العدالة من الفضائل التي تهفو إليها النفوس وتشتاق الأرواح، وترنو الأبصار، والإنسان علي مر العصور والأزمان، يحلم بها، ويتطلع لتحقيقها، ومع كل هذا ما زالت حلمًا يداعب العقول . والعدالة عكس الظلم والجور، وتمثل محورا أساسيا في الأخلاق وفي الحقوق وفي الفلسفة الاجتماعية. أما إذا تحدثنا عن الأصل اللغوي للعدالة فإننا نقول عدل عليه في القضية فهو عادل، وبسط الوالي عدله ومعدلته بكسر الدال وفتحها، ورجل عدل أي رضا ومقنع في الشهادة . والعدالة ما قام في النفوس أنه مستقيم، والعدل هو المتوسط في الأمور من غير إفراط ، ومنه قوله تعالي (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً) وكذلك قوله (وأشهدوا ذوي عدل منكم) وللعدالة أشكال متنوعة ومتعددة منها: 1- العدالة المساواتية أي تساوي البشر عن طريق التخلي عن التمييز بين المجموعات البشرية القائم علي الجنس أو العرق أو العقيدة. 2- العدالة السياسية وتعني حق العمل السياسي الوطني والعالمي. 3- العدالة القضائية وهي وضع القوانين المتوازنة وتناسب العقوبة مع الجريمة، وحق المحاكمة العادلة. 4- العدالة الاجتماعية وهي التوزيع العادل للثروات وأماكن العمل وفرصه. ومن معاني العدالة أنها مرادف العدل، والعدل هو إعطاء كل ذي حق حقه ونقيضه الظلم ويجب أن نفرق بين العدل والمساواة، فالمساواة هي أن نعطي الجميع نفس القدر بغض النظر عما إذا كان كل واحد منهم يستحق مثل الآخر أم لا، أما العدل فهو أن يتم تحديد ما يستحقه كل واحد ثم نعطي له ما يستحق. ولقد أرسي الإسلام قواعد العدالة بين الناس، وحث علي العدل لأنه أساس الملك وهو من المثل العليا والقيم الخالدة في كل زمان ومكان، وفرض الله علي المؤمنين اتباع الحق، والتزام الصدق، والترفع عن الظلم، لان الظلم ظلمات يوم القيامة. ويحث الإسلام الضمير البشري أن يتحري العدل في القول والعمل، ولاسيما في الشهادة لان الشهادة لله فلا يجوز كتمانها، ويفرض الإسلام علي المؤمنين أن يظلوا قائمين بالقسط، مواظبين علي العدل يقولون الحق ولو علي أنفسهم أو الوالدين والأقربين قال تعالي: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو علي أنفسكم أو الوالدين والأقربين) كل هذا يوضح أهمية العدل، وأنه من تقوي القلوب، لأن من أسباب هلاك الأمم أن يحابي الأشراف والرؤساء، وذوو الجاه، بينما يعاقب الضعفاء، وهذه التفرقة من شانها أن تثير الأحقاد. ولذا جاءت الأحاديث النبوية تحث علي العدل والعدالة والتمسك بهما، عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول (ما من عبد يسترعيه الله رعيه فيموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة) وكذلك من المواقف الإسلامية المشهورة عندما ولي أبو بكر الخلافة قال (أيها الناس إني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن رأيتموني علي حق فأعينوني، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم) بهذا العبارة أرسي أبوبكر قاعدة عامة بين الحاكم والمحكومين تقوم علي التعاون والعدل، فما قيمة الحياة لو تجردت من العدل والعدالة. فيا أيها العقلاء والحكماء في كل مكان اعملوا علي نشر مبادئ العدل والعدالة، فبالعدل يسود الأمن والاستقرار والطمأنينة، وينتشر السلام ويعم الرخاء وتسعد الأمم.