«لم ينجح أحد» عبارة ترددت كثيرا فى العديد من الأفلام الكوميدية تعبيرا عن حال العديد من المدارس، ولكن هذه العبارة تحولت الآن من مجرد «إفيه» يقال فى الأفلام إلى حقيقة تعانى منها مدارسنا، سواء فى المحافظات أو فى القاهرة، حتى أن بعض الإدارات التعليمية قامت بإجراء اختبارات فى الإملاء لطلاب المدارس الإعدادية للتأكد من معرفتهم بالقراءة والكتابة، بعد أن تبين أن طلاب المدارس الإعدادية لا يجيدون اللغة العربية، فما بالنا باللغات الأجنبية والعلوم والرياضيات! هذه الكارثة تؤكد أن التعليم فى مصر فيه حاجة غلط، فكيف يصل الطلاب للمرحلة الاعدادية دون إجادة لأبسط قواعد القراءة والكتابة، وكيف تخرج نتيجة مدرسة بكاملها لم ينجح أحد؟ هذه الكارثة نضعها أمام الدكتور محب الرافعى وزير التربية والتعليم لعله يعلم مدى ما وصل إليه حال التعليم فى مصر. حتى أيام قليلة مضت لم تكن مدرسة «الدمينات» الإعدادية بالبحيرة سوى مجرد واحدة من آلاف المدارس الموجودة فى مصر، لكنها أصبحت من أشهرها بعد إعلان نتيجة التيرم الأول الذى جاءت نتيجته نجاح 10 طلاب فقط من بين 400 طالب مقيدين بالمدرسة، والمفاجأة أن الطلاب الناجحين من أبناء المدرسين، هذه النتيجة الصادمة جعلت اسم المدرسة يتردد فى الصحف ووسائل الإعلام، باعتبارها سابقة من السوابق القليلة التى تشهدها مدارس مصر، فبعد أن كانت عبارة لم ينجح أحد مثارا للضحك فى الأفلام الكوميدية أصبحت حقيقة تتكرر كثيرا بطول مصر وعرضها، فقد شهدت محافظة الأقصر واقعة مشابهة فى نهاية العام الدراسى المنصرم حينما تقدم أولياء أمور تلاميذ مدرسة القرنة الاعدادية بشكوى للواء طارق سعد محافظ الأقصر بسبب رسوب 328 طالباً بالمدرسة من بين 340 طالباً مقيدا بها، وهو ما أدى إلى قيام المحافظ بإصدار قرار بإعادة امتحان الدور الثانى لجميع الطلاب وفتح تحقيق موسع بالواقعة، الغريب فى الأمر أن الامتحان الثالث الذى عقدته المحافظة جاءت نتيجة النجاح فيه مخزية للصف الأول الاعدادى والذى وصلت نتيجته إلى 37%، بينما بلغت نسبة النجاح فى الصف الثانى إلى 73%. كذلك شهدت مدرسة أحمد عرابى الاعدادية التابعة لإدارة غرب المحلة التعليمية واقعة مشابهة حينما تجمهر أولياء أمور طلبة المدرسة، محاولين اقتحامها بالقوة بعد أن ظهرت نتيجة امتحانات الدور الثانى وتبين نجاح 4 طلاب فقط، وإذا كان البعض قد استقبل واقعة رسوب جميع طلاب مدرسة الوراق الثانوية (خدمات) فى العام الماضى بأنه أمر متوقع من مدرسة خدمات، فإن ما حدث فى نفس الادارة قبل ذلك أمر ينذر بالخطر، حيث بلغت نسبة النجاح فى الشهادة الاعدادية 15% فقط، وجاءت نتيجة امتحانات اللغة الانجليزية فى إحدى المدارس لم ينجح أحد، وهو ما دفع أعضاء المجلس الشعبى المحلى بالجيزة إلى التقدم بطلبات إحاطة للوقوف على أسباب انهيار العملية التعليمية، مطالبين المحافظ ووزير التربية والتعليم بالتحقيق فى أسباب هذه الكارثة التعليمية. فيه حاجة غلط هذه الوقائع وغيرها تؤكد أن التعليم فى مصر فيه حاجة غلط، فكيف يدرس تلميذ ست سنوات فى المرحلة الابتدائية وعامين فى الاعدادى حتى يصل إلى الشهادة الاعدادية ثم يثبت أنه لا يتقن القراءة والكتابة، وكيف يدرس التلاميذ اللغة الانجليزية من الصف الأول الابتدائى ثم يصلون إلى الشهادة الإعدادية ويرسب جميع تلاميذ مدرسة فيها، وإذا كانت الدراسات تؤكد أن الطفل المصرى من أذكى أطفال العالم حتى سن دخول المدرسة، فلماذا يفشل الكثير منهم فى الدراسة حتى إن بعضهم قد يتسرب من التعليم ويلجأ للعمل المهنى بكل ما يحمله من مهانة وإهدار لطفولته؟ يجيب عن هذه التساؤلات الدكتور حسن شحاتة أستاذ مناهج التدريس بكلية التربية جامعة عين شمس، مشيرا إلى ان عملية النقل الآلى وعدم جدية الامتحانات فى بعض المدارس أدى إلى تخريج طلاب من التعليم الأساسى دون إتقان مهارات القراءة والكتابة، وهو ما يعنى أن المدارس لا تقوم بدورها الحقيقى فى تعليم التلاميذ للمواد الأساسية، وأضاف أن الأسباب التى أدت إلى وصول مدارسنا إلى هذا الوضع المخزى هى : ضعف التمويل حيث تبلغ المخصصات المالية للتعليم حوالى 66 مليار جنيه تذهب 90% منها للأجور المتدنية للمعلمين، والعاملين فى الوزارة، كما أن نظرة الدولة نفسها للتعليم باعتباره مهنة قد يقوم بها أى شخص أدى إلى إفساد العملية التعليمية، وأكبر دليل على ذلك أن 67% من المعلمين غير مؤهلين تربوياً وبالتالى ينعكس هذا على العملية التعليمية والتربوية فى المدارس. وثالث أسباب فشل العملية التعليمية فى مصر كما يراها الدكتور حسن شحاتة هو ثقافة المجتمع نفسه الذى ينظر للتعليم على أنه مجرد شهادة يحصل عليها الطالب وليس تعليما للحياة، أما رابع الأسباب فهو عزوف منظمات المجتمع المدنى عن مساعدة الدولة فى التعليم سواء عن طريق تقديم التكنولوجيا المتطورة أو بناء المدارس مما جعل التلاميذ مكدسين فى الفصول وقدرتهم على الاستيعاب تتناقص، بالإضافة إلى مشكلة نقص المعلمين، وحتى مسابقة ال30 ألف معلم التى أجريت مؤخرا لم يتم تعيين الناجحين منهم حتى الآن، وهو ما يؤكد أن الدولة نفسها لا تهتم بحل مشاكل التعليم فى مصر . وأكد أن مصر لن تتقدم إلا بجودة التعليم، ومن ثم يجب أن تهتم به الدولة لأنه لا مستقبل لمصر دون التعليم منظومة فاشلة جدير بالذكر أن وزارة التربية والتعليم عقب ظهور نتيجة التيرم الأول قامت بإجراء اختبارات فى الإملاء والنحو لطلاب الصف الثالث الإعدادى فى المدارس بعد ان تبين من الامتحانات هبوط مستوى الطلاب فى الكتابة والنحو، ولكن الوزارة لم تتخذ أى إجراء حيال الطلاب الذين تبين أنهم دون المستوى، أو حيال معلميهم الذين ثبت فشلهم فى القيام بدورهم الأساسى فى تعليم التلاميذ، ومن هنا يرى الدكتور محمد عبدالظاهر الطيب الأستاذ بكلية التربية جامعة عين شمس وعضو المجالس المتخصصة أن مشكلة التعليم فى مصر تتمثل فى فشل المنظومة بالكامل، فبالإضافة إلى مشكلة عدم قيام المدارس بدورها فى التعليم فهناك 4500 قرية ونجع لا يوجد بنصفها مدارس على الإطلاق، وهو ما يعنى أن التعليم الابتدائي غير متاح لنصف أطفال هذه القرى والنجوع، كما ان التعليم الذى يساعد على تفتح عقل الطالب هو مرحلة رياض الأطفال وهذا التعليم غير متاح لأكثر من 80% من أطفال مصر، أى أنهم يدخلون مرحلة الابتدائى دون تحصيل أي شىء وبالتالى يصعب عليهم التجاوب مع ما يدرسون، وتكون النتيجة إما الفشل فى التعليم أو التسرب منه. كما أننا الدولة الوحيدة التى يوجد بها أنواع مختلفة من التعليم ما بين الخاص والعام والتجريبى والمدارس الدولية الأجنبية، وهذا التنوع يسمح بمساحات شاسعة بين أبناء الوطن فى التعليم، رغم أن وظيفة الدولة هى تقديم تعليم متقارب للجميع، لكن هذا الخليط يؤكد على فساد المنظومة التعليمية كلها، التى لن تؤدى لا إلى تعليم ولا تربية، فالمدارس الحكومية يجب أن تقدم تعليماً متقارباً مع ما تقدمه المدارس الخاصة، لذلك لابد من أن تولى الدولة أهمية خاصة لتمويل التعليم بعيدا عن إرهاق أولياء الأمور، والنهوض بالعملية التعليمية من خلال تطوير أداء المعلمين وتدريبهم والاهتمام بتحسين أحوالهم، مع ضرورة الاهتمام بالمناهج التعليمية وعدم الاعتماد على التلقين والحفظ كأسلوب عقيم للتعليم.