على مائدة إفطار.. البابا تواضروس يلتقي أحبار الكنيسة في دير السريان (صور)    «يأتي حاملًا البهجة والأمل».. انتصار السيسي تهنئ الشعب المصري ب«شم النسيم»    جامعة أسيوط تنظيم أول مسابقة للتحكيم الصوري باللغة الإنجليزية على مستوى جامعات الصعيد (AUMT) 2024    المجمعات الاستهلاكية تستقبل الجمهور خلال عطلة شم النسيم    أسعار أراضي الإسكان الأكثر تميزًا بالمدن الجديدة.. تعرف على الشروط ورابط التقديم    التقديم غدًا.. 14 شرطًا لتلقي طلبات التصالح في قنا    «التنمية المحلية»: مبادرة «صوتك مسموع» تلقت 798 ألف شكوى منذ انطلاقها    إطلاق المنظومة الإلكترونية لطلبات التصالح في مخالفات البناء.. غدًا    تراجع كبير في أسعار الحديد اليوم الاثنين 6-5-2024    مطار العريش الدولي يستقبل طائرة مساعدات إماراتية لصالح الفلسطينيين بغزة    فرنسا: أي تهجير قسري للمدنيين يمثل جريمة حرب    بمناسبة عيد ميلاده.. كوريا الشمالية تدعم الزعيم كيم جونج أون بقسم الولاء    الجونة يستعيد خدمات أحمد حسام في لقاء فاركو    القناة الناقلة لمباراة باريس سان جيرمان ضد بوروسيا دورتموند في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    استياء في الزمالك بعد المشاركة الأولى للصفقة الجديدة    «الرياضة» تستعد لإطلاق 7 معسكرات شبابية جديدة في مختلف أنحاء الجمهورية    طارق العشرى يُخطط لمفاجأة الأهلي في مواجهة الثلاثاء    بالفيديو| أطفال يحوّلون النافورات إلى حمامات سباحة في احتفالية عيد شم النسيم    «الداخلية»: 4 متهمين وراء مقتل «مسن الوادي الجديد» بسبب خلافات مالية    إقبال كبير على كورنيش النيل للاحتفال بشم النسيم في الأقصر (صور)    فنانون عادوا للساحة الفنية بعد غياب سنوات.. آخرهم يوري مرقدي    إيرادات علي ربيع تتراجع في دور العرض.. تعرف على إيرادات فيلم ع الماشي    لماذا يتناول المصريون السمك المملح والبصل في شم النسيم؟.. أسباب أحدها عقائدي    في ذكرى ميلادها.. محطات فنية بحياة ماجدة الصباحي (فيديو)    رانيا محمود ياسين تُعلن وفاة عمها    وسيم السيسي: قصة انشقاق البحر الأحمر المنسوبة لسيدنا موسى غير صحيحة    معهد أمراض العيون: استقبال أكثر من 31 ألف مريض وإجراء 7955 عملية خلال 2023    استشاري تغذية توجّه نصائح لتفادي خطر الأسماك المملحة    بالأطعمة والمشروبات.. طريقة علاج عسر الهضم في شم النسيم    «الدواء» تقدّم 7 نصائح قبل تناول الفسيخ والرنجة    قبل أولمبياد باريس.. زياد السيسي يتوج بذهبية الجائزة الكبرى ل السلاح    التعليم تختتم بطولة الجمهورية للمدارس للألعاب الجماعية    الاتحاد الأوروبي يعتزم إنهاء إجراءاته ضد بولندا منذ عام 2017    التعليم العالي: تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس    استشاري تغذية ينصح بتناول الفسيخ والرنجة لهذه الأسباب    موعد عيد الأضحى لعام 2024: تحديدات الفلك والأهمية الدينية    إصابة أب ونجله في مشاجرة بالشرقية    فنان العرب في أزمة.. قصة إصابة محمد عبده بمرض السرطان وتلقيه العلاج بفرنسا    كشف ملابسات وفاة سيدة إثر حادث تصادم بسيارة وتحديد وضبط مرتكب الواقعة    مفاجأة عاجلة.. الأهلي يتفق مع النجم التونسي على الرحيل بنهاية الموسم الجاري    إزالة 9 حالات تعد على الأراضي الزراعية بمركز سمسطا في بني سويف    فشل في حمايتنا.. متظاهر يطالب باستقالة نتنياهو خلال مراسم إكليل المحرقة| فيديو    مقتل 6 أشخاص في هجوم بطائرة مسيرة أوكرانية على منطقة بيلجورود الروسية    ولو بكلمة أو نظرة.. الإفتاء: السخرية من الغير والإيذاء محرّم شرعًا    تعرف على أسعار البيض اليوم الاثنين بشم النسيم (موقع رسمي)    هل يجوز قراءة القرآن وترديد الأذكار وأنا نائم أو متكئ    الدخول ب5 جنيه.. استعدادات حديقة الأسماك لاستقبال المواطنين في يوم شم النسيم    أول تعليق من الأزهر على تشكيل مؤسسة تكوين الفكر العربي    مفاضلة بين زيزو وعاشور وعبد المنعم.. من ينضم في القائمة النهائية للأولمبياد من الثلاثي؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-5-2024    قصر في الجنة لمن واظب على النوافل.. اعرف شروط الحصول على هذا الجزاء العظيم    وزيرة الهجرة: نستعد لإطلاق صندوق الطوارئ للمصريين بالخارج    دقة 50 ميجابيكسل.. فيفو تطلق هاتفها الذكي iQOO Z9 Turbo الجديد    مع قرب اجتياحها.. الاحتلال الإسرائيلي ينشر خريطة إخلاء أحياء رفح    البحوث الفلكية تكشف موعد غرة شهر ذي القعدة    تعاون مثمر في مجال المياه الإثنين بين مصر والسودان    استشهاد طفلان وسيدتان جراء قصف إسرائيلي استهدف منزلًا في حي الجنينة شرق رفح    الجمهور يغني أغنية "عمري معاك" مع أنغام خلال حفلها بدبي (صور)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللواء حسام سويلم يكتب:
خوارج العصر صنعوا نظاماً سياسياً ألبسوه لباس الدين
نشر في الوفد يوم 18 - 01 - 2015

تمر الأمة الإسلامية اليوم بظروف لم يسبق لها مثيل علي امتداد تاريخها الطويل حيث تتواصل المؤامرات والفتن من كل صوب وحدب في الداخل والخارج..
وقد بعث أعداء الإسلام بعملائهم في الخفاء ليثيروا الفتن باسم الدين تحت رايته.. فما أكثر الشعارات التي نسمعها اليوم تنادي بالإسلام وتطالب بعودته وما أكثر الزعماء والأمراء والخلفاء الذين ظهروا فجأة في جماعات متباينة تزعم كل منها أنها تجاهد من أجل أن يكون الحكم لله - ولنتذكر في هذا الصدد القول المأثور لحضرة سيدنا علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، الذي حفظه التاريخ علي مدار القرون.. يوم أن وقف أولئك الذين خرجوا علي حكم حضرته وهو خليفة رسول الله قائلين له (الحكم لله لا لك يا علي).. فكان رد حضرته عليهم بقوله (كلمة حق يراد بها باطل) ذلك القول الذي يمثل الرد الحاسم علي كل هؤلاء الذين يثيرون الفتن بين المسلمين باسم الدين.. خوارج كل عصر علي امتداد القرون ولهذا كانت هناك أحاديث عديدة لسيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم تصف هؤلاء الخوارج وتحذر منهم.. أولئك الذين يرفعون شعارات الحق وهم يريدون من ورائها الباطل..
وفي مصر عاصرنا عديداً من الفرق الإسلامية المتطرفة.. خرجت كلها من عباءة الفرقة الأصل وهي جماعة الإخوان المسلمين المصدر الأول والرئيسي لجميع الأفكار المتطرفة والتكفيرية والإرهابية، كان منها جماعة التكفير والهجرة.. والجماعة الإسلامية والجهاد الإسلامي، والقاعدة، وأنصار بيت المقدس، وأنصار السنة.. وغيرها الكثير وآخرها داعش التي أطلقت علي نفسها دولة الخلافة.. وهكذا نري واقع حديث سيدنا رسول الله (تفترق أمتي إلي بضع وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي التي عليها أنا وأصحابي) كما نشاهد ونلمس أيضاً واقع حديث حضرته (يوشك أن تتداعي عليكم الأمم كما تتداعي الأكلة علي قصعتها قال الصحابة: أو عن قلة نحن يومئذ يا رسول الله .. فأجاب حضرته: لا بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل).. وفي ذلك الحديث الشريف تبدو رحمة حضرته في أول كلمة في الحديث عندما قال (يوشك) أي أن هذا التداعي إن شاء الله لن يقع رغم كثرة مؤامرات أعداء الأمة وأطماعهم.
لم يحظ شعار ديني من الشعارات التي رفعتها جماعة الإخوان ومن جاء بعدها من الجماعات المتحالفة معها بالمتاجرة بالدين من أجل الوصول إلي السلطة والحكم مثل شعار إعادة الخلافة الإسلامية.. رغم ما تسبب فيه ذلك من إسالة دماء المسلمين عبر القرون نتيجة صراعات الفرق التي تطالب بالخلافة حول من هم الأحق بالخلافة بينهم.. هذا رغم أن سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم حسم هذا الأمر منذ 15 قرناً في حديثه الشريف (الخلافة من بعدي ثلاثون عاماً. ثم تكون ملكاً عضوداً) وقد ورد هذا الحديث في العديد من الكتب ومن بينها مسند الإمام أحمد والترمذي.. وهذا الحديث الشريف يحمل حكماً شرعياً محدداً وهو أن تستمر خلافة الحكم لمدة ثلاثين عاماً فقط لإقامة دعائم الدولة الإسلامية.. وهو ما حدث بالفعل إذا انتهت خلافة الحكم بعد ثلاثين عاماً بعد انتقال سيدنا علي رضي الله عنه وقيام الدولة الأموية سنة 40 ه .. حيث صار الأمر بعد ذلك ملكاً عضوداً يتصارع عليه المتكالبون علي السلطة والحكم، ويعضون عليه بالنواجز حتي وقتنا هذا.. ولقد أورد الترمذي وأبوداود في سننه توضيحاً لمعني الحديث يؤكد هذه الحقيقة حيث أورد حديث سيدنا سفينة مولي رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي قال فيه (قال سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله ملكه من يشاء).. ثم أوضح سيدنا سفينة مولي رسول الله تفاصيل هذه الأعوام الثلاثين فقال لسعيد بن جهمان: (أمسك عليك.. أبوبكر سنتين وعمر عشراً وعثمان اثنتي عشرة وعلي كذا).. فقال سيعد لسفينة: (إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم).. فقال له سيدنا سفينة: (كذبوا بل هم ملوك ومن شر الملوك). وقد أورد هذا الحديث مع شرح معناه أيضاً كتاب (فتاوي اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية - المجموعة الثانية س 2) .. كما جاء في رسالة أبي زيد القيرواني ج 1 ص 96 شرح لنفس الحديث يؤكد نفس المعني ويقول: قال معاوية رضي الله عنه بعد انقضاء الثلاثين سنة: (أنا أول الملوك) كما أورد أيضا نفس الحقيقة الحافظ في الفتح في شرحه لمعني الحديث الشريف حيث قال: (وأما معاوية ومن بعده فعلي طريق الملوك ولو سموا خلفاء) وقد وردت الفتوي السابقة أيضاً في مجلة البحوث الإسلامية السعودية الجزء 55 صفحة 71..
وهذه الأحاديث الشريفة لحضرة سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم تحدد منهجاً لابد أن يلتزم به المسلم.. فلم يرد في القرآن أمر بإقامة الخلافة في الأمة.. كما لم يرد في القرآن ما يزعمه الدجالون من أن قيام الخلافة في الأمة شرط لإيمان أي مؤمن!!..
الزعم بحكم الله
وقد بين سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم أن الحاكم عندما يحكم في أمر له أصل شرعي فإنه يطبق مفهومه هو للشريعة الإسلامية.. ويجب أن يقدمه للناس علي أنه حكمه هو لا حكم الله أو حكم الشرع.. لذلك كان حضرته ينهي أي أمير يؤمر علي جيش أو سرية عن أن ينزل الناس علي (حكم الله) ويأمره بأن ينزله علي (حكمه هو) لأنه لا يدري إن كان يصيب حكم الله فيهم أم لا.. وقد ورد ذلك في الحديث الشريف الذي رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة: (كان سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا أمر أميراً علي جيش أو سرية أوصاه: إذا نزلت بأهل حصن وأرادوك ان تنزلهم علي حكم الله فلا تنزلهم علي حكم الله ولكن أنزلهم علي حكمك فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا).. وفي ضوء ذلك الحديث الشريف لابد أن ندرك أنه لا يحق لأي إنسان أن يزعم أنه يحكم (بحكم الله) .. لأنه يحكم (بحكمه هو) ومفهومه هو وإدراكه هو والذي يمكن أن يخطئ أو يصيب.. ومن ثم فإنه لا يدري أيصيب حكم الله فيما يحكم به أم لا..
وإذا توقفنا أمام الحديث الشريف الآخر (ما بال أقوام يشترطون أشراطاً ليست في كتاب الله.. أيما شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط.. كتاب الله أحق وشرط الله أوثق) فيستضح لنا أن هذا الحديث الشريف يحدد منهجاً لابد أن يلتزم به كل مسلم فطالما أنه لم يرد في القرآن أمر للمسلمين بإقامة الخلافة في الأمة فلا يحق لكائن من كان أن يزعم لنفسه هذا الحق وإلا فإنه دجال.. وما أكثر خوارج هذا العصر الذين صنعوا نظاماً سياسياً ألبسوه رداء الدين.. وزعموا باطلاً أنهم خلفاء الله في الأرض.
وتبرز خطورة هذا الأمر فيما يطالب به مدعوو الخلافة من مبايعة المسلمين لهم.. ومن لا يبايع الخليفة يتم ضرب عنقه بالسيف علي النحو الذي نراه اليوم في العراق وسوريا.. ومع تعدد مدعيي الخلافة في زمننا هذا.. حيث يطلب كل منهم البيعة لنفسه يصبح نشوب الصراعات المسلحة بين هؤلاء المدعين أمراً متوقعاً. وهو ما يؤدي ذلك من سقوط ضحايا وسفك الدماء وخراب الديار وتشتيت كلمة المسلمين.. ويكفي في هذا المعرض أن نتذكر أن سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو خليفة الله في الأرض عند فتح مكة كان منتصراً وكان معظم من في مكة من المشركين فعلاً.. ومع ذلك فإن حضرته لم يأمر بقطع رقبة أي منهم.. بل سامحهم قائلاً: (اذهبوا فأنتم الطلقاء.. من دخل بيته فهو آمن).. وإذا كان كل مسلم مأمور بأن يتأسي بما يفعله سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم علي حكم قول المولي عز وجل (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) (21 الأحزاب).. فمن هو أسوة هؤلاء الخوارج مدعيي الخلافة في إعطاء أنفسهم حق ذبح رقاب معارضيهم؟!!.. وبمن يتأسون وهم يرتكبون أبشع الجرائم ويستبيحون دماء المسلمين ويرتكبون كل ما يخالف أمر رسول الله صلي الله عليه وسلم في حديثه الشريف (كل المؤمن علي المؤمن حرام دمه وماله وعرضه)؟!!
مخاطر المتاجرة بالشعار
تبرز خطورة المتاجرة بشعار الخلافة في الدعوة إلي التحكم في رقاب وأرزاق وحرمات ومصائر الناس تحت الزعم بالحق والتفويض الإلهي للخليفة المزعوم.. وأبرز مثال علي ذلك ما قاله أبو جعفر المنصور الذي نصب نفسه خليفة علي المسلمين إبان عهد الدولة العباسية.. حيث خاطب الناس قائلاً: (أيها الناس لقد أصبحنا لكم قادة وعنكم زادة.. نحكمكم بحق الله الذي أولانا وسلطانه الذي أعطانا.. وإنما أنا سلطان الله في أرضه.. وحارسه علي ماله.. جعلني عليه قفلاً إن شاء الله أن يفتحني لإعطائكم وإن شاء أن يقفلني)!!..
وإذا انتقلنا إلي العصر الحديث بعد أن ألغي كمال اتاتورك نظام الخلافة العثمانية في تركيا.. فقد أعطي ذلك الفرصة للكثيرين لإدعاء الخلافة لأنفسهم .. ومن بينهم الملك حسين بن علي في فلسطين عام 1924 والملك فؤاد الأول في مصر. كما نازعهما علي الخلافة أيضاً ملك الأفغان!!.. وقد كان من نتيجة ذلك أن انقسم المسلمون.. واحتدمت بينهم المعارك الكلامية والفقهية.. وبل وعقد لذلك مؤتمر في باريس عام 1925 فشل فشلاً ذريعاً في إيجاد حل لهذا النزاع حول من هو خليفة المسلمين!!.. ثم جاء حسن البنا وكانت استعادة الخلافة تشكل محور اهتمامات هذا المرشد الأول للإخوان المسلمين الذي ظل طوال فترة الأربعينيات يحاول أن ينسب الخلافة لنفسه.. وعلي حين كانت مصر تغلي بالنضال ضد الاحتلال البريطاني كانت مؤامرات الإخوان تنحرف بالقضية نحو التركيز علي ضرورة (استرجاع الخلافة الضائعة)!!.. وكان الإخوان يصورون حسن البنا ويروجون له باعتباره (خليفة رسول الله).. وهو ما انعكس في مقوله حسن البنا في كتاب رسائل حسن البنا ص 17 (إن الخلافة تقوم لوراثة النبوة)..
وانطلاقاً من هذه الدعوة.. أخذت جماعة الإخوان ومؤيدوها في الإلحاح علي عقول المسلمين في ضرورة العمل علي إعادة حكم الخلافة.. وكان منهم رشيد رضا وأبو الأعلي المودودي في باكستان الذي كان وثيق الصلة بكل من حسن البنا وسيد قطب ويشاركهما في الأفكار المتطرفة والدعوة إلي الخلافة والحكومة الإسلامية.. ومن عباءة الإخوان أيضاً خرج شكري مصطفي زعيم جماعة التكفير والهجرة التي اغتالت وزير الأوقاف الشيخ حسين الذهبي عام 1977.. حيث نصب شكري نفسه أميراً للجماعة المسلمة التي أسماها (جماعة الحق في آخر الزمان).. بل أطلق علي نفسه الوصف بأنه (طه المصطفي شكري أمير آخر الزمان)!!.. ونمضي مع الداعين لعودة الخلافة.. ومنهم صالح سرية زعيم حزب التحرير الإسلامي الذي قاد العملية الإرهابية في الكلية الفنية العسكرية عام 1977 والذي قال في رسالة الإيمان ص 16 (لا جهاد إلا بوجود خليفة للمسلمين)!!.. أما عمر عبدالرحمن الذي أفتي باغتيال الرئيس الراحل أنور السادات ومهاجمة مديرية أمن أسيوط وقتل ضباطها وجنودها (118 شهيداً) فيقول في كتابه (حتمية المواجهة) ص 63: (الإمامة في الإسلام موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا.. والخليفة في الإسلام مهمته وراثة النبوة بإقامة أحكامها.. ويجمع ذلك أمران هما: أحكام الدين وسياسة الدنيا بالدين)!!.. وقد جري مجراه أيضاً المدعو عمر بكري عضو حزب التحرير الإسلامي في بريطانيا والذي دعا إلي إحداث انقلابات عسكرية يتم بموجبها عودة الخلافة (المجلة في 31/12/1995)!!
حصر الأمة وسلطات الحاكم
ولقد تصدي عدد من علماء المسلمين لهذه الإدعاءات والفتاوي الباطلة.. فمن المعروف أن الشيخ محمد عبده قد أكد في كتابه (الأعمال الكاملة) ص 287 بطلان مزاعم الخلافة حيث قال: (إن الأمة هي صاحبة الحق في السيطرة علي الحاكم.. وهي التي تخلعه متي رأت ذلك من مصلحتها.. فهو حاكم مدني من جميع الوجوه.. فالإسلام لا يجعل للقاضي أو المفتي أو الشيخ في الإسلام أية سلطة علي العقائد وتقرير الأحكام.. وكل سلطة يتناولها واحد من هؤلاء هي سلطة مدنية.. ولا يسمح لواحد منهم أن يدعي حق السيطرة علي إيمان أحد.. أو عبادته لربه.. أو ينازعه في طريقة نظره).. ثم يمضي الشيخ محمد عبده قائلاً: (أما الفكرة الشائعة عن توحيد الإسلام بين السلطتين المدنية والدينية فهي خطأ محض ودخيلة علي الإسلام.. بل ومن الضلال القول بأن الإسلام يحتم قرن السلطتين في شخص واحد.. والزعم تبعاً لذلك بأن السلطان مقرر الدين وواضع أحكامه ومنفذها. وأن المسلم مستعبد لسلطاته).. ثم يأتي بعد ذلك الشيخ علي عبدالرازق ليخوض معركة وطيسة ضد مدعي الخلافة.. فنجده يقول في كتاب (الإسلام وأصول الحكم) ص 36 (فشعائر الله تعالي ومظاهر دينه الكريم لا تتوقف علي ذلك النوع من الحكومة الذي يسميه الفقهاء خلافة.. ولا علي أولئك الذين يسميهم الناس خلفاء.. إن الخلفاء والسلاطين استبدوا بالمسلمين وحجبوا عنهم نور الحق وأذلوهم باسم الدين.. وحرموا عليهم النظر في أمور السياسة باسم الدين.. وخدعوهم وضيقوا علي عقولهم في فهم الدين.. فصاروا لا يرون غير الدين مرجعا حتي أمور الإدارة الصرفة والسياسة والخاصة.. وقد أدي ذلك إلي موت ملكة التفكير عند المسلمين .. ولا شيء في الدين يمنع المسلمين من أن يدينوا ذلك النظام العتيق المسمي بنظام الخلافة الذي ذلوا به واستكانوا إليه وأن يبنوا قواعد ملكهم ونظام حكومتهم علي أحدث ما أنتجت العقول البشرية).
وللأسف الشديد لم يسأل أحد من يعتقدون ويعتنقون الفكر الخاطئ حول الخلافة سؤال بديهي هو: مع الافتراض نظرياً بأننا استعدنا حكم الخلافة.. فمن الذي سيحكمنا باسم خليفة المسلمين؟ أليس هو في النهاية بشر مثلنا يصيب ويخطئ.. سواء انتخبه البعض خليفة عليهم أو فرض نفسه بالقوة خليفة عليهم.. وهو ما يحدث اليوم من جانب أبوبكر البغدادي زعيم داعش أو زعيم بوكو حرام في نيجيريا.. مثلهم في ذلك مثل أبو جعفر المنصور الذي منح نفسه حقاً إلهياً في حكم المسلمين.. فاستبد بهم وطغي عليهم وكان ذلك من أسباب انهيار الدولة العباسية.
حسن البنا يدعو لمقاتلة معارضي الخلافة
دعا حسن البنا جماعته لمقاتلة معارضي عودة الخلافة.. وزعم أن طلب الحكم باسمها وممارستها هي الإسلام بعينه بل إن المطالبة بالحكم ركن من أركان الإسلام وأن القعود عن المطالبة بالحكم جريمة.. حيث يقول في ص 144 من كتاب (الإخوان والقوة والثورة).. إذا قيل لكم إلام تدعون؟ فقولوا إلي الإسلام والحكومة جزء منه فإن قيل لكم هذه سياسة فقولوا هذا هو الإسلام فنحن دعاة حق ونعتز به.. فإن وقفتم في طريق دعوتنا فقد أذن الله أن ندافع عن أنفسنا وكنتم أنتم الظالمين)!!.. ألا يفسر ذلك كل أعمال الإرهاب والعنف الذي تمارسه جماعة الإخوان في أنحاء مصر بعد أن أزاحها الشعب عن الحكم في 3 يوليو 2013؟ ويمضي حسن البنا في الإلحاح علي محاربة كل من اعترض طريقهم في الحصول علي السلطة والحكم والتمسك به.. فنجده يقول: (الإسلام كما يؤمن به الإخوان المسلمون يجعل السلطة والحكم ركناً من أركانه يعتمد علي التنفيذ كما يعتمد علي الإرشاد.. فالإسلام حكم وتنفيذ كما هو تشريع وتعليم ولا ينفك واحد منها عن الآخر فالإخوان المسلمون لا يطلبون الحكم لأنفسهم.. فالحكم في منهجهم وسيعملون علي استخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أمر الله).
ولم يسأل أحد من أتباع حسن البنا نفسه: ألا يتعارض زعم البنا أن الحكم والسلطة ركن من أركان الإسلام مع حديث سيدنا رسول الله الذي حدد فيه أركان الإسلام بأنها خمسة تشمل: شهادة أن لا إله إله الله وأن سيدنا محمداً رسول الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً.. وليس فى كل هذه الأركان ما يتعلق بالسلطة والحكم التى يزعمها حسن البنا؟!!.. أما ما يدعو إليه حسن البنا جماعته لكى يستخلصوا الحكم بالقوة من أيدى كل حكومة لا تنفذ أمر الله.. فهو عين الإرهاب الذى نراه اليوم يمارس على أيدى جماعته فى محاولة لاستعادة الحكم فى مصر بالقوة بعد أن لفظهم المصريون فى 3 يوليو 2013 والزعم بأن هذا الإرهاب (لاستخلاص الحكم بالقوة) وأنه (أمر الله) كما ورد فى مزاعم حسن البنا!!
ثم يتمادى حسن البنا فى إلحاحه على جماعته للسعى للاستحواذ على السلطة.. بل ويتهم من يتقاعس منهم عن ذلك بأنه (يرتكب جريمة إسلامية لا يكفرها إلا النهوض واستخلاص قوة التنفيذ من أيدى الذين لا يدينون بأحكام الإسلام)!!.. ثم يصدر حسن البنا حكماً خطيراً يوجب قتال كل من بلغته دعوته حتى ولو لم يبدأ بالقتال فيقول فى صفحة 258 تحت عنوان (حكم الجهاد عند فقهاء الأمة): (إن على الإمام أن يرسل سرية لمقاتلة من هم فى دار الحرب على الدوام مرة أو مرتين كل عام.. إن الجهاد يفرض علينا أن نبدأهم بالقتال بعد بلوغ الدعوة وإن لم يقاتلونا)!!.
والبديهى أن هذه الدعوة الباطلة تتعارض تعارضاً تاماً مع قوله تعالى (وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا).. ناهيك عن تصنيفه أرض مصر بأنها دار حرب بدعوى أن الحاكم لا يقيم الشريعة وبالتالى فإنه يستحل دماء وأعراض وأموال أهلها بعد أن وصمهم بالكفر رغم أدائهم لجميع فرائض الإسلام.. إلا أن حسن البنا يعترف فقط بإسلام جماعته وما دونهم من المسلمين فى نظره كفار.. وهو ما يفسر اتهامات الكفر التى يوزعها أتباع جماعة الإخوان المسلمين اليوم على كل من يعترض ويرفض ممارساتهم الإرهابية من المصريين وغيرهم ويؤكد هذا المعنى ما ذكره حسن البنا فى صفحة 86 من كتابه فيقول (إننا نعلن فى وضوح وصراحة أن كل مسلم لا يؤمن بهذا المنهج ولا يعمل لتحقيقه لاحظ له فى الإسلام).. بل إنه فى صفحة 276 من (رسالة التعاليم) يدعو لمقاطعة كافة الهيئات والمحاكم والمدارس والصحف المناهضة لجماعة الإخوان فيقول عن واجبات الأخ الصادق (أن تقاطع المحاكم الأهلية وكل قضاء غير إسلامى والأندية والصحف والجامعات والمدارس والهيئات التى تناهض فكرتك الإسلامية مقاطعة تامة) ولقد مضى مرشدو الجماعة الذين تولوا أمرها بعد مقتل حسن البنا على نفس الدرب فنجد عمر التلمسانى يقول فى كتابه (ذكريات لا مذكرات) ص 69 (نحن حرب على كل زعيم أو رئيس أو هيئة لا تستجيب لدعوتنا.. وسنعلنها خصومة لا سلم فيها ولا هوادة حتى يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق) ثم يؤكد التلمسانى نفس التهديد بل ويبرره فى صفحة 69 قائلاً: (إننا نجاهد فى سبيل إنقاذ الإنسانية من كل شرورها بالدعوة إن قبلوا.. أما إن أبوافليس إلا الكفاح الحربى بيننا).. فهل بعد ذلك كله نستغرب أو تصيبنا الدهشة من الجرائم التى يرتكبها الإخوان فى كل ربوع مصر بعد أن أعلنوها حرباً شعواء ضد المصريين الذين قضوا على حلمهم فى إقامة خلافتهم وتنصيب مرشدهم خليفة على كل العالم الإسلامى انطلاقاً من مصر؟!!
خلاصة القول:
إذا كانت الدولة المصرية بمؤسساتها المعنية جادة فعلاً فى تجديد وتصحيح الخطاب الدينى وبما يؤدى إلى درء هذه الفتنة المشتعلة فى جنبات العالم الإسلامى والتى انطلقت من مصر عام 1928 على أيدى جماعة الإخوان المسلمين.. وإذا كان المصريون يدركون أهمية وضع استراتيجية شاملة لمواجهة موجة الإرهاب المتصاعدة والمتسترة برداء الدين معترفين بأن المواجهة الأمنية فقط ليست كافية وحدها - رغم أهميتها وما قدمه رجال الشرطة من تضحيات عظيمة.. لوضع حد نهائى لهذا الإرهاب.. خاصة مع استمرار تشغيل (المفارخ) التى تولد إرهابيين جددا كل يوم حيث يجرى غرس الأفكار الهدامة فى عقولهم وتنميتها.. ومن ثم تصبح المواجهة الفكرية لكل هذه الأفكار والمعتقدات الهدامة والباطلة هى الركن الأساسى فى رسم هذه الاستراتيجية الشاملة لمواجهة الإرهاب والتطرف.. ولا بديل أبداً عن ذلك.. وبدون المواجهة الفكرية فإن الدولة ستكون كمن يحرث فى البحر.. وسيستمر الإرهاب ينمو وينتشر دون أن يجد من يصده ويردعه.. وتزداد خطورة الأمر مع ما ثبت من أن مع كل جيل جديد يتم تفريخه فى المدارس والمساجد والزوايا يولد لدينا متطرفون وإرهابيون جدد أشد شراسة ووحشية من سابقيهم.. كذلك فشل إمكانية دمج الإخوان كحزب سياسى فى الحياة المصرية وأيضاً فشل إمكانية المصالحة والحوار مع جماعة الإخوان ورفض الشعب المصرى مجرد الحديث عن هذه المصالحة بعد أن ثبت للمصريين إصرار هذه الجماعة على الهيمنة على الدولة والمجتمع فى مصر واحتكارهما لصالح الإخوان وحدهم وبروز مقولة (إما أن نحكمكم أو نقتلكم).
أما منهج المواجهة الفكرية المطلوبة فهو توضيح مخالفة فكر الجماعة ومنهجها لأساسيات الدين الإسلامى فيما يتعلق بالدعوة إلى الله وتعارضها مع ما جاء فى القرآن والسنة الصحيحة بالإضافة لإظهار حقيقة الدين فى كل ما يرفعه الإخوان من شعارات دينية تستهدف تضليل عامة الناس ممن لا يعرفون حقيقة دينهم.. وهو ما بدأناه فى هذه الحلقة لكشف حقيقة الشعار الخادع عن إعادة الخلافة.. وسنستكمل إن شاء الله كشف حقيقة الأمر فى شعارات مخادعة أخرى تروج لها جماعات الإفك والبطلان لتضليل المسلمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.