بلطجة.. استغلال.. فساد.. محسوبية، أربع كلمات تبرز مشاكل أهالي مدينة بدر المنسية، المدينة التي تم إنشاؤها قبل 33 عاما بإجمالي مساحة 18٫5 ألف فدان ومازالت خاوية علي عروشها، فبعد ان كانت السبيل الوحيد للحد من التكدس السكاني والخروج من الزحام كباقي المدن الجديدة، اتخذها البلطجية والخارجون علي القانون وكراً لهم لفرض الآتاوات علي المواطنين البسطاء، ومسرحاً لتجارة المخدرات وسط فراغ سكني وأمني، لتصبح المدينة ابناً غير شرعي لهيئة المجتمعات العمرانية مهملة من الجميع رغم اقترابها من مصر الجديدة ومدينة نصر مسافة 45 كيلو متراً واقترابها من العاصمة الإدارية الجديدة. ورغم ان رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب قام بزيارة المدينة وتسليم عقود الإسكان الاجتماعي بمدينة بدر في مايو الماضي وقيامه بتفقده العديد من الوحدات السكنية وتوجيهه نداء للصندوق الاجتماعي للتنمية بتمويل عمليات الأساس للوحدات السكنية، رغم هذه الزيارة والتوجيهات إلا ان المدينة تعاني من العديد من المشكلات العالقة منذ سنوات علي رؤوس المواطنين بدءا من البنية التحتية غير السليمة، مروراً بسوء الخدمات وندرتها داخلها، وخصوصا وسائل المواصلات التي لم نرها طوال الطريق للوصول إلي المدينة، فضلاً عن المخابز، والمجمعات الاستهلاكية الغائبة، واستغلال الجميع المواطن الغلبان، بينما جهاز المدينة شبه غائب عن المشهد حيث يرفع الموظفون به شعار «مفيش» في وجه كل مواطن يتردد علي المكان، وقد رصدنا معاناة سكان المدينة شبه المنسية من ذاكرة الأجهزة الخدمية، فالمنظر العام للمدينة أثناء الدخول من بوابتها الرئيسية تبدو في أحسن حال شوارع نظيفة ومساحات خضراء وإرشادات للطرق وذلك المظهر لم يدم سوي دقائق معدودة عند دخولنا لأول أماكن بها تجمعات سكنية تجد إعلانات سماسرة العقارات تملأ الشوارع باحثة عن مشترٍ، غياب للمحلات الخدمية والصيدليات إلا أمام الجامعة الروسية توجد محلات تحت الإنشاء لخدمة الطلبة وأمام أول تجمع سكاني أبدي المواطنون استياءهم من الخدمات في المدينة الطرق غير ممهدة للسير ومليئة بالمنحدرات بسبب شركة الغاز التي دائما ما تأتي لتكسير الشوارع لتوصيل الغاز لبعض المنازل، بجانب ندرة محلات بيع الخضراوات والبقالة وفي الحي الثاني رصدنا تكاتك تسير في الشوارع يقودها أطفال صغار دون محاسبة. «الوفد» تجولت داخل المدينة وأحيائها لتسأل سكانها عن أبرز مشاكلهم، ومن المسئول عنها من وجهة نظرهم، وكيف وصلت المدينة إلي هذا التردي برغم إنشائها منذ سنوات. مشاكل التعليم سامي محمد أحد سكان المدينة يشرح معاناته مع المدارس وشكوي أبنائه من غياب للمدرسين قائلاً: «المدينة بها عدد 2 مدرسة تجريبي و4 مدارس أميرية، والجميع يشكو من غياب المدرسين أغلب الأوقات وخاصة مع نهاية العام وبالتالي لم تختم المناهج مع التلاميذ وهو ما اضطره إلي القيام بدور المدرس في المنزل لأبنائه». أما أحمد عيد والذي يعمل بأحد المصانع بالمدينة بمنطقة ال «250 فدان» فيرصد الأزمة قائلاً: «لا توجد مدارس للتعليم الفني الصناعي فكيف لمدينة مثل بدر لديها منطقة صناعية مؤهلة لتدريب الطلاب علي التعليم الفني وخاوية من مدارس التعليم الصناعي». مشاكل المواصلات معاناة يومية يعيشها سكان مدينة بدر بسبب ندرة المواصلات الحكومية، فما تم إعلانه من هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة في شهر يونية العام الماضي عن تشغيل خطوط لنقل المواطنين من مدينة بدر إلي وسط القاهرة بسعر 2 جنيه مجرد كلام مرسل لم يتم تنفيذه. وهو ما يؤكده الحاج نبيل عبدالمنعم قائلاً: «لا توجد مواصلات فالميكروباص أو عربيات السرفيس هي الوسيلة الوحيدة المتاحة والتي تقبلها المواطنون علي مضض لأنها تتحكم في الركاب بسبب الأجرة المرتفعة فتكلفة الركوب من مدينة بدر إلي الكيلو 4٫5 علي طريق السويس هي 3٫5 جنيه نهاراً وقد تصل ليلا إلي 5 جنيهات وإلي موقف العاشر علي طريق الإسماعيلية 4 جنيهات نهاراً و5 جنيهات ليلا، ولا توجد مواصلات داخلية تربط إحياء المدينة ببعضها إلا التوك توك وتبلغ أجرته من خمسة إلي عشرة جنيهات، علماً بأن معظم السائقين من الأطفال والبلطجية وتم استحداث العربات السوزوكي وتكلفته مرتفعة أيضا وأهالي المدينة يتساءلون لماذا الأسعار في مدينة الشروق أقل عن مثيلتها في بدر. «اطلع علي الطريق وجرب» هكذا كان رد عادل حسن عندما سألناه عن مشكلة المواصلات وأضاف قائلاً: «المواصلات بالمدينة سيئة للغاية فلا يوجد موقف سرفيس بالمدينة فالمواطن يتحمل نفقات 3 مواصلات توك توك للخروج من المدينة للعثور علي ميكروباص وآخر للوصول إلي الكيلو 4٫5 أو عزبة الهجانة ووسيلة أخري للوصول إلي وسط القاهرة وما قامت به هيئة النقل العام هو إمدادنا بعدد 3 أتوبيسات تابعة للهيئة وكانت تحمل رقم 1023 وقتها شعرنا بأمل في حل تلك الأزمة فكان الأتوبيس من مدينة بدر وحتي محطة كلية البنات التابعة للخط الثالث للمترو وهذا الحال لم يدم طويلا ليتم تعديل مسار الخط من مدينة بدر إلي موقف 4٫5 وهنا بدأت المعاناة، فالأتوبيسات غير متوافرة بداعي الصيانة أو لغياب السائقين، فمشكلة أهالي بدر هي عدم وجود مواصلات لنقل الموظفين والطلاب لوسط البلد أو لأقرب محطة مترو أنفاق». الاستغلال والبلطجة تسود المدينة الجميع يستغل البسطاء سواء كانوا سائقين أو جهاز المدينة أو شركات الغاز، فاستغلال المواطن هو سيد الموقف في المدينة، وهو ما يعبر عنه الحاج أبومصطفي قائلاً: «شركة الغاز تتقاضي 8000 جنيه من المواطن كمساهمة للشركة نظير توصيل الخدمة حتي باب العمارة أما بالنسبة لمد أنبوب الغاز داخل المنزل فالتكلفة 1700 جنيه وهو استغلال من الشركة لحاجة المواطن للطاقة لعدم وجود أنابيب غاز خلاف ان الشركة دائما ما تدمر الطرق بداعي التوصيل فكل الطرق في المدينة مليئة بالمنحدرات». محمد إبراهيم 64 عاما يعيش بالمدينة منذ عام 1993 يروي تفاصيل معاناة الأهالي: «المدينة قديما كانت في بداية إنشائها كانت أفضل حالاً من الآن المياه كانت تصعد للأدوار العليا علي عكس الآن حيث نحتاج إلي مواتير كما تصل للمواطنين، أما بالنسبة العيش بالمدينة فهو غير صالح للاستهلاك الآدمي عبارة عن رمل مخلوط بالدقيق ومنفذ البيع الحكومي يغلق أبوابه بعد الساعة 2 ظهراً، فالموظفون لا يمكنهم الحصول علي الخبز بعد الثانية ظهراً فضلاً عن أن جميع محلات السوبر ماركت تبيع المنتجات بأسعار مخالفة لسعرها الحقيقي وكأننا نعيش في منطقة جبلية فأصحاب المحلات يستغلون سكان المدينة، وهذا ليس في جميع الأحياء فالحي الثاني أسعاره مناسبة وذلك لأن البائع يخشي سكان الحي والبلطجية، أما في الحي الأول فلا يخدمه سوي مطعم واحد لبيع سندوتشات الفول والطعمية ويفتقر المواطنون الخدمات والجهاز لا يدعم الأفراد بالتسهيلات لفتح منافذ البيع ليكون هناك تنافس يخدم في النهاية المواطن، أما الجهاز فلا يقوم بهذا الدور وإنما يرفض بيع المحلات بداعي عدم وجود محلات للبيع خلاف وجود محلات تتبع الجهاز مغلقة لم يتم تشغيلها. البنية التحتية متدهورة يعاني أهالي مدينة بدر بالحي الثاني ومساكن الزلزال من مشاكل الصرف الصحي، فأول ما يلفت النظر هو المياه الراكدة بجوار المنازل وتشعر لأول وهلة أنك تسير في أحياء مصر الشعبية في فترة الثمانينات قبل تفعيل منظومة الصرف الصحي حينما كانت الأمراض تنتشر بسبب مياه الصرف التي تعد بيئة لتكاثر الميكروبات والفيروسات الكبدية والكلوية وهو الأمر الذي يجب التصدي له بقوة. أحمد مصطفي يسكن بالحي الثاني يقول: «الصرف الصحي دائماً ما يتعرض للتلف وذلك بسبب عيوب في منظومة الصرف وكثيراً ما نتوجه إلي المسئولين بالجهاز فيرسل لنا الصيانة والتي تتقاضي مبلغ 55 جنيهاً مقابل إصلاح الأعطال ولا يتم حل المشكلة من جذورها ويطلب الجهاز من المواطنين ان يجمعوا من بعضهم البعض مبلغاً لتغيير مواسير الصرف فهل يكفي مرتب المواطن لشراء معدات الصيانة أم لشراء مستلزمات بيته أم تغطية نفقات المواصلات. محمد علي عامل بأحد مصانع منطقة ال «250 فدان» يسكن بالحي الثاني يقول: «أسكن بالمدينة منذ أكثر من 7 أعوام ومازلت أشعر انني أعيش في الصحراء، فالجهاز لا يساعد علي زيادة الرقعة الخضراء بالأحياء وما يقوم بذلك الدور هم الأهالي خلاف أدوار كثيرة يقومون بها كنظافة الأحياء، حيث لا يقوم جهاز المدينة بدوره في هذا الشأن إلا لأصحاب النفوذ والمال، أما فقراء المدينة فلا أحد يعبأ بهم. الإهمال الطبي لا تعد مشكلات المواصلات وندرة المحلات الخدمية وتراخي جهاز المدينة عن القيام بواجباته هي فقط التي يعاني منها السكان فهناك إهمالي طبي واسع علي مستوي المدينة رصدناه أثناء التواجد بالمدينة حيث المستشفي الوحيد مغلق وكأنه بلا سكان. الحاج عادل أحد سكان الحي الثاني يقول «سكان الحي الثاني يعانون الإهمال الطبي وعدم توافر رعاية طبية بالحي، وفي حالة رغبتهم في تلقي الرعاية الطبية فسبيلهم الوحيد هو التوجه إلي مستشفي بدر أو أحد المراكز الطبية المتواجد بالحي الأول أو الثالث وبالتالي دفع 10 جنيهات قيمة استئجار توك توك، وبرغم هذه المعاناة بعد الذهاب قد لا تجد الطبيب المعالج فهو يعمل ثلاثة أيام فقط وباقي الأسبوع غياب»، ويشرح حالة مستشفي بدر بالحي الثاني قائلاً: «البوابات الحديدية مفتوحة وهي عرضة لتجار المخدرات والبلطجية للجلوس في مدخلها حيث لا توجد حراسة، تم إجراء العديد من التجهيزات الداخلية بها لكن تعرضت للسرقة مثل رخام الحوائط وتجهيزات الكهرباء والأبواب الخشبية والحمامات، والمثير ان هناك محاضر استلام بالفعل تفيد بأن المركز كامل التشطيب والتجهيزات لكن من يطلع علي المستشفي في الوقت الحالي يكتشف أنه يفتقر لمقومات المبني الطبي الأساسية.