اتخذت مصر توجهات جديدة في سياستها الخارجية عقب ثورتين في فترة زمنية قصيرة، وتهدف هذه التوجهات إلى تحقيق درجة أكبر من التوازن في السياسة الخارجية المصرية ويرتبط ذلك بالضرورة بتحقيق درجة أكبر من الاستقلالية والمرونة في السياسة الخارجية، فقد كان العالم بالنسبة لمصر وطوال عدة عقود من الزمان يكاد ينحصر في الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول الأوربية، وقد ترتب على ذلك أن أصبحت مصر في سياستها الخارجية تابعة للغرب وعلى مختلف المستويات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والثقافية وهو ما يؤثر بالضرورة على حركة مصر سواء في المجال الدولي أو الإقليمي، ولعل الجديد الذي بدأت تشهده السياسة الخارجية المصرية هو تعددية المحاور وتعددية بؤر الاهتمام التي تركز عليها مصر في سياستها الخارجية بهدف الوصول إلى مزيد من المرونة والاستقلالية في هذه السياسة، ولذلك بدأت مصر تتجه نحو الدول العربية المختلفة وخصوصاً الدول العربية الخليجية، وأصبح الأمن القومي المصري مرتبطاً بأمن هذه الدول، كذلك اتجهت مصر نحو دول المغرب العربي والمشرق العربي، وتوجهت أيضاً نحو الجنوب أي نحو القارة الأفريقية التي يأتي منها شريان الحياة لمصر وهو نهر النيل، كما اتجهت أيضاً نحو دول البحر المتوسط (قبرص واليونان وإيطاليا والفاتيكان وفرنسا)، كما بدأت تتبع سياسة التوجه نحو الشرق ويقصد بذلك التوجه نحو القارة الآسيوية وخصوصاً التوجه نحو روسياوالصين ودول النمور الآسيوية وهي القوى الاقتصادية البازغة في العالم التي بدأت التنمية السياسية والاقتصادية في ظروف تتشابه فيها مع مصر الآن، واستطاعت تحقيق إنجازات اقتصادية هائلة في فترة وجيزة من الزمان جعلت البعض يصفها بالمعجزة، كذلك استطاعت أن تحقق عملية تحول ديمقراطي ناجحة من نظم سلطوية إلى نظم ديمقراطية دون الإخلال بالاستقرار السياسي خلال عملية التحول مما يجعلها من النماذج الجديرة بالاعتبار، ويمكن النظر إلى زيارة الصين في إطار هذا المحور للدبلوماسية المصرية وهو التوجه نحو الشرق ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى الملاحظات التالية: أولاً: أهمية الصين، حيث تعتبر الصين عملاقاً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ليس فقط على مستوى القارة الآسيوية بل على مستوى العالم ككل وأصبح للاقتصاد الصيني تأثير دولي التي جعلته ينافس الاقتصاد الأمريكي والأوربي في الأسواق العالمية، كما أن آفاق النمو المستقبلي للاقتصاد الصيني تدفعه نحو مزيد من الإنجاز والتقدم في المستقبل المنظور، كما تعتبر الصين قوة مؤثرة في السياسة الدولية نظراً لما تتمتع به من عضوية دائمة في مجلس الأمن تمكنها من التأثير على عملية صناعة القرار على المستوى الدولي، كما تملك الصين قدرات عسكرية هائلة سواء في مجال الأسلحة التقليدية أو في مجال الأسلحة النووية التي تجعلها القوة الثالثة عالمياً في مجال التسليح، كما تعتبر أيضاً من الدول ذات الوزن المؤثر في مجال صادرات الأسلحة العالمية، وبالإضافة إلى مصادر القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية، فإن للصين ثقلها الديموجرافي الهائل الذي يقترب من مليار ونصف المليار نسمة مما يجعلها تملك مقومات قوة وتأثير مختلفة ومتعددة. ثانياً: الأهمية السياسية للزيارة: تكتسب زيارة الصين أهميتها من الناحية السياسية وذلك نظراً للعلاقات الطيبة التي تربط مصر والصين وعدم وجود أو غياب العوامل السلبية التي يمكن أن تؤثر على هذه العلاقات مثل العلاقة الاستعمارية أو استغلال الموارد العربية، فضلاً عن اتفاق وجهات النظر المصرية والصينية في العديد من القضايا السياسية مثل العمل على تحقيق السلم والأمن الدوليين والدعوة إلى نظام عالمي يتسم بمزيد من العدالة على المستويين الاقتصادي والسياسي، كذلك فإنه من المفيد اكتساب تأييد الصين لترشح مصر في عام 2016 للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن، خاصة أن الصين من الدول المؤثرة في الأممالمتحدة وتتمتع بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي، كذلك يكون من المرغوب فيه اكتساب دعم وتأييد الصين لعدد من القضايا والملفات العربية المهمة مثل القضية السورية، والقضية العراقية والقضية الأولى للعرب وهي القضية الفلسطينية وخصوصاً في هذا التوقيت الذي يسعى فيه الجانب الفلسطيني والعربي إلى إصدار قرار دولي بخصوص إنهاء الاحتلال الإسرائيلي ووفقاً لتوقيت زمني محدود، كذلك قد يكون من الممكن تبادل الآراء بخصوص موضوع سد النهضة وذلك نظراً لما للصين من تواجد وتأثير في مناطق مختلفة من القارة الأفريقية من خلال ما تقدمه من دعم مالي وتكنولوجي للدول الأفريقية. ثالثاً: الأهمية الاقتصادية، حيث يمكن خلال هذه الزيارة للصين طرح العديد من الملفات المتعلقة بالاقتصاد والاستثمار والمشروعات المشتركة والتبادل التجاري بين مصر والصين، وتحديداً المجالات التي تحتاج فيها مصر إلى التعاون الاقتصادي مع الصين وخصوصاً المجالات المتعلقة بالنقل والمواصلات والكهرباء والصناعة وإمكانية إقامة مناطق صناعية متكاملة في منطقة قناة السويس وبما يعود بالفائدة المتبادلة على الدولتين، كذلك قد يكون من القضايا المهمة التي يمكن بحثها التعاون في مجال المشروعات المختلفة وخصوصاً ما يتعلق منها بالمشروعات كثيفة العمالة أي تلك المشروعات التي تعتمد على كثافة في العمالة وذلك لاستغلال المورد الذي تتمتع فيه مصر بميزة نسبية وهو الأيدي العاملة، كذلك من المفيد طرح موضوع التعاون في مجال المشروعات الخاصة بالشباب والمشروعات المتناهية الصغر والاستفادة من خبرة الصين في هذا المجال. ويتوقع أن تكون زيارة الصين خطوة مهمة في سياسة مصر في التوجه نحو الشرق ويعقبها خطوات أخرى نحو دول النمور الآسيوية والهند وبما يعود بآثار إيجابية قريبة على مصر وشعبها. أستاذ العلوم السياسة بجامعة القاهرة