الانتخابات البرلمانية المرتقبة هى الاستحقاق الثالث فى خارطة المستقبل التى رسمها الشعب المصرى بثورته المجيدة فى 30 يونيه 2013 . ورغم أهمية وضرورة هذا الاستحقاق - سواءً على مسار الاستقرار الداخلى ودواعى البناء والتنمية أو على مسار السياسة الخارجية التى يعتمد نجاحها إلى حد كبير على الشكل العام للدولة المصرية فى نظر كل الدول والقوى والمنظمات الأجنبية - إلا أن هذا الاستحقاق تأخر كثيراً , واتسع الجدل بشأنه حتى صار عقيماً غير مؤثر , وزاد الاختلاف حول الآليات القانونية لإنجازه حتى صار فى أغلبه اختلافاً بلا رؤية واقعية وبلا دوافع موضوعية , وهو ما أصاب الناس فيما أرى بالملل والإحباط والفتور , وهو ما يمكن أن نلمسه بوضوح من استطلاع نبض الشعب بمختلف قطاعاته وفئاته, وتلك فى حد ذاتها حالة خطيره يجب الانتباه إليها لما لها من تأثير على الروح المعنوية للقوة الشعبية التى تمثل الركيزة الرئيسية للدولة لمواجهة التحديات الجسام الخارجية والداخلية. لقد سبق أن تناولت هذا الموضوع فى مقالات عديدة سابقة , وكان ضمن ما طرحته الإبقاء على النظام الانتخابى القديم ليس جزماً بأنه النظام الأمثل, ولكن لأن دواعى المرحلة الانتقالية التى تمر بها البلاد بعد أحداث يناير 2011 والتى قد تمتد لأكثر من عشر سنوات, تفرض ذلك وتحتم عدم الجنوح إلى أى مواضع للاختلاف حتى يحافظ الوطن على تماسكه ويتمكن من تجاوز تلك المرحلة دون اختلالٍ أو تخبط, مع القناعة التامة بأن أى تشريعاتٍ تصدر فى مثل تلك المراحل سواءً كانت دستورية أو قانونية , ومهما كانت دقة ومهنية واضعيها فمآلها للتعديل بعد فترةٍ وجيزة , وذلك لسببٍ بسيط وهو أنها وليدة مرحلةٍ انتقالية وهى فترةٌ دائماً ما تكون مضطربةً وطارئة وغالباً ما تلتبس فيها الأمور وتتضارب فيها الدوافع والأهداف. عموماً فإن متابعة المشهد الآن وما يجرى من حوارات ومناورات وإجراءات لإصدار القوانين الانتخابية مع احتمالات الطعن عليها, يضطرنى للاعتقاد بأن انتخاب مجلس النواب لن يتم قبل عامٍ من الآن. وأعتقد أن مرجع ذلك فى المقام الأول يعود إلى العوار الذى شاب بعض المواد الدستورية وخاصة الفقرة الثالثة من المادة رقم 102 التى تفتح الباب على مصراعيه للطعن بعدم الدستورية على أى قانون قد يصدر فى هذا الشأن , فضلاً عن المواد التى قلصت من سلطات رئيس الجمهورية والمواد التى أوهمت بإقرار تمييز غير مبرر لبعض الفئات. فى ظل هذه الحالة وعلى الجانب الآخر منها فإن هناك الكثير من القوانين الواجب إصدارها بصفةٍ عاجلة لدواعى الاستقرار والبناء والتنمية , سواءً فى المجال الاقتصادى أو السياسى أو الجنائى أو المدنى, وإذا كان السيد رئيس الجمهورية في غيبة البرلمان يملك السلطة التشريعية , إلا أن مباشرته لها تكون فى أضيق الحدود بما لا يفى بحاجة المجتمع. وإذا كانت قراراته بالقوانين تصدر بعد دراسةٍ عميقةٍ متأنية من مستشاريه المختصين وذلك مؤكد , فإن الشعب من ناحيةٍ أخرى يألف مشاهدة ومتابعة حوارات وإجراءات إصدار القوانين بالشكل البرلمانى الذى اعتاد عليه. لذلك أقترح على السيد رئيس الجمهورية تشكيل مجلس استشارى تحت مسمى: «المجلس التشريعى المؤقت» يضم مائة عضو من خيرة فقهاء القانون وأبرز رجال الفكر والسياسة من مختلف الاتجاهات, ويكون اختصاصه بحث ودراسة ومناقشة كل التشريعات المطلوبة فى هذه المرحلة سواءً المقترحة من داخله أو التى يتلقاها من مؤسسات الدولة المعنية, ثم يتولى إعداد مشروع القانون واستصداره بمرسومٍ من رئيس الجمهورية, ويراعى أن تكون مناقشاته بجلساتٍ علنية تُذاع مباشرةً على المواطنين , وتكون مدة هذا المجلس حتى انتخاب مجلس النواب القادم وهو موعد انتهاء سلطة التشريع المخولة لرئيس الجمهورية . إن مجلساً كهذا سوف يثرى الحياة السياسية ويلبى حاجة المجتمع الملحة للعديد من القوانين المطلوب إصدارها أو تعديلها, فضلاً عما سيحدثه من زيادة التواصل بين الشعب والدولة وترسيخ الشعور الشعبى بالمشاركة والمسئولية فى صنع القرار وبناء المستقبل, كما أنه لا يتعارض أبداً مع الدستور والقانون ولا يخرج عن صلاحيات رئيس الجمهورية, ولا يُعد إطلاقاً بديلاً عن مجلس النواب المنتظر. لواء بالمعاش E-Mail :