في الستينيات من القرن الماضي ظهرت شركة النصر للتصدير والاستيراد كعلامة بارزة في علاقة مصر بأفريقيا لسنوات طويلة مثلت الشركة بوابة العبور إلي القارة السمراء ولعبت دوراً بارزاً في توطيد العلاقة التجارية والإنسانية والتاريخية هناك ولم يكن خافياً علي أحد أن التفكير في إنشاء الشركة وافتتاح 33 فرعاً خارجياً لها لم يكن هدفاً تجارياً فقط قدر ما كان له مدلول سياسي يعبر عن الاهتمام والأهمية التي تمثلها أفريقيا لمصر، ومنذ بداية الثمانينيات ظهر توجه مخالف لدي القيادة السياسية كان من آثاره الواضحة إدارة الوجهة بعيداً عن أفريقيا ففقدت مصر الكثير وانعكس ذلك علي شركة النصر للتصدير والاستيراد التي فقدت أكثر من 10 فروع خارجية فضلاً عن تراجع دورها ومكانتها المعهودة، وبعد ثورة يناير عاد مرة أخري الحديث عن ضرورة العودة إلي أفريقيا وأصبح النجاح في المستقبل يعني التوجه بقوة إلي هناك. ربما كان هذا هو الدافع للاهتمام الذي ظهر مؤخراً بشركة النصر للتصدير والاستيراد والتوجهات التي صدرت من المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء بضرورة إعادة هيكلة الشركة لتكون أحد أهم بوابات العبور إلي أفريقيا وضمن الترتيبات التي تتم حالياً لتفعيل دور وحدة أفريقيا التابعة لمجلس الوزراء ظهر الاهتمام بشركة النصر للتصدير والاستيراد التابعة للشركة القابضة للنقل البحري والبري التي سارعت قياداتها إلي إعداد خطة طموح لاستعادة مجدها الذي كان يأتي اعتماداً علي تاريخها الحافل هناك، وعلي ما تملكه من رصيد وخبرة ومكاتب قادرة علي القيام بهذا الدور. حول تاريخ الشركة والاستعداد لاستعادة المجد القديم والمشكلات التي تواجهها كان ل «الوفد» حوار مع اللواء أمين يحيي زكريا، رئيس مجلس إدارة الشركة الذي أكد أن فروع الشركة في أفريقيا كنز يجب الاستفادة به، مؤكداً أن هناك رؤية خاصة للشركة في المرحلة القادمة تسهم في استعادة مكانتها غير أن هذا الأمر يحتاج إلي معاونة من الدولة، والتحرر من الكثير من القيود التي تكبل القطاع العام في ظل المنافسة الكبيرة من القطاع الخاص. ما وضع الشركة الحالي وهل تأثرت بالأحداث التي مرت علي مصر خلال الفترة الماضية؟ - شركة النصر من كبري شركات التجارة الخارجية في مصر والشرق الأوسط ولها دور أساسي في توفير جميع السلع الأساسية والاستراتيجية للسوق المصري، كما أن الشركة كيان كبير ورغم الظروف الصعبة التي مرت بالبلاد الفترة الماضية، إلا أن الشركة استمرت في العمل وكانت تحقق أرباحاً وآخر نتائج أعمال للشركة تؤكد أن جملة إيرادات النشاط التجاري المحققة بالشركة بلغت مليار و44 مليون جنيه في العام المالي الماضي، كما بلغ مجمل الربح المحقق بالمركز المالي للشركة ملياراً و849 مليون جنيه، وذلك رغم بعض المشكلات التي واجهت الشركة ومنها إلغاء الصفقة المتكافئة مع سوريا التي توقفت من عام 2007 ولحسن حظ الشركة تم إنهاء أزمة المديونية التي كانت علي الشركة بنحو 646 مليون جنيه ما ساعد في إفاقة الشركة، ومن مظاهر تحسن أوضاع الشركة أن إجمالي الأجور المنصرفة بلغت 21٫473 مليون جنيه مقابل 18٫007 مليون في العام السابق بزيادة قدرها 4٫466 مليون جنيه. ما الصعوبات التي تواجه الشركة وتحتاج التغلب عليها؟ - هناك صعوبات متعلقة بالبيئة المحيطة بظروف عمل الشركة مثل عدم توافر خطوط ملاحية منتظمة وهي مشكلة مزمنة ويتطلب حلها تكاتف المستثمرين جميعاً مع الجهات المختصة لتشغيل خط ملاحي منتظم يخدم دول شرق أفريقيا الأعضاء في اتفاقية الكوميسا كمرحلة أولي ويعقبها خط ملاحي منتظم لدول غرب أفريقيا. وكذلك عدم توافر خطوط الطيران سواء الحكومية أو الخاصة لنقل البضائع بأسعار مناسبة تسهم في حل مشكلات الصادرات المصرية للدول الحبيسة التي ليس لها موانئ بحرية وذلك لضمان انتظام تصدير السلع التي لها مواصفات خاصة مثل الفواكه والخضر واللحوم الطازجة بأسعار مناسبة ومنافسة كذلك أحياناً لا تتوافر مراكب شحن لحمولات صغيرة تتراوح ما بين 2000 إلي 3000 طن. ونتيجة لتكدس طلبات الشحن يترتب علي ذلك زيادة أسعار الخطوط الملاحية ما يؤثر في التكلفة النهائية للسلع المصرية وعدم كفاءة الموانئ المصرية لاستيعاب زيادة حركة الصادر، وهناك أيضاً وجود سياسة تسعير غير مرنة بكل شركة منتجة، حيث إن الدول الحبيسة ترتفع فيها قيمة النوالين البرية بها ارتفاع ملحوظ مقارنة بالدول المطلة علي موانئ بحرية وذلك لمراعاة أن السوق الأفريقي سوق سعر حيث يبحث المستهلك عن سعر المنتج الأقل مع الجودة المقبولة، كما أن بعض الدول تتبع سياسة حماية جمركية تعوق نفاذ السلع والبضائع المصرية إلي هذه الأسواق وتتمثل هذه الإجراءات في فرض رسوم إغراق وارتفاع الرسوم الجمركية مثل السودان وهناك أزمات مرتبطة بأحداث عالمية مثل الأزمات في المواد الغذائية والطاقة، بالإضافة إلي صدور بعض القرارات التي توقف أو تمنع أو تفرض رسوم تصدير علي بعض السلع الاستراتيجية كما حدث مؤخراً في سلع الأرز والأسمنت ومخلفات البنجر والسكر وهي سلعة تؤثر تأثيراً كبيراً علي حجم ونشاط الشركة. وما مقترحاتكم بخصوص تلك المشكلات والتغلب عليها؟ - أولاً لابد من الاستجابة لفهم الفكر التسويقي للدول الأفريقية وبعض الدول العربية بتوفير وتدعيم وجود بضاعة حاضرة ويستلزم ذلك توفير مخازن ومساحات تسويقية بالمناطق الحرة بموانئ الدول العربية مثل ميناء الزرقا والعقبة بالأردن وطرطوس بسوريا وكذلك بالنسبة للدول الأفريقية لموانئ غرب أفريقيا في أبيدجان وداكار ودولا وتيما وموانئ الشرق مثل ممباسا ودار السلام لخدمة الدول الحبيسة وذلك لسرعة توفير المنتجات المصرية وتداولها بهذه الدول. هناك اتفاقيات تجارية بين دول التكتلات الاقتصادية مثل الكوميسا إلي أي مدي تؤثر في حركة التجارة؟ - للأسف بعض تلك الاتفاقيات غير مفعلة بشكل كامل مثال ذلك اتفاقية الكوميسا فيما يتعلق بتطبيق الاتفاقيات الجمركية، حيث إنه حتي الآن لم تطبق بشكل كامل من جانب بعض الدول الأعضاء مثل السودان وكينيا وتنزانيا. ما أهم خطط الشركة في المرحلة القادمة لدعم تواجدها في أفريقيا؟ - لدينا عدة خطط لذلك منها استغلال الأرض الممنوحة للحكومة المصرية بدولة زامبيا لبناء معرض دائم ومخازن مؤمنة للمنتجات المصرية علي غرار تجربة الصين علي أن يتم ذلك بالاشتراك مع الكيانات الاقتصادية المصرية ورجال الأعمال لاستغلال ما يتمتع به السوق الزامبي من أهمية نسبية للصادرات المصرية نتيجة لتطبيق اتفاقية الكوميسا، بالإضافة إلي المشاركة في المعارض والأسواق المقامة في القارة الأفريقية مع المستثمرين المصريين وأصحاب الشركات المنتجة لتعريف المستهلك الأفريقي بالتطور في البضائع المصرية وإمكانية إقامة معارض دائمة طوال العام، ولكن هذا يتطلب دعم تكلفة المعارض الخارجية من هيئة تنمية الصادرات ويمكن للشركة أن تضع خطة لإقامة معارض دائمة علي أملاكها في ساحل العاج والنيجر وأفريقيا الوسطي وكينيا ودولة الكونغو برازافيل وأوغندا وتنزانيا والكونغو الديمقراطية كينشاسا. وما المانع من تطبيق هذا التصور؟ - المشكلة أننا في حاجة إلي تعاون مع شركات أخري مثل المقاولون العرب لمساعدة الشركة في الإنشاءات المطلوبة أو أن يتم هذا عن طريق شركات التشييد التابعة لوزارة الاستثمار. تواجد النصر للتصدير والاستيراد كان دائماً مصدر تأمين لتوافر السلع للمواطنين بأسعار معقولة لماذا لا يعود هذا الدور الآن؟ - بالفعل الشركة كانت رمانة ميزان للسوق، ولكن مع فتح المجال لدخول القطاع الخاص أصبح الموقف مختلفاً بسبب المنافسة مع القطاع الخاص، كما أن الشركة تواجه ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار الشحن الجوي، حيث زاد بواقع 200 دولار للطن ما أدي إلي ارتفاع تكلفة اللحوم السودانية التي تعتبر المتنفس البديل للحوم البلدية كما توجد في أوغندا ثروة حيوانية ضخمة يمكن الاستفادة منها في سد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، إلا أن ارتفاع تكلفة النقل الجوي باهظة، الأمر الذي يحول دون التعامل معهم والمطلوب تخفيض قيمة نولون الشحن الجوي لتصبح 450 دولاراً للطن بدلاً من 650 دولار، الأمر الذي يؤدي إلي زيادة استيراد اللحوم السودانية وبالتالي زيادة حجم نشاط الشركة وتوفير اللحوم الجيدة بسعر مناسب، كذلك تفعيل الاتفاقية المبرمة مع الشركة القابضة للسلع الغذائية لتوفير احتياجاتهم من اللحوم الطازجة المستوردة، وبالنسبة للشكر فيتم استيراد نحو 800 ألف طن سنوياً لسد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، والمطلوب أن يتم تخصيص شركات إنتاج السكر حصة سنوية 100 ألف طن سكر خام للتكرير بمصانعها وطرح ناتج التكرير بالسوق المحلي بأسعار منافسة لرفع المعاناة عن المستهلك المصري، وبالنسبة للقمح فنحن نطالب بأن يتم تفويض الشركة لتوفير القمح المخصص لرغيف الخبز طبقاً لشروط ومواصفات الهيئة العامة للسلع التموينية لما تملكه الشركة من خبرات في هذا المجال، كما أن الشركة حكومية ومملوكة للدولة بالكامل، ولهذا سيتم توفير القمح بأسعار مناسبة.