بعد أن اتّبع نشطاء المجتمع المدني والحقوقيون نهج الترصد للدولة المصرية ضد ما تسنه من قوانين وما تطبقه من إجراءات من أجل مكافحة الإرهاب، ووقف النشطاء يصرخون ضد قوانين الدولة التي اعتبروها مخالفة لحقوق الإنسان، وقمع حرية التعبير، انتابتهم الآن حالة من الصمت رغم تشديد إجراءات فرنسا لمكافحة الإرهاب. وعلى الرغم من معاناة مصر من الجرائم الإرهابية والعمليات المسلحة، التي تُرتكب ضد رجال أمنها وشعبها العُزل، لمدة تزيد عن عام ونصف، إلا أن النشطاء يصيحون ضد أي قانون تسنه الدولة لحماية أرض الوطن، باعتباره يعيق الحريات، في حين أنهم لم ينطقوا بكلمة واحدة تدين الإجراءات المشددة التي سنتها الدولة الفرنسية بعد تعرضها لحادث إرهابي، لم يمض عليه أكثر من أسبوع، حين وقع هجوم على صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية، يوم الأربعاء الماضي، أسفر عن مقتل 12 شخصاً، إضافة إلى مقتل خمسة أشخاص آخرين في واقعة احتجاز رهائن بمتجر يهودي في باريس. إن الدولة المصرية قوبلت، من قبل النشطاء الحقوقيين بالهجوم الحاد، لمجرد إصدارها قانوني "مكافحة الإرهاب" و"التظاهر"، بهدف إعادة هيبة الدولة وحمايتها من الإرهاب، حيث أبدوا اعتراضهم على القانونين باعتبارهما يتعارضان مع حرية التعبير، ولم يكتفوا بذلك بل خرجوا بتظاهرات تخالف القانون، واجتذبوا إليهم أصوات المجتمع الدولي، التي لم تعلو عندما أعلنت فرنسا حربها ضد الإرهاب. ولم نر أحدًا من النشطاء يدين أو يستنكر الأحكام الرادعة التي أصدرتها فرنسا ضد من يتعاطف مع مرتكبي هجوم "شارلي إيبدو"، فألقت الشرطة الفرنسية القبض علي الفكاهي المثير للجدل "ديودونيه" في باريس، بتهمة "تمجيد الإرهاب" بعد الهجمات الدامية التي شهدتها فرنسا، وفتح القضاء الفرنسي تحقيقا معه، بعد تصريحه، الذي قال فيه: "أشعر أنني شارلي كوليبالي"، خالطا بين اسم الجهادي الذي قتل شرطية وأربعة يهود في تلك الهجمات، وشعار "أنا شارلي" الذي يرفعه ملايين المتظاهرين في فرنسا والعالم ضد الإرهاب منذ أسبوع. ليس هذا فحسب، وإنما أصدر قاض فرنسي حكمًا اعتبره البعض الأغرب والأسرع في تاريخ فرنسا، على مخمور أشاد بالهجوم على صحيفة "شارلي ايبدو" بالسجن المشدد لمدة أربع سنوات، وصدر الحكم بعد خمسة أيام فقط من الحدث نفسه، فيما طالب مانويل فالس، رئيس الوزراء الفرنسي، بتشديد إجراءات الرقابة على المتطرفين المسجونين في فرنسا، وتجفيف منابع التمويل لمتطرفين آخرين لا يزالون طلقاء ممن تورطوا في الهجمات الأخيرة. وأخيرًا.. اعترفت الدولة الفرنسية نفسها بأن ما اتخذته مصر من إجراءات لقمع الإرهاب كانت سليمة، وواجبة، بعد أن رأت مدى وحشية الإرهاب الغادر، الأمر الذي يطرح تساؤلًا لجميع دول العالم والمجتمع المدني: "هل تنتظرون الإرهاب يصل إليكم حتى تعترفوا بأن الأمن القومي للدولة فوق كل شيء؟ أم ستراجعون مواقفكم؟".