالسرطان    الفيلم السعودي "نورة" يحصل على "تنويه خاص" من مهرجان كان السينمائي    الفنان أحمد عبد الوهاب يحتفل بعقد قران شقيقته بحضور نجوم الفن (صور)    حجاج صينيون يضعون علامات على رؤوسهم أثناء دخول الحرم المكي.. ما القصة؟    مؤسس طب الحالات الحرجة: أسعار الخدمات في المستشفيات الخاصة ارتفعت 500% ولا توجد شفقة    أبو بكر القاضي: قانون"تأجير المستشفيات" يُهدد استقرار الاطقم الطبية    تكوين: لن نخوض مناظرات عقائدية تخص أي ديانة فهذا ليس في صميم أهدافنا    5 أعراض تدل على الإصابة بأمراض القلب    هل تعشق البطيخ.. احذر تناوله في هذا الوقت    15 درجة.. حسام موافي يوضح أخطر مراحل الغيبوبة    أعضاء القافلة الدعوية بالفيوم يؤكدون: أعمال الحج مبنية على حسن الاتباع وعلى الحاج أن يتعلم أحكامه قبل السفر    الوضع الكارثى بكليات الحقوق «2»    قوافل جامعة المنوفية تفحص 1153 مريضا بقريتي شرانيس ومنيل جويدة    متي يحل علينا وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024؟    المفتي يرد على مزاعم عدم وجود شواهد أثرية تؤكد وجود الرسل    من صفات المتقين.. المفتي: الشريعة قائمة على الرحمة والسماحة (تفاصيل)    التعليم العالي: جهود مكثفة لتقديم تدريبات عملية لطلاب الجامعات بالمراكز البحثية    الإفتاء: الترجي والحلف بالنبي وآل البيت والكعبة جائز شرعًا في هذه الحالة    وزير الري: إفريقيا قدمت رؤية مشتركة لتحقيق مستقبل آمن للمياه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التأويل الخاطئ للقرآن وتحريفه على يد المتطرفين سبب مشاكل المسلمين
اللواء أ. ح حسام سويلم يواصل كشف حقيقة تنظيم «داعش» وتحذير الرسول من ظهوره
نشر في الوفد يوم 28 - 07 - 2015

عندما عجز أئمة الضلال عن الطعن فى آيات القرآن لأن الله تعالى هو الذى تكفل بحفظه، اخترعوا فكرة شيطانية باطلة أطلقوا عليها «علم الناسخ والمنسوخ»، حيث يزعم هؤلاء ومعهم دعاة الإرهاب والتطرف أن كل الآيات التى تتعارض مع دعاويهم فى التكفير والقتل والإكراه والعنف باسم الدين منسوخة بما يسمونه ب (آية السيف) وهى الآية الخامسة من سورة التوبة!! يبلغ عدد الآيات المنسوخة فى زعمهم 113 آية إذ ادعوا ليس فقط وجود آيات تنسخ آيات أخرى تلاوة وحكماً، وآيات أخرى تنسخ آيات تلاوة مع بقاء حكمها، ونوع ثالث تُنسخ حكماً مع بقائها تلاوة، بل وصل بهم الجهل والغواية إلى وجود أحاديث نسخت آيات من القرآن وأحاديث نسخت أحاديث، إلى هذا الحد كان استخفافهم بآيات القرآن وسنة رسوله، هذا برغم وجود آيات قرآنية واضحة وقاطعة فى استحالة وجود ناسخ أو منسوخ فى القرآن، منها قوله تعالى: (ما يُبدل القول لدى وما أنا بظلام للعبيد) «ق - 29» وقوله تعالى أيضاً (لا تبديل لكلمات الله) «يونس - 64»، وقوله تعالى أيضاً (أفلا يتدبرون القرآن، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) «النساء - 82»، وحديث سيدنا رسول الله محذراً: «يا قوم بهذا ضلَّت الأمم قبلكم باختلافهم عن أنبيائهم، وضربهم الكتاب بعضه ببعض، ولكن نزل القرآن مصدق بعضه بعضاً، ما عرفتم منه فاعملوا به وما تشابه فآمنوا به»، أى بهذا الذى تختلفون حوله من الكلام عن القضاء والقدر والجبر والاختيار، ثم الخوض فى سيرة أصحاب سيدنا رسول الله، ثم الخوض فى أخبار الكواكب السماوية ضلت الأمم السابقة بعدم طاعتهم لأنبيائهم، ولكن القرآن نزلت آياته تصدق بعضها بعضاً، فلا اختلاف بينها، وأن ما علمنا من هذه الآيات علينا أن نعمل بها، وما تشابه علينا فهمه فعلينا أن نؤمن بها حتى يتفضل المولى عز وجل علينا ورسوله بأن نعلم المقصود منها فنعمل أيضاً بها، وهو ما يعنى أيضاً أن ما أنزله الله تعالى من أحكام وأوامر إلهية فى كتابه الكريم، لا يمكن مطلقاً أن يتعرض للتبديل أو التغيير.. تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، إذ يستهدفون من وراء ذلك تشكيك المسلمين فى كتاب الله وسنة رسوله.
ويستند مبتدعو علم الناسخ والمنسوخ فى دعواهم الباطلة هذه إلى آية قوله تعالى: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) (البقرة - 106)، فى حين أن لفظ (آية) قد ورد بالعديد من المعانى بالإضافة إلى إطلاقه على الآيات القرآنية من ذلك قوله تعالى: (إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت) (البقرة - 248) أى أن لفظ آية يعنى الدليل والبرهان، كما يطلق لفظ (آية) أيضاً على العبرة والتذكرة كما فى قوله تعالى: (فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية) «يونس - 92»، كذلك يطلق لفظ (آية) على المعجزات، من ذلك قوله تعالى: (واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى) «طه - 22»، ويطلق أيضاً لفظ (آية) على الرسل ذاتهم باعتبارهم آيات الله ومعجزاته الكبرى فى الوجود مثل قوله تعالى عن سيدنا عيسى عليه السلام (لنجعله آية للناس) «مريم - 20» لذلك لا يمكن أن يقتصر فهمنا للفظ (آية) فقط على آيات القرآن، وأن معنى كلمة (آية) فى الآية القرآنية التى يستند إليها هؤلاء المرجفون (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها، ألم تعلم أن الله على كل شىء قدير)، إنما تبين أن كل ما يفعله الله تعالى من نسخ لمعجزاته فى الوجود أو تأجيل لها، إنما هو خير من الله لعباده لأنه الأعلم بهم وما يصلح لهدايتهم وهو على كل شىء قدير.
ولقد لجأ أصحاب مؤلفات الناسخ والمنسوخ فى تحديدهم لما أسموه بالآيات الناسخة والآيات المنسوخة إلى الآراء الشخصية لكل منهم.. من ذلك أبوجعفر النحاس فى كتابه (الناسخ والمنسوخ) أن عدد الآيات المنسوخة 252 آية، فى حين يرى مؤلف كتاب «بصائر ذوى التمييز» أن الآيات المنسوخة 204 آية، أما أبوالقاسم هبة الله ابن سلامة فى كتاب «الناسخ والمنسوخ» فقد رأى أن عدد الآيات المنسوخة فقط 63، وينخفض كتاب «الإتقان فى علوم القرآن» لجلال الدين السيوطى بعدد الآيات المنسوخة إلى 22 فقط، ويتفق معه فى هذا الرقم كتاب «مناهل العرفان» للدكتور الزرقانى أما د. سعاد جلال فى بحث «إثبات النسخ على مفكريه» فى مجلة «المنار» مايو 1976 فيرى أن هناك أربع آيات فقط اعتبرها منسوخة.
وعلى النقيض من كل هؤلاء نجد عدداً من العلماء المحدثين استنكروا بشدة ما يقال عن علم الناسخ والمنسوخ، وأن رواياته الباطلة والمدسوسة تستهدف تشكيك المسلم فى دينه، منهم الشيخ محمد محمد ندا، مدير عام بحوث الدعوى بوزارة الأوقاف، الذى أكد فى كتابه «النسخ فى القرآن بين المؤيدين والمعارضين» أن كافة مزاعم الناسخ والمنسوخ باطلة، وأنها لا تستهدف سوى التشكيك فى الحفظ الإلهى للقرآن، وفى الرسول والصحابة، كما أنكر الشيخ محمد أبوزهرة فى كتابه «زهرة التفاسير» بأنه «لا نسخ فى القرآن قط لأن شريعة الله تعالى باقية إلى يوم القيامة»، كذلك استنكر الشيخ محمدالغزالى فى كتابه «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث» الروايات التى تدعى بوجود نسخ لآيات القرآن، ووصفها بأنها «تعرض الدين كله للريبة والاتهام»، وفى كتابه «نظرات فى القرآن» نجده يقول: «إن أمرالقرآن أجل وأعز من أن تقبل فيه أخبار تزعم أن هناك آيات أنزلت ثم مُحيت من الأذهان محواً أى نسخت بألفاظها ومعانيها».
خطورة عدم التأويل الصحيح للمتشابه من آيات القرآن
يقول الله تعالى: (هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وآخر متشابهات، فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب) (آل عمران - 7)، توضح هذه الآية أن الله تعالى أنزل القرآن على قلب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على قسمين: القسم الأول: وهى آيات محكمات تتحدث عن أمور العقيدة والعبادات والمعاملات وعددها 330 آية، ولا تحتمل الخروج عن مرمى ألفاظها فى المعانى التى تشتملها، ولهذا اقتصرت جهود أئمة الفقه الأربعة مالك وابن حنبل والشافعى وأبى حنيفة على شرح هذه الآيات وتركوا ما سوى ذلك من الآيات، ولعل كتاب الإمام الشافعى (الأم) يشير إلى تفسير هذه الآيات باعتبارها (أم الكتاب) أما القسم الثانى فهو الآيات المتشابهات وهى باقى آيات القرآن وتشمل القصص القرآنى والأمثال والأخبار الإلهية، وعددها 5895 آية، إذا اعتبرنا أن عدد آيات القرآن كلها 6225 آية، تزيد أو تنقص قليلاً على آراء مختلفة، وإزاء هذه الحقيقة ينبغى أن ندرك أهمية قضية تأويل القرآن، وخطر تجاهل حقيقة وحتمية تأويل الآيات المتشابهات، وهو ما نص عليه المولى عز وجل نصاً صريحاً فى الآية المشار إليها آنفاً.
ولأن الله تعالى اختص «الراسخون فى العلم» فقط بعلم تأويل المتشابه عن آيات القرآن، ولذلك وصفهم ب«الرسوخ فى العلم»، فإنه لا يحق لغيرهم التصدى لهذه الآيات بالتفسير أو بالتأويل من عندياتهم لأنهم فى هذه الحالة سيشتطوا ويخرجوا بالآيات عن معناها الحقيقى ومقصد الهداية منها، وهذا بالضبط ما فعله أئمة الفكر المتطرف الذى اعتمدوا فى نشر أفكارهم المثيرة للفتن والصراعات على عدم إدراك بعض المسلمين لحقيقة حتمية تأويل المتشابه من آيات القرآن، فقاموا بترويج شعارات تعتمد على الفهم الخاطئ لهذه الآيات منها:
1 - تأويلهم للفظ (القتال) وأن المقصود به هو سفك الدماء وإزهاق الأرواح حتى تتخذ من ذلك مبرراً لدعوتها إلى استباحة القتل وسفك الدماء وإزهاق الأرواح لكل من تحكم بتكفيرهم، وإذا رجعنا لآيات القرآن نستدرك أن لفظ القتل - فى تأويل الكثيرين والآيات - يأتى بمعان عديدة أخرى بالإضافة إلى معنى القتال المادى من ذلك مثلاً تأويل بعض الآيات بمعنى قتل الشهوات والأهواء ومجاهدة النفس، مثل قوله تعالى (والذين قُتلوا فى سبيل الله فلن يضل أعمالهم، سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم) «محمد 4 - 6»، وبتدبر هذه الآية تدرك أنها لا تتحدث من قريب أو بعيد عن القتل فى ساحة الحرب وإنما تتحدث عن مجاهدة النفس وقتل ما فيها من أهواء وشهوات، وتُبشرهم بالهداية فى الدنيا، وهو ما يشير إليه قوله تعالى (سيهديهم ويصلح بالهم) بما يظهر أن هؤلاء الذين تتحدث عنهم الآيات أحياء ومازالوا يعيشون، لأنه من البداية أن الهداية لابد وأن تكون فى الدنيا وليس فى الآخرة، لأن الآخرة دار جزاء لا للعمل، يؤكد هذا المعنى أيضاً عبارة «ويصلح بالهم» فمن البديهى أيضاً أن صلاح البال والطمأنينة والسكينة هى أوصاف ينعم بها المؤمن فى حياته، وهؤلاء الذين جاهدوا أنفسهم وقتلوا فيها شهواتهم، يبشرهم الله بجنة القرب الإلهى فى الدنيا وحسن القول فيها قبل انتقالهم إلى جنة الجزاء فى الآخرة، من ذلك قوله تعالى: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التى كنتم توعدون، نحن أولياؤكم فى الحياة الدنيا وفى الآخرة) «فصلت - 30».
كما تتحدث الكثير من الآيات التى ورد فيها لفظ الضلال عن قتال دعوة الباطل ومحاربة أكاذيبه ومفترياته، ومن هذه الآيات قوله تعالى: (وإن نكثوا إيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا فى دينكم فقاتلوا أئمة الكفر، إنهم لا إيمان لهم لعلهم ينتهون) «التوبة - 12» حيث تدعو الآية أئمة الإيمان فى الأمة إلى مقاتلة أئمة الكفر بالحجة والبرهان، فهو صراع فكرى يتصدى فيه أصحاب دعوة الحق بالحجة والبرهان الساطع يقتلون بها دعوات الباطل، وهو ما لا علاقة به بالقتال المادى الذى يحاول أئمة الفكر المتطرف الترويج له يتأكد ذلك أيضاً من قوله تعالى فى نهاية الآية (لعلهم يهتدون) وهو ما يعنى أن هذا القتال لا يستهدف قتلاً مادياً وإسالة دماء أئمة الكفر وإنما مواجهة دعوة الباطل التى يقودونها حتى ينتهوا عن إثارة الفتنة، ويتوقفوا عن نشر دعوتهم الباطلة ولقد كان هذا هو قتال رسل الله الكرام مع أئمة الكفر فى أقوامهم، كما حدث مع سيدنا إبراهيم مع الذى حاجه فى ربه فأقام حضرته الحجة عليه حتى بُهت الذى كفر (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه) «الأنعام - 82).
2- وإذا تناولنا تأويل لفظ (الهجرة)، حيث انتشر بين الجماعات المتطرفة مفهوم خاطئ لمعنى الهجرة فى قوله تعالى: (الذين تتوفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم، قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الأرض، قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) «النساء - 97»، حيث تعتبر الجماعات المتطرفة أن هذه الآية تأمر بهجرة الأرض وترك الأهل والديار، فى حين أن التأويل الصحيح للفظ (الهجرة) فى هذه الآية تعنى هجرة النفس والهوى والشيطان إلى الحق تعالى وليس هجرة المكان إلى مكان آخر، يتأكد هذا المعنى فى آية قوله تعالى: (فأمن له لوط وقال إنى مهاجر إلى ربى إنه هو العزيز الحكيم»، وتتضح خطورة الانصراف عن قاعدة التأويل فى هذا المثال فيما حدث عن الفتن التى ترتبت على عدم إدراك التأويل الصحيح للهجرة، فما أكثر الأسر التى تعرضت للتفكك والضياع نتيجة هجرة عائلها وأبنائها ممن سقطوا ضحية المفهوم الخاطئ للهجرة، فتركوا الأهل والبيت وذهبوا إلى كهوف الجبال أو فى بلاد أخرى، فاستباح الأعداء أرضهم وديارهم وحرماتهم بعد أن تركها أبناءها دون من يدافع عنها.
ومن كتب التراث التى يستند إليها المتطرفون والإرهابيون فى هجرة الأرض والأهل والديار كتاب «زاد المسلم» فيما اتفق عليه البخارى ومسلم حيث يقول فى ص 98 «وجوب الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام مع ترك المسلم لأبويه وأولاده»، وكتاب «تفسير الطبرى» الجزء الثانى ص 1919، حيث يستفيض فى شرح أحكام هجرة المكان وكذلك كتاب «أحكام القرآن» لأبى بكر العربى الذى يدعو فى ص 469 إلى نفس المفهوم السقيم عن الهجرة، يشاركه فى هذا الرأى كتاب «التفسير الواضح» لمحمد محمد حجازى ص 49 الجزء الخامس، هذا بالإضافة لكتب تراث أخرى تدعو إلى هجرة الأرض والديار بعد تكفير الناس فيها.
3 - تقسيم البلاد إلى دار حرب ودار سلام، حيث نهج المتطرفون إلى تقسيم البلاد الإسلامية إلى قسمين على أساس تطبيق الشريعة من عدمه، فقد استحل سيد قطب فى كتابه «فى ظلال القرآن» ص 874 حرمات المسلمين داخل دار الحرب، كذلك ابن تيمية الذى يكثر من تكفير وقتل المسلمين مثل «الفتاوى الكبرى» و«السياسة الشرعية فى إصلاح الراعى والرعية»، والتى يصل فيها ابن تيمية إلى قمة تطرفه حين يدعو إلى قتل المسلم الذى يجهر بالنية فى صلاته بدعوى أنه بذلك يشوش على من حوله!! (المجلد الأول ص 1) كما يروج لأحاديث مدسوسة تدعو إلى الأمية وتحريم العلم (المجلد الأول ص 165) كذلك كتاب «نحو الدستور الإسلامى» ص 96 لمؤلفه أبوالأعلى المودودى الذى يُروج لحديث مدسوس يقول: «إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»، بمعنى أن من يصر على ارتكاب المحرمات دون أن يكون له وازع من القرآن، أن يتم فرض الوازع عليه بالسيف والنار، وهو ما يتعارض مع بديهيات الإسلام التى تنهى عن الإكراه فى الدين وقوله تعالى: (إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم)، ومن ثم فإن من لم يزعه القرآن فلا وازع له، ناهيك عما جاء فى كتب سيد قطب والمودودى التى تدعو إلى الانقلاب على الحكومات القائمة بالقوة المسلحة باسم الدين، بدعوى إقامة الحكومة الإسلامية مثل حكومة الملالى فى إيران، ومن الكتب التى تروج لذلك أيضاً «الحكومة الإسلامية» للمرجع الشيعى آية الله الخومينى، حيث يقول عن حسن حنفى فى مقدمة الكتاب «يتصف منهج الإمام الثورى بأنه منهج انقلابى.. ذلك أن تغيير المجتمعات الإسلامية ممكن فقط بعد قلب أنظمة الحكم فى الدول العربية والإسلامية الراهنة، وتغيير السلطة فيها، فالثورة الإسلامية واحدة تبدأ فى إيران ولم تتوقف حتى تأتى على النظم الإسلامية كلها وفى الكتاب نفسه من ص 145 إلى ص 150 يتحدث الخومينى عن الوسائل التى يجب اتباعها لتدمير الحكومات الفائزة وتحين الفرصة للاستيلاء على السلطة فيها.
الرسول يضع أساس الكشف عن الأحاديث الموضوعة
أدرك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحكم البصيرة الإلهية التى منحه الله تعالى إياها.. على حكم قوله تعالى (قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى) «يوسف - 108»، بأن من أسباب الفتن التى ستعصف بالأمة الإسلامية فى مستقبل أيامها ما سيعتمد عليه مثيرو هذه الفتن من أحاديث موضوعة تنسب زوراً وبهتاناً لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبما تخدم أهدافهم، ولذلك وضع حضرته ميزان الحكم بين الحديث الصحيح والحديث الزائف والموضوع، ذلك فى حديثه الشريف: «ستختلفون من بعدى، فما جاءكم عنى فاعرضوه على كتاب الله، فما وافقه فهو منى وما خالفه فليس عنى» هذا الحديث بديهى لأن كل من آيات القرآن وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والأحاديث القدسية، كلها من عند الله أنزلها على قلب حضرته، فلا يمكن أن يكون بينهم خلاف، وإذا وجد خلاف أو تضارب بين آيات القرآن وأحاديث حضرته، فلابد أن تكون هذه الأحاديث موضوعة ولو أساس لها من الصحة، لأن آيات القرآن لا يمكن أن يأتيها الباطل من أمامها، ولا من خلفها، لأن المولى عز وجل تكفل بحفظ القرآن من أى دس أو تحريف.
مصداقاً لقوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، كما أن أحاديث الرسول هى تبيين لما أنزله الله تعالى فى القرآن وتفصيل لما أجمل فيه مصداقاً لقوله تعالى: (أنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) «النحل - 44»، ولقد أكد الكثير من العلماء الأقدمين والمحدثين حقيقة استحالة وجود تعارض أو تناقض بين آيات القرآن والأحاديث الصحيحة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، من ذلك كتاب «مقدمة علوم الحديث» لأبى عمرو بن الصلاح، فى ص 212، إذ قال: «من علامات الحديث الموضوع مخالفته للقرآن»، كذلك الشيخ محمد عبده فى تفسير المنار الجزء الثالث ص 117، والشيخ محمد محمد أبوشهبة فى كتابه «فى رحاب السنة» ص 38، والشيخ محمد الغزالى فى كتابه «تراثنا الفكرى فى ميزان الشرع والعقل» ص 151، ود. محمد حسنين هيكل فى كتابه «حياة محمد» ص 67 والتى قال فيها «إن خير مقياس يُقاس به الحديث.. وتُقاس به سائر الدنيا، التى ذكرت عن النبى ما روى عنه عليه السلام أنه قال: «إنكم ستختلفون من بعدى، فما جاءكم عنى فاعرضوه على كتاب الله، فما وافقه فهو منى وما خالفه فليس عنى»، وهذا مقياس دقيق أخذ به أئمة المسلمين منذ العصور الأولى، ومازال المفكرون منهم يأخذون به إلى يومنا الحاضر»، واستشهد هيكل بابن خلدون فى قوله «إننى لا أعتقد صحة سند حديث ولا قول لعالم صحابى يخالف ظاهر القرآن، وإن وثقوا رجاله.. قرب راوٍ يوثق للاغترار بظاهر حاله وهو سيئ الباطن، ولو انتقدت الروايات من جهة فحوى متنها كما تنتقد من جهة سندها لقضت المتون على كثير من الأسانيد بما تقضى» وهذا الذى ذكره المحققون من علماء المسلمين يتفق تماماً مع قواعد النقد العلمى الحديث أدق إتقان، وقد أشاد شيخ الأزهر آنذاك الشيخ مصطفى المراغى بهذا الكتاب وأثنى عليه.
لذلك نجد جميع المنظمات المتطرفة والإرهابية تستند فقط فى ترويج أفكارها وأهدافها وممارساتها إلى مجموعة من الأحاديث الموضوعة التى تخدم مخططاتهم، بل ويسعون إلى لىّ معانى آيات القرآن بما يخدم هذه المخططات، بل وتتجنب تماماً الإشارة إلى آيات القرآن العديدة التى تتحدث عن عدم وجود إكراه فى الدين وحرمانية قتال المسلم لأخيه المسلم، والتى تحذر أيضاً من الوقوع فى براثن الفتنة، بل ومقاتلة الذين يشعلون نيرانها، حتى صرنا نعيش فعلاً واقع آية قوله تعالى: (وقال الرسول يارب إن قومى اتخذوا هذا القرآن مهجوراً) «الفرقان - 3».
خلاصة القول
يتضح مما سبق أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان المولى عز وجل يكشف له الغيب ليحدثنا ويحذرنا مما سيقع من فتن، وكيف يمكن أن نواجهها، ونطفئ نيرانها أو نتجنبها أصلاً، وليس بخافٍ على أحد من المسلمين أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى رحلة العروج إلى سماوات القرب الإلهى قد تخطى مكانة ومقام سيدنا جبريل عليه السلام وارتقى فيما هو غير معلوم لسيدنا جبريل حتى تشرف بالمثول أمام القدس الإلهى (فأوحى إلى عبده ما أوحى) فهل بعد هذا التشريف الإلهى يمكن القول بأن حضرته لا يعلم الغيب، أو حتى أن المولى عز وجل هو غيب للغيب؟ حقيقة أنما دون المولى عز وجل من علم أو غيب لا يمكن أن يستعصى على سيدنا رسول الله وهو القائل فى حديثه الشريف «أنا مدينة العلم وعلى بابها» لذلك عندما تحدث سيدنا على رضى الله عنه عن أحداث المستقبل سواء فى كتابه «كتاب الفتن» أو «نهج البلاغة» أو «الجفر» كان يتحدث بما تعلّمه من سيدنا رسول الله «مدينة العلم».
ولأن ما يجوز فيحق رسول يجوز أيضاً فى حق باقى رسل الله، فقد كشف الله الغيب أيضاً لجميع رسله الكرام، من ذلك ما كشفه الله تعالى لسيدنا نوح عن أنه لن يؤمن من قومه إلا من آمن، وأن عليه أن يصنع الفلك لينجو منها حضرته والمؤمنون به عندما تحل النقمة الإلهية بالغرق على الكافرين، والمعرضين من قومه، كما كشف الله الغيب لسيدنا إبراهيم عندما أخبره الملكان بالنقمة الإلهية التى ستحيق بقوم سيدنا لوط كذلك كشف الله الغيب لسيدنا موسى عندما كلمه فى الميقات عن الفتنة التى حلت بقومه على أيدى السامرى، وأيضاً كشف الله الغيب لسيدنا يعقوب عندما أخبره بالمحنة التى سيتعرض لها سيدنا يوسف على أيدى إخوته، لذلك قال لهم عندما انكشفت المحنة (ألم أقل لكم إنى أعلم من الله ما لا تعلمون) «يوسف - 96»، كما أطلع المولى عزوجل سيدنا يوسف على المحنة التى ستمر بها مصر عندما تنخفض مياه النيل ويحل الجفاف ويقل الزرع، وأخبره كيف يتخطى بمصر هذه المحنة، وهكذا كان الأمر مع جميع رسل الله فى اطلاعهم على الغيب بإذن من الله تعالى، لذلك لم يكن الغيب يشكل أدنى مشكلة بالنسبة لهم، لما اختصهم الله تعالى بهذا الفضل.
أما سؤال كاتب المقال عما إذا كان سيدنا رسول الله قد حذرنا من داعش؟ وهو ما أوضحنا الإجابة عليه آنفاً (بنعم) فى كل الأحاديث التى أشار فيها حضرته للفتن التى ستحيق بالأمة الإسلامية فى مستقبل الأيام، وبل حذر منها وأوضح كيفية تجنبها والنجاة منها، إلا أنه بجانب ذلك ينبغى أن نؤكد أن العديد من آيات القرآن تشير بوضوح إلى الواقع الذى نعيشه اليوم، والذى ستحياه الأجيال القادمة إلى ما شاء الله، وذلك على حكم قوله تعالى: (لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون) «الأنبياء - 10» أى واقعكم يا من تقرأون القرآن اليوم، ويا من ستقرأون القرآن فى القرون القادمة ما دامت السماوات والأرض، وهذا هو معنى واقعية الدين الذى تشير إليه الآية الكريمة (إنما توعدون لصادق وأن الدين لواقع) «الذاريات 51» وليس معنى (ذكركم) (أى تشريفكم) وهو تفسير خاطئ ورد فى كل كتب التفاسير لأن ذكركم تعنى فى الحقيقة (واقعكم) بكل ما يحمله هذا الواقع فى كل زمن من أمور تتعلق بالدين والدنيا، وما تحويه من فتن وصراعات ومشاكل، ولأن المخاطب فى جميع آيات القرآن حاضر وموجود ومكلف فعلاً، فإنه يخاطبنا الآن بنفس خطاب السابقين ويحذرنا نفس تحذير السابقين ويعدنا وعد السابقين، وكيف كانت عاقبة الكافرين، والمكذبين فى كل عصر، وكفى من القرآن هذا التساؤل الوارد فى ختام هذه الآية يقرع أسماعنا (أفلا تعقلون)، أى أفلا تعقلون يا من أوقفتم القرآن على عصر دون عصر، ومناسبة دون أخرى، وقوم دون قوم، وحولتم القرآن بذلك إلى كتاب تأريخ لأحداث مضت وانتهى زمانها فى حين يشير القصص القرآنى إلى تكرار سيرة الأقوام السابقة، وتكرار العقاب الإلهى ضد كل من لا يستجيب لدعوة الرسل، من ذلك قوله فى شأن النقمة الإلهية التى حلت بقوم سيدنا لوط (فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هى من الظالمين ببعيد) «هود - 82» أى أن نفس النقمة الإلهية التى حلت بقوم سيدنا لوط ستحل مستقبلاً وعلى مدار القرون على من يسلكون نفس المعصية، يصدق ذلك مع قوله تعالى: (أفلم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كانت عاقبة الذين من قبلهم، دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها) «محمد - 10»، يؤكد أيضاً هذا المعنى حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم «ستتبعون سنن من قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه».
ولقد كان كاتب المقال صادقاً عندما ذكر أن أحد أسباب التطرف الدينى ترجع جذوره إلى التأويل الخاطئ وتحريف القرآن على أيدى المتطرفين»، ولأهمية تأويل المتشابه من آيات القرآن وهى الأكثرية فيه، والتحذير من مخاطر التأويل الخاطئ لها، فقد اختص الله رسله ومن وصفهم بالراسخين فى العلم بعلم التأويل.. منهم على سبيل المثال ابن عباس الذى دعا له الرسول صلى اله عليه وسلم «اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل»، ومعنى هذا الدعاء أن الرسول طلب له من الله أن يفقهه فى الدين - أى الآيات المحكمات - ويعلمه التأويل - أى الآيات المتشابهات، ولابد أن ابن عباس كان أيضاً معلماً لغيره من الصحابة ممن كانوا أهلاً لهذا العلم، ولكن للأسف، سلك معظم علماء الدين أسلوب التفسير متناسين عن جهل أو عمد حتمية تأويل المتشابه من آيات القرآن ومنهم من سلك تفسيراً باللغة والنحو والصرف والبلاغة والبديع والبيان، ومنهم من سلك تفسيراً بالترهات التاريخية والأساطير والإسرائيليات خاصة فى القصص القرآنى، وأخيراً وربما ليس بآخر من سلك تفسيراً قالوا عنه إنه «التفسيرالعلمى» أى ربط الآيات القرآنية بالمستحدث من علوم الفلك والنبات والحيوان والطب وغيرها والتى تتغير باستمرار مع تقدم العلم من قرن إلى قرن، وهذه التفسيرات كلها خاطئة لأنها خروج عن القاعدة الإلهية التى حددها الله لفهم التشابه من آيات القرآن وهى التأويل ومخالفة صريحة لهذا الأمر الإلهى، نتج عن ذلك تكذيب الناس لآيات الله بسبب عجزهم عن الإحاطة بالتأويل الصحيح الذى يتفق مع منطق الهداية القرآنية والعقل السليم، مصداقاً لقوله تعالى: (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولم يأتهم تأويله، كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كانت عاقبة الظالمين) «يونس - 39»، وليس بخاف على أحد أن الخطاب فى هذه الآية للمكذبين (من بعدهم) مثل تكذيب الذين (من قبلهم)، أى أننا المخاطبون فى هذه الآية وكل من سيأتى بعدنا من أمم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولزيادة أمر التأويل إيضاحاً، فإن تعريفه هو «العدول عن ظاهر اللفظ إلى حقيقة المعنى المراد»، وأمثلة ذلك كثيرة فى القصص القرآنى، منها ما ورد فى قصة سيدنا يوسف عن تأويل رؤيا ملك مصر (سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات»، فكان تأويل حضرته (تزرعون سبع سنين دأباً فما حصدتم فذروه فى سنبله إلا قليلاً مما تأكلون، ثم يأتى من بعد ذلك عام يغاث فيه الناس وفيه يعصرون) «يوسف - 47، 48، 49»، وواضح أن تأويل سيدنا يوسف لهذه الآيات كان سبباً فى إنقاذ مصر من القحط الذى كان يتهددها آنذاك، كذلك فى قوله تعالى عن رؤيا سيدنا يوسف التى أخبر بها أبيه سيدنا يعقوب (إذ قال لأبيه يا أبت إنى رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لى ساجدين) «يوسف - 4»، وتأويلها كما يقول الله تعالى: (رفع أبويه على العرش وخروا له سجداً، وقال يا أبت هذا تأويل رؤياى قد جعلها ربى حقاً) «يوسف - 100»، وهكذا نرى أن تأويل الشمس والقمر هما أبا سيدنا يوسف، وتأويل أحد عشر كوكباً هم إخوته، وهكذا جرى القرآن هذا المجرى فى كثير من الآيات المتشابهات، لذلك - ولم للتأويل من أهمية فى فهم المقصود من الآيات المتشابهات - وهى للعبرة والعظة والهداية- وضع الراسخون فى العلم قواعد لعلم التأويل أبرزها وجود (ثابت معلوم) فى ألفاظ محددة فى الآية لا تقبل الزيادة أو النقص أو التعديل، ولكن يمكن التوسع فى إدراك المرامى البعيدة للآية، أما القاعدة الثانية التى تحكم تأويل المتشابه من آيات القرآن، فهى ألا ينتج عن التأويل تعارض فى فهم آيات القرآن، ذلك لأن آيات القرآن تصدق بعضها بعضاً كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك.
وأخيراً.. لعل ما أوردناه فى السطور السابقة من أمثلة من تسلل الدس والافتراءات والروايات الباطلة والإسرائيليات إلى الكتب الدينية لم يعد يخفياً على أحد، وإذا كانت الأمة الإسلامية تعانى اليوم أشد المعاناة من فتنة الإرهاب والتطرف التى تستهدف تمزيق أوصال الأمة الإسلامية، والقضاء على جيوشها ووحدتها ومصادر قوتها وثرواتها على أيدى الجماعات المتطرفة والإرهابية التى ترفع الشعارات الدينية وتستند إلى الأحكام المدسوسة والرؤيا الباطلة، فإن تنقية الكتب الدينية من الدس والافتراءات والإسرائيليات والروايات الباطلة تصبح فريضة على العلماء العاملين فى الأمة الإسلامية، ولقد بين المولى عز وجل أن أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحرم فى أى وقت من وجود المؤمنين الصادقين الذين يهبهم الله تعالى بصيرة «ادعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى) «يوسف - 108»، وكما يقول الحديث الشريف «الخير فى وفى أمتى إلى يوم القيامة»، وهؤلاء المؤمنون مطالبون اليوم أكثر من أى وقت مضى بالتصدى للدس والافتراءات وتنقية الكتب الدينية منها حتى تسلم عقيدة المسلمين مما دسه أعداء الإسلام طوال القرون الماضية، وحتى تحمى المزيد من الشباب المسلم من الوقوع ضحية هذه الفتن التى تتستر بالدين وترفع شعاراته، وتحمى الأمة الإسلامية فى مواجهة الفتنة العاتية التى تهددها، فلا يسقط المزيد من الشباب فى أتون هذه الفتنة التى تستهدفهم وقوداً لها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.