أليست نكتة.. شديدة «السخافة» أننا نجفف بحيرة - كانت تعطي مصر أكثر من نصف احتياجاتها من الاسماك، ثم نحفر آلاف البرك لنزرع فيها الأسماك.. رغم أن الفدان البحري يعطي عائداً - من الاسماك - أكثر مما يعطي الفدان من أجود الاراضي الزراعية .. ولكنها نكتة.. قد نضحك لها.. ولكنه ضحك كالبكاء!! كانت مساحة بحيرة المنزلة في أوائل القرن العشرين 410 آلاف فدان، أو بالضبط 407 آلاف فدان.. ولكن هذه المساحة انخفضت حتي أصبحت 345 ألف فدان عام 1947.. ولا أحد يعرف كم أصبحت مساحة البحيرة الآن!! وللأسف بدأت عمليات التجفيف بمعرفة الحكومة عن طريق مشروع طلمبات أولاد همام وطلمبات السرو.. ثم شارك الاهالي في الجريمة، حتي الآن، وربما شجع علي عمليات التجفيف أن عمق المياه بالبحيرة متوسطه متر واحد.. إلا في المناطق التي كان يمر بها فروع النيل البيلوزي والتانيسي والمنديسي التي اندثرت.. اذ يصل عمق المياه فيها خمسة أمتار تقريباً وعند مصب هذه الفروع توجد بواغيز «أي فتحات» بيلوز أو فم الطينة وفم أم فرح وفم اشتوم الجميل وفم الديبة. ومضت عمليات التجفيف علي قدم وساق وشجع علي ذلك أن قاع البحيرة أغلبه من الطمي الذي كان يترسب من هذه الفروع القديمة للنيل.. أي هي أرض تصلح تماماً للزراعة.. وزادت هذه العمليات منذ بدايات ثورة يوليو 1952 وزادت أكثر في الثلاثين سنة الاخيرة.. ويقال إن مساحة البحيرة تقلصت إلي ما دون 150 ألف فدان الآن.. وهذه هي الجريمة الكاملة. إذ بسبب زيادة الطلب علي الاسماك، وعجز البحار شمال وشرق مصر عن توفير هذه الاسماك.. ثم انهيار الاهتمام بالبحيرة، وغيرها من بحيرات شمالية في الدلتا من المنزلة شرقاً والبرلس في وسط الشمال إلي ادكو غرباً حتي بحيرة مريوط - التاريخية - غرب الاسكندرية.. والحمد لله أن أنقذ بحيرة البردويل في شمال سيناء!!. نقول اذ بسبب سياسة التجفيف الخاطئة هذه لجأنا إلي تعويض تقلص مساحة المسطح المائي بهذه البحيرات، إلي سياسة انشاء مزارع سمكية حول ما بقي من بحيراتنا، بل امتدت الجريمة إلي مجري فرعي النيل عند دمياط ورشيد وهذه هي النكتة!! وفارق كبير بين أسماك تسبح وتعيش في مياه سليمة وصحية ومتحركة بل ومتجددة.. وبين أسماك نربيها في مياه راكدة لا تتغير، ربما إلا كل دورة لزراعة الأسماك!! وهذا بالضبط هو من أهم اسباب انتشار امراض الكلي والكبد التي تضرب سكان كل مدن وقري شرق وشمال دلتا مصر!! وأصبحت زراعة الاسماك من أكثر «الصناعات» ربحا في مصر، وفي العالم، ولكن بشرط أن تتم وسط مياه متجددة حتي لا تنشأ عليها وفيها الديدان التي تنتشر الآن في معظم المزارع السمكية، سواء علي مجري النيل أو حول البحيرات الشمالية المصرية. ولذلك رغم أنني كنت أول من طالب بانشاء مزارع سمكية.. إلا أنني أول من هاجم المزارع التي أقيمت في مجري النيل واسألوا كل محافظي دمياط منذ 30 عاماً وحتي الآن. ونقول: أخطأنا عندما شجعنا - بل زمرنا وطبلنا- تجفيف بحيرة المنزل.. ثم أغمضنا العيون عن أباطرة التعدي علي البحيرة، الذين سيطروا علي معظم الأحواش ومنعوا أي صياد- غيرهم- من الاقتراب منها.. ومازال ذلك مستمراً رغم كل الحملات التي تقوم بها شرطة المسطحات المائية التي تواجه احياناً أباطرة البحيرة المسلحين بالرشاشات والأسلحة الآلية والمدافع متعددة الطلقات. وبسبب كل عمليات التجفيف والسيطرة علي البحيرة لم يجد صياد، البحيرة وبالذات أبناء مدينتي المطرية والمنزلة وجنوبي بورسعيد وغرب البحيرة عند دمياط الا ان يهجروا الصيد في البحيرة.. وهم إما يهربون بالهجرة إلي ايطاليا واليونان.. أو يعملون بالصيد في البحر المتوسط فيقعون فريسة الدول المجاورة بحجة صيدهم في المياه الاقليمية لها.. أو بالصيد في البحر الاحمر فيقعون فريسة لنفس التهمة من اليمن والسودان والصومال واريتريا.. أو يموتون سحقاً وغرقاً كما حدث منذ أيام مع سفينة الحاويات عند المخرج الجنوبي لخليج السويس. كل هذا يقع تحت سمع - وصمت - هيئة الثروة السمكية.. دون أن تتحرك فلا هي ترفض استمرار سياسة التجفيف.. ولا هي تقوم - كما يجب بتطهير البواغير لتجديد مياه البحيرة.. وكل ما تفعله هو أن تشارك الصياد.. في رزقه القليل.. أما الجريمة الأخري فهي أننا حولنا المنزلة - مثلاً - إلي بركة مجارٍ قاتلة تقتل الاسماك والاحياء.. والبشر.. وهذا هو موضوعنا غدا، إن شاء الله.