يغوص الرئيس عبدالفتاح السيسي في بحر من الرمال المتحركة، أمواجه مزيج من الأزمات والكوارث، ويمتلئ بدوامات من التطرف والإرهاب. فلا يترك خطابا له إلا ويتحدث عن ضرورة التصدي للفساد والرشوة، ويشدد فيه علي حتمية إتاحة الفرصة للشباب من ذوي الكفاءة، وإعطاء الفرصة لأهل الخبرة لا أهل الثقة كما كانت تفعل الأنظمة البائدة، ورغم ذلك مازالت أغلب المؤسسات الحكومية تتهاون في تنفيذ مثل هذه القرارات وتضرب بها عرض الحائط مستبعدة صدور تشريعات أو قوانين من شأنها أن تضع كل من يشارك في جريمة إقصاء الكفاءات من المناصب تحت طائلة القانون. ويبقي السؤال: كيف يمكن اكتشاف الأكفاء في المجالات المختلفة؟ هل تعطل البيرقراطية المصرية اكتشافهم؟ هل نحن دولة يحكمها العواجيز؟ قليل من الكفاءات الشابة تثابر علي بيروقراطية المصالح الحكومية، وتصر علي اقتناص حقها في تولي المناصب المهمة في الدولة من براثن القيادات السبعينية التي تتشبث بالمناصب وتبذل أقصي جهدها في تحطيم طموحات الشباب الحالم، وأغلب الكفاءات تؤثر الرحيل من مواطنه في صمت علي أمل أن يأتي اليوم الذي يفيد فيه بلده من خبراته وفي ذات الوقت لا يبخل عليه الوطن في حياة كريمة، إلا أن استمرار فكر الإقصاء للشباب بدعوي عدم وعيهم جعل مصر بلدا يشيخ أو علي حد وصف الخبراء «دولة عواجيز». المثير للدهشة هو ما يعانيه أصحاب الكفاءات الذين آثروا البقاء في البلد ليفيدوه من خبرتهم، من اضطهاد وإقصاء من قبل روسائهم، وسط دراسات كثيرة حذرت من استمرار نزيف الهجرات الدائمة للعقول والكفاءات في جميع المجالات الي دول الاتحاد الأوروبي، وأمريكا وكندا واستراليا وكشفت البحوث في هذا الشأن عن وجود قرابة المليون مهاجر مصري بهذه الدول نصفهم من أصحاب الكفاءات العلمية في المجالات المختلفة، وتصل التقديرات المبدئية لتكاليف المبعوث المصري لنيله درجة الماجستير أو الدكتوراه في جامعات أوروبا أو الولاياتالمتحدةالأمريكية لنحو 100 ألف دولار، وهو الأمر الذي يعني أن هجرة 450 عالما تؤدي الي خسارة مصر ل45 مليار دولار سنويا، مما يقود الي إحداث فجوة حقيقية في القدرات المطلوبة للنهوض بالمجتمع، وتنشيط عمليات التنمية فإلي متي سنظل ندفع ثمن إقصاء الكفاءات وتهميشها في كافة المجالات، فجروح البلاد كثيرة وتنزف من كافة الأماكن والسبيل الوحيد لسلاح تلك الجروح هو الاستعانة بخبرات الكفاءات الشابة وغلق الباب علي كل مسئول كل مؤهلاته في الحياة هو الأقدمية ونفوذه وعلاقاته في المكان. الحل السحري طرحنا القضية أولا علي شريف بهجت، نائب وزير الشباب في حكومة الوفد الموازية الذي أجاب قائلا: الكفاءة هي الحل السحري لحل كافة مشاكل مصر، وعلي كل الأحزاب أن تلعب دورا مهما في اختيار العناصر ذات الخبرة والمهارة من بين أعضائها وتقديم رؤاهم الي القيادات العليا في الدولة، مشيرا الي ما يقوم به حزب الوفد من إفساح المجال لكافة الشباب من كافة التيارات السياسية عبر عقد الندوات واللقاءات التي يتبادل فيها الشباب الخبرات ويضعون فيه أطر حل المشاكل، ويتقدمون بها الي المؤسسات المعنية وانتقد بهجت النظام المجحف للأجور والحوافز والبدلات وعدم توافر الخدمات الأساسية أو صعوبة الحصول عليها والغرق في مشكلات البطالة وسوء المرافق العامة وأزمات الإسكان، والجهاز الحكومي البيروقراطي العتيق الذي يتحكم في مقدرات البشر، ويقف في سبيل أي تطور جديد، وهذه التعقيدات ملأت الدنيا من تعقيدات إدارية ومشاكل مالية، وكوادر وظيفية في قوالب مجحفة وأكد أننا ندفع ثمن انعدام الكفاءة في كل المجالات من أول عامل النظافة الذي لا يحسن تنظيف الشارع نهاية بالخبراء في كافة المجالات. وحذر «بهجت» من خطورة استمرار سياسة إقصاء الشباب من المناصب والأماكن القيادية، وهو الأمر الذي من شأنه تحويل المؤسسات الحكومية الي مؤسسات جوفاء خالية من أي فكر مبدع ومبتكر. وانتقد نائب وزير الشباب تخلي الدولة عن الاهتمام بالكفاءات الشابة، والفرص الجريئة المبتكرة، منتقدا فكرة التعيين بناء علي الولاء للسلطة، لا بناء علي خبراته، وكذلك انتشار فكر التخوين والعمالة بين الموظفين في مؤسسات الدولة. هيكلة الدولة بينما شدد محمد مصطفي، مؤسس حزب شباب مصر الحر، علي ضرورة صدور قانون بإعادة الهيكلة الشامل لجميع مؤسسات الدولة، يبدأ بتعيين كفاءات سياسية كنواب، لكل مسئول في مصر بدءا من أول رئيس الدولة ورئيس الحكومة ونهاية بكل منصب في الدولة، بحيث يتم اختيار الشاب بناء علي معايير محددة في مقدمتها الكفاءة، ولديه رؤي وأفكار جديدة، وحلول قابلة للتنفيذ علي أرض الواقع، ويتعلم هذا الشاب من رئيسه الكثير من الخبرات بحيث يكون قادرا علي تولي المسئولية بعد أن يكون استفاد ممن يكبره في الخبرة. وتابع: لو ضربنا مثلا بالعمل في الأحياء علي وجه الخصوص علي اعتبار أنها أكثر المؤسسات بيروقراطية وتنتشر الرشاوي فيها وبالتالي رئيس الحي لابد أن يكون شابا قادرا علي أن يجوب أرجاء المدينة، أو علي الأقل يكون لكل رئيس للحي نائب من شأنه أن يقوم بجولات ميدانية، ويتابع المشاكل والمعوقات وتكون له علاقات مع جميع المسئولين فالشباب يستطيع أن يغربل المشاكل ويتحرك بسهولة ويسر. وانتقد «مصطفي» طريقة الحكومة في اختيار المسئولين قائلا: الحكومة مازالت تسير علي نفس خطي الأنظمة السابقة وتعطي الأولوية دائما لأهل الثقة، ولا تفسح أي مجال لأصحاب الخبرات والكفاءات وهو أمر زاد من شعور الشباب بالإحباط والعزوف عن المشاركة في كافة مناحي الحياة، حتي الحياة السياسية والخروج الي صناديق الانتخابات للإدلاء بأصواتهم بات أمرا مرفوضا من قبلهم نظرا لعدم وجود أي فرص حقيقية لهم. وعبر المتحدث باسم تحالف شباب الثورة عن أسفه من منهج الحكومة المعادي لخطط المشير السيسي ومن شأنه حشد المواطنين ضده مشيرا لما قام به رئيس جهاز المترو من محاولة لرفع تذاكر المترو، وهو الأمر الذي أثار غضب الرئيس السيسي لأنه من أكثر الشخصيات إحساسا بالمواطنين وآلامهم ورغم ذلك فإن الحكومة دائما ما تسير عكس رغباته وهو الأمر الذي يجعل الشعب المصري دائما في حالة غليان مستمر وسخط علي الواقع. هجرة المهندسين الدكتور مصطفي أبوزيد رئيس مصلحة الميكانيكا والكهرباء، وضع دراسة حول إعادة هيكلة إدارات المصلحة علي اعتبار أنها من المؤسسات الحكومية التي تشهد هجرة المهندسين الأكفاء الي الخارج، حدد فيها أسباب هجرة المهندسين وكيفية الاستفادة من خبراتهم وعودتهم الي ديارهم. وبدأ «أبوزيد» في التنفيذ الفعلي للهيكل الجديد في المصلحة، الذي كان من شأنه عودة كثير من المهندسين الشباب الي عملهم رغم فارق الدخل الذي يحققه المهندس في المصلحة إذا ما قورن بالدخل الذي يتحصل عليه المهندس نظير عمله في الخارج إلا أن إحساس المواطن بأهميته في مكان عمله، والتحاقه بفرصة عمل تناسب امكانياته وتستغل خبراته، أمر لا يقدر بمال، وهو ما عملت عليه في الفترة الأخيرة. ويسترسل «أبوزيد» في حديثه موضحا أن خطته تدعو الي استغلال الخبرات الشابة عن طريق وضع خطة عمل تقوم علي اللامركزية، وتقسيم الإدارات الي إدارات فرعية، بحيث لا يصبح العمل في قطاعات واسعة، يصعب معها المتابعة والمراقبة، وأداء العمل بحرفية، خاصة أن طبيعة عمل المهندسين في المصلحة مهم وأي تقصير من شأنه إحداث خسائر مادية باهظة. ويضيف: قمت بتقسيم العمل الي مجموعات يرأسها مهندس شاب ذو خبرة وعلي درجة عالية من الكفاءة يتولي مهمة الإشراف والمتابعة علي سير المحطات ويضع ويطرح خططه المستقبلية لحل المشاكل التي توجد في بيئة عمله والتي تكون موضع البحث، لحين التحقق من امكانية تطبيقها علي أرض الواقع، مضيفا: نحتاج الي كفاءات إدارية وفنية وصنايعية حقيقيين في جميع المجالات، لن يتم ذلك بالتمني بل يحتاج للوقت والمال والأهم للاستقرار بحيث نبدأ من الآن برامج تدريب وتأهيل لنجني الثمار بعد سنوات. وأكد «أبوزيد» نجاح فكرته التي تقوم علي استقطاب الشباب من الخارج والاستعانة بخبراتهم في تحقيق تقدم ملحوظ في مكان العمل، وهو ما يعد حافزا قويا علي إكمال باقي الخطة والتي من شأنها عودة كثير من الطيور المهاجرة الي أرضها مشيرا الي أن هجرة العقول والكفاءات تعد واحدة من القضايا الرئيسية التي تؤثر سلبا في الارتقاء التقني والاقتصادي في البلاد، محذرا من مغبة استمرار نزيف مصر لعقولها وكفاءاتها العلمية وحرمان جهود التنمية في مصر من هذه القدرات والكفاءات وهو ما يعتبر بحق خسارة فادحة لمصر إذا ما قورن حجمها بما أصاب غيرها من الشعوب النامية مشددا علي ضرورة توفير المتطلبات الضرورية اللازمة للحفاظ علي الكفاءات المصرية، والتمسك ببقائهم لدفع عجلة التقدم في مصر، والعمل قدر المستطاع لتقليل هذه الخسائر. حجة واهية فيما انتقدت داليا زيادة المدير التنفيذي لمركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية والاستراتيجية، استمرار سياسية إقصاء الكفاءات من الشباب بحجة أنه غير واع وغير ملم بمجريات الأمور وهي حجة واهية تسببت في تخلف بلدنا فكل من يتقلد المناصب يكون فوق سن الستين، بينما الشباب لا يتقلد سوي مناصب إدارية، بعيدة عن أي مجال للابتكار وهو الأمر الذي يقتل طموحات الشباب ويجعلهم يعزفون عن المشاركة في الحياة. وعبرت «زيادة» عن أسفها بعدم أخذ تصريحات الرئيس السيسي بإعطاء المجال للشباب علي محمل الجد والاكتفاء فقط بمحاربة الفاسدين من رموز نظامي مبارك والمعزول محمد مرسي قائلة «التغيير الوحيد الذي حدث بعد ثورة 30 يونية هو محاربة الفاسدين، والتصدي لهم ومنعهم من تقلد المناصب العامة وهو أمر محمود ومطلوب لكنه ليس كافيا في ظل التغييرات السياسية والمجتمعية الكبيرة التي تشهدها البلاد، والتي من شأنها العبور بمصر الي وضع أفضل، حال وضع معيار الكفاءة محل الاعتبار. وأوضحت «زيادة» بحكم عملها كرئيسة لمنظمة العمل الإسلامي في أمريكا خطورة إقصاء الكفاءات من كافة المناصب، مؤكدة أن المعيار الوحيد الذي يعمل به في الخارج هو الكفاءة بغض النظر عن الجنس أو الديانة أو السنة، مستشهدة بما حدث إبان الانتخابات الأمريكية وفوز الرئيس باراك أوباما رغم أن منافسه چون ماكين له تاريخ طويل وخبرة في الحروب، قد لا تتوافر لدي أوباما. وحذرت «زيادة» من مغبة استمرار نهج إقصاء الكفاءات وهو الأمر الذي يفتح الباب من جديد أمام الشللية أسوة بنظام مبارك، وطالبت بضرورة تشكيل فريق رئاسي مساعد للرئيس السيسي من الشباب من شأنه مساعدته في طرح الخطط والمتابعة والوقوف علي تنفيذها وفي ذات الوقت يتواصل مع القيادات من كبار السن للاستفادة من خبراتهم وتطبيقها علي أرض الواقع. وأردفت: من الإجحاف أن نرجع هجرة العلماء لعوامل مادية بحتة، لأن منهم من هاجر أساسا لإشباع رغبته في الاستزادة من العلم والمعرفة وللانطلاق في البحث والابتكار في مناخ علمي بدول المهجر، ولا يتوافر لهم في الوطن الأم، إذ تتمتع هذه الدول بإمكانات علمية أكبر من خلال منظومة متكاملة تتيح للعلماء التفرغ للإنتاج والبحث، والعمل بروح الفريق وزيادة فرص نشر الأبحاث ووجود معامل مجهزة تجهيزا حديثا بأجهزة تقنية متطورة وسهولة الحصول علي المراجع والدوريات العلمية والمعلومات وفي المقابل تعاني من ضعف الإمكانات في الداخل بدءا من الماديات التي تحقق له الحياة الكريمة.