هو الشيخ عبدالرحيم بن أحمد بن حجون بن محمد بن جعفر بن إسماعيل بن جعفر الذكى بن محمد المأمون بن أبى الحسن على بن الحسين بن على بن محمد الديباج بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على بن الحسين رضى الله عنه، الشهير بسيدى «عبدالرحيم القنائى»، ربيب المشرق والمغرب. ولد فى مدينة ترغاى، بإقليم سبتة فى المغرب، سنة 521 هجرية، وتعلم على يد والده، وحفظ القرآن فى الثامنة، قبل أن يبحث عن العلم شرقاً عملاً بمقولته «الدنيا كلها ظلمة ليس فيها طريق إلا العلم". وصل دمشق وعمره 18 عاماً، ومكث بها عامان، لتمتزج بداخله ثقافة المشرق والمغرب العربى ليكون وسطياً وكأنه يعد روحه ليسكن مصر. ومع عودة الشاب ذى العشرين عاماً إلى وطنه حل محل والده، وأمضى خمس سنوات معتلياً منبر الجامع، يعلم الناس ويعظهم، بأسلوبه الخاص الذى يبكى الروح والعين، قبل أن تناديه مكة فيشد الرحال إليها. رحل إلى مكة بعد وفاة والدته، ماراً بالقاهرة والإسكندرية، ليبقى فى رحاب بيت الله وقبر رسوله 9 سنوات، ينهل من العلم معتكفاً فى مسجد الرسول بالمدينة المنورة، أو متعلقاً بأستار الكعبة، مستمراً فى تجارته، التى لم ينقطع عنها طيلة حياته، لإيمانه بأن التفرغ للعلم والعبادة يحتاج إلى عمل، يحفظ الطالب والعابد من انتظار منة الغير، أو أن يكون عالة على غيره. خلال موسمه العاشر مع الحجيج، يلتقى بالشيخ مجد الدين القشيرى القادم من مدينة قوص، عاصمة صعيد مصر، ومنارتها فى هذا الوقت، منتصف القرن الثانى عشر الميلادى، فيتصادقان، ويحاول القشيرى أن يقنع عبدالرحيم بأن يستقر فى مصر. يروى السيوطى «ومازال الشيخ يحاوره ويدلل على حججه، وعلى أن عبدالرحيم ليس له ما يربطه بمكة والمدينة أحد أو شىء، وأن واجبه الإسلامى يدعوه إلى الإقامة فى قوص، أو قنا ليرفع راية الإسلام، وليعلم المسلمين أصول دينهم، وليجعل منهم دعاة للحق وجنودا لدين الله".وافق عبدالرحيم على الرحيل إلى مصر، بصحبة القشيرى الذى كان إماما للمسجد العمرى بقوص، وكانت له مكانته المرموقة بين تلاميذه ومريديه. كان ذلك فى عهد الخليفة العاضد بالله، آخر خلفاء الدولة الفاطمية. لكن عبدالرحيم لم يرغب البقاء فى قوص، وفضل الانتقال لمدينة قنا، تنفيذاً لرؤى عديدة أخذت تلح عليه فى الذهاب إليها، والإقامة بها، فقوص ليست فى حاجة إليه، فبها ما يكفى من العلماء والفقهاء.ليستقر الجسد فى مقامه الأخير، والروح فيما خلقت خصيصاً من أجل إنارته، قضى عبدالرحيم عامين معتكفا، وخرج بعدها مؤسساً مدرسته الصوفية الخاصة التى تسمح للطرق الصوفية الأخرى بالأخذ منها من غير الخروج على طرقها. إذ كان يقول: «الإسلام، دين علم وإخلاص، فمن ترك واحدة فقد ضل الطريق». أفاض فى شرح نظريته فى كتاباته، إذ كان يهتم دائما بالحديث عن العلم، إيمانا منه بأن العلم دعوة سماوية ومتممة للعمل.عينه الأمير الأيوبى العزيز بالله شيخاً لمدينة قنا، فعرف منذ حينها بعبدالرحيم القنائى. تزوج بابنة صديقه القشيرى، وتزوج بعد وفاتها 3 آخريات، أنجب منهن 19 ولدا وبنتا، عملاً بكلمته المشهورة «كنت أعتقد أنى لو قدرت ما تركت على وجه الأرض عازبا إلا زوجته، والزوجة نعمة لا يعرف قدرها». توفى عام 592 هجرية، 23 يناير 1196، عن 72 عاما،