قبل أسبوع أو أسبوعين من المولد النبوي كان البقالون فى قريتنا ينصبون تندات وطرابيزات خارج المحل ويعرضون عليها أشكالاً متنوعة من حلويات المولد، أحصنة حلاوة بأحجام مختلفة، وعرائس مولد منها الكبير والصغير والمتوسط، كنت مثل جميع أطفال القرية نقف على مسافة من المحل ونتفرج ونقارن بين الأحصنة المعروضة، ونهلل عندما نرى أحد الرجال أو النساء يخرج من المحل حاملا حصانا أو عروسا، وكنا نسمى الشخصيات التى سوف تشترى الأحصنة والعرائس الكبيرة، أبو فلان أو علان من أغنياء القرية هم الذين يشترون أكبر الأحصنة والعرائس المعروضة لأولادهم. والدتي رحمة الله عليها كانت دائما ما ترفض أن نشترى حلويات المولد من بقالي القرية، وكانت تصر أن ننزل إلى مدينة طنطا ونشترى من المحلات الكبيرة المجاورة لمسجد السيد البدوي، وكنت وأخوتي نترجاها أن تشترى لنا الأحصنة والعرائس من عم شبل البقال أو عم سيد مثل جميع أولاد القرية، وكانت ترفض وتؤكد أنها مكشوفة والذباب يعف عليها طوال النهار احنا مش ناقصين أمراض وأمام إلحاحنا كان والدى يتدخل ويطالبها بأن تأخذنا وتشترى لنا الأحصنة والعرائس بس من عم شبل البقال بس يا أحمد الدبان و... خلى العيال تفرح قبل أن نغادر المنزل كنا نتفق مع والدتي على الأحجام، وفى الغالب كانت الأحجام المتوسطة أو فوق الصغيرة، وفى محل عم شبل يقف كل منا ويختار حصانه وعروسته، وكان من العيب أن يشترى الولد عروسة، البنات فقط هن اللاتي يخترن العرائس، وكانت أشكالاً وألواناً وأحجاماً، وما أذكره من أيام الطفولة أن جميع العرائس كانت تزين بملابس زفاف، طرحه وفستان منفوش، ووجوه أغلبها مزين كأنه المكياج. بعد أن ننتهى من اللعب بالحصان والعرائس نضعها فوق البوفيه،(البوفيه قطعة خشبية تتبع حجرة السفرة، مثل النيش حاليا لكن بدون الجزء العلوى) وكانت حجرة السفرة الخاصة بنا لها بوفاهان، فكنا نضعها بجوار المرايا، وفى الصباح الباكر يقوم كل منا ويعلب بحصانه او عروسته. فى صبيحة المولد النبوى كنا نفطر على حلاوة المولد التى اشتراها والدى أو والدتي من المحلات المجاورة للسيد البدوى، وكانت عبارة عن حلاويات تسمى نواشف، سمسمية وحمصيه وملبن وفولية وغيرها من الأشكال، وكان نوال لعبنا بالأحصنة والعرائس، وكان يسمح لنا يوم الاحتفال بالمولد النبوى أن نخرج كأولاد بالأحصنة إلى الشارع ونلعب بها مع باقي الأطفال، ومن الأشياء السيئة جدا ان يتشاجر أحدنا مع أحد الأطفال، أو يقع وهو يلعب وينكسر الحصان أو يتحطم تماما، فلن يشترى له غيره وسيظل طوال النهار بدون الحصان، وأذكر أن والدي رحمة الله مثل بعض المتعلمين في القرية كان يقوم بإحضار الصمغ ولزق ما تكسر، وفى حالات كثيرة كان يتم تجميع الحصان الذي تحطم ولزقه، وفى حالة نجاح العملية الجراحية يتم وضع الحصان أو العروسة على البوفيه باقى اليوم، وهو ما كان يعد إنجازا وفرحة كبيرة للأطفال أمثالنا، فمازال حصانه سليما وواقفا على قدميه حتى لو كان ملزوقا بالصمغ. مع أول إشراقه شمس لليوم التالي للمولد النبوى، كنا نقوم بعملية هجوم على الأحصنة والعرائس، ونقوم بالقضاء عليها أكلا، فكنا نقوم باتهام ما نستطيع التهامه منها، نبدأ بالأنف أو الأذن أو القدم وضحكاتنا تملأ فضاء الشقة، وكان كل منا يرفع حصانه أو عروسته بعد ان يلتهم أحد أعضائه إلى الأعلى معلنا الانتصار على حصانه أو عروسته أو نجاحه في التهام أحد أعضائه في أقصر وقت ممكن. وكانت والدتي رحمة الله عليه تمنعا منعا باتا من آكل الأجزاء الملونة، يسمح لنا فقط بالتهام الأجزاء البيضاء، لأن الملونة تجلب الأمراض. محدش عارف الألوان دى فيها إيه. بعد أذان العصر أو بعد المغرب تجمع والدتى بقايا الأحصنة والعرائس(فقد كنا سبعة أخوة، ثلاث بنات وأربعة صبيان) ونقوم بوضعها فى حلة بها ماء ونتركها حتى تبوش تماما، بعد ذلك كانت تستخدم سكرها فى إعداد وجبة المهلبية، وبطبق المهلبية المرشوش عليه القرفة تنتهي احتفالات المولد النبوى، كانت تزين له محلات البقالة والمساجد بالأنوار والرايات وأشكال الزينة المختلفة.