فرق علماء الاجتماع والفقه الجنائى بين الجرائم التى تقع على الأشخاص العامة والأموال العامة، وتلك التى تقع على الأشخاص الخاصة والأموال الخاصة، ووضع المشرع لكل منهما الجزاء الرادع. بيد أن هناك جريمة مشتركه تقع عليهما معا، ولم تنل حظها من الإهتمام أو الردع رغم شيوعها فى المجتمع المصرى بشكل جعل مواجهتها أصبح أمرا ضروريا بل مفروضا، تلك هى جريمة الإهمال، ونتائجها المؤكدة هى إهدار الموارد المالية والاقتصادية والبشرية فى الدولة. فالإهمال لم يوجد فقط فى حادث البحيرة، الذى راح ضحيته ثمانية عشر طالبا من مدرسة الأورمان بالاسكندرية، مع إصابة الآخرين، ولكنه كان موجودا فى محافظات أخرى، متخفيا تحت بوابة المدرسة، أو وراء زجاج أحد الشبابيك، أو حتى داخل ساندوتش التغذية بإحدى المدارس . والخلاصة أن حوادث الإهمال تمر علينا دون أن نتعظ منها، أو نعتبربها، ولو كنا كذلك لهدانا الله إلى محاربة الإهمال منذ حادث قطار الصعيد 2002، أو حادث حريق جراج أتوبيس النقل العام بالسيدة زينب 2003، أو حادث قصر ثقافة بنى سويف 2005، أو غرق العبارة المصرية ( السلام 1998) 2006 ، وغيرها بالمستشفيات،أو تحت أنقاض العمارات...إلخ، الأمر الذى جعل مصر تحتل المرتبة الأولى عالميا فى حوادث الطرق والإهمال، ولو كنا نعتبر لقرأ المسؤلون بالدولة الحكم التاريخى لقضاء مصر الشامخ بجلسة 29/9/2002 فى قضية قطار الصعيد رقم 832 المتجه من القاهرة الى أسوان، حيث جاء بحيثيات هذا الحكم بالصفحات من 50 : 63 ما نصه الأتى :- - أقر الجميع ( من سئلوا بهيئة السكة الحديد) أن هذه الصيانة كانت شكلية وغير فعالة، وعلى هذا جرى العمل من قديم ... وهو أمر طبيعى ونتاج حقيقى لنظام وأسلوب العمل فى الهيئة، فلا المادة اللازمة لملئ الطفايات موجودة، ولا اعتمادات أومواصفات لشراء لوازم الصيانه لهذه الطفايات، ولا الفوضى تسمح بالصيانة ( الركوب من الغاطس وهو مكان الصيانة) فهل من المنطق والعدل أن تساير المحكمة النيابة العامة فى الإمساك بتلابيب هؤلاء المتهمين، الضحايا فى نفس الوقت. - وحيث أن المحكمة فى ظل ما جرى، وعلى ضوء ما انتهت إليه من تحقيقات، وأوردته فى أسبابها، ترى لزاما عليها التنويه إلى : أن العدالة وساحات القضاء ملت من هذا الأسلوب الهزيل والمسرحيات الهزلية، والتى يحملها المسؤلين من وقت لآخر الى ساحات العدالة لتبرير سلبيات الأداء وفشل القيادات التى تضعها الدولة على رأس هذه المرافق التى تخدم جمهور المواطنين... آن لهذا المسلسل المهين أن ينتهى. - فالواقعه الماثلة تنطق بالسلبية، وعدم الاحترام لعقل الرأى العام عن أسباب الحادث وتداعياته، وأبسطها الإهمال والتسيب الذى استشرى فى كل المرافق التى تخدم الجمهور... - كما تقول المحكمة فى مناسبة إحتواء عربات القطار على ثلاثة أضعاف أو أربعة أضعاف طاقتها000 كيف لا والهيئة أعدت هذا القطار لكى يكون نعشا للضحايا من الفقراء المعدمين، وأرادت أن تجعلهم الفداء الذى تقدمه تقربا إلى الله فى عيد الأضحى ( كان الحادث قبل عيد الأضحى بيومين ) فتكفر بهم عن سيئاتها فى حق المواطنين جميعا . - فقد ملت العدالة ودور القضاء من هذا الأسلوب، يأتون بالصغار الكادحين، ومن لا دراية أو قدارت لهم ليقفوا خلف القضبان سجناء الظلم والقهر، والمسؤل الحقيقى طليق، ينعم بالراتب الذى يصل الى عشرات الألاف من الجنيهات شهريا أو أكثر، ويجلس على المقاعد الوتيرة فى المكاتب المكيفة لا يسأله أحد، ولا يعكر صفو مزاجه سلطة تحقيق، أو جهاز رقابى. - وبمناسبة ما ورد فى عجز هذا الحكم التاريخى فيما يتصل بسلطات التحقيق أو أجهزة الرقابة، فإننى أشهد بحكم الممارسة العملية، أن سلطات التحقيق الساكنة، أو التى تباشر الرقابة الميدانية، أنها تنتظر من الجهات الخاضعة لولايتها، أولرقابتها بمن يشكو إليها أو يبلغها عن حوادث الإتلاف أو الحريق أو الإهمال، وقلما يحدث عملا أن يفصح المسؤلون بالجهات والمصالح الحكومية عن تلك الحوادث التى تقع بداخلها لجهات التحقيق، أو الرقابة، بل الغالب فى هذا الأمر هو التستر ما أمكن على تلك الجرائم، خاصة أمام أجهزة الرقابة بالدول النامية، والمتخلفة، حيث تسود الديكتاتورية الإدارية وتنعدم روح الشفافية والمساءلة،فقط يستيقظ المسؤلون من ثباتهم عندما تقع الكارثة،للبكاء على اللبن المسكوب،فمنهم من يحضر الجنازة،ويتلقى العزاء،ومنهم من يزور المصابون،ومنهم من يحضر مهرجان دفع التعويضات أما عن التحرك المفروض لمواجهة هذه الجريمة فلا يتحقق بالرقابة المؤسسية فقط، بل يتحقق بمن ينقب عن الإهمال بكل موقع في هذا البلد،وخلف كل مسؤل يتحصن بمنصبه،يتحقق ذلك بالرقابة الشعبية، وهى التى أفصح عنها الرئيس السيسي فى خطابه بالأمس القريب، وعن مكوناتها وكيفية مباشرتها، فهذا هو موضوعنا القادم بإذن الله0 وكيل وزارة بالجهاز المركزى للمحاسبات والمحاضر بالجامعات المصرية