لا أدرى لماذا نُصر علي إدارة شئوننا بعقلية القرن الماضى، غالبية دول العالم تطبق النظم الحديثة في الإدارة والاستثمار وتحول التحديات إلي فرص والمشكلات إلي طاقات، إلا نحن فلانزال نمارس هوايتنا في تكسير مجاديف أي مبدع، وقذف المبتكر بحجارة الحقد والروتين والفساد لنغلق أي نافذة للأمل.. الوقائع والشواهد علي ذلك يتابعها الجميع عبر وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية وشبكات التواصل الاجتماعى، باستثناء المسئولين، فهم في ثبات عميق، رافعين شعار لا أقرأ لا أسمع لا أرى وبعضهم يضيف إلي هذه الثلاثية: ولا أوقع علي قرار يحقق مصالح البلاد والعباد. على سبيل المثال تكتظ شوارعنا بأكوام القمامة التي أصبحت جزءاً من معالم بعض المدن ولم تفلح الدعوات والحملات والقرارات العشوائية في حل المشكلة ولا حتى الإيرادات التي يدفعها كل مواطن مع فاتورة الكهرباء، في حين تمكنت العديد من الدول المتقدمة والنامية ليس فقط من حل هذه المشكلة وإنما تحويلها إلى مصدر دخل عبر مشاريع تحويل النفايات إلى طاقة. أما في بلادنا فتتراكم المشكلة يوما بعد يوم أمام أعينا في الشوارع، حيث بلغ حجم النفايات المنزلية بمصر 27 مليون طن قمامة سنويا، تكلف الدولة 24 مليار جنيه كل عام، وحتى المحاولات البائسة للتخلص منها سواء بالحرق أو الدفن أو النقل إلى أماكن بعيدة، تساهم في المزيد من التلوث بأشكال أخرى. إنتاجنا الوفير من النفايات لا ينحصر فقط في مخلفات المنازل، وإنما هناك أنواع أخرى يرصدها الخبير الدولي في مجال البيئية د.أحمد عبدالوهاب أستاذ علم تلوث البيئة بجامعة بنها، ومنها النفايات المرمّدة بالمقالب (238 مليون طن) ونفايات المبانى (500 مليون طن) والنفايات الحيوانية ومحاصيل الزراعية (264 مليون طن) ونفايات المصانع غير الخطرة (307 ملايين طن)، أما النفايات الخطرة فتبلغ 208 ملايين طن، وأكدت بعض الدراسات أن 16% من مخلفات المستشفيات تسبب المرض وتصدر العدوى. (الوطن 8 اكتوبر 2012). في المقابل نجد دولا من العالم الثالث، تمكنت من تحويل النفايات إلى وقود حيوي بديل عن البنزين والغاز، الذي نستدين لشرائه. بل إنه يكثر بالمنازل الريفية في الهند والصين استخدام وحدات تحول مخلفات المطابخ إلى غاز حيوي. أما في مصر،فيقدم العلماء الباحثون حلولا عديدة للمشكلة ولكن الدولة تتجاهلهم، من هذه الحلول مشروعات «تدوير النفايات» التي يحقق عائداً مادياً يبلغ 13 مليار جنيه، ويوفر أكثر من مليون فرصة عمل. على حد قول د.أحمد عبدالوهاب الذي عاود طرح القضية مرة أخرى على قناة النيل للأخبار الأسبوع الماضي، ولكن لا حياة لمن تنادي. ربما يقول قائل: إن هذا المشروعات تكلف الدولة المليارات من العملة الصعبة التي هي في امس الحاجة إليها لانجاز أوليات أخرى. إذا كان هذا الرأي صحيحا فلا يريد أحد تحميل الدولة فوق طاقتها، ولكن المفاجأة ان الدولة أو بعض مسئوليها يعطلون مشروعات للقطاع الخاص تعرض القيام بهذه المهمة دون أن تكلف الدولة مليما واحدا. وبحكم اهتمامي بقضايا البيئة (صدر لي بالمناسبة كتابين في هذا المجال) أتابع منذ عامين قضية مستثمرين شبان يحاولون تنفيذ مشروع لتحويل القمامة إلى وقود حيوي ويعرضون القيام بأنفسهم بجمعها من المنازل وتعاقدوا على مكينات متقدمة لتحويل النفايات إلى طاقة، وحصلوا على موافقات الجهات المسئولة وتم تخصيص أراضي لإقامة المشروع ولكن لا يزالون يواجهون معوقات التنفيذ. اللافت للنظر أن أصحاب المشروع عرضوا القضية في العديد من الصحف (اليوم السابع 22 نوفمبر 2012، الأهرام: 8 نوفمبر 2013م، المساء 23/8/2014، المسائية 4/10/2014 ) و في الكثير من البرامج التليفزيونية (منها: دائرة الضوء والقاهرة اليوم) ولكن بلا جدوى، حيث تطالعنا الصحف من حين إلى آخر، بتفاصيل أخرى من المعوقات بينما لا نجد جوابا شافيا من المسئولين. المفارقة أنني عندما كنت أجهز لهذا المقال بالبحث عن الجديد في مجال الطاقة الحيوية، وجدت أن أصحاب هذا المشروع بعدما فشلوا في إيجاد حل عبر وسائل الإعلام التقليدية، اتجهوا إلى شبكات التواصل الاجتماعي فخصصوا صفحة على الفيس بوك تتحدث عن القضية آملين أن ينصفهم جمهور العالم الافتراضي بعد أن خذلهم الواقع الحقيقي.. كيف يمكن ان نتقدم وبيننا مسئولون يتفننون في إهدار الفرص وتكسير مجاديف العلماء والمستثمرين وكل مبدع يقدم حلا؟