أتحدي من يدعي أن هيئة الثروة السمكية تملك إحصاء دقيقاً لحجم الإنتاج السمكي في مصر.. سواء في البحرين المتوسط والأحمر.. أو البحيرات الشمالية الخمس «البردويل، المنزلة، البرلس، ادكو، مريوط».. كما ان أحداً لا يعرف بالضبط حجم إنتاج بحيرة السد العالي، سواء كانت هيئة الثروة السمكية «القومية» أو هيئة تنمية بحيرة السد العالي.. فهذه وتلك هيئتان «لقتل الثروة السمكية». ولكن لما كان الشعب المصري يعشق الأسماك- وتوابعها- من جمبري وكابوريا وجندوفلي.. فإننا نلجأ الآن إلي استيراد كل ذلك.. ومن يخرج إلي الأسواق يجدنا نستورد سمك الماكريل- يا الله خللي الفقير ياكل- وسمك التونة المجمد.. والسردين.. وأيضاً البربوني- وبالذات من المغرب وتونس.. ليه ياربي؟! لأننا نعجز عن تنمية ما تحت أيدينا من مسطحات مائية: مالحة، وعذبة، وبين بين، أي مياه «دِلعة» تمتزج فيها المياه المالحة من البحر، بالمياه الحلوة من المصارف، وغيرها. وأنا أكتب هنا- منذ أيام- عن المؤتمر الاقتصادي القادم في شرم الشيخ.. ونبحث عن مشروعات قومية عملاقة، أقول اننا كما نخطط لإنشاء منطقة لوجستية لتخزين الحبوب في دمياط، وهي غذاء رئيسي.. لماذا لا نحسن استغلال ما تحت أيدينا من ثروات.. منها الثروة السمكية.. نقول ذلك وأمامنا تجربة المغرب التي أقامت صناعة متقدمة للغاية لاستغلال أسماك السردين، أمام سواحلها علي المحيط الأطلنطي وبالذات في منطقة أغادير.. وأيضاً أمام سواحلها علي البحر المتوسط ومضيق جبل طارق.. بل لماذا لا نستغل مسطح بحيرة السد العالي- كما فعلت أوغندا وكينيا وتنزانيا مع بحيرة فيكتوريا- وهي المنابع الرئيسية لكل الروافد والأنهار والبحار التي تشكل بعد ذلك النيل الأبيض.. وفيكتوريا هذه هي البحيرة التي تعطي لهذه الدول الذهب السمكي، المنظف والمجهز والمجمد! لماذا وهو نفس النهر؟! وقد شرحت- أمس- هذه الفكرة وقدمت كيف نقيم صناعة صيد وتصنيع عملاقة تبدأ بإنتاج زريعة من الأسماك الممتازة، ومصانع للعلف لهذه الأسماك ومصانع- عصري يعمل فيها المئات وربما الآلاف من شبابنا، مع خطوط نقل بالبرادات والسكك الحديدية والطائرات.. وأيضاً صناعة سفن متطورة للصيد في البحيرة.. نقول ذلك رغم ان انتاج البحيرة رغم مساحتها التي تبلغ 6500 كيلو متر مربع لا تعطي سوي 22 ألف طن فقط سنوياً.. بل ان مصنع تجهيز أسماك البحيرة مغلق، ومنذ سنوات.. بلا خيبة وبلا وكسة! وها هو الرئيس «السيسي» يطالبنا بأفكار غير تقليدية لحل مشاكلنا الاقتصادية وفي مقدمتها الفجوة الغذائية لذلك نقدم اليوم واحدة من هذه الأفكار. هل سمعتم عن «خور توشكي»، و«مفيض توشكي».. هذا المشروع كان هدفه تصريف مياه الفيضان التي تزيد علي ارتفاع منسوب 178 متراً والخور مجري مائي قديم مدخله علي النيل طوله 72 كيلو متراً وسعته الإجمالية 1200 مليار متر مكعب علي مستويين، وأقمنا «هداراً» علي فم هذا الخور لتنساب المياه الزائدة إلي منخفض توشكي.. وتكونت هناك مساحة هائلة من المخزون المائي.. ونجحنا في زراعة مساحات كبيرة علي حواف هذا الخور، ونجح فلاحو كفر الشيخ بالذات في زراعة البطيخ والخضراوات وغيرها. هنا نسأل: لماذا لا نحول هذه المساحة المائية وما حولها إلي مزارع سمكية، إذا كنا نخشي تلوث بحيرة السد نفسها من ذلك، ونقيم هناك صناعات متقدمة للأسماك.. وبالذات الجمبري، الذي يعشقه كل المصريين وهذا المسطح مسطحه حوالي 6000 كيلو متر مربع، ويمكن أن نقيم هناك تجمعات سكنية كبيرة في هذه المنطقة جنوب السد العالي بحوالي 2500 كيلو متراً وبطول 70 كيلو متراً.. ونخصصها لزراعة وتربية الأنواع الممتازة من الأسماك من قشر البياض والدنيس وبوري المياه العذبة وغيرها.. مع ربطها بوسائل نقل عصرية. علي أن ننشئ هيئة سمكية لتنمية بحيرة السد وبحيرة مفيض توشكي والخور تحل محل هيئة قتل الثروة السمكية هناك.. لتتحول هذه البحيرة إلي الدجاجة التي تبيض ذهباً.. أقصد البحيرة التي تبيض سمكاً.. مع إنتاج أنواع تعيش في المياه الحلوة.. وتذكروا أن بحيراتنا الشمالية «كانت» تجود فيها أسماك المياه المالحة- في المناطق المجاورة لفم البحيرات علي البحر.. وكانت تجود أنواع من الأسماك النيلية في القطاع الجنوبي من بحيرة المنزلة. هل ننجح في تقديم هذه الفكرة- كمشروع قومي عملاق- لمؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي، كمشروع متكامل يتكلف الملايين.. ولكنه يعطي المليارات ونوفر بذلك البروتين السمكي، بعد أن وصلت أسعار البروتين اللحمي إلي 100 جنيه للكيلو.. إيه رأيكم. وياليت من ينظم المؤتمر يقدم هذا المشروع المتكامل للمستثمرين. وبهذا ننمي أيضاً.. جنوب مصر الذي يحلم بالتنمية الحقيقية.