الوقت حوالي الثالثة صباحا.. وحي جاردن سيتي أساسا حي هادئ.. فإذا بانفجار ضخم مدو يهز الحي كله.. استيقظ المرحوم الدكتور عبدالمنعم البهي سكرتير تحرير جريدة «المصري» ونزل إلي الشارع بسرعة فشاهد النيران والدخان مازالا يتصاعدان من سيارة مفخخة في محاولة لنسف منزل مصطفي النحاس باشا، جزء من المنزل انهار إلي أسفل.. دخل المنزل واتصل تليفونيا برئيس التحرير أحمد أبوالفتوح وبحضور الجريدة (كارلو زخاري).. ذهب أبوالفتح إلي الجريدة.. وهرول زخاري إلي منزل النحاس باشا والتقي بالدكتور البهي.. وحصلا علي كل التفاصيل وهي ساخنة.. منها مثلا أن السيدة الفاضلة زينب الوكيل زوجة الزعيم كانت ترتعد خوفا.. وأيقظت سيدة قيل إنها مديرة المنزل وطلبت منها أن تدخل هي حجرة الباشا لتعرف ماذا جري.. لان أعصاب زينب هانم لا تحتمل دخول الحجرة.. ودخل الدكتور البهي وزخاري معها الحجرة التي كان أكثر من نصفها يميل إلي أسفل ووجدوا شظية متعلقة بالناموسية وهي الحكاية التي اشتهرت أيامها!! بالصور الساخنة النادرة.. وبكل التفاصيل التي حصل عليها الدكتور البهي تم تغيير الجريدة كلها.. وكانت تعليمات أبوالفتح لسيارات التوزيع أن تلم الأعداد القديمة وتعطي البائعين والأكشاك وفي المطار وفي قطار الصحافة.. تعطيهم الأعداد الجديدة.. وانفردت جريدة «المصري» بكل تفاصيل محاولة اغتيال مصطفي النحاس دون باقي الصحف الخالية تماما من مجرد الخبر. علي فكرة.. عندما دخلت مديرة المنزل مع الدكتور البهي والمصور زخاري حجرة النحاس باشا وجدوه يجلس علي سجادة الصلاة يقرأ القرآن!!! قال الدكتور السيد أبوالنجا مدير «المصري» إن الجريدة خسرت مبلغا ضخما من هذه العملية.. وكان رد أبي الفتح عليه.. إن ثقة القارئ وربطه بالجريدة لا تقدر بمال. تُري.. هل الصحف بعد تأميمها ممكن أن تفعل ذلك.. بل بعد مرور أكثر من نصف قرن علي التأميم هل حدث شيء من هذا.. ولكن ماذا تقول للمتبجحين!!! (.....) هل تريدون مثالاً آخر؟؟ الدكتور السيد أبوالنجار مدير «المصري» اتفق مع شركة مصر للطيران علي أن تعمل لها إعلانا يوميا مقابل إذا طلبت الجريدة في أية لحظة طائرة خاصة في مهمة خاصة تستجيب الشركة فورا في نفس اللحظة.. والحسابات آخر العام. من بين استخدامات هذا الاتفاق.. قتل شباب من فلسطين الملك عبدالله ملك الأردن عام 1948 عقب قيام دولة إسرائيل.. كانت الجريمة في المسجد الأقصي بعد صلاة الجمعة مباشرة والملك في الصف الأول خلف الإمام.. أذاعت وكالات الأنباء الخبر في نفس اللحظة.. أيضا في نفس الساعة كانت طائرة مصر للطيران تهبط في القدس ومحرر ومصور يقفان أمام جثة الملك الذي مازال ينزف دما.. كل أقوال شهود الحادث والقصة كاملة مع صور لولي العهد طلال بن الملك وسيدات القصر حول الجثة.. تغطية للحادث تملأ ثلاث أو أربع صفحات.. هذا هو القطاع الخاص في الصحافة.. هذه هي الصحافة الحقيقية.. التأميم حول الصحف إلي دواوين حكومة!!! ومال الحكومة السايب!!! موظفون لا صحفيون يريدون المرتب آخر الشهر.. بلا حافز شخصي للشهرة والسبق الصحفي و(متعة المنافسة).. لا يهم تكسب الصحف أم تخسر.. المرتب آخر الشهر هو المطلوب مثل أي موظف.. ثم تقولون (صحف قومية)!!! تستنزف مال الدولة التي في عرض جنيه واحد!!! عجبي!!!