للتاريخ لا لسين أو صاد أبوح بما أعلم رافضا كتم الشهادة فى وقت نحنُ أمسّ الحاجة فيه لتوخى الحقيقة، وقول ما لدينا دون أى اعتبار لحسابات أو ردود أفعال. فى السبت الماضى احتفلت دار أخبار اليوم بمرور 70 عاما على تأسيسها مُستعرضة تاريخ النضال والدفاع عن الحريات والتعبير الحق عن الوطنية المصرية. وكان مما آثارنى أن يتضمن ذلك هجوم أخبار اليوم الشرس وغير المُبرر على الوفد ومسيرته باعتباره عملا محمودا تحت لافتة «أن الوفد خرج فى عهد النحاس عن مبادئ سعد زغلول». ولاشك أن المناقشة الهادئة لتلك المقولة يدفعنا للحديث عن التمويل الذى بدأت به «أخبار اليوم»، وهل كان قاصرا على قرض مصرفى، وبعض ما أدخره الاستاذان مصطفى وعلى أمين أم أنه تجاوز ذلك. لقد كشف محمد حسنين هيكل فى كتابه «بين السياسة والصحافة» كيف قامت أخبار اليوم بدعم مباشر من الملك فاروق، كما أسهب الاستاذ صلاح عيسى فى كتابه «مثقفون وعسكر» فى كشف تفاصيل الدعم المالى الأمريكى للدار فى سنواتها الأولى، لذا فإن توجهات سياستها كانت محددة لتشوية الوفد وضرب النحاس. و يذهل المتابع للاعداد الاولى للجريدة من كم الافتراءات التى تضمنتها صفحات الجريدة ضد النحاس وزوجته وقادة الوفد، والتى مع حدتها لم تنجح فى النيل من شعبيته، وجاءت انتخابات البرلمان عام 1950 ليفوز الوفديون باكتساح. ولاشك أن تبرير حملات أخبار اليوم على النحاس باشا غير مقبول خاصة أنه وصل مثلا ضد بمجلة آخر ساعة التابعة للدار أن تنشر صورة لقرد فى حديقة الحيوان وتكتب تحتها اسم النحاس، بل قدمت صورا عديدة للسيدة زينب الوكيل حرمه فى سابقة هى الاولى فى التشهير بزوجات الساسة وتحتها سباب فج وسخيف. وكان مما ذكره الغريب الحسينى حارس الملك فاروق فى مذكراته التى نشرها الزميل شريف عارف أن «الحملة تصاعدت يوما بعد يوم من أحزاب الأقلية لضرب سمعة النحاس. وكانت تتزعم هذه الحملات صحيفة أخبار اليوم فكانت تهاجم النحاس بشكل عنيف، ولم تكن المهاجمة لشخص النحاس فحسب، بل امتدت إلى السيدة حرمه زينب الوكيل. وكانت هناك صورة شهيرة تستعين بها الصحف المناهضة لمصطفى النحاس والوفد للنحاس وهو يودع زوجته السيدة زينب الوكيل، وهى تغادر مصر، والتقطت الصورة والنحاس يخرج لسانه فكانت الصحف تروج لها باعتبار أن النحاس أصيب بالبلاهة ولم يعد قادرا على حكم مصر». والقول إن حزب الوفد خرج عن مبادئ سعد زغلول وهو ما دفع الأستاذ مصطفى أمين رحمه الله إلى شن حملات قاسية ضد النحاس، قول غريب ينفيه اقالة الملك للنحاس عام 1944 ثم اقالته لحكومة الوفد عام 1952. لقد كان حرص النحاس باشا على مبادئ الحرية والاستقلال والانتصار لمبدأ سلطة الأمة يدفعه إلى الاصطدام المتكرر مع القصر وذيوله من الأعيان والأحزاب التابعة. لذا كان الأحرى بالمؤسسة الزميلة وهى تحتفل بمرور 70 عاما على تأسيسها ألا تدافع عن خطايا وقع فيها مؤسسو الدار ثمَّ ندموا عليها بعد ذلك، وأن تعتذر عنهم عن شطحات وضربات فى غير محلها. والله أعلم.