«40 سنة حفائر» ليس كتاباً يروي مذكرات مؤلف تقليدي أو كاتب يسجل حياته.. بل هو يضرب بجذوره في أعماق التاريخ المصري القديم.. كأنه صفحات من ورق البردي تروي تاريخنا القديم.. أو هو كتابات بالكتابات المصرية القديمة نحتت بالحفر الغائر علي جدران المعابد وأوجه المسلات.. فما هذه الواجهات والجدران إلا صحف المصريين القدماء، أي هي «إعلام مصر القديمة» بكل عظمتها.. - وبالمناسبة يا ليتنا نعلم أولادنا أصول هذه الكتابات الفرعونية وأبرزها الكتابة الهيروغليفية، ولا أقول اللغة الهيروغليفية.. لأننا لم نصل بعد إلي فك طلاسم «صوتيات» هذه اللغة أو الديموطيقية أو ثالثتهما. أقول: كأن مؤلف هذا الكتاب شديد الروعة: الدكتور زاهي حواس يرسل لنا رسالته عن هذه العصور الفرعونية العظيمة ويا ليته كتب عنوان كتابه، أيضا، بالهيروغليفية التي يجيدها تماماً وهو هنا مزج- في الكتاب- بين ذكرياته ومذكراته.. وبين أعماله الآثارية الكبري في كل مكان ذهب إليه، أو عمل فيه.. والأهم شارك أو انفرد بالكشف عنه!! والكتاب - 271 صفحة من القطع الكبير- يقدم لنا مئات الصور من المواقع الآثارية التي عمل بها المؤلف.. مشروحة بالكامل بالألوان والأبيض والأسود يضم خمسة فصول الأول الطريق إلي الأهرامات، والصحيح في اللغة «الأهرام»!! يروي السنوات الأولي.. ثم الكاتب وحده في صحراء تونا الجبل- أول موقع عمل به عند تخرجه- وحفائر الإنقاذ بكوم أبوبللو والكشف عما قبل التاريخ في مرمدة بني سلامة ودفنات الأسرات المبكرة في أبورواش.. ومن أبوسمبل إلي الجيزة. وفي الفصل الثاني قدم لنا اكتشافات جديدة بالجيزة مع تاريخ مختصر للجيزة واكتشاف شرق خوفو مع هرمه العقائدي وجنوب هرم خوفو ومقابر الجبانة الغربية إلي أعمال معبد الوادي واكتشافات خفرع الجنائزية ويتحدث عن ترميم وصيانة أبوالهول.. ولكن أفضل أعماله هنا هي اكتشافاته عن بناة الأهرام وجبانة الفنانين ورؤساء العمال.. ويقفز بنا زاهي حواس إلي منطقتي سقارة وهليوبوليس بداية من عصر بناة الأهرام وتاريخ سقارة ولصوص المقابر.. أما أفضل أجزاء الفصل الرابع فتناولت اكتشافات مذهلة بالواحات البحرية وأبرزها وادي المومياوات الذهبية والمقبرة المفقودة لحاكم الواحات. أما الفصل الخامس فيتناول ما هو أخطر.. هو كيف نحمي تراثنا ومستقبل الجيزة- ويصفها المؤلف- بأنها أروع مكان بالعالم.. ولو عرف الناس أهميتها لتغيرت أشياء كثيرة في مصر والعالم. ويدخل د. زاهي حواس وسط حقول الألغام.. أقصد الأعمال الخاطئة في الترميم، ليس فقط في أبوالهول وأهرام الجيزة.. ولكن في هرم سقارة الذي كثر عنه الحديث هذه الأيام.. ثم يتعرض لقضايا سرقة الآثار المصرية إلي أن يصل إلي خاتمة الكتاب بالكشف عن أسرار هي «أكثر من الرمال» وتخيلوا تلال الرمال في أنحاء مصر.. ويروي أسرار الكشف عن الطريق الصاعد للملك خوفو وكيف أن الصدفة وحدها هي التي دلت عليه.. إلي المعبد الجنائزي للملك.. خصوصاً وأن معبد الوادي نفسه يقع أسفل قرية نزلة السمان ودخول الآثار في مشاكل مع أهالي النزلة خوفاً من هدم منازلهم!! ومن المؤكد يقول المؤلف إن هناك احتمالات كبيرة في العثور علي آثار غنية تقع أسفل مساكن النزلة، الحالية.. ثم بقايا الميناء الكبير.. وإذا كانت أهرام الجيزة تجذب العشاق إلا أن المجموعة الهرمية- وما تحتها بالذات، سوف تكشف الكثير من الأسرار، ربما أيضا عن مسار نهر النيل إلي حيث أسفل هضبة الجيزة، وما كان يتفرع عن النهر من قنوات مائية «صناعية» لتوصيل مستلزمات عملية بناء الأهرام.. وفي رأيي، أن رؤية منطقة أهرام الجيزة- من الجو- هي أفضل من رؤيتها من مستوي الأرض.. فهل نستغل ذلك من خلال رحلات بالبالونات، أو الطائرات الصغيرة، كما رأيت ذلك وأنا أطير فوق منطقة جراند كانيون في الولاياتالمتحدة ومنحوني يومها شهادة بأنني قد طرت فوقها بهذه الطائرة الصغيرة قبل أن تهبط إلي عمق الوادي.. وتلك فكرة سياحية ترويجية طيبة باستخدام المناطيد والبالونات.. والطائرات الصغيرة لهواة المغامرات.. إنني أثق أن زاهي حواس مازال في جعبته الكثير من تاريخنا الفرعوني.. وأعرف أنه يحتفظ بكل أوراقه الصغيرة وكل صوره.. في كل موقع عاش فيه، أو عمل.. ومن المؤكد أنه كان يسجل كل كبيرة وصغيرة مرت به، أو مر بها.. لذلك جاء هذا الكتاب تسجيلاً دقيقاً لكل حياته الحافلة. وهو ما جعلني أصفه بعالم المصريات الأشهر.. الذي يتعامل مع أي شيء كأنه كنز من ذهب.. ولا كنز الملك الذهبي، وهو من أفضل كتبه. أما كتابنا هذا فأجدر به أن يصدره بعدة لغات.. فهو خير دعاية لمصر، قبل أن يكون دعاية عن نفسه. ويبقي أن الدار المصرية اللبنانية وفرت لهذا الكتاب ما لم توفره أي دار نشر عالمية من امكانيات طباعية وورق فاخر.. وفرز رائع للصور الملونة.. تجعل كل صور تنطق وتتحول إلي أكبر دعاية لمصر ولزاهي نفسه.. وللدكتور زاهي ميزة أخري هي انه ليس أنانياً ولم ينسب كل شيء إلي نفسه وحده.. بل نجده يذكر ويؤكد دور كل مساعديه بداية من الأستاذة نشوي جابر مساعدته.. ود. رمضان بدوي ود. محمود عفيفي ولم ينس فضل أساتذته من د. جمال مختار ود. أحمد الصاوي حتي الريس عبدالوهاب والحاج محمد ياسين إلي الحاج أحمد يوسف مرمم مراكب الملك خوفو. إنه كتاب يزيد عشق المصريين- والعالم كله- للآثار المصرية. ودعوة إضافية ودعاية من أجل تنشيط السياحة إلي مصر وآثارها.. والشكر الموصول للفرعون الحديث الدكتور زاهي حواس ابن محافظتنا دمياط.