تحل اليوم الذكرى 204 لمذبحة القلعة، التي دبرها محمد علي باشا ضد أعدائه المماليك، التي راح ضحيتها أكثر من خمسمائة رجل من زعمائهم وأعيانهم يوم 1 مارس لعام 1811 ميلادية. وعلى الرغم من مرور كل هذه السنوات، لا تزال رائحة الموت تخيم على مكان مذبحة القلعة الذي ظل شاهداً على ما حدث، فما زال يشعر كل من يعبر أمامه بالرهبة والانقباض وكأنه يحتفظ بين أحجاره وزواياه بصرخات المستغيثين من الموت. كانت البداية حينما دعا محمد علي باشا، أعيان المماليك إلى احتفال كبير بمناسبة تنصيب ابنه طوسون على رأس حملة متجهة إلى الحجاز لمحاربة الوهابيين، ولبى المماليك الدعوة وركبوا جميعا في أبهى زينة وأفخم هيئة، وكان عدد المدعوين حينها يزيد على عشرة آلاف شخص من كبار القوم ومختلف الطوائف. سار الاحتفال على ما كانت عليه الحال حينها في مثل هذه المناسبات من طعام وغناء إلى أن نادى المنادي برحيل الموكب، فعزفت الموسيقى وانتظم قرع الطبول، عندئذ نهض المماليك وقوفاً، ودعاهم محمد على لكي يمشوا في موكب الجيش الخارج للحرب. وتقدم الموكب مجموعة كبيرة من الأحصنة التي يعتليها جيش محمد علي باشا بقيادة ابنه (إبراهيم بك)، ثم طلب محمد علي من المماليك أن يسيروا في صفوف الجيش لكي يكونوا في مقدمة مودعيه، وكانت أرض القلعة أذاك غير ممهدة ويصعب السير عليها وكانت الرؤية بها صعبة ومحجوبة على أمراء المماليك حيث كان يسير أمامهم جيش كبير من الرجال. وخدعهم محمد علي بمحاصرتهم عند باب "العزب" الذى أصبح مسرحاً لهذه المذبحة، حيث إن الطريق المؤدي اليه مجرد ممر صخري منحدر تكتنفه الصخور على الجانبين، فلا مخرج ولا مهرب، وانطلت عليهم الخدعة التي نفذها جنود الباشا بإحكام. وفي هذه اللحظة خرج الجيش من باب القلعة وأغلقت الأبواب، أما الحراس الذين كانوا يعطون ظهورهم للمماليك فاستداروا لهم، وانطلقت رصاصة في السماء، لتكون بمثابة إشارة لبدء مذبحة لن ينساها التاريخ يوماً، وانهالت الطلقات مدوية من كل صوب وحدب تحصد أرواحهم جميعاً بلا رحمة. حصدت الرصاصات ما استطاعت، ومن نجا منها فقد ذُبِح بوحشية، وسقط جميع المماليك سابحين في دمائهم، حتى امتلأ فناء القلعة بالجثث، ولم ينج منهم إلا اثنان هما "أحمد بك " و"أمين بك"، فيما كان زعيم المماليك إبراهيم بك في طرة وهرب عقب علمه بالمذبحة إلى السودان، حتى قيل إن عدد القتلى في هذه الواقعة قارب الخمسمائة. وصل خبر تلك المذبحة إلى الجماهير المحتشدة في الشوارع لمشاهدة الموكب، فسرى الذعر بينهم، وتفرق الناس، وأقفلت الدكاكين والأسواق، وهرع الجميع إلى بيوتهم، وخلت الشوارع والطرقات من المارة، وسرعان ما انتشرت جماعات من الجنود الأرناؤوط في أنحاء القاهرة يفتكون بكل من يلقونه من المماليك وأتباعهم، ويقتحمون بيوتهم فينهبون ما تصل إليه أيديهم، وتجاوزوا بالقتل والنهب إلى البيوت المجاورة. وكثر القتل، واستمر النهب، وسادت الفوضى ثلاثة أيام، قُتل خلالها نحو ألف من المماليك ونُهب خمسمائة بيت، ولم يتوقف هذا إلا بعد أن نزول محمد علي إلى شوارع المدينة، وتمكنه من السيطرة على جنوده وإعادة الانضباط، وهكذا استطاع محمد علي باشا الانفراد بالحكم. وكان لمذبحة المماليك أثراً نفسياً كبيراً، فيبدو أنها أخافت المصريين من محمد علي، وقضت على أي إمكان لنشوء ديموقراطية في مصر بسبب اسلوبة الدموي في الاستقلال بالحكم دون معارضيه.