رغم أن المشهد السياسى المصرى يزخر بالكثير من الموضوعات والأحداث المتلاحقة التى تستأهل لأهميتها تناولها بالتحليل والتعليق من قِبل المهتمين بالشأن العام، إلا أن هناك من الموضوعات العامة الأخرى التى قد تكون خارج الإطار السياسى لكنها تستوجب قدراً من النظر وإبداء الرأى لما لها من اتصال وثيق بقضايا الوطن وتأثير مباشر على المواطنين. من هذه الموضوعات العاجلة ما يتعلق بوزارة الداخلية، ورأيت أن من الواجب أن أعرض لها اليوم فى النقاط التالية: (1) ترددت أنباء عن اعتزام وزارة الداخلية عرض بعض اللوحات المعدنية للسيارات للبيع بالمزاد العلنى، بدعوى أنها ذات أرقام مميزة تلبى رغبات وطموحات كثيرٍ من المواطنين، وأنها بذلك ستحقق عائداً مالياً لا بأس به للخزانة العامة. لقد اعتراني الذهول والدهشة عند سماع تلك الأنباء وأن الوزارة بصدد تقنين هذا الاتجاه، والذى أراه للأسف الشديد تقنيناً للفساد وانحرافا عن الدستور والقانون. فبادئ ذى بدء دعونا نتفق على أن بعض المواطنين البسطاء فى الثقافة والمستوى الاجتماعى، كانوا يسعون فى الماضى للحصول على لوحاتٍ معدنية لسياراتهم بأرقامٍ مميزة حسب التعبير الدارج، كنوعٍ من الوجاهة الاجتماعية وظناً منهم أن تلك اللوحات محصّنةٌ من تحرير المخالفات المرورية ضدها، وهذا ظنٌ خاطئ وسلوك اجتماعى معيب لا يسوغ للدولة أن ترسّخ له أو تشجع عليه. ثم إن القانون قد اعتبر اللوحة المعدنية ملكاً للدولة وأنها تُسلم للمرخص له على سبيل الأمانة ومقابل رسم التأمين، فكيف يُقبل بيعها والمتاجرة فيها ؟ وإذا كان البيع لمنفعة التمتع بالرقم المميز، فإنه يكون بمثابة بيع الوهم للطامعين وهو ما نربأ بالدولة أن تنزلق إليه. كما أن الدستور قد حظر التمييز بين المواطنين لأى سببٍ من الأسباب، فكيف نسن نهجاً للتمييز بينهم بسبب المال ونقنن هذا التمييز بإشارةٍ واضحة وهى رقم السيارة ؟ ومن ناحيةٍ أخرى إذا كانت اللوحات المعدنية الجديدة المستخدمة حالياً تشتمل على حروفٍ أبجدية وأرقامٍ عددية، فما هو المعيار العام الذى سيحدد أن تلك اللوحة مميزة أو غير مميزة ؟ وإذا كان ترتيب حروف لوحةٍ ما يشكل ميزة لدى شخصٍ بعينه، فليس بالضرورة أن تكون له قيمةٌ لدى آخر، وهو ما قد يفتح نفقاً للفساد لا يمكن التخلص منه. وأخيراً ماذا يحدث لو اضطرت الوزارة مستقبلاً لتغيير شكل اللوحات أو استبدالها بنظامٍ آخر لدواعى المصلحة العامة أو مقتضيات الأمن، ألا يكون حينئذ بمقدور من اشتروا اللوحات بالمزاد غلّ يد الدولة عما تريد؟ إننى أحذر من مغبة هذا القرار المزمع وتبعاته،وأتمنى أن يكون محض شائعة. (2) الموضوع الثانى هو الخطاب الإعلامى لوزارة الداخلية الذى أراه مازال قاصراً بشكلٍ ملحوظ ويفتقد المهنية اللازمة فى كثيرٍ من جوانبه، سواءً فى عرض الإنجازات أو الإخبار عن الأحداث. ومما يحضرنى فى هذا المجال وأرى التنبيه إليه، هو تأخر بيانات الوزارة عن بعض الحوادث الإرهابية التى يشهدها الوطن مما يثير البلبلة لدى المواطنين ويسمح برواج الشائعات والمعلومات المغلوطة, كما أن صياغة البيانات الرسمية فى كثيرٍ من الأحيان تنقصها الدقة والموضوعية والمعلومات التى تشبع حاجة الباحثين عن الخبر، هذا فضلاً عن ضعف الأداء الحركى واللفظى للسيد المتحدث الرسمى باسم الوزارة. (3) الموضوع الثالث هو ضرورة إعادة النظر فى الحواجز الخرسانية التى تمت إقامتها بشكلٍ عشوائى حول المنشآت الشرطية المختلفة واستقطعت أجزاءً كبيرة من الطرق، بما أثار ضيقاً وضجراً بين كل المستخدمين لهذه الطرق، ودون مبرر منطقى من دواعى التأمين الصحيحة. ولقد كان ذلك محلاً لمقالنا الذى نُشر بهذه الصحيفة فى 23/3/2014 بعنوان رؤية موضوعية لوزارة الداخلية. (4) إعادة التذكير بما سبق أن طرحناه فى مقالنا المنشور فى 28/9/2014 بعنوان «رسائل نارية لقوات التدخل السريع»، عن إنشاء مجلس خاص لمكافحة الإرهاب، بمنظومة متكاملة على المحورين الأمنى والإعلامى، خاصة أن المصريين فى حاجة لأن يدركوا حقيقة وحجم المخاطر التى تحيط بالوطن، وليس مجرد طمأنتهم بمثل التصريح المتعجل الذى أدلى به المتحدث الرسمى للوزارة منذ نحو شهر ونصف الشهر لقناة صدى البلد وأكد فيه أنه لا وجود لتنظيم داعش فى مصر!!