من المتعارف عليه بين أجهزة الأمن والاستخبارات فى كل دول العالم، أنَّ هناك ثلاثة محاور رئيسية للاختراق وتجنيد العملاء، وهى المال والخمر والمرأة، فهذه هى نقاط الضعف الإنسانى التى يُمكن استغلالها إذا كانت لدى المرء لاستقطابه وتجنيده، أو استخدامها للخلاص منه والقضاء عليه. وأعتقد أنها الآن لم تعُد قاصرةً على التعامل مع الأشخاص، وإنما أصبحت من أسلحة الصراع بين الدول. وإذا كانت مصر وأمتها العربية مستهدفة من قوى الشر والاستعمار عبر قرون طويلة، فإن المؤامرات والحرب عليها فى تاريخها الحديث قد ازدادت ضراوتها وتنوعت محاورها لأسباب كثيرة عقائدية وتاريخية واقتصادية وجغرافية, وفى غِمار التآمر الآثم الذى تتعرض له منذ نحو أربعة عقود ويستهدف تدميرها وطمس هويتها، نستطيع أنْ نلمس استخدام القوى المعادية لكل المحاور الثلاثة التى أشرنا إليها، من أجل تفتيت الدول العربية من داخلها وتحقيق المستهدف بأقل تكلفة. فالمال تم استخدامه تارة بشراء ذمم وضمائر مسئولين فى أنظمة الحكم وصناعة القرار، وتارة أخرى بصناعة هياكل الفساد السياسى والمالى وزراعتها وتمكينها داخل الوطن لتؤتى بنتائجها الكارثية المحتومة التى شهدناها. والخمر الذى يُذهب العقول تم استخدامه بصورة مستحدثة تمثلت فى الأفكار الفاسدة والقيم الضالة التى تم بثها والترويج لها داخل مجتمعاتنا الشرقية المحافظة، فكانت وبالاً علينا وصارَ الشبابُ أول ضحاياها. ثم كانت المرأة الوتر الحساس فى نسيج هذه الأمة ليلعب عليه أعداؤها ويحاولون العبث به لأنهم يعلمون أنَّه بالنسبة لهذه الأمة مثل الجهاز العصبى للجسد، فإذا أصابه العوار فلا خير فى الجسد كله. إنّ حديثى اليوم يأتى بمناسبة ما نلحظه من تعالى نغمة الحديث عن حقوق المرأة وتمكينها وتمييزها وما شابه ذلك. ورغم أنى لا أنكر ولا يملك أحدٌ أنْ ينكر عليها حقاً من حقوق الحياة، لأنها ببساطة الوجه الآخر للبشر الذى استخلفه الله فى الأرض وأناطَ به عمارتها وفقاً لشرعه وأحكامه، ومنحه نعم الحياة كلها بالعدل والقسط، إلا أننى أستشعر أن هذه النغمة التى تعالت بشكل ممجوج وغريب فى الآونة الأخيرة على نحو فترة كئيبة فى زمن مبارك أفرزت مجلساً قومياً للمرأة لا نعرف حتى الآن سبباً لإنشائه أو داعياً لوجوده ولم نلمس له أى مردود إيجابى على حياة المرأة وثقافتها وظروفها المعيشية، واقتصر دوره على أبواق وحناجر رموزه التى تتحدث بعبارات مرسلة وشعارات خاوية عما يسمى بحقوق المرأة، فإن ذلك ما يدعونى للتوجس من الغرض المقصود والأيادى الخفية التى تدفعُ به. فما الذى يريده هؤلاء المتحذلقون والمتفلسفون الذين يُطِلون علينا بسمومهم المعسولة من كل قنوات ووسائل الإعلام؟ هل يريدون تأليب المرأة على وطنها بإقناعها بأنها مقهورةٌ ومغلوبة على أمرها وأنَّها ضحيةُ هذا الوطن، أم يريدون فصلها عن مجتمعها بتصويرها عنصراً نفيساً متميزاً لا حياة له مع هذا المجتمع الظالم أم يريدون تحويلها إلى خصم لدود لشريكها فى الحياة وهو الرجل من أجل هدم تلك الحياة؟ إنَّ المطالبة بالحق يكون عند سلبه أو عدم إقراره، أما عدم الرغبة فى استخدامه أو عدم القدرة عليه فذلك شىء آخر يجوز الحديث بصدده من قبيل التوعية والتحفيز فقط وليس بأى شعار آخر، وإلّا كانت النتائج سيئة بأحد أسلحة الدمار الشامل الحديثة التى تستخدم ضد الشعوب. إنَّ المرأة العربية وفى مصر بالذات تتمتع شرعاً وقانوناً بكل الحقوق الشخصية والعينية والثقافية والسياسية التى يتمتع بها الرجل، بل وتزيدُ عليه فى بعض الأمور بحكم العرف والتقاليد، ولا تُوجد أىُ عثرات قانونية تحولُ بينها وبين مباشرتها لأى حق من حقوقها، فعلامَ هذا الضجيج المصطنع وتلك الادعاءات المغرضة، وإذا كان البعض يتحدث عن عدم اعتلائها مناصب معينة بالقدر الذى يريده، فلماذا لم يتحدث عن عدم امتهانها بالمرة لأعمال أخرى مثل قيادة القطارات والميكروباص أو أعمال المحاجر والصرف الصحى وغيرها، وهل يسوغ فى سياق هذا الصخب أنْ نطالب بكوتة لها فى مثل تلك الأعمال؟ إننى أناشد أولى الأمر والنخبة بالتحسب والحذر عند تناول هذا الموضوع لما يمكن أنْ يجرفنا إليه من تخريب لقيم المجتمع وثوابتها الحضارية. لواء بالمعاش E-Mail :