يستهل مهرجان القاهرة السينمائي اطلالته هذا العام بعرض فيلم «القطع» للمخرج فاتح أكين، وهو عمل فني مثير للجدل لكونه تم سحبه في البداية من مهرجان «كان» وانتهاء الى أن الاتراك أنفسهم يرفضونه لفضحه المذبحة التي راح ضحيتها الأرمن في نهاية الدولة العثمانية على يد الأتراك. وسبق للفيلم المشاركة في المسابقة الكبرى لمهرجان «فينيسيا» السينمائى وهو أول فيلم لمخرج من أصول تركية يتناول مجازر الابادة التي تعرض لها الأرمن في أواخر الدولة العثمانية، خلال فترة الحرب العالمية الأولى، حيث قام الأتراك بالتعاون مع عشائر كردية بابادة مئات القرى الأرمينية شرقي البلاد في محاولة لتغيير ديموجرافية تلك المناطق.. فمن المعروف تاريخياً أنهم اجبروا القرويين على العمل كحمالين في الجيش العثماني ومن ثم قاموا بإعدامهم بعد انهاكهم، غير أن قرار الابادة الشاملة لم يتخذ حتى ربيع 1915 حيث قام العثمانيون بجمع المئات من أهم الشخصيات الأرمينية في اسطنبول وتم إعدامهم في ساحات المدينة. بعد أمرت جميع العائلات الأرمنية في الأناضول بترك ممتلكاتها والانضمام الى القوافل التي تكونت من مئات الآلاف من النساء والأطفال في طرق جبلية وعرة وصحراوية قاحلة، وغالباً ما تم حرمان هؤلاء من المأكل والملبس، فمات خلال حملات التهجير هذه حوالي 75٪ ممن شارك بها وترك الباقون في صحاري بادية الشام. ويتفق معظم المؤرخين على أن عدد القتلى من الأرمن تجاوز المليون غير أن الحكومة التركية وبعض المؤرخين الأتراك يشيرون الى مقتل 300.000 ألف أرمني فقط، بينما تشير مصادر أرمينية الى سقوط أكثر من مليون ونصف أرمني، وعندما دخل الانجليز الى اسطنبول محتلين سنة 1919 أثاروا المسألة الأرمينية، وقبضوا على عدد من القادة الأترك لمحاكمتهم غير أن معظم المتهمين هرب أو اختفوا فحكم عليهم بالاعدام غيابياً، ولم يتم إعدام سوى حاكم يوزغت الذي قام بإبادة مئات الأرمن في بلدته. ومن أشهر الأفلام التي تكلمت عن مأساة الأرمن فيلم المخرجة تمارا استيبانيان «جمر» الحائز جوائز عدة، والذي يتناول قصة نضال عائلة أرمينية خلال الحرب العالمية الثانية.. والفيلم احياء ذكرى جدة المخرجة، من خلال الحديث مع أصدقائها المسنين في مسقط رأسها في أرمينيا، للكشف عن جانب من تاريخ أرمينيا بعد الحرب العالمية الثانية. ومن المعروف أن أكين أثار حفيظة القوميين المتطرفين لكون تطرق لقضية الأرمن الشائكة.. ولكن أكين كان يرى من وجهة نظره أن تركيا وصلت الى «حالة نضج» تجعلها تتقبل الفيلم، وبعد هذا الحوار الذي أجراه أكين مع صحيفة «آجوس» نشر القوميون المتطرفون تهديدات على الانترنت موجهين رسالتهم الى الصحيفة «آجوس» الى من وصفوهم بالأرمن «الفاشيين» والمثقفين «الهدامين» وفيلمه الحالي «قطع» فتكلف انتاجه 21 مليون دولار وشاركت فيه العديد من الشركات في «ألمانيا، فرنسا، ايطاليا، روسيا، بولندا، كندا، وتركيا» وشاركه في كتابة السيناريو مارديك مارتن وهو من أصول أرمينية عاش طفولته وصباه في العراق.. وقام ببطولته الممثل الفرنسي من أصول جزائرية طاهر رحيم وهو ممثل فرنسي من أصل جزائري، ولد في بيلفور، فرنسا، في عائلة ترجع أصولها لمنطقة وهران، الجزائر.. أول دور رئيسي له كان في فيلم «النبي» للمخرج «جاك أوديار» في عام 2009، لقى أداؤه كممثل قبولاً حسنا من طرف الصحافة خلال عرض الفيلم في مهرجان كان السينمائي، لعب فيه طاهر رحيم دور «مالك الجبنة» شاب ذو 19 سنة فاقد للمعالم ينتهي به المطاف لدخول السجن لمدة ست سنوات، هذا الدور أكسبه جائزة أفضل مثل أروبي في عام 2009 فاز بجائزتي سيزار لأفضل ممثل واعد وأفضل ممثل في النسخة 35 للمهرجان في 27 فبراير 2010 وتزوج في 2010 مع الممثلة ليلى بختي التي هى أيضاً من أصل جزائري.. ومدير تصوير الفيلم راينر الألماني راينر كلاوسمان «المصور المفضل لأكين» ومن أشهر أفلامه حافلة السماء وشاركه آلان ستارسكي «مصمم مواقع التصوير» لينقل لنا بيئات مختلفة من الصحراء الأردنية الى البيئة الأمريكية المتنوعة، صور الفيلم في الصحراء الأردنية، والموسيقي التصويرية التي وضعها الموسيقى، الكسندر هاكه، وهو الذي قدم مع أكين فيلم «عبور الجسر - أصوات اسطنبول» كتوثيق لاثنتى عشرة فرقة موسيقية في بوتقة اسطنبول. ويعرض ثقافتهم واساليبهم في التعبير الموسيقي، وكذلك تجاربهم... وفاتح أكين الذين يعتبر من أهم المخرجين العالميين وقدم مجموعة من الأفلام أثارت كل واحد منها ضجة كبيرة عند عرضه داخل وخارج ألمانيا وفي المهرجانات السينمائية الدولية لأن معظم أفلامه تتعرض بجرأة كبيرة للتمييز العنصري الذي يعاني منه المهاجرون الى ألمانيا والألمان وهى صفة لازمت أفلامه، لأن فاتح أكين المولود في ألمانيا عام 1973 من أصل تركي، ومن أفلامه «سريع وبدون ألم» من انتاج عام 1998 وهو أول فيلم لفاتح أكين ويحكي عن ثلاثة أصدقاء تركي وصربي ويوناني في هامبورج حيث يزج بأحدهم في السجن بتهمة قتل. وفيلم «في شهر تموز» من انتاج عام 2000 ويحكي الفيلم قصة رحلة يقوم بها مدرس من هامبورج الى استانبول للقاء فتاة تركية، و«سولينو» من انتاج عام 2002 يروي أكين من خلال هذا الفيلم حكاية وصول المكرونة الايطالية الى منطقة الرون عام 1914 مع عائلة ايطالية، و«عبور الجسر» من انتاج عام 2005 والفيلم رصد لشوارع استانبول، و«علي الجانب الآخر» وهو من أهم أفلامه من انتاج عام 2007 وقد رشح هذا الفيلم لجائزة الأوسكار عام 2007 وحصل في نفس العام على الجائزة الأولى لأفضل سيناريو في مهرجان «كان» السينمائي وجائزة أفضل مخرج في مهرجان ايطاليا السينمائى والعديد من الجوائز الأخرى وفيلم «حافة الجنة» وتدور أحداث الفيلم بين تركياوألمانيا، شاب ألماني من أصل تركي يسعى للبحث عن ابنة رفيقة أبيه بعد موتها، فيذهب الى تركيا بحثاً عنها، بينما تكون هى فرت إلى ألمانيا بعد ملاحقة البوليس التركي لها لنشاطها السياسي. من المعروف أن المخرج فاتح أكين كان يود تصوير فيلم عن هارنت دينك الصحفي الأرميني الذي قتل في تركيا، من قبل شبان ينتمون لميليشيات قومية شوفينية، لكن آكين لم يجد أحداً من الممثلين الأتراك قبل القيام بهذا الدور خوفاً من القوى القومية المتطرفة، ولم يرغب أكين أن «يدفع أي أحد للخطر» كما صرح المخرج لصحيفة «آجوس» التركية الأرمينية، مما دفعه الى التخلي عن مشروعه ليقدم فيلم «القطع».