أثناء دراستى الجامعية، أقحمت نفسي فى العديد من الأزمات الفكرية، فقد اختلقت بعض الأفكار الذهنية وحاولت أن أجد لها حلا تدعمه شواهد واقعية، من هذه المشاكل فكرة أن تعرف ما مر خلال الزمن وما هو آت كأنك تراه وتحسه وتلمسه وتشارك فيه وتنطق بثقافته وبعاداته وبلهجته، على سبيل المثال، كنت أتمنى أن أعيش فى العصر المملوكي أو الفاطمي أو الأيوبي أو الفرعوني أو اليوناني، ضمن أسرة فقيرة أو ثرية أو متوسطة الحال أو معدمة، وتخيلت ترتيبى فى الأسرة، البكر، الأصغر، وحيد والديه، الثالث أو الثاني، بيتنا فى حارة أو شارع أو قرية، ما هو إحساسى آنذاك؟، وما الذى كنت سأعرفه وأتعلمه وأحس به وأفكر فيه؟، وكيف تكون حياتى فى الطفولة والصبا والشباب وبعد الزواج وفى الشيخوخة؟، هل ما كنت سأعرفه وأحسه وأعيشه فى أسرة بقرية يختلف عن نظيرتها فى مدينة؟، وهل كان سيختلف عن حياتى فى العصر الأيوبى أو الفرعونى أو الأموى أو العثمانى؟، وهل سيختلف عن حياتى فى أسرة سورية أو لبنانية أو سعودية أو فرنسية أو أمريكية؟، كيف أكون أنا فى الجنسيات المختلفة؟، وكيف أكون فى العصور المختلفة؟. السؤال الأصعب الذى طرحته على نفسي أيامها وعجزت عن التوصل لاجابة عنه، هو: إذا كنت أريد أن أتعرف على حياتى فى عصر ما وطبقة ما وجنسية ما، هل الله عز وجل سوف يوفر لى هذه المعرفة وكأني أعيشها وأحسها وألمسها وأنطق بلسانها وثقافتها وعاداتها وقاموسها؟، بالطبع الله قادر على كل شىء، وقادر على أن يقول للشىء كن فيكون، ولكن كيف؟، كيف سيجعلنى الله عز وجل فى الآخرة أن أعيش وأدرك وأحس وأنطق العصر والطبقة والجنسية والديانة؟، هل سيعيد الخلق مرة أخرى بعد أن أفناه؟، هل ستكون الإعادة واقعية، من أرض وبشر وزمن ولغة وديانات ولسان ولهجة أم ستكون الإعادة ذهنية بأن يعرض فى أذهاننا صورة مفصلة للخليقة ويدخلني فى أسرة من الأسر؟، وإذا كانت الإعادة ذهنية، هل ستكون فى ذهنية جميع البشر أم فى ذهن الراغب فقط فى المعرفة؟. وماذا إذا كنت من الذين سيدخلون النار، هل الله عز وجل سوف يحقق لى هذه الرغبة قبل تعذيبى أم خلال عملية التعذيب أم أنه سبحانه سوف يحرمنى منها عقابا لى على ما ارتكبته من خطايا فى حياتى؟. السؤال الأصعب الذى شغلت نفسى به فى نفس السياق، هو: ماذا عن المعرفة الكلية، المعرفة الإلهية، المعرفة التى لا تتوفر سوى لله عز وجل؟، ماذا لو أردت أن أعرف بالرؤية وبالسمع وبالإحساس كيف يعيش الناس فى لحظة ما؟، ما الذى يفعلونه (فى البيوت، الحوانيت، الحقول، الشوارع، الدواوين، فى المواصلات .. ألخ)؟، أسمع لسانهم ومونولوجهم وأدرك إحساسهم، وأشم وألمس مثلهم..؟. كيف ستتوفر لى هذه المعرفة، ذهنيا أو واقعيا؟. استدراك: الموت هو الآخر أعيشه بشكل معرفى، كيف سيكون وسأكون فيه؟، وما الفرق بين وعيى قبل وبعد الموت؟، هل سأعيش حياة ما بعد الموت؟، هل هى حياة أم موت تموت؟، هل سأدرك إننى فى الموت؟، أنتقل من الحياة إلى الموت؟، هل سأعيش وأعرف فترة الموت أم بعد أن أدرك أننى أنتقل إلى الموت سوف أنام وأستيقظ على استدعاء الله لنا يوم الحساب؟.