التاريخ هو المعلم للشعوب والتجربة الإنسانية هى الواعظ والدليل، ولذلك فإن الوعى والإدراك بما فى ذاكرة التاريخ يُعين على فهْم الحاضر ومواجهة أحداثه، والتحسب للمستقبل والأخذ بوسائله الصحيحة برؤيةٍ واضحة لكل مقدماته. وتأكيداً لذلك كان القصص القرآنى للعبرة والتدبر ولم يكن للتسلية والتسرية، فجاءَ قولُ المولى: «لقد كان فى قصصهم عبرةٌ لأولى الألباب» (يوسف 111). ولو استرجعنا التاريخ قليلاً منذ الحملة الفرنسية على مصر سنة 1798، لوجدنا أن التجربة المصرية كانت مريرةً - بل وبالغة المرارة والقسوة - مع الإمبراطورية الفرنسية والإمبراطورية البريطانية ثُم مع خليفتهما الولاياتالمتحدةالأمريكية. فهى دولٌ لا تضمر لمصر إلا شراً، ولا تريد إلا سيطرةً عليها وتركيعاً لها لخدمة مصالحها الاستعمارية وتحقيق أهدافها العقائدية وأُكرر أهدافها العقائدية. ولقد أدرك الشعب المصرى ذلك بعبقريته الفذة وموروثهِ الحضارى المتجذر فى عمق التاريخ الإنسانى، فهبَ بثورتهِ العظيمة سنة 1919 بقيادة الزعيم الوطنى سعد زغلول، لهدفٍ واحدٍ أجمعت عليهِ الأمة وهو الاستقلال التام أو الموت الزؤام. ثُم استمر النضال الوطنى إلى أنْ تحققت أهدافهُ بثورة يوليو 1952 بقيادة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، واستطاعت مصر أن تُقنن هويتها المصرية العربية وأنْ تحدد مسارها السياسى بما يُحافظ على استقلالها وإرادتها الحرة وسيادتها بين دولِ العالم. ولكن الرياح لا تأتى دائماً بما تشتهى السفن، ففى عام 1971 قرر الرئيس السادات طرد الخبراء الروس رغم أنَّ وجودهم كان بناءً على طلب الدولة المصرية ولضرورةٍ أمنيةٍ قومية، وفى العام التالى كان إعلانه عن تنويع مصادر السلاح رغم عدم جدوى ذلك من الناحية العملية لأسبابٍ عديدة، وفى 16 أكتوبر 1973 كان قَبولهُ الطلب الأمريكى بوقف القتال على الجبهةِ المصرية دون إخطارٍ أو اعتبار لشركائهِ فى تلك الملحمة العظيمة على الجبهة الشرقية فى سوريا والأردن، وفى عام 1979 كان العصف بوحدة الصف العربى بإبرام معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية والإطاحة بمؤتمر جنيف الذى كان مطروحاً ليضم كل الأطراف المعنية، ومع نهاية عصر السادات وبداية عصر مبارك كان الانفتاح الاقتصادى المزعوم بمنظومات الفساد وآليات الخصخصة اللعينة، وفى عام 1983 استجاب مبارك للإملاءات الأمريكية وسمحَ للشباب المصرى - تحت زعمِ الجهاد - بالسفرِ إلى أفغانستان لقتال الروس، ومنهم توالدت الجماعات الإرهابية، وفى عام 1990 شاركَ مع التحالف الغربى فى حربهِ ضد العراق بدعوى تحرير الكويت رغم علمهِ بحقيقةِ المؤامرة ورغم ارتباط مصر باتفاقية دفاع مشترك مع العراق، وفى عام 1997 أسس المجلس الرئاسى الأمريكى - المصرى والذى يُعدُ فى جوهره وعملهِ الواقعى بمثابة الوصى على الدولةِ المصرية، وفى عام 2003 ساهمَ فى غزو الولاياتالمتحدةالأمريكية للعراق والذى انتهى بتدمير هذا البلد الشقيق، وفى عام 2011 كان الدور الآثم لجماعةِ الإخوان الإرهابية فى تخريب الوطن وإشعال فتيل القنبلة الأمريكية المُسماة بالفوضى الخلاقة، والتى كان نتيجةً لها ووفقاً لمنظومتها، أن تولى أحد قادتها رئاسة مصر فى منتصف عام 2012، ليقود مع نُظرائه فى الدول المُسماة بدول الربيع العربى، عملية تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد الذى يرمى إلى تفتيت وتقسيم تلك الدول لصالح الكيان الصهيونى. إنَّ تلك الأحداث التى أتت بها الرياح بما لا تشتهى مصر، كانت أبرز المحطات التى استطاعت منها وبها الولاياتالمتحدةالأمريكية الغاشمة أنْ تجثُم على صدر مصر الصابرة، وأن تُهيمن عليها وتسلب إرادتها وتُهدر سيادتها وتُهدد أمنها وسلامتها. ولكن الشعب المصرى يعود ليُثبت عبقريته ويُدلل على حضارته، فيستحضر موروث نضاله الوطنى ويَهُب بثورتهِ الثالثة فى 30 يونيو 2013، ليستعيد استقلاله ويُحافظ على ترابه ويُعلن من جديد عن هويته الوطنية وإرادته الحرة. إننى أتوجهُ بهذا الحديث إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول المعادية الأخرى التى تدورُ فى فلكها، فأقول لهم إنَّ مصر الثورة لن تعودَ أبداً لمستنقع التبعية والهوان، ولن تقبل أبداً بالهيمنةِ الخارجية مهما كانت الظروف والتضحيات، وعليكم بقراءة التاريخ جيداً لتعرفوا طبيعة هذا الشعب ومعدنه الأصيل، واعلموا أنهُ سيظل بإذن الله سنداً لقائدهِ الوطنى ورئيسه المحبوب عبد الفتاح السيسى والذى لم ولن يكون كأحد الثلاثة الذين دانوا بالولاء للغرب سواءً بالقناعةِ والاختيار أو بالخيانة والانكسار. وأخيراً نقولُها بصراحةٍ ووضوح، إن الضغوط الأمريكية لإجبار مصر على المشاركة فى التحالف العسكرى المشبوه لضربِ سوريا تحتَ الشعارِ الزائف بمحاربة الإرهاب الداعشى، سوف تبوءُ بالفشل لأن مصر الثورة استردت وعيها وإرادتها ولن تعودَ أبداً للوراء. أحمد عبدالفتاح هميمي لواء بالمعاش