يعد التكافل الاجتماعي من أهم الأسس التي يقوم عليها المجتمع في الإسلام وقد أكد الفقهاء أن الشريعة الإسلامية عملت على تحقيق روح التكافل الاجتماعي ووضعت أسسه وقواعده , بل وطبقته فعليًا بين أفراد أمة الإيمان وذلك لبناء مجتمعٍ قويٍّ قادرٍ على مواجهة التحدِّيات والأزمات المختلفة، مجتمع حضاري راقٍ، يرحم القويُّ فيه الضعيفَ، ويعطف الغنيُّ على الفقير، ويعطي القادرُ ذا الحاجة . فإذا كان التكافل الاجتماعى هدفا ومطلباً من مطالب الشريعة التي دعت إليها وحثت عليها ، فكيف يمكن لنا الوصول إليه فى هذا الشهر الكريم ؟ ما هي السبل التي نستطيع من خلالها تحقيقه ؟ هل يكون بين الأفراد داخل المجتمع الواحد، أم أنه قد ينتقل ليشمل فكرة عامة تتعلق بالتكافل بين الدول؟ التكافل الإجتماعي في الاسلام أكد الدكتور فوزى الزفزاف وكيل الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الاسلامية أن التكافل الاجتماعي هو حق أساسي من حقوق الإنسان التي كفلها الله تعالى لعباده، مضيفا أن حق الإنسان في حياة كريمة هو من القواعد الثابتة في المنهج الإسلامي . وقال: "لقد ظهر مفهوم التكافل الاجتماعي في كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية مثل قوله تعالى "إنما المؤمنون إخوة" و" المؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض"، كما ورد في السنة الكثير من الأحاديث التي تحث المسلمين على التآخي ومعاونة الآخرين. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم، " المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا" . وأشار الزفزاف إلى أن رمضان شهر التكافل الاجتماعي، فالغني يشعر بحاجة الفقير أثناء صيامه وجوعه وعطشه، لافتا إلى أن وكان النبي صلى الله عليه وسلم مع جوده وكرمه طوال العام إلا أنه كرمه وجوده في رمضان أكثر ما يكون ويجب أن نقتدي به، ومن إشارات الكرم والتكافل في رمضان تفطير الصائمين وقد أعد الله تعالى لمن قام بذلك ثواباً عظيماً، لقوله عليه الصلاة و السلام (من فطَّر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لاينقص من أجر الصائم شيء). وأكد أن الصدقة في هذا الشهر شأنها أعظم لما تحمله من مضاعفة في الأجر والثواب و هناك علاقة خاصة بين الصيام والصدقة فالجمع بينهما من موجبات الجنة ، حيث قال صلى الله عليه وسلم "إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها ، قالوا: لمن هي يا رسول الله ؟ قال : لمن ألان الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام ، وصلى بالليل والناس نيام". وأضاف أن الإسلام شرع من الوسائل والنظم ما يحقق التكافل فى المجتمع أهمها الزكاة فهي فريضة إلزامية فرضها الله على المسلم وجعل للدولة الحق في أخذها منه قهرا، فانظر إلى خطورة إذا هو امتنع عن أدائها للفقراء والمساكين وغيرهم من مصارف الزكاة الذين حددهم القرآن الكريم بقوله : " إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم ". وتابع: تأتي أهمية الزكاة من حيث شمولها لمعظم أفراد المجتمع حيث تمثل 5و2% من مجموع الأموال وهي نسبة كفيلة - لو نظمت- بأن تحل كثيرا من المشكلات الاجتماعية الناتجة عن الفقر وأن تسهم في الحد منه ومن ثم كان لها تأثيرها الحيوي في إشاعة التكافل . هذا فضلا عن آثارها المعنوية حيث تنفي من المجتمع الأحقاد والبغضاء الناتجة عن انقسام الناس إلى مالكين لا يعبأون بغيرهم، ومحرومين لا يعبأ بهم . ونوه إلى أن المال الذي وهبه الله لعباده ليس ملكا خاصا لهم وإنما هو ملك لله. وذلك يستدعي أن المسلم لا ينفق المال فقط كما تلهمه أهواءه و إنما يكون الإنفاق حسب التعاليم التي أتى بها الله تعالى. فهو أمانة في يد الإنسان إلى أن يسأل عليه يوم القيامة. وأوضح الزفزاف أن التكافل الاجتماعي في الإسلام ليس معنياً به المسلمين المنتمين إلى الأمة المسلمة فقط ، بل يشمل كل بني الإنسان على اختلاف مللهم واعتقاداتهم داخل ذلك المجتمع كما قال الله تعالى : " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم " ذلك لأن أساس التكافل هو كرامة الإنسان حيث قال الله تعالى : " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ". وعندما رأى عمر بن الخطاب شيخا يهوديا يتسول فى الطريق ففرض له راتب شهرى من بيت المال المسلمين يغنيه عن السؤال . رمضان شهر التكافل من جانبه، أوضح الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقة بجامعة الأزهر أن التكافل الاجتماعى لا يكون ماديا فقط فهناك التكافل المعنوي يأتي في صور كثيرة مثل المشورة والنصيحة، والصداقة، والتعليم، وغيرها من أشكال العطاء فالعطاء بالمجهود و العطاء العيني لا يقل أهمية عن العطاء المادي. ولفت إلى أن أهمية التكافل ترجع إلى أنه يوجه إلى تنمية الإنسان وليس سد الاحتياجات الأساسية التي تعتبر بمثابة مخدر للآلام و لا تبحث عن الأسباب الفعلية للمشكلة ومعالجتها. وأضاف أن كل شخص ينبغي أن يكون له دور حقيقي ومؤثر في المجتمع وعليه مسئولية كبيرة في حل مشكلات كالفقر والبطالة.... من جذورها، والمساعدة ولو بأقل القليل في الارتقاء بفرد أو أسرة واحدة من خلال فتح باب الرزق لها أو تعليم أفراد الأسرة مما يحقق لهم الاعتماد الذاتي الذي يعد أساس التكافل الاجتماعي. أما عن مسؤولية الدولة وواجباتها الاجتماعية لتحقيق التكافل فيقول كريمة، يجب على الدولة أن تقوم بتأمين موارد المال العام و استثمار ما بها من ثروات باستخراج معادن الأرض وكنوز البحار وكافة الثروات التي أودعها الله في الكون وعمل المشاريع البناءة التي تساهم في النهضة العامة وإعطاء الأولوية للفئات الفقيرة المحرومة كما كان فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم فكان هناك بيت المال يحفظ فيه الزكاة والصدقات لمعالجة الجرحى والمرضى وإطعام الجائع ،وكسى العار وفك الاسرى وتزويج المتعثرين . ونبه على أن هذا التكافل لا يقف عند تحقيق مصالح الجيل الحاضر بل يضع في الاعتبار مصالح أجيال المستقبل وهو ما من شأنه أن يسهم في حل كثير من المشكلات كثيرة لعل من أخطرها مشكلة البيئة والموارد الطبيعية، مصداقا لقوله تعالى "ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا". ونجد مراعاة هذا التكافل بين الأجيال في سياسة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الأرض الزراعية الخصبة في العراق- حينما فتحها المسلمون وأراد الجنود أن يقتسموها بينهم شأن بقية الغنائم ، فرفض هذا الرأي قائلا:" إني أريد أمرا يسع الناس أولهم وآخرهم " فقرر أن يترك الارض في يد عمال يعملون فيها ويؤدون ضريبة لبيت المال . التكافل بين الدول الإسلامية بدوره، قال الشيخ عبد الظاهر عبد الرازق مدير عام البحوث والتأليف والترجمة ، أن التكافل قد يكون بين الأفراد داخل المجتمع الواحد، وقد ينتقل ليشمل فكرة عامة تتعلق بالتكافل بين الدول والمجتمعات الانسانية كما ورد في الآية الكريمة " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير " . وإشار إلى أن هذه الآية تعلن مبادئ تكافل دولي بموجبه تنتظم كافة المجتمعات الإنسانية لإقامة المصالح ودفع المفاسد عنهم وتبادل المنافع فيما بينهم، مادية ومعنوية، علمية وثقافية واقتصادية مع الحفاظ على خصوصيات كل مجتمع وكيان دون تهديد لتلك الخصوصيات بما يهدمها أو يلغيها. وقال إن "التكافل بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ضرورة شرعية, كما كانت مطبقة في صدر الدولة الإسلامية وفي عصر الخلافة الإسلامية, ولذلك لابد من تفعيل دور زكاة الركاز للإسهام في هذا الدور..وتلك مسئولية الملوك والرؤساء والحكام والشيوخ والأمراء.. فالإمام راع ومسئول عن رعيته ، ولقد طبقت أحكام التكافل الاقتصادي في صدر الدولة الإسلامية وتحقق الخير للمسلمين جميعاً، فعندما نادى عمر بن الخطاب عمرو بن العاص في مصر وقال: واغوثاه، فأجابه عمرو بن العاص بقافلة من الطعام والشراب أولها الفسطاط وآخرها المدينةالمنورة". وأوضح عبد الرازق أننا نعيش تلك الأيام مأساة إنسانية، لشعب عربي مسلم هو شعب الصومال اجتمعت عليه الفقر والجوع والنزاع في ظل تجاهل من الشعوب المسلمة بسبب انشغالها بجمع الأموال وتأمين كراسي حكامها أو إنشغالها بثورتها على طغاتها المتحكمين الظالمين، مؤكدا أن المجاعة والجفاف هما آخر الأزمات التي تضرب الصومال، ومع أنها ليست المرة الأولى لكنها أخطر أزمة غذائية في القارة الإفريقية منذ المجاعة التي اجتاحت الصومال. وطالب عبد الرازق جميع الدول العربية والإسلامية بالمسارعة إلى توحيد الصف العربي والوقوف يدًا واحدة مرة في حياتهم، وتقديم المساعدات العينية والنقدية لأشقائهم في الصومال فى هذا الشهر الكريم، وأن يراعوا أعراف التكافل الاجتماعي الذي يحث على تقديم المساعدة وتحقيق التوازن الاجتماعي بغض النظر عن النفع المادي من وراء ذلك . واختتم حديثه بأن المجتمع الإسلامى يجب أن يقوم على مبدأ الجسد الواحد فالدول الإسلامية التي تمتلك اقتصادا متينا وإمكانيات قوية يجب أن تبادر إلى مساعدة شقيقاتها من الدول الأقل ، مضيفًا أن الله تعالى سيحاسب كل مقصر في أداء واجبه نحو إخوانه في أي مكان في العالم .