عندما رحلت شيماء الصباغ.. تمنيت أن أذهب إلى أهلها.. أعطيهم وردة بيضاء.. أحضن بلال ابنها.. أقول له.. أنا آسفة.. حقك علي.. كما تمنيت أن أفعل ذلك مع كل ضحية مهما كان دينه.. عقائده.. انتماؤه.. اتجاهاته.. أعطيهم وردة وأعتذر منهم بشدة لأننا لم نعرف كيف نحبهم.. لم نتعلم على هذه الأرض معنى الغفران.. المسامحة.. نسينا تعاليم الله فأنسانا إنسانيتنا. هذه المرة قررت أن أجعل لكلماتى معنى حقيقياً على أرض الواقع.. مجرد أن ذكرت صديقتى مورا أنها ستذهب لعزاء أهالى مذبحة ليبيا.. تعلقت بها كما يتعلق الغريق بقشة.. ذهبنا إلى قرية «العور» بسمالوط التى بها معظم أهالى الضحايا.. أقدم رجلاً وأؤخر الأخرى خشية رؤيتى لأهاليهم.. حزنهم خاصة فى الصعيد الذى أعرف جيداً كيف يكون. منذ دخلنا القرية أدركت لماذا يهاجر الشباب منها.. هرباً من الفقر المدقع.. وأنهم بالفعل لو وجدوا فى بلدهم أقل القليل ما سافروا وعرضوا أنفسهم للقتل.. البيوت فقيرة جداً معظمها إن لم تكن جميعها على المحارة.. لا يوجد بها سوى القليل من الأثاث.. كل البيوت التى دخلناها لم يكن بها سوى كنبة خشبية بدون فرش. ذهبنا لنعزيهم فإذا بوجوههم الضاحكة المستبشرة تعزينا.. كلمات المعزين.. المباركة على الشهادة الضحكة على وجوه كل من دخلنا دارهم.. الدعاء لمن قتلوهم بالهداية.. أصابت قلوبنا فى الصميم.. كنا نبكى وهم يصبروننا.. يحتضنون مدام منى صديقتنا التى ماتت ابنتاها فى حادثة وحملت صورها لكى تصبرهم بها وتصلى معهم.. يقبلون الصورة يمررونها لبعضهم البعض. خرجنا وقد علمنا هؤلاء البسطاء الذين لم ينل معظمهم أى قدر من التعليم.. معنى الإيمان الحقيقى.. عرفنا من وجوههم المستبشرة المكان الرائع الذى ذهب إليه الشهداء.. أدركنا أن موتاهم ماتت أجسادهم فقط.. أما الروح فعادت إلى ربهم.. وأنهم بالفعل كما كانوا يرددون فى كل البيوت التى دخلناها «لقد جابوا بحبهم وغفرانهم أشخاصاً للرب». ليتنا نتعلم منهم أن الحب هو الحل وليس الحرب.. الحروب لا تولد إلا دماء.. أحقاداً.. ضغائن.. تحابوا.. اغفروا.. سامحوا من فى الأرض حتى يرضى عنكم من فى السماء. المجد للشهداء والمحبة على الأرض.