في عام 1980، أي قبل 35 سنة، تعرفت لأول مرة على ابن تيمية «661 :728ه» خلال دراستي بقسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة طنطا، ومعرفتى به جاءت على يد أستاذي الفاضل د. عبدالفتاح أحمد فؤاد أستاذ الفلسفة الإسلامية أدام الله عليه الصحة والعافية، حيث قرر علينا كتابه «ابن تيمية وموقفه من الفكر الفلسفي»، وكانت محاضرته في قاعة بالدور الأرضي تسع لحوالي مائة طالب، وأذكر أن غلاف الكتاب كان لبنى اللون، وقد كان د.عبدالفتاح فى الأربعينات من عمره، وكان يمتاز بطيبة القلب ودماثة الخلق لدرجة أنك تخجل من أن ترفع صوتك فى حضوره، وما أذكره جيدا أنه كان يعشق ابن تيمية كمفكر، وقد حاول أن ينقل لنا حبه هذا خلال المحاضر، وذلك بتوضيح مواقفه فى مسائل عدة سبق وطرحها المعتزلة والشيعة والمتكلمون، وباختصار غير مخل يعرض مسألة كلام الله، أو رؤيته أو أسماؤه وصفاته، أو مسألة الاستواء على العرش، ويشرح رأى كل فرقة من الفرق، ثم يوضح موقف ابن تيمية في المسألة ونقده لأراء مخالفيه . وكتاب د.عبدالفتاح فؤاد فى أسلوبه ومنهجه لايختلف كثيرا عن شرحه في المحاضرات، اللهم سوى المصادر والمراجع التى يذيل بها هوامش الصفحات، حيث تخرج بعد قراءة الكتاب بنفس الانطباع الذي يصلك من شرح د.عبدالفتاح خلال المحاضرة، وهو أن هذا الرجل يحب ابن تيمية وينحاز إلى أرائه الفلسفية، وأظن أنني بسبب هذا الشعور احتفظت بكتاب د.عبدالفتاح منذ عام 1980 حتى اليوم، لكننى منذ أيام شعرت بآسي شديد لأنني اكتشفت أن الكتاب لم أنقله معى من شقتى بالعباسية، وأنه مازال مع العشرات من الكتب فى مكتبتي هناك، وبسبب ارتفاع السلم لا استطيع أن أستعيده، فاتصلت بأحد أساتذتي وطلبت منه أن يتصل بأستاذنا د.عبدالفتاح ويوفر لى نسخة من الكتاب، وبالفعل تشرفت بنسخة وإهداء من أستاذنا أدام الله عليه الصحة والعافية، ولا أخفى عليكم مدى سعادتي بهذه النسخة، فقد عاد إلى «ابن تيمية وموقفه من الفكر الفلسفي» مرة أخرى. لهذا الكتاب فضل كبير فى تشكيل أو ترتيب ذهني، فقد تعلمت منه الكثير، قبل تجلس للكتابة عليك أولا أن تلم بكل جوانب الموضوع الذي تتناوله، وبعد أن تفهم جيدا يمكنك أن تعبر عن الموضوع بأسلوبك وقاموسك أنت وليس بأسلوب وقاموس من قرأت لهم، وهذه النقطة كانت مشكلة المشاكل التى واجهت زملاءنا فى قسم الفلسفة مع كتاب ابن تيمية، حيث أن د.عبدالفتاح كتب بعد أن بحث واستوعب، وقد جاء كتابه فى جمل خيرية بسيطة، وهو ما يعنى أننا مطالبون إما بالفهم أو بالحفظ، وقد كان أغلبنا يلجأ للحل الأسهل وهو الحفظ. السؤال الذي شغلني لفترة كلما عدت لكتاب أستاذنا هو: هل كان ابن تيمية فيلسوفا؟، هل يمكن أن نضعه في مصاف الغزالي وابن رشد وابن سينا وابن طفيل..؟، حاولت أن أفتش عن إجابة من خلال كتاب أستاذنا وبعيدا عن حبه له، فكنت أعود إلى الهوامش التي ذكرها وأبحث عنها فى المكتبات، وهذه الخطوة عادت على بفائدة عظيمة، فقد علمتني كيف أبحث، وكيف أميز بين المصادر والمراجع، وأيامها لم تكن كتب ابن تيمية قد انتشرت بهذا الشكل، فتعقدت المحاولة وأرجئت الإجابة، مع ها لم أستسلم وحاولت بقدر المتاح أن أجمع بعض المراجع التى تناولت ابن تيمية، وفتشت فيها عن إجابة، وللأسف لم تسعفني لرأى يطمئن إليه عقلى وقلبى، ولأهمية هذا السؤال أؤجل الإجابة عنه حتى يصلني رأى أستاذنا عبدالفتاح فؤاد، هل تعد ابن تيمية بين الفلاسفة أم بين الفقهاء؟.