كلما حل شهر مارس كل عام تزايد الحديث عن المرأة المصرية والأم وأثرها الباقى فى حياة كل منا... شهر مارس هو شهر المرأة، ففيه اليوم العالمى للمرأة وذكرى 19 مارس أول مظاهرة نسائية فى ثورة 1919... وفيه أيضاً عيد الأم... شهر مارس هو شهر الثورة ففيه انطلقت أول ثورة شعبية مصرية فى القرن الماضى وفيه احتفالنا بالمرأة وعيدها ويومها.. فهو فى إجماله تعبير حى عن تجسيد المرأة للثورة وتمثيل الثورة للمرأة. يطنب الرجال والشباب فى الحديث عن المرأة ودورها فى حياتهم وحال كونها هى اللمسة الحانية والرحمة والعطف والدمعة والفرحة... إلخ، وهذا الحديث يعبر تعبيراً حياً عن المفارقة بين الرجل والمرأة فهو لا يراها نداً له ولا يرى المساواة جامعة بينهما وهو يمارس انفصاماً بالغاً فى حياته ما بين كلماته وأفعاله... ففى الوقت الذى يقدم فيه على الزواج فهو يقدم على الاستغناء عن نصف حريته ونصف إرادته فى صناعة القرار وهذا أمر طبيعى فى حياة يقررها اثنان... وعندما يصحو على تلك الحقيقة فإنه يبدأ فى ممارسة المخزون الطبيعى للثقافة الراقدة فى أعماق عقلة ونفسه فى السيطرة والانفراد... فتواجهه المقاومة من الطرف الثانى... فتكون تلك هى الصدمة العملية فى علاقة الرجل بالمرأة...!! فالمرأة فى بلادنا فى مواجهة المجتمع والرجل مثل الفلاح المصرى على مدار تاريخه فى مواجهة السلطة وتعسفها ورجالاتها من المتنفذين والجباة المستبدين المبتزين... فالمرأة فى تاريخها الطويل مع الرجل فى بلادنا لعبت هذا الدور وتعلمت فن المرونة والاختفاء والالتفاف حتى تستطيع أن تتعايش مع هذا المجتمع وهذا الرجل وأن تجعله يستصدر من القرارات ما تريده من دون أن يشعر أنه يفعل ما تشاء... تلك الحياة الطويلة فى القهر والحصار والتمييز أكسبت المرأة المصرية حكمة وإدارة وتريثاً وصناعة قرار، ولهذا فقد ظلت الأم المصرية هى الموجه والناقد والناصح الأمين والمشير والدليل للرجل فى عموم مصر من الصعيد لبحرى. المرأة المصرية قطعت أشواطاً طويلة فى التعبير عن نفسها وحقها فى أن تكون... وهى جزء المجتمع فعندما نهض المجتمع للحداثة والحياة... نهضت هى أيضاً انتزاعاً لحقها... ولم تكن ثورة 19 فحسب هى النافذة الأولى لخروجها، فقد وقفت المرأة المصرية خلف عرابى فى ثورته على الاستبداد وصلف الأتراك والشراكة والنهب الاستعمارى... حتى أن أميرات العائلة المالكة الخديوية كن متعاطفات مع عرابى... وفى أعقاب ضرب الإسكندرية هبت كل فتيات مصر وبنات الأسر الكبيرة لجمع التبرعات وألفن فرقة لتحضير لوازم الجرحى وإرسالها للخطوط الأمامية فى المعركة... عائشة التيمورية ألقت اشعارها فى 1869 ومجلة السيدات صدرت فى 1892 وشجرة الدر فى 1901 وفتاة الشرق فى 1906. عندما انفجرت ثورة 19 لم تحجم المرأة عن المشاركة... وفى 16 مارس قبل أن يمر أسبوع على انفجار الثورة خرج الكثيرات من السيدات والبنات يجبن أنحاء القاهرة فى صفين منظمين وقد مررن فى موكبهن بدور القنصليات ومعتمدى الدول الأجنبية هاتفات بالحرية والاستقلال واناس فى الشوارع يصفقون لهن ويهتفون والنساء فى النوافذ يزغردن ويهتفن وعندما وصلت التظاهرة الى بيت الأمة بيت سعد ضرب الإنجليز حصاراً حولهن مسددين لهن بنادقهم وهنا صاحت هدى شعراوى «نحن لا نهاب الموت أطلق بندقيتك فى صدرى لتجعلوا فى مصر مس كافيل ثانية». شارك النساء الرجال فى الأرياف فى نزع خطوط السكك الحديدية واشتركن فى المظاهرات الرافضة للجنة ملنر... وعندما سألت الصحفية الأمريكية جريس تومسون صفية زغلول عن نفى زوجها قالت «ان سعد سجين سيشل ولكنى هنا روحه الثانية وزوجته التى تصون مكانه... وهو سيعود ولن يمكنهم ابعاده طويلاً ولو مات سعد فسيأتى حلفه كثيرون وسأفعل كل ما أستطيع لإشعال روح الثورة فى سبيل استقلال مصر»... وكانت شقيقة محمد العشماوى بنت منطقة الخارطة بحى الخليفة هى أول شهيدة فى ثورة استشهدت برصاص الإنجليز فى 10 ابريل 1919. خاضت المرأة معارك الحجاب والطلاق وحقوق الزوجة والأطفال وتعدد الزوجات وقضايا تعليم المرأة وعمل المرأة... خاضت معارك طاحنة وتخرجت أول طبيبة مصرية خديجة حفنى ناصف وكذا سهير العكماوى وأمينة السعيد ومنيرة ثابت فى كليات الآداب والحقوق... وتوالت أعلام المرأة فى مسيرتها مفيدة عبدالرحمن... سميرة موسى... سيزا النبراوى... انجى أفلاطون... لطيفة الزيات... فاطمة موسى... أميرة حلمى مطر... مارجريت نخلة الفنانة التصويرية اللامعة... اقتحمت المرأة كل المجالات واحتلت وصعدت لأعلى الدرجات... أستاذة جامعية... طبيبة مشهورة... مهندسات مجتهدات... علامات فى صناعة الوجدان والعقل الوطنى... أم كلثوم... فاتن حمامة... سعاد حسنى... رتيبة الحفنى... بنت الشاطئ... سكينة فؤاد... نظيرة نقولا... درية شفيق... تاريخ طويل وجهاد ونضال وبذل وعطاء على طريق الحرية والوجود. المرأة المصرية فى ثورتها ونهضتها كانت صاعدة فى مجتمع يتقدم للأمام... عصر النهضة والحداثة مع رياح ثورة 19 أخرجت مصر فى حقبة الحريات أفضل ما عندها من انجاز شعبى على مستوى العمل الجماعى والأهلى والنقابى... تشكلت النقابات المهنية والعمالية... تخرجت أجيال من المتعلمين... ازدهرت الحريات العامة فكانت قمم مصر على مختلف الأصعدة والمجالات العلمية والاقتصادية والأدبية... رجالاً ونساء... ولكن فى ظل انحسار الحريات واختفاء العمل العام وسيادة القهر والدولة البوليسية يتراجع المجتمع وتنشط خلايا التلف والظلام... وتعود مصر لتناقش وتختلف وتعترك فى قضايا بدايات القرن المنصرم... قضايا الحجاب... عمل المرأة... حقوق الزوجة والأسرة... العنف تجاه المرأة... وتصبح رموز الحركة النسوية أمينة الجندى... عائشة عبدالهادى... آمال عثمان... كأدوات لصناعة وحماية الاستبداد والفساد.... ينتفض الوطن فى يناير 2011 وتشارك المرأة بكل ثقلها وإقدامها وتضحياتها فتكون الحصيلة ما لا يزيد على 11 نائبة فى برلمان 2012، ولتصبح الرموز النسوية عزة الجرف... أميمة كامل... باكينام الشرقاوى... فى تجديد لأدوات صناعة الاستبداد والظلام. الثورة مستمرة... والطريق الى الدولة الحديثة لم يزل طويلاً... والطريق لن يكون ممهداً إلا إذا كانت المرأة فى مقدمة الركب بكامل الحقوق والواجبات وعندما يستطيع الرجل أن يتغلب على هواجسه وخيالاته وأن يدرك راضياً حق المساواة والندية... روح الثورة ومبادرتها وقدرتها على الفعل هى قاطرة التقدم لدولة المواطنة... كل عام والمرأة المصرية فى حركة للأمام.