سعر الذهب اليوم الجمعة في مصر ينخفض مع بداية التعاملات    لتضامنه مع طلاب محتجين.. إيقاف رئيس حرم جامعي بكاليفورنيا    موعد مباراة الأهلي والترجي في ذهاب نهائي أبطال أفريقيا 2024    بعد 3 أسابيع من إعلان استمراره.. برشلونة يرغب في إقالة تشافي    موعد مباراة الأهلي والزمالك في نهائي دوري اليد والقنوات الناقلة    العظمى بالقاهرة 35.. "الأرصاد": موجة حارة ورياح واضطراب الملاحة بهذه المناطق    بعد 12 يوما على غيابه عن المنزل.. العثور على جثة طفل داخل بالوعة صرف صحي بالإسكندرية    ضبط زجاجات مياه غازية ولحوم مذبوحة خارج السلخانة ببني سويف    الإثنين.. المركز القومي للسينما يقيم فعاليات نادي سينما المرأة    لطيفة تحتفل بعيد ميلاد عادل إمام: "من أكتر الناس اللي وقفوا جمبي لما جيت مصر"    "زووم" برنامج للأنشطة الصيفية في متحف الطفل    دعاء يوم الجمعة المستجاب.. «اللهمَّ اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمارنا أواخرها» ردده الآن    هل يمكن أن يؤدي الحسد إلى الوفاة؟.. الأزهر للفتوى يجيب    بعد حادثة سيدة "التجمع".. تعرف على عقوبات محاولة الخطف والاغتصاب والتهديد بالقتل    أسعار الحديد اليوم الجمعة 17-5-2024 في أسواق محافظة المنيا    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    أستراليا تفرض عقوبات على كيانات مرتبطة بتزويد روسيا بأسلحة كورية شمالية    أين وصلت جلسات محكمة العدل الدولية للنظر في دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل؟    السفير سعيد أبوعلى الأمين العام المساعد بجامعة الدول العربية ل«روزاليوسف»: تحركات عربية مكثفة لملاحقة المسئولين الإسرائيليين أمام «الجنائية الدولية»    أسعار السمك اليوم الجمعة 17-5-2024 في محافظة قنا    فرصة استثمارية واعدة    كريم الحسيني يقلد الزعيم عادل إمام احتفالا بعيد ميلاده (فيديو)    تركيا تجري محادثات مع بي.واي.دي وشيري لبناء مصنع للسيارات الكهربائية    موعد مباراة النصر والهلال والقنوات الناقلة في الدوري السعودي    «الأوقاف» تعلن افتتاح 12 مسجدا منها 7 إحلالا وتجديدا و5 صيانة وتطويرا    احذر.. قلق الامتحانات الشديد يؤدي إلى حالة نفسية تؤثر على التركيز والتحصيل    تقنية غريبة قد تساعدك على العيش للأبد..كيف نجح الصينيون في تجميد المخ؟    سيولة مرورية وسط كثافات محدودة بشوارع القاهرة والجيزة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17-5-2024 في المنيا    جيش الاحتلال: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان وانفجار أخرى في الجليل الغربي    انطلاق امتحانات الفصل الدراسي الثاني لطلاب الشهادة الإعدادية بالجيزة.. غدا    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الجمعة 17 مايو 2024    فيرشينين: روسيا مستعدة لتوسيع مساعداتها الإنسانية لسكان غزة    يوسف زيدان: «تكوين» امتداد لمسيرة الطهطاوي ومحفوظ في مواجهة «حراس التناحة»    النواب الأمريكي يقر مشروع قانون يجبر بايدن على إمداد إسرائيل بالأسلحة دون انقطاع    بسبب عدم انتظام الدوري| «خناقة» الأندية المصرية على البطولات الإفريقية !    النمسا تتوعد بمكافحة الفساد ومنع إساءة استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي    بركات: الأهلي أفضل فنيا من الترجي.. والخطيب أسطورة    شريف الشوباشي: أرفض الدولة الدينية والخلافة الإسلامية    ملف يلا كورة.. موقف شيكابالا من النهائي.. رسائل الأهلي.. وشكاوى ضد الحكام    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو 2024    «رايحة فرح في نص الليل؟».. رد محامي سائق أوبر على واقعة فتاة التجمع    " بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    "كاميرا ترصد الجريمة".. تفاصيل تعدي شخص على آخرين بسلاح أبيض في الإسماعيلية    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    أحمد السقا يكشف عن مفاجأة لأول مرة: "عندي أخت بالتبني اسمها ندى"    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» .. موضوع خطبة اليوم الجمعة    براتب 1140 يورو.. رابط وخطوات التقديم على وظائف اليونان لراغبي العمل بالخارج    عاجل - واشنطن: مقترح القمة العربية قد يضر بجهود هزيمة حماس    شروط الحصول على المعاش المبكر للمتقاعدين 2024    كارثة تهدد السودان بسبب سد النهضة.. تفاصيل    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    تركيب المستوى الأول من وعاء الاحتواء الداخلي بمفاعل محطة الضبعة النووية    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    طريقة عمل بيكاتا بالشامبينيون: وصفة شهية لوجبة لذيذة    للحفاظ على مينا الأسنان.. تجنب تناول هذه الفواكه والعصائر    تنظم مستويات السكر وتدعم صحة العظام.. أبرز فوائد بذور البطيخ وطريقة تحميصها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحلقة الأخيرة
الوطن فوق أي عشيرة أو جماعة الإخوان يحاربون توحد الدولة ويستبدلون الجنسية بالعقيدة
نشر في الوفد يوم 04 - 02 - 2015

سيد قطب يعتبر اعتزاز المسلم بأرضه سلوكاً جاهلياً وشركاً بالله
الفكر المتطرف الفاسد يستتر برداء الدين ويستهدف ضرب قيم الولاء
ضعف الانتماء مرض عضال أصاب المجتمع المصري مع ظهور الإخوان
‎الولاء الوطنى والانتماء للوطن.. ما أروعها من صفات يتصف بها كل إنسان مؤمن محب لوطنه.. وما يعنيه الوطن من أرض وأهل وعشيرة وثروات ومصالح وتاريخ وتقاليد وأعراف ومستقبل الأبناء والأحفاد.. وهو شعور فطرى عميق يربط الإنسان بوطنه الذي ولد على أرضه وتنسم هواءه.. وتغذى من نبته وشب وتربى وترعرع بين أهل مجتمعه واستقر فيه..
‎وما أعظم أن يترجم المواطن الصالح هذا الشعور العظيم إلى معتقد يرسخ في وجدانه وإلى سلوك وعمل خلاق يستهدف الدفاع عن هذا الوطن والحفاظ على أمنه واستقراره ومصالحه وصيانة حرماته وما تعنيه الحرمات من مقدسات وأرواح وأعراض وممتلكات عامة وخاصة.. مع حرص دائم على العمل الدؤوب في سبيل الارتقاء بأحوال الوطن وتقدمه على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
‎ولذلك حض سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مؤمن على الارتباط بوطنه والزود عن حياضه حيث يرتقى حضرته بمرتبة من يموت دون ذلك إلى منزلة الشهداء، وذلك في حديثه الشريف (من مات دون أرضه فهو شهيد، ومن مات دون عرضه فهو شهيد، ومن مات دون ماله فهو شهيد)، فإذا كان هذا هو شأن الأوطان عامة في الإسلام، فما بالنا إذا كان هذا الوطن هو مصر العظيمة التي فضلها المولى عز وجل بذكرها في كثير من آيات القرآن الكريم وخصها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكرَّمها وأبناءها في العديد من أحاديث حضرته الشريفة وما أثبته التاريخ من أن أول حضارة شهدتها البشرية بزغت على أرض مصر وبواسطة أبنائها وأن مصر كانت على الدوام والاستمرار ولا تزال هي المدافعة عن الإسلام وحياضه وعن المسلمين وحرماتهم.. هذا هو حال مصر وتلك هي مكانتها وشأنها في الإسلام، ولقد تشرفت أرضها بأن تكون موطئًا لأقدام الكثير من رسل الله الكرام الذين عاشوا في مصر ودعوا إلى الله على أرضها وتشرف أهل مصر بطاعتهم وبأن يكونوا أتباعًا مؤمنين بحضراتهم مثل حضرة سيدنا رسول الله إبراهيم وسيدنا يعقوب وسيدنا يوسف وسيدنا موسى وسيدنا هارون وسيدنا عيسى وغيرهم من حضرات الرسل.. كما وفد إلى مصر أيضًا الكثير من صحابة سيدنا رسول الله وأهل بيته الكرام الذين أقاموا فيها ما شاء الله لهم أن يقيموا وتشرفت أرض مصر بأن تضم مقاماتهم الشريفة.. وما ذلك إلا لأن قلوب أهل مصر هي أقرب القلوب للإيمان الصحيح ونصرة دين الله والدفاع عن الإسلام ومقدساته.. ومن هنا جاءت خصوصية مصر في الإسلام.. وهو ما يجب أن يؤمن به كل مسلم في كل بقعة من بقاع الأرض، كما يجب أن يفتخر به كل مصرى ينتمى إلى هذه الأرض الطيبة وينعكس هذا المعتقد على سلوكه تجاه بلده مصر والحرص على أمنها واستقرارها ورفعتها.
‎مفهوم الولاء والانتماء للوطن:
‎يعرف الانتماء الوطنى بأنه شعور ذاتى لدى كل مواطن صالح يدرك من خلاله أنه جزء من هذا الوطن ينتمى إليه بحكم الميلاد على هذه الأرض وارتباطه بأهل هذا الوطن بوشائج كثيرة أبرزها العقيدة واللغة والعرق والتاريخ.. بجانب أواصر القرابة والمصاهرة والمصالح.. وارتباطه بأرض هذا الوطن التي عاش عليها ونعم بخيراتها هو وذريته والتي تضم رفات آبائه وأجداده وستضم في يوم ما رفاته ورفات أبنائه وأحفاده من بعده.. ومن ثم فإنه يدرك تمامًا أن ماضيه وحاضره ومستقبله هو وأهله وذريته من بعده يرتبط ارتباطًا وثيقًا بصالح ونمو وازدهار ورفاهية وطنه الذي ارتضى أفراده بإرادتهم ومشيئتهم أن يعيشوا في جماعته وأن يتضامنوا فيما بينهم بغية الحياة المشتركة وأن يشكلوا فيما بينهم وحدة سياسية متكاملة لها أجهزتها وقيادتها التي ارتضت جموع الشعب أن ترأسهم وهذه الوحدة السياسية هي ما يسمى بالدولة.. ولها تعبير مادى ومعنوى متصل بالماضى ويتعلق بالحاضر ويتطلع إلى مستقبل أفضل.
‎أما الولاء، فهو يعنى ترجمة الشعور بالانتماء على أرضية العمل والسلوك الفردى والجماعى للمواطنين وبما يعنى الإخلاص في العمل للوطن والتفانى فيه.. مع استعداد المواطن للتضحية في سبيل الدفاع عن وطنه بدمه وروحه، وأن يفضل مصلحة الوطن على مصلحته الذاتية إذا ما تعارضت معها، هذا إلى جانب احترام قوانين الدولة والالتزام بالقيم المعنوية والأخلاقية والأعراف السائدة التي تحكم علاقات المواطنين في المجتمع وحماية تلك القيم والذود عنها، وأن يعترف ويلتزم المواطنون بسيادة الدولة عليهم وبأنها المرجع فيما يطرأ بينهم من نزاعات وأنها مصدر القوانين التي تحكم الجميع استنادًا للدستور وقواعد وقوانين الشرعية السائدة التي تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكومين، والعلاقة بين المحكومين بعضهم البعض، وهذا السلوك من الفرد هو الذي يضمن الأمن والسلام ويحقق الخير والرخاء لأبناء الوطن جميعًا.
‎ومن ثم فإن الولاء والانتماء للوطن بهذا المفهوم يسمو فوق المنافع الخاصة وحساب الأخذ والعطاء وشهوات النفس.. كما أنه يرتفع فوق الانتماء الضيق للجماعات والطوائف والأحزاب والقبائل والعشائر ويسمو فوق التطلع إلى الزعامات ويمنع الانحراف إلى الأفكار والأيديولوجيات التي تتعارض مع الانتماء الوطنى.. لذلك فإن كل معتقد أو سلوك يتناقض مع الولاء والانتماء للوطن ويؤدى إلى الإضرار بالوطن والمواطنين إنما يتعارض مع ما يستهدفه الشرع من اجتماع قلوب المؤمنين على الحب والتآخى بين أبناء الوطن الواحد.. وطوبى للوطن عندما يدين له أبناؤه الأوفياء بالحب والولاء والانتماء فتراهم يرتبطون به ارتباطً وثيقًا لا تنفصم عراه ويحبونه حبًا لا ينتهى مداه وينصرونه في السراء والضراء.. والعكس صحيح.. فالويل كل الويل لوطن ابتُلىَ فيه أبناؤه بفكر ضال أغوته عقول أئمة ذات أغراض خبيثة فصرفت ولاءهم وانتماءهم إلى جهات أخرى معادية لوطنهم تحت دعاوى باطلة.. فأوقعتهم في شباك الضلال وحولتهم إلى معاول هدم وتخريب بدلًا من أن يكونوا أدوات بناء وعوامل استقرار وجعلت منهم صيدًا ثمينًا لأعداء الوطن.
‎خطورة ضعف الولاء:
‎شهدت السنوات الأخيرة ترديداً واسعاً لكلمتى (الولاء) و(الانتماء) وتم استخدامها على نطاق واسع في الكتابات الصحفية والندوات السياسية والثقافية والاجتماعية.. ويرتبط ذلك بما لاحظه كثير من المراقبين والمحللين من ضعف آصرة الولاء والانتماء لدى قطاع ليس بصغير من المصريين وأرجع البعض ذلك إلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يحياها المصريون بعد سنوات طويلة من الحروب التي خاضوها دفاعًا عن العروبة والإسلام وأرجع آخرون ذلك إلى عدم توافر مشروع قومى يجتمع يلتف حوله المصريون.. وقليل هم الذين اكتشفوا حقيقة الأمر وهى أن ذلك المرض العضال الذي أصاب المجتمع المصرى إنما يرجع في الأساس إلى تسلل فكر متطرف وفاسد مستتر برداء الدين وشعاراته البراقة إلى عقول قطاع ليس بصغير من الشعب المصرى دسه أعداء مصر في الخارج والداخل استهدف ضرب قيمة الولاء والانتماء الوطنى - وهى قيمة دينية وأخلاقية عظمى – في نفوس المصريين ليتحولوا من خلايا نشطة تمد الوطن بالطاقة والحيوية إلى خلايا سرطانية مدمرة تقتل وتخرب وتدمر باسم الدين وهو منها براء حتى وصل الأمر ببعض هؤلاء المتطرفين إلى قتل آبائهم وأمهاتهم وأشقائهم لمجرد أنهم يختلفون معهم في أفكارهم المتطرفة فوصموهم بالكفر إتباعًا لفتاوى أمرائهم واستحلوا دماءهم!!.. فهل يمكن لمن تتدنى نفسه إلى هذه المرتبة من الوحشية والشيطانية أن يُنتَظر منه أن يكون مواطنًا صالحًا لوطنه أو أن يكون لديه أدنى قدر من الشعور بالحب والانتماء والولاء لوطنه بعد أن فقد الشعور بالانتماء لوالديه الذين ربياه وعلماه وأوصلاه إلى ما وصل إليه؟!!
‎ويكفى أن نتأمل هذا المتطرف والإرهابى المجرم الذي لا يتورع عن قتل والديه ويسعى بالقتل والخراب والدمار في جنبات وطنه دون أن تهتز له خلجة في نفسه أو شعره في جسده وهو يرى ضحايا عمله الإجرامى الغادر من القتلى والجرحى من الأطفال والرجال والنساء الأبرياء - وقد يكون بينهم أمه أو أبوه – ولا يلقى بالًا لما يراه ويسمعه من عويل الأطفال اليتامى وصراخ الأرامل ونحيب الثكالى من الآباء والأمهات الذين فقدوا أبناءهم على أيدى هؤلاء الإرهابيين وما حل بممتلكاتهم من خراب ودمار على النحو الذي نشاهده يوميًا في عدد من البلدان العربية والإسلامية!!.. إن مثل هذا المتطرف الإرهابى هو إنسان مات قلبه وإحساسه وفقد آدميته وتحول من إنسان إلى كيان شيطانى لا يعرف إلا القتل والدماء ولا يستهدف إلا الخراب والدمار والفساد في أنحاء وطنه.
‎ولا تقتصر سلبيات افتقاد الشعور بالولاء والانتماء الوطنى لدى البعض على جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. بل تتعدى ذلك إلى ضرب الأمن القومى - خاصة في بعده الداخلى - في الصميم عندما يستهدف المتطرفون في الداخل والمتآمرون على الوطن في الخارج تقويض ركائزه ودعائمه.. لأنه يعنى ببساطة إسقاط الوطن من الداخل في أيديهم ودون تكبد مشقة مهاجمته من الخارج عسكريًا حيث يصرف دعاة الفكر المتطرف ولاء وانتماء أتباعهم نحو أفراد ومنظمات وجماعات تحركها تنظيمات عالمية خارجية تريد السوء بالوطن وبالدين في آن واحد.
‎إزاء هذا التعريف الواضح لمفهوم الولاء والانتماء السابق الإشارة إليه فليس هناك أدنى تعارض أو تناقض بين ولاء الإنسان لوطنه وولائه وانتمائه لعقيدته..
‎ومما لا يخفى على أي مسلم أن هناك العديد من الآيات والأحاديث التي تحدد مسئوليات المسلم في معاملة أهله وجيرانه ومن يعيشون معه من أبناء وطنه.. حيث تحدد هذه الآيات والأحاديث مسئولية المسلم عن رعيته من الزوجة والأبناء وحسن تربيتهم وتوجيههم وإصلاح أمورهم في الدين والدنيا.. ومسئوليته عن حسن المعاملة لوالديه والبر بهما وطاعتهما والإحسان إليهما.. كما أن هناك العديد من الأحاديث الشريفة التي تأمر كل مسلم بحسن معاملة جيرانه وأن يكون مصدرًا للأمان وعونًا وسندًا لهم عند الحاجة.. وكذلك التي تأمر المسلم أيضاً بصلة الرحم بأهله والإحسان إليهم والالتزام بمكارم الأخلاق في معاملة المحيطين به من بنى وطنه.. وبقدر ارتباط المسلمين في أي مجتمع إسلامى بطاعة الله ورسوله والالتزام بهذه الأوامر يكون حظ هذا المجتمع وما ينعم به من التجمع والتماسك والترابط العائلى والتلاحم بين أبنائه..
‎ولقد عرف طوال التاريخ أن أهل مصر ينعمون بالتماسك والترابط العائلي حيث يتكاتف المصريون جميعًا ويتحولون إلى أسرة واحدة إذا ما استشعروا الخطر على وطنهم.. حيث تجتمع قلوبهم على قلب رجل واحد يدفعون الشر والأذى عن أرضهم وبلادهم إذا ما تعرضت لاعتداء أو تآمر.. وقد ظهر ذلك جليًا في العديد من الأحداث في العقود الأخيرة حيث اجتمع المصريون جميعًا في أوقات الحروب والمؤامرات الكبرى التي تعرضت لها البلاد حتى يكتب الله النصر لمصر والنجاة للوطن.. ومن الجدير بالذكر أن هذا التماسك والارتباط الأسرى في المجتمع الإسلامى هو الذي يحمي الأجيال القادمة ويكفل لها التربية الصحيحة على المعتقد السليم حيث يتعلم الأبناء عن آبائهم طاعة الله وينشأون جيلًا بعد جيل على حب سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم وأهل بيته وصحابته.. وتكون ثمرة هذا الإيمان الصحيح والترابط الأسري والعائلي هو أن ينعم أبناء هذا المجتمع الإسلامي المترابط بالسماحة واللين والرحمة.. وهي صفات يتميز بها أهل مصر ويتصفون بها عبر التاريخ.
‎محاربة الإخوان المسلمين للولاء والانتماء لمصر:
‎لقد حاول دعاة الفتنة من الإخوان المسلمين الترويج للزعم بوجود التعارض بين الانتماء للدين والانتماء للوطن.. فزعم سيد قطب في كتابه (معالم في الطريق) أن اعتزاز المسلم بانتمائه إلى أرضه أو أهله أو وطنه هو سلوك جاهلى وشرك بالله فقال في صفحة 161 (من صور الشرك الخفى الشرك بالأرض.. والشرك بالقوم.. والشرك بالنسب)!!.. وقال: إن الانتماء إلى الأرض هو عصبية تعود إلى فترات الانحطاط، فقال في صفحة 159 (إن عصبية الأرض صغيرة ومتخلفة عرفتها البشرية في فترات انحطاطها الروحي).. وزعم أن المسلم لا جنسية له ولا وطن فقال في صفحة 160 (الجنسية هي العقيدة.. والوطن هو دار الإسلام التي يكون الحاكم فيها هو الله والدستور فيها هو القرآن)!!.. وحاول الإساءة إلى الانتماء إلى الوطن بما فيه من النسب والأهل والأرض فقال بالحرف الواحد في صفحة 157 (انتهى أمر هذا النتن.. نتن عصبية النسب.. نتن اللحم والدم ولوثة الطين والأرض.. لم يعد وطن المسلم هو الأرض التي يعيش عليها وإنما عاد وطنه هو دار الإسلام)!!.. كما دعا دعاة الفتنة صراحة إلى عدم الدفاع عن أرض الإسلام ومقدساته وذلك حتى لا تنشغل هذه الجماعات الإرهابية والمتطرفة بمحاربة اليهود وتحرير القدس عن هدفها الأصلى في الوصول إلى السلطة باسم الدين!!.. فقال بعض دعاة الفتنة – كما أوردنا في مقالاتنا السابقة (إن قتال العدو الداخلى أولى من قتال العدو الخارجي)!!.. كما طالبوا أتباعهم بعدم الانضمام إلى الجيوش الوطنية لأنها في زعمهم جيوش دول (كافرة) وأنها أولى بالمقاتلة من مقاتلة اليهود.. !! فهل هناك دعوة لخيانة الوطن.. بل خيانة الله ورسوله أشد من تلك الدعوة الباطلة والآثمة والتي ترفع شعارات الدجالة باسم الدين؟!!
‎ومن الجدير بالذكر أن سيد قطب كان أول من دعا إلى هذه الدعوة.. حيث طالب أتباعه من الإخوان المسلمين صراحة في كتابه (معالم في الطريق) بألا يكترثوا بحماية أرض الإسلام أو مقدساته تحت الزعم بأن الأرض ليس لها قدسية أو حمية.. ولا الزود عن الأهل والولد من المسلمين بحجة أنه يجب حمايتهم من الفتنة في الدين لا من الأعداء!!.. ومن ثم فإن على الإخوان المسلمين أن لا ينشغلوا عن هدفهم الرئيسى الأصلى وهو السيطرة على الحكم والسلطة بدعوى محاربة ما يسمونه بحكم الجاهلية.. فقال سيد قطب بالحرف الواحد في صفحة 159 (لا حمية لأرض.. ولا زود عن أهل أو ولد إلا لحمايتهم من الفتنة عن دين الله).
‎رسول الله.. الأسوة الحسنة:
‎وللرد على هذه الافتراءات الباطلة فيكفى أن نتوقف أمام السيرة الشريفة.. فعندما هاجر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة المنورة وقف مخاطبًا وطنه مكة قائلًا (والله إنك لأحب أرض الله إلى ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت أبدًا) وهو حديث شريف يدل بقوة على أهمية حب الوطن.
كما أنه من الثابت تاريخيًا أيضًا أن حضرته لم يأمر كل المسلمين بترك مكة والذهاب معه إلى المدينة بل ترك فيها بعض المسلمين الذين كانوا يقيمون دينهم على أرضها رغم سيطرة المشركين في مكة عليها.. ومن الثابت أيضًا أن حضرته لم يأمر كل القبائل التي آمنت به ودخلت في الإسلام بأن تترك أراضيها وتهاجر إلى المدينة بل بقوا في أوطانهم يقيمون فيها شعائر الإسلام ويدافعون عنها وعن دينهم الجديد وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يرسل إليهم من الصحابة من يرشدهم إلى دين الله.
‎وعندما دخل الرسول عليه الصلاة والسلام إلى المدينة وأصلح بين القبيلتين الأوس والخزرج لم يلغ هويتهما أو زعاماتهما بل احتفظت كل منهما بهويتها وزعامتها.. كما لم يسع حضرته ومن بعده الخلفاء الراشدين إلى إذابة الهوية الوطنية لأى من الشعوب التي دخلت في الإسلام أو القبائل التي انطوت تحت لوائه بل حفظ لكل قبيلة وشعب كيانه وهويته ونظامه.. ولم يحل ذلك الاستقلال الوطنى لكل شعب من هذه الشعوب الإسلامية دون أن تتعاون فيما بينها في كل الجوانب الاقتصادية والتجارية والثقافية وغيرها.. سواء عندما كان مركز الخلافة في المدينة المنورة إبان حكم الرسول وخلفائه الراشدين.. أو بعد ذلك عندما تحولت الخلافة إلى ملك عضود كما جاء في الحديث الشريف (الخلافة بعدى في أمتى ثلاثون سنة ثم تكون ملكًا عضوداً).
وقد انتهت فترة الخلافة الرشيدة فعلًا بعد ثلاثين سنة من انتقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بانتهاء خلافة سيدنا (على بن أبى طالب) رضى الله عنه.. وبدأ حكم الدولة الأموية من مقرها في دمشق ثم الدولة العباسية من مقرها في بغداد ثم الدولة الفاطمية من مقرها في القاهرة وأخيرًا الدولة العثمانية من مقرها في إسطنبول.. وحتى بعد أن استقل كل شعب مسلم بنفسه استقلالًا كاملًا كما هو الوضع اليوم.. فإن أحدًا لا يمكنه أن ينفى عن هذه الشعوب إسلامها لمجرد أنها استقلت بذواتها وأصبح لكل منها كيان سياسي مستقل.. كما لا يمكن في ذات الوقت أن ينكر أحد على أي دولة مسلمة حقها في أن تدافع عن استقلالها وأرضها وحرمات شعبها.. وأن تحض أبناءها على الولاء والانتماء لوطنهم والارتباط به والدفاع عنه في مواجهة ما يهددها من مخاطر.. إذ أن ذلك يتفق تمام الاتفاق مع كل ما يأمر الله به ورسوله من الدفاع عن الأوطان والذود عن حياضها.. والدفاع عن مقدسات المسلمين وحرماتهم وممتلكاتهم وثرواتهم حتى يسلم الوطن من تهديدات الأعداء وشرورهم.. وحتى يتمكن المسلمون من العيش في أوطانهم آمنين مستقرين قادرين على إقامة شعائر دينهم.
‎ويكفى أن نتوقف أمام قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) «13 الحجرات».. فالمولى عز وجل في هذه الآية يخاطب المسلمين كما يتبين في قوله تعالى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).. وتبين الآية أن الله قد أراد أن يجعل المسلمين شعوبًا وقبائل لتتعارف وتتعاون فيما بينها.. وهو ما يؤكد أن انتماء أي مسلم إلى أي أرض أو أي شعب أو قبيلة واعتزازه بهذا الانتماء وحرصه عليه هو أمر يقره الله ورسوله طالما أنه يحرص على تقوى الله وطاعته.
‎الخلاصة:
‎إن الولاء للوطن لا ينبع إلا من إيمان صحيح ونفس سوية وعقل سليم.. وهو وسام رفيع يحمله المواطن على صدره ويرفعه فوق هامته.. فمن افتقد هذا الولاء لوطنه فإنه لا يكون إنسانًا سويًا ولا يرجى منه الخير لدينه أو لأهله أو لأسرته أو لمجتمعه.. وهو ما نراه في تلك النماذج من المتطرفين والإرهابيين الذين تمكنت منهم هذه الدعوات الشيطانية التي ترفع شعارات المتاجرة بالدين لنشر الفُرقة والشقاق بين المسلمين والقضاء على ارتباط المسلم بوطنه وأرضه وأهله.
‎وإذا كانت مقتضيات الإيمان الصحيح للإنسان المسلم تتطلب أن يؤمن بكل ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله وأن يكون لهذا الإيمان واقع يسلكه في حياته.. فإنه يصبح من الأمور المهمة التي ينبغى أن يعيها كل مسلم – خاصة من كان له شرف الانتساب لمصر- أن يدرك تلك الحقائق التي أوردها القرآن والسنة الشريفة عن مصر كخصائص اختص الله تعالى بها هذا البلد العظيم وميزه به عن سائر بلدان العالم.. وأن يرقى هذا الإدراك إلى مستوى المعتقد الثابت الذي ينعكس في سلوكنا في كل ما يتعلق بمصر التي وصفها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها (كنانة الله في أرضه).. وبأهل مصر الذين وصفهم حضرته بقوله ( إن فيها خير أجناد الأرض وإنهم لفى رباط إلى يوم القيامة).. فلا يتغير هذا المعتقد لدى أي مسلم ولا يتأثر بأى عارض طارئ وإنما يكون معتقدًا راسخًا ويكون سلوك المسلم في كل ما يتعلق بمصر وأهله قائمًا على هذا المعتقد.
‎ولقد أوضحنا عبر المقالات السابقة حول (ترشيد الخطاب الدينى وتجديده) أن نظهر خصوصية مصر في الإسلام كما أرادها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والتي أكدتها ووثقتها أحداث التاريخ كما ينطق بها الواقع الذي نحياه.. كما حاولنا أن نتصدى بقوة لكل دعاوى الفتنة التي يثيرها أعداء مصر في الداخل والخارج لصرف أبناء مصر عن الولاء والانتماء لوطنهم وتحويلهم إلى خلايا سرطانية تقتل وتخرب وتدمر.. فقد آن الأوان أن ندرك جميعًا خطورة هذه الدعوة وما كان لها من آثار سلبية على كل مناحى الحياة في مصر وضرورة وأهمية استعادة الإيمان الصحيح بمكانة مصر وخصوصيتها في القرآن والسنة ودورها في حماية الإسلام ومقدساته بين جموع المصريين الذين يتعين عليهم أن يفتخروا ويعتزوا بمصريتهم وأن يتباهوا أمام العالم بأن الله قد كرمهم وشرفهم بأن جعلهم ينتسبون إلى هذا البلد العظيم.
‎ومن خلال طرح كل هذه الحقائق يمكن إيقاظ الشباب من غفلته وأن يصحو من غفوته وينهض من كبوته فيتخلق بأخلاق الإسلام الفاضلة ويستعيد الأعراف والتقاليد الاجتماعية العظيمة والكريمة التي جُبِلَ عليها المصريون من قديم الزمان.. وأن ينبذ الفرقة والحقد والكراهية التي يدعو إليها أعوان الشيطان ودعاة الفتنة أصحاب الفكر المتطرف والإرهابى.. ليسود الخير ويشرق وجه الحياة على أرض مصر وتعود مصدرًا للحضارة والعلم والتقدم كما كانت من قبل.. فهذا ما قدره الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لمصر كنانته في أرضه منذ قدم التاريخ وإلى أن يرث اللهُ الأرضَ ومَن عليها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.