تربيت في بيتنا علي أناشيد يرددها الشعب المصري كله.. ونحتفل بأعياد هي رمز النضال.. وبلا شك كان في مقدمة هذه الأعياد- عيدنا الأول- عيد الجهاد الوطني، وهو عيد كانت تعطل فيه الوزارات والمدارس والبنوك والمحاكم وكانت أمي- عليها رحمة الله- تحدثني طويلاً عن هذا اليوم وأردد معها تلك الأناشيد التي صاغها شعراء مصر، ولم لا وهو العيد الذي يجسد نضال الأمة المصرية ضد الانجليز الذين احتلوا بلادنا.. ولم يتوقف النضال الوطني أبداً منذ كان هذا اليوم هو رمز النضال.. وإلي أن تحقق استقلال الوطن وتم الجلاء.. وبين يوم ميلاد هذا النضال وهو 13 نوفمبر 1918 ويوم الجلاء في 18 يونية 1956 ارتوت الأرض المصرية بدماء الألوف من الوطنيين وسقوط آلاف الشهداء. وإذا كان صعباً الآن أن نتحدث عن نشأة عيد الجهاد الوطني وأسبابه، فإننا يمكن أن نتحدث عن بعض إنجازات تحققت بفضل نضال الآباء والأجداد من بداية هذا اليوم- عام 1918- إلي أن تحقق الكثير من الإنجازات. إذ بفضل القيادة الصلبة لزعماء الأمة بزعامة سعد زغلول ثم مصطفي النحاس ورفاقهما المخلصين، نجحت ثورة 19 التي بدأت في مثل هذا اليوم- يوم 13 نوفمبر 1918- في تحقيق الاستقلال حتي ولو بعد حين.. وتم إلغاء الحماية البريطانية علي مصر.. ونجحت الثورة في إقامة نظام دستوري للحكم يؤكد ان الأمة مصدر السلطات وقيدت سلطات الملك، ونجحت الثورة في بعث النهضة الاقتصادية وتشجيع المشروعات الوطنية وإقامة نظام جمركي يحمي الصناعة الوطنية.. وكذلك تمصير البنك الأهلي المصري.. وتاريخ طويل من النضال قاده حزب الوفد عبر عشرات السنين. بل إننا يجب أن نعترف بانه وبسبب هذا اليوم العظيم من حوالي 96 عاماً تقرر اعتبار هذا اليوم عيداً وطنياً رمزاً للجهاد العظيم وظلت مصر- الشعب والحكومة- تحتفل بهذا اليوم وتحول إلي ذكري عطرة تتربي عليها الأجيال المتعاقبة. وظلت مصر تحتفل بهذا اليوم شعبياً ورسمياً وتعقد فيه المؤتمرات ونتعلم خلالها معني الفداء.. والوفاء للوطن. ولم يكن يحتفل به حزب الوفد وحده، وهو الحزب الذي بدأ نضاله منذ هذا اليوم بل ان كل الأحزاب، حتي التي خرجت عن الوفد وانشقت عليه، وهما حزب الهيئة السعدية برئاسة أحمد ماهر باشا ثم حزب الكتلة الوفدية برئاسة مكرم عبيد باشا.. وكانت الأمة- مهما اختلفت توجهات بعض أحزابها- تحتفل بهذا اليوم.. وجاءت علي مصر فترة كانت كل هذه الأحزاب تحتفل وتذكر الأمة بنضالها الرائع. ولكن- للأسف- كان آخر احتفال بعيد الجهاد الوطني هو ذلك الاحتفال الذي أقيم يوم 13 نوفمبر 1952.. إذ قامت ثورة يوليو بإلغاء كل الأحزاب في يناير 1953 وبذلك أوقفت الاحتفال بهذا العيد، تماماً كما تم إلغاء الاحتفال بعيد الجلاء «18 يونية» وهو الجلاء الذي توج أعمال حزب الوفد النضالية! تخيلوا.. إلغاء عيد الجلاء.. بعد إلغاء عيد الجهاد الوطني.. فهل يعقل أن تنسي الأمة تاريخ نضالها.. بسبب تغير الحكومات.. أم هو الانتقام من الزعماء الحقيقيين للأمة وأبرزهم هم زعماء حزب الوفد سعد والنحاس.. ثم سراج الدين. وعاد الاحتفال بعيد الجهاد الوطني بمجرد أن أعاد فؤاد سراج الدين باشا الحياة لحزب الوفد عام 1978 وكانت عملية إعادة الحياة للوفد بداية إعادة الوعي للأمة المصرية. فالأمة التي لا ماضي لها.. لا حاضر ولا مستقبل.. بل كان الخروج علي المبادئ التي زرعتها الأمة بقيادة حزب الوفد هي أهم أسباب ثورتي 25 يناير 2011 و30 يونية 2013. وعندما تحل- اليوم- ذكري هذا العيد العظيم «13 نوفمبر 1918» فإننا نتذكر هنا نضال سعد زغلول وقيادته لثورة 19 ونضال مصطفي النحاس الذي حمل راية الثورة بعد «سعد» وتعرض لما لم يتعرض له زعيم في العالم، من قبل.. ومن بعد.. بل ناله الكثير من التنكيل ومحاولات التشويه والإنكار. وتجيء ذكري هذا اليوم العظيم، ومصر الآن في ثورة حقيقية.. وإذا كان الوفد هو الوحيد الذي كانت تأتي به الأمة إلي الحكم.. فإننا نتطلع إلي البرلمان القادم- بعد شهور قليلة- وهو برلمان نحلم أن يحكم الشعب نفسه بنفسه.. حتي تتحقق أحلام الأمة الحقيقية. تلك هي قصة عيد وطني كنا نحتفل فيه بالنصر.. ولن تنسي الأمة عيد الجهاد الوطني الذي يحتفل به الآن حزب الوفد، فماذا قدمت أحزاب مصرية يتجاوز عددها الآن 80 حزباً؟! نريد حزباً يعطي ويضحي لا يجني ويكسب أو ينهب!