لا حديث في مصر الآن إلا عن عقوبة الإعدام، وهذه العقوبة شغلت الرأي العام في كل الدنيا خاض غمارها بجانب أساتذة القانون علماء النفس وعلماء الاجتماع، وآخر تقارير هيئة الأممالمتحدة أن غالبية دول العالم بدءا من الولاياتالمتحدة مروراً بفرنسا وانجلترا وألمانيا والسويد والنرويج والدانمارك.. الخ، وفي كثير من دول العالم هذه الأيام يعيد النظر في مدى هذه العقوبة ما بين الإلغاء أو الابقاء، وإن كانت الأغلبية العظمي نحو الإلغاء لأنها لم تثبت نجاحها في القضاء على الجريمة والتي قالت عنها التوراة «الدم يستصرخ الدم» أو حسب تقرير هيئة الأممالمتحدة «الدم يجري في ذلك الوادي الكبير الذي يسمى الحياة».. لما كانت «القضية المطروحة فإنه بإجماع المؤرخين فقد كانت مصر الفرعونية الأولى في العالم التي ألغت صراحة وبنصوص تشريعية عقوبة الإعدام على النحو الآتي: أيضاً قضية حضارية هى قضية «إلغاء عقوبة الإعدام» كما أشرنا حالاً أو كما يسميها مناهضو هذه العقوبة «عقوبة الموت باسم القانون». يحدثنا المؤرخ الاغريقي «ديودور الصقلي» الذي سجل لتاريخ مصر القديمة، بأن الملك «اكتيزانية» أحد ملوك الأسرة الخامسة والعشرين وقد انتهج طريق العدالة فقد استن سنة جديدة، إذ أمر بجمع حشد جميع المحكوم عليهم بالإعدام - بعدما أحيط علماً بجرائمهم - وأمر بجدع أنوفهم، ثم قام بنفيهم الى أقصى الصحراء الشرقية حيث أنشأ لهم «مدينة» خاصة بهم، وبهذا استبدل بالنفي عقوبة الاعدام. وعلى جسر التطوير يواصل ديودور الصقلي حديثه، وينضم اليه في الإثبات التاريخي المؤرخ «هيرودوت» من أن ملكاً صالحاً هو «ساكوبوس» أحد ملوك الأسرة الخامسة والعشرين أيضاً «عام 710 - 703 ق. م» فإنه إحقاقاً للحق - يقول ديودور الصقلي: «وجب أن نسجل لهذا الملك العظيم أنه قدم أعظم برهان على تحقيق العدالة، إذ إنه أصدر أمراً ملكياً صريحاً بالغاء عقوبة الإعدام». وكان البديل كما قال لسان التاريخ استبدالها بعقوبة أقل هى «عقوبة الاشغال»، ومع هذه العقوبة «تحول المحكوم عليهم بالإعدام الى أياد قوية وعاملة في انشاء العديد من المشروعات العامة لصالح البلاد والمهمة في ربوعها، وقدم ديودور الصقلي تبريره لذلك، كأنه يتكلم بلسان «أنصار العقوبة» في وقتنا هذا، «ابدال العقوبة بدلاً من الموت الاستفادة بالمحكوم عليهم، عقوبة الموت غير مجدية ولم تجن منها أية ثمار سوى الألم والعذاب»، يقول إذن هذا المؤرخ: «إن هذا الإجراء كان أجدى على الهيئة الاجتماعية وأنفع لها من تطبيق عقوبة الإعدام» (ديودور الصقلي: 1- 65 أيضاً: هيرودرت: 2- 173». وهكذا جاء القانون الفرعوني أول صوت حر يلغي باسم القانون والانسانية معاً عقوبة الإعدام في العالم أجمعين. ونواصل المشوار