خلال الاجتماع الوزاري الأخير للدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» والذي عقد في فيينا فوجئ الجميع باتخاذ المنظمة قراراً على النقيض تماما مما كان يجب أن يحدث. فقد تعمدت أوبك المحافظة على مستوى انتاجها الحالي (30 مليون برميل يوميا) رغم الانخفاض القياسى فى الاسعار والذى بلغ 70 دولار للبرميل للمرة الاولى منذ مايو 2010. كان من المنطقى أن تخفض اوبك من حجم انتاجها وفقاً لنظرية العرض والطلب لكن هذا لم يحدث وهو ما اثار العديد من التساؤلات. لكن لماذا يغامر اعضاء اوبك بقرار مثل هذا يمكن ان يتسبب فى إضعاف المنظمة وإضعاف قدرتها المستقبلية؟ الاجابة عن هذا السؤال لا يمكن أن يتم إيجازها لأنها ببساطة متشعبة ووصل الأمر إلى حد الحديث عن «حرب باردة» جديدة لكن ليست بين طرفين هذه المرة لكنها حرب متعددة الأطراف. وهناك عنصر آخر مهم فيما يتعلق بمسألة النفط، وهو تنظيم داعش الذى اصبح يسيطر على منطقة في سورياوالعراق تماثل في مساحتها بريطانيا. واصبح تدفق النفط الرخيص بين يدى التنظيم يوفر له عائدات بالملايين يوميا وهو ما ضمن بقاءه رغم كل ضربات التحالف الدولى، والأمر نفسه بالنسبة للميليشيات المسلحة المتطرفة في ليبيا التي تجرأت على تحميل باخرة بالنفط وعرضها للبيع بأسعار زهيدة، الأمر الذي شجع الحوثيين على دخول السباق بسيطرتهم على حقول نفط يمنية قبل اتفاق المصالحة الأخير. البترول وقود المتطرفين لإقامة «دويلات نفطية» عندما نتحدث عن أزمة النفط لا يمكن أن نتجاهل ما تقوم به الميليشيات المسلحة ومن بينها تنظيم «داعش» والدور الذى تلعبه فى هذه المسألة فاقتصاد هذا التنظيمات أصبح قائماً على ما تسرقه من نفط من الآبار السورية والعراقية والليبية حتى أصبحت وكأنها دويلات نفطية قائمة بذاتها. وفي إطار سعيه الواضح لإقامة «دولة نفطية» وليس دولة اسلامية ، بات «داعش» يسيطر على معظم حقول النفط في مدينتي الموصل وتكريت العراقيتين، وعلى الجهة السورية، صار التنظيم يتحكم ب60% من إجمالي حقول النفط في سوريا، مما يجعله يملك مصدر تمويل يمكنه من شراء الأسلحة ودفع أجور التجنيد. وكانت بيانات رسمية أعلنها النظام السوري في دمشق، كشفت أن تنظيم «داعش» ينتج خمسة أضعاف ما ينتجه النظام من النفط, حيث كشفت أن إنتاج «داعش» يبلغ 80 ألف برميل يومياً, مقابل 17 ألف برميل يومياً ينتجها النظام. واعترف النظام السوري بأن إنتاجه من النفط قد تراجع بنسبة 96% نتيجة سيطرة «داعش» على أغلبية حقول النفط في البلاد. وبعد سيطرته على عدد كبير من حقول النفط في سورياوالعراق، أسس تنظيم «داعش» سوقاً سوداء لبيع النفط بثمن بخس، وهنا نشير الى ان تركيا لعبت دورا مهماً حيث فتحت تركيا انابيبها لاستقبال النفط من «داعش» وكان نائب وزير الخزانة الأمريكية لشئون الإرهاب والاستخبارات المالية، ديفيد كوين قد قال إن «داعش» يبيع النفط بسعر مخفض لمجموعة من الوسطاء في تركيا يقومون بنقله وبيعه مرة أخرى. ووجه كوين اتهاما صريحا إلى نظام بشار الأسد، وقال: يبدو أن الحكومة السورية قامت بترتيبات لشراء النفط من «داعش». كما ان الأمر من ترتيبات ضمنية بين «داعش» ومسئولي الحكومة في بعض المناطق لضمان عدم قطع الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء أو تدميرها. ووصف ديفيد كوين التنظيم بأنه أحد أغنى التنظيمات الإرهابية في العالم. واعترف كوين بأن ملاحقة مصادر تمويل «داعش» تشكل تحدياً خاصاً بسبب سيطرة التنظيم على الأراضي ومصادر التمويل. وبعكس تنظيم القاعدة، لا يعتمد «داعش» بشكل أساسي على ممولين خاصين بل على سرقة وتهريب النفط. واصبح هناك يومياً طابور من الشاحنات في هذه الحقول لتحميل الخام الذي يبيعه بثمن بخس مقاتلو «داعش» ويبرم التنظيم صفقات مع تجار ومشترين محليين وحتى رجال أعمال يساندون الرئيس السوري بشار الأسد . ورغم كل ما يتم تصديره من نفط فإن مسلحي «داعش» لم يستطيعوا حتى الآن استغلال كل الحقول التي يسيطرون عليها بسبب الافتقار إلى الخبرة الفنية. وهنا تجدر الاشارة الى أن اغلب الحقول الرئيسية التي يسيطر عليها كانت تقوم بتشغيلها في الغالب شركات نفط دولية. وأعلن تنظيم «داعش» لأول مرة عن حاجته لمهندس بترول متخصص لإدارة إحدى المنشآت النفطية التي استولى عليها مؤخراً، على أن التنظيم خصص راتباً لهذه الوظيفة يبلغ 225 ألف دولار أمريكي سنوياً، أي نحو 19 ألف دولار شهرياً، وهو راتب يضاهي الرواتب التي تدفعها الشركات النفطية الكبرى في منطقة الخليج. واشترط تنظيم «داعش» فيمن يرغب بشغل الوظيفة النفطية أن يكون «مخلص الولاء للتنظيم ولقضيته، إضافة إلى أن يكون لديه الخبرة الكافية في هذا المجال». وقالت جريدة «التايمز» البريطانية إن الوظيفة التي خصص لها «داعش» راتباً يبلغ 225 ألف دولار ليست سوى واحدة من مجموعة وظائف يبحث التنظيم عمن يشغلها من الموظفين المؤهلين في المجال النفطي، وممن سبق لهم العمل بالمنشآت البترولية العراقية. ويؤكد تقرير أمريكي مستقل أن تنظيم «داعش» يحقق مكاسب يومية لا تقل عن 3 ملايين دولار كأرباح صافية من بيع النفط العراقي والسوري في السوق السوداء، ما يعني أنَّ إيرادات التنظيم من النفط وحده تتجاوز ال90 مليون دولار شهرياً، فضلاً عن مصادر التمويل الأخرى التي يتمتع بها. وبحسب التقرير الصادر عن معهد «بروكنز» في واشنطن، فإن سعر برميل النفط المنتج من الحقول التي يسيطر عليها «داعش» وغيرها من المجموعات المسلحة يتراوح بين 20 دولاراً و60 دولاراً، وهو اقل بكثير من سعر الخام في الأسواق العالمية. وكانت بيانات رسمية أعلنت عنها الحكومة السورية، قد كشفت أن تنظيم «اعش» ينتج 5 أضعاف ما ينتجه النظام من النفط، اذ كشفت أن إنتاج «داعش» يبلغ 80 ألف برميل يومياً، مقابل 17 ألف برميل يومياً تنتجها الدولة السورية. وعلى الرغم من أن الضربات التي تشنها مقاتلات التحالف الدولي- العربي في سورياوالعراق منذ 23 سبتمبر الماضى استهدفت بعض حقول ومصافي النفط التي يسيطر عليها تنظيم «داعش»، لا يزال التنظيم قادراً على جمع الثروة من مبيعات النفط الخام إلى جهات أجنبية. وبالاضافة الى سيطرة «داعش» على العديد من الحقول فى العراقوسوريا فإن هناك مخاوف من ان تمتد هذه السيطرة الى النفط الليبى خاصة بعد توغله فى مدينة درنة ، ويساور المجتمع الدولي القلق من أن يتمدد هذا التنظيم الإرهابي في عدد من المدن الليبية الأخرى، مستغلًا حالة الفوضى التي تعيشها البلاد وإمكاناته المالية الكبيرة. الرابحون والخاسرون من الانهيار الكبير «داعش» يربك موازنة العراق.. ودعوة لوضع فنزويلا تحت المراقبة مع تراجع أسعار النفط الخام بشكل كبير خلال الأسابيع القليلة الماضية حتى وصلت الى ما دون 70 دولارا للبرميل الواحد وبعد قرار منظمة الاوبك الابقاء على سقف الانتاج البالغ 30 مليون برميل يوميا، بالطبع سيتسبب ذلك فى تداعيات كثيرة وسيؤدى الى أزمات لدى كثير من الدول النفطية التي تبني موازناتها على أساس الأسعار المتوقعة للنفط، فهناك رابحون وهم الدول المستوردة وخاسرون وهم الدول المصدرة للنفط. ووفقاً لمؤسسة بيرا إينرجي، فإن كل انخفاض بقيمة 10 دولارات في سعر النفط يساهم في نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحوالي 0.13 – 0.18 نقطة مئوية، وستكون الاقتصادات الكبرى التي تستورد النفط بكميات كبيرة هي الأكثر استفادة من انخفاض سعره مثل الصين ومنطقة اليورو واليابان. من جانبها، أكدت كريستين لاجارد، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي أن تراجع اسعار النفط يشكل «خبراً جيداً» بالنسبة الى الاقتصاد العالمي. وأضافت لاجارد: «سيكون هناك رابحون وخاسرون، ولكن وفق قاعدة واضحة، انه خبر جيد بالنسبة الى الاقتصاد العالمي». واعترفت بأن الدول المصدرة للنفط تأثرت بالتراجع الكبير للأسعار، لكن هذا التأثير كان محسوباً بالنسبة الى بعض هذه الدول. وقالت صحيفة الفانيانشيال تايمز البريطانية إن تراجع أسعار النفط العالمية يعني انتقال جزء من ثروة الدول المنتجة للنفط إلى الدول المستوردة. وتابعت الصحيفة البريطانية أن هذا الانخفاض سيوفر للدول المستوردة للنفط حوالي 400 مليار دولار إذا ما استمر سعر النفط عند مستواه الحالي لمدة عام، مضيفة أن انخفاض سعر النفط سيكون له أثر إيجابي على نمو الاقتصاد العالمي. وأضافت الفانيانشيال تايمز أنه في مقابل الرابحين من انخفاض أسعار النفط، هناك خاسرون وهم الدول التي تعتمد على صادرات النفط كمصدر رئيسي لإيراداتها، أو الدول الأعضاء في منظمة «أوبك». وتشكل الصادرات النفطية حوالي 70% من إجمالي صادرات هذه الدول ما يجعلها الأكثر تأثرًا بانخفاض أسعار النفط. وأوضحت الصحيفة أن انخفاض سعر النفط بحوالي 30 دولاراً للبرميل، يعني خسارة في أرباح هذه الدول بحوالي 300 مليار دولار، لكن قدرة الدول المصدرة للنفط على مواجهة أزمة انخفاض أسعار البترول تختلف من حالة لأخرى، حيث إن احتياطي النقد الأجنبي السعودي، الذي يبلغ حوالي 750 مليار دولار، قد يسهم في توفير الحماية للسعودية وتخفيف آثار انخفاض سعر النفط عليها. وتبدو دول أخرى أقل حظاً مثل روسيا ونيجيريا، حيث انخفضت عملاتهما المحلية، الروبل والنيرا، أمام الدولار بسبب المخاوف المثارة حول تأثير انخفاض أسعار النفط على ميزانية الدولتين. وحذرت الفاينانشيال تايمز من وضع فينزويلا ودعت إلى مراقبتها عن كثب، متوقعة أن تكون الأكثر تضررًا من انخفاض أسعار النفط. وكانت أغلب الدول المصدرة للنفط قد اعتمدت موازناتها المالية الحالية على اساس سعر 80 دولاراً للبرميل كحد أدنى بينما اعتمدت بعض منها سعراً يزيد على 100 دولار لدى اعتماد موازناتها. ويرى بعض الخبراء أن دول الخليج قد لا تواجه مشاكل مالية على المدى القصير بسبب امتلاكها احتياطات مالية جيدة، وأصولاً مالية يمكن بيعها لسد العجز في الموازنة. غير أن استمرار انخفاض اسعار النفط في الأجل الطويل ربما يستدعي تخفيض الدعم الذي تقدمه هذه الدول لقطاعات كثيرة مثل العلاج والتعليم والإسكان، الأمر الذي قد يؤثر على مستوى المعيشة في هذه الدول. ويمثل انخفاض أسعار النفط مشكلة أكبر لدول اخرى بالمنطقة، مثل ايرانوالعراق، حيث يعتمد البلدان على عائدات النفط بشكل اساسي كمصدر للدخل في الوقت الذي يواجهان فيه تحديات كبيرة. وتخوض القوات العراقية مواجهة عسكرية دموية مع داعش منذ عدة اشهر مما يحمل الخزينة العراقية اعباء مالية كبيرة. ومع تراجع اسعار النفط يواجه العراق شبح خفض الانفاق الحكومي على قطاعات اخرى. وتتأثر أسعار النفط سلباً بالأوضاع والتهديدات الأمنية في الشرق الاوسط حيث جرت العادة ان ترتفع اسعار النفط مع اضطراب اوضاع المنطقة بينما ما نشهده اليوم هو العكس تماما إذ إن العراق وليبيا وهما مصدران كبيران للنفط يشهدان حروبا ورغم ذلك انهارت اسعار النفط. وأشار صندوق النقد الدولي الى أن ايران مثلاً بحاجة الى سعر 130 دولاراً للبرميل لتفادي العجز في الموازنة بينما العراق بحاجة الى 101 دولار، والسعودية الى 104 والامارات الى 81 دولارا. غير أنه بالمقابل هناك دول عربية اخرى مستوردة للنفط تستفيد من انخفاض اسعاره، مثل الأردن والمغرب وتونس، إذ يؤدي انخفاض اسعار النفط الى تخفيف الضغوط على موازنات هذه الدول، كما يؤدي الى تخفيض تكلفة الانتاج والنقل بالنسبة لكثير من السلع. لكن المستفيد الأكبر من قرار أوبك هو قطر، فرغم أنها ستحقق خسائر على المدى القصير فإنها ستكون الرابح الأكبر على المدى الطويل وذلك لأنها أكبر مصدر للغاز المسال في العالم وعقودها مرتبطة بأسعار النفط. معركة «تكسير العظام» بين روسياوإيران وأمريكا والسعودية على مدار عقود استخدم النفط كسلاح فعال فى الكثير من الأزمات السياسية التى مرت بالعالم، وعلى الرغم من التغيرات التى شهدها العالم خلال السنوات الأخيرة فإن هذا السلاح لم يفقد تأثيره. وربما كانت الأزمة التى تتعرض لها الدول المنتجة للنفط منذ أسابيع خير دليل على ذلك فرغم أن الأمر يبدو فى ظاهره مشكلة اقتصادية بحتة فإن كل الشواهد تؤكد أن السياسة حاضرة وبقوة . لقد أثار انخفاض سعر النفط من 114 دولاراً للبرميل إلى نحو 70 دولاراً، ليسجل أدنى مستوى له منذ خمسة أعوام، ليطرح تساؤل عن السبب فى هذا الانهيار. والإجابة المؤكدة حتى الآن أن هبوط أسعار النفط يرتبط بشكل مباشر بالصراع بين القوى الكبرى وحلفائهم، تحديداً الولاياتالمتحدةوروسيا. خبراء النفط يصفون ما يجري في أسواق النفط بأنه حرب أسعار الهدف الرئيسى منها معاقبة دولتين تحديداً هما روسياوايران حيث اجتمعت إرادة كبار المنتجين في العالم على خفض الأسعار من أجل معاقبة روسيا اقتصادياً بسبب الأزمة في أوكرانيا، وكذلك من أجل معاقبة ايران التي تم تخفيف العقوبات المفروضة عليها وأصبح لديها قدرة أكبر على بيع نفطها في الخارج. وتمثل مبيعات النفط أحد مصادر الدخل المهمة بالنسبة لاقتصادات كل من إيرانوروسيا، فيما يتوقع الخبراء الاقتصاديون أن تدخل موسكو في أزمة مالية في حال استمرت أسعار النفط عند مستوياتها المتدنية. وجاء القرار الأخير لمنظمة الدول المصدرة للنفط «اوبك» بالابقاء على سقف الانتاج دون تراجع ليثبت أن السعودية كانت ولا تزال اللاعب الرئيسي فى تحديد أسعار النفط سواء بالخفض أو بالارتفاع، فالمملكة تضخ حاليا ما يتجاوز أحد عشر مليون برميل من النفط يومياً، منها ما يقترب من عشرة مليون برميل تصدر إلى الخارج، لتحتل المركز الأول يليها روسياوالولاياتالمتحدة. إذن تمثل السعودية الحصان الرابح دوماً مهما تبدلت أحوال سوق النفط، فالدولة الأكثر انتاجاً والأقل استهلاكا (تحتل المركز الحادي عشر في قائمة الدول المستهلكة للنفط)، تتحكم في ارتفاع السعر أو انخفاضه عن طريق رفع أو خفض انتاجها، طبقاً لقانون العرض والطلب والوفرة والندرة. وهو ما أكدته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية قبل أيام، حيث ذكرت الصحيفة بحسب مسئولين في صناعة النفط بالسعودية أن الرياض راضية عن أسعار النفط حتى بعد هبوطه الى اقل من 90 دولاراً. وإلى جانب السعودية هناك الولاياتالمتحدة التى تتمتع بمخزون استراتيجي يجعلها قادرة على الصمود أمام أى انخفاض لأسعار النفط سواء استهلكت من مخزونها الاستراتيجي أو اضافت عليه بسعر البرميل المنخفض حالياً. إذن فإن أكبر مستهلك للنفط «الولاياتالمتحدة» وأكبر منتج «السعودية»، لا تريان غضاضة في خفض سعره، فالدولتان تسعيان لجعل الحياة صعبة بالنسبة لروسياوإيران، فبدلاً من أن تسعى (الرياضوواشنطن) إلى تقليص انتاجهما للحفاظ على أسعار أعلى، اختارتا بدلا من ذلك الحفاظ على حصتهما في السوق ضد منتجي أوبك الآخرين. من الممكن القول إن هناك معركة «تكسير عظام» تكشر فيها الولاياتالمتحدة عن أنيابها الاقتصادية وتوجهها هذه المرة إلى روسيا بشكل مباشر. ويتفق ما سبق ذكره مع ما نشرته صحيفة «برافدا» الروسية منذ شهور عشية زيارة الرئيس الأمريكي إلى الرياض، حيث ذكرت الصحيفة أن «باراك أوباما أقنع ملك السعودية بتنسيق الإجراءات في سوق النفط لخفض أسعاره العالمية الحالية التي تعد المصدر الرئيسي لعائدات التصدير الروسية، لمعاقبة روسيا في سلوكها تجاه أزمة أوكرانيا». ويقول الخبراء أن روسيا الاتحادية ستخسر 40 مليار دولار في إيراداتها السنوية من تصدير النفط، وهو ما يشبه ما سبق ان حدث قبل انهيار الاتحاد السوفيتي ففي عام 1985، قامت المملكة بزيادة إنتاج النفط بشكل كبير من 2 مليون إلي 10 ملايين برميل يوميا، انخفض سعره من 32 إلى 10 وصولا إلى 6 دولارات للبرميل عشية تفكك الاتحاد، وفى الوقت الذى حين خسر فيه الاتحاد السوفيتي مليارات الدولارات فأن المملكة العربية السعودية لم تفقد أي شيء، لأنه عندما انخفضت الأسعار بنسبة 3.5 % فإن الإنتاج قد ازداد خمسة أضعاف. ولم يكن الاقتصاد المخطط في الاتحاد السوفيتي قادراً على التعامل مع انخفاض عائدات التصدير، وكان هذا واحداً من الأسباب التي أدت إلى انهيار الاتحاد السوفيتي. والآن وبعد عقود على انهيار الاتحاد السوفيتى فإن واشنطن عندما بحثت عن أفضل خيارات لعقاب روسيا بسبب السلوك في شبه جزيرة القرم لم تجد افضل من النفط لهذا العقاب. ولكن معاقبة طهران وموسكو لم تكن السبب الوحيد الذى أورده الخبراء لتراجع اسباب النفط حيث أرجعت جريدة فاينانشيال تايمز البريطانية الهبوط في أسعار النفط الى الطفرة التي تشهدها الولاياتالمتحدة في انتاج النفط الصخري، وهو ما مكَّن الأمريكيين من الاعتماد على انتاجهم المحلي بشكل أكبر والاستغناء عن النفط المستورد من الخارج، وهو ما أدى بالضرورة الى تراجع الطلب العالمي على النفط، إذ إن الولاياتالمتحدة هي أكبر مستهلك للنفط في العالم. أما جريدة التايمز البريطانية فكتبت قبل يومين أن السعودية تريد خفض الأسعار حتى تجعل من استخراج النفط الصخري أمراً غير مجدٍ اقتصادياً، بما يدفع الأمريكيين في النهاية الى العودة لاستيراد النفط من المملكة.