يظن البعض أن المسلمين هم أول من فرض عليهم الصيام، ولكن أوضح بعض العلماء أن هناك آيات قرآنية ودلائل تثبت أن الصوم فرض على الأمم السابقة من بداية عهد آدم عليه السلام، حيث قال تعالى : »كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ » وقد قال الطبري في تأويل هذه الايه يَعْنِي فُرِضَ عَلَيْكُمْ مَثَلَ الَّذِي فُرِضَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ونجمل آراء العلماء في هذا الموضوع فيما يلي: أولا: عهد آدم عليه السلام . قال صاحب الفتح : ذَكَر بَعْض الصوفيةِ أَنَّ " آدَمَ عَلَيْهِ السلَام لَمَّا أَكَلَ مِنَ الشَّجَرَةِ ، ثُم تَابَ ، تأخرَ قَبُول تَوبتِهِ مِما بَقِيَ فِي جَسَدِهِ مِنْ تِلْكَ الْأكلَةِ ثَلاثِينَ يَوْمًا ، فلما صفا جَسده مِنهَا تِيبَ عَلَيْهِ ، فَفُرِضَ عَلَى ذُرِّيَّتِهِ صِيَامُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا " . وإذا لم تصح هذه الرواية ولا يجوز الاعتماد عليها غير أننا نجد عند القرطبي في جامعه : أن الله عز وجل كتب صوم رمضان على كل أمة " قلتُ : إذا اعتمدنا قول التابعي الجليل فيمكننا القول بأن كل أمة من الأمم السابقة قد أوجب الله تعالى عليها الصيام دون إستثناء ، لكن ينقصنا الدليل والسند لتثبيت هذا الرأي، هذه واحدة ، أما الثانية فإنه يفهم من قوله تعالى : " من قبلكم " ، أي كل مَن جاء قبلنا ، و " من " هنا للبيان . ثانياً : نوح عليه السلام في بحثٍ لدكتور محمد إبراهيم الشريف تحت عنوان : " الصيام في الأمم السابقة " قال :" ويُرجع أهل التاريخ بداية تشريع هذه الفريضة الصيام إلى عهد نوح النبي عليه السلام ؛ فيقولون إنه أي النبي نوح أول من صام رمضان لما خرج عليه السلام من السفينة ومن المرجح أن فريضة الصيام قد عرفت قبل هذا التاريخ ، ومعلوم أنه كان قبل نوح عليه السلام أمم وأجيال شغلت الزمان منذ نبي الله آدم عليه السلام " . ثالثاً : مصر القديمة واليونان والرومانيون و وثنيو الهند : وقد قال الأستاذ الْإِمَامُ محمد عبده أن " وَالْمعروفُ أَنَّ الصوْمَ مشرُوعٌ فِي جَمِيعِ الْمِلَلِ حتى الوثنِيةِ ، فهو معْروف عَنْ قدماءِ الْمِصْرِيينَ فِي أيامِ وَثنيتهمْ ، وَانتقلَ مِنهمْ إِلَى اليونَانِ فكانوا يَفرِضونه لَا سيما على النسَاءِ ، وكذلِكَ الرومانيونَ كَانُوا يُعنونَ بِالصيامِ ، ولا يَزَال وَثَنِيو الْهِنْدِ وَغيرهُمْ يَصُومُونَ إلَى الْآنِ " وقيل إِن الوثنِيين كَانوا يَصومونَ لِتسْكِينِ غَضَبِ آلِهتهمْ إذا عَمِلُوا مَا يغضِبهَا ، أَو لِإرضائِهَا وَاستِمالتِهَا إِلَى مُسَاعَدَتِهِمْ فِي بَعْضِ الشئونِ وَالْاغْرَاضِ ، وَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ إِرْضَاءَ الْآلِهَةِ وَالتزَلفَ إِلَيْهَا يَكُون بِتَعذِيبِ النفسِ وَإماتَةِ حظوظِ الجسَدِ ، وَانتشَرَ هَذَا الِاعتِقاد فِي أَهلِ الْكِتابِ حَتى جَاءَ الْإِسْلامُ يعَلِّمنَا أَنَّ الصومَ وَنحوهُ انما فُرِضَ ؛ لأنهُ يعدنا لِلسعادَةِ بِالتقوَى ، وأن اللهَ غَنِي عنا وعن عملنَا ، وما كَتب علينَا الصيامَ إِلا لِمنفعتِنَا " . رابعا: اليهود حدد الامام القرطبي أن المقصود من الآية "فرض عليكم الصيام كما فرض على الذين من قبلكم" هم اليهودُ " ؛ . قال صاحب المنار : " وَلَيْسَ فِي أَسْفَارِ التَّوْرَاةِ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِينَا مَا يَدُلُّ عَلَى فَرْضِيَّةِ الصِّيَامِ ، وَإِنَّمَا فِيهَا مَدْحُهُ وَمَدْحُ الصَّائِمِينَ ، وَثَبَتَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ صَامَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ كَانَ مَعْرُوفًا مَشْرُوعًا وَمَعْدُودًا مِنَ الْعِبَادَاتِ ، وَالْيَهُودُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ يَصُومُونَ أُسْبُوعًا تِذْكَارًا لِخَرَابِ أُورْشَلِيمَ وَأَخْذِهَا ، وَيَصُومُونَ يَوْمًا مِنْ شَهْرِ آبَ [ أغسطس ] " . ثم يقول صاحب المنار رحمه الله : " وَيُنْقَلُ أَنَّ التَّوْرَاةَ فَرَضَتْ عَلَيْهِمْ صَوْمَ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ وَأَنَّهُمْ يَصُومُونَهُ بِلَيْلَتِهِ وَلَعَلَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَهُ عَاشُورَاءَ ، وَلَهُمْ أَيامٌ أخر يَصومونهَا نَهَارًا ". خامسا: النصارى يقول صاحب المنار أَما النصارَى فَليسَ فِي أناجيلهِم المعروفَةِ نَص فِي فَرِيضَةِ الصومِ ، وَإنمَا فِيهَا ذِكره وَمَدحه وَاعْتِبَاره عِبَادة كَالنهي عنِ الرياءِ وإظهارِ الكابَةِ فِيهِ ، بَلْ تأمر الصائِم بِدَهْنِ الرأْسِ وَغسلِ الْوَجْهِ حتى لَا تظهر عَليهِ أَمَارَة الصيامِ فَيكون مرائِيًا كَالْفُرِيسِيينَ ، وأشهَرُ صَوْمِهِمْ وَأَقْدَمُهُ الصَّوْمُ الْكَبِيرُ الَّذِي قَبْلَ عِيدِ الْفِصْحِ ، وَهُوَ الَّذِي صَامَهُ مُوسَى وَكَانَ يَصُومُهُ عِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَالْحَوَارِيونَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، ثُمَّ وَضَعَ رُؤَسَاءُ الْكَنِيسَةِ ضُرُوبًا أُخْرَى مِنَ الصِّيَامِ وَفِيهَا خِلَافٌ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ وَالطَّوَائِفِ ، وَمِنْهَا صَوْمٌ عَنِ اللَّحْمِ ؛ وَصَوْمٌ عَنِ السَّمَكِ ؛ وَصَوْمٌ عَنِ الْبَيْضِ وَاللَّبَنِ ، وَكَانَ الصَّوْمُ الْمَشْرُوعُ عِنْدَ الأولِينَ مِنْهم - كَ صَوْمِ اليهودِ- يأْكلونَ فِي الْيَوْمِ وَالليلةِ مرة وَاحِدَة ، فَغَيَّرُوهُ وَصَارُوا يَصومُونَ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ ، وَلَا نُطِيلُ يقول الشيخ محمد رشيد رضا نقلا من المنار فِي تَفْصِيلِ صِيَامِهِمْ ، بَلْ نَكْتَفِي بِهَذَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ " ، أَيْ فرضِ عليكمْ كَمَا فُرِضَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ قَبْلِكُمْ . فَهُوَ تَشْبيهُ الْفَرْضِيَّةِ بِالْفَرْضِيَّةِ وَلَا تَدْخُلُ فِيهِ صِفَتُهُ وَلَا عِدَّةُ أَيَّامِهِ ، وفي قصتيْ زَكَرِيَّا وَمَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السلَامُ ؛ أنهم كَانُوا يَصُومُونَ عَنِ الْكَلَامِ ؛ أَيْ : مع الصِّيَامِ عَنْ شَهَوَاتِ الزوجيةِ وَالشرابِ وَالطعام " .