الرئيس بوتين لديه حلم لاستعادة الاتحاد السوفيتي. وفي كل يوم يذهب إلى مدى أبعد وأبعد. وكلنا يذكر خطابه الشهير في ميونيخ عندما قال إن أكبر كارثة في القرن الماضي هي انهيار الاتحاد السوفيتي. وما المشروع الأمريكي الخاص ببناء «درع صاروخي» الذي جرت محاولة نشره في أوروبا بحجة حمايتها من الصواريخ الباليستية التي يمكن أن تطلقها دول مثل إيران، ثم جمده الرئيس أوباما بعد وصوله إلى السلطة في ولايته الأولى- الا محاولة تهدف الى تعطيل الترسانة النووية الروسية، وهو بذلك شبيه في أهدافه بمشروع الرئيس ريجان المسمى ب «حرب النجوم».. خاصة أن الجميع يعلم أن «بوتين» لديه عوامل عدة لإنجاح هذا الحلم على رأسها ورقة رادعة هي ورقة الغاز الروسي المتدفق على أوروبا. فالقارة القديمة تعتمد في استهلاكها على الغاز الروسي بنسبة 40 بالمائة. وليس في السوق جهة أخرى قادرة على التعويض عنه. لذا، ستحسب أوروبا ألف حساب لسحق روسيا، لأنها تعرف أن عودة الدب الروسى لقوته ستكون أليمة.. وما أشبه التدخل الروسى اليومى بالتدخلات السابقة.. فتواريخ وأماكن التدخل السوفيتي – الروسي في الستين عامًا الماضية محفورة فى ذاكرة الشعوب: «جمهورية ألمانيا الديموقراطية - ألمانياالشرقية سابقاً - 1953، المجر 1956، تشيكوسلوفاكيا 1968، أفغانستان 1979، جيورجيا 2008، أوكرانيا 2014». وفى كتاب روبرت كاجان «عودة التاريخ ونهاية الأحلام» نرى أن روسيا تشعر بالمهانة لفقدانها مكانتها كقطب دولي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وأن حكومة بوتين تؤمن بروسيا القيصرية وتعمل على إعادة بناء قوى روسيا الاقتصادية والعسكرية على حد سواء وتؤجج المشاعر القومية الروسية، ولا تتواني في بسط سيطرتها على الدول المستقلة عن الاتحاد السوفيتي ودول شرق أوربا بل وعلى دول أوربا الغربية ذاتها مستخدمة سلاح النفط وذلك من أجل عودة العظمة والمكانة الروسية مرة أخرى، خاصة أن التنافس في فترة ما بعد القطبية الأحادية يتميز بخصال مختلفة عن فترة الحرب الباردة، فهو أولا صراع غير ايديولوجي، فالواضح أن الصين وكذلك روسيا لم تعدا معنيتين بأيديولوجية معينة، فما يحركهما الآن هو المصلحة الاقتصادية والمشاعر القومية، وهمهما الأساسي هو العودة إلى العهد القيصري حيث تمتعت الصين وكذلك روسيا بإمبراطورية واسعة يسيطر عليها القيصر أو الإمبراطور الصيني أو الروسي. وفى الواقع فإن عودة القيصرية بشكلها العصري إلى روسيا هدف لن يتخلى عنه فلاديمير بوتين، وكل القراءات في تاريخه السياسي والنفسي تشير إلى وجود ميل حاد عنده ليصبح قيصراً على روسيا، يحكمها بمفرده ويعيد لها قوتها. قد يكون هذا حلماً غير قابل للتحقيق في روسيا اليوم التي تغيرت كثيراً عن زمن القياصرة لكنه وفي كل الأحوال وبالنسبة لزعيم يعاد انتخابه دائما، يظل هدفاً يسعى إليه عبر تطبيقات سياسية في صالح تحقيق مشروعه الشخصي في أن يصبح قيصراً على دولة لابد من أن تستعيد وحدتها المفقودة وإلا فسينهار الحلم كله كما انهارت القيصرية عام 1917 وبعدها الاتحاد السوفيتي الذي كان يتولى، قبل سقوطه بالكامل، رئاسة جهازها المخابراتي. وحسب دراسات سابقة لمعهد «كارنيجي للسلام» عن الحرب الباردة تبدو روسيا اليوم أكثر جرأة من ذي قبل لرد اعتبارها بعد أن تقلص نفوذها في العالم إثر حرب باردة مع واشنطن خرج الاتحاد السوفياتي منها منقسما وأقل قوة من ذي قبل. وقد انشغلت روسيا لسنوات حسب تقارير اقتصادية روسية في بناء قوتها الداخلية واعتمدت في ذلك على دعم الاقتصاد خصوصا صناعة الغاز والسلاح والنفط في سعي حثيث لامتلاك مصادر النفوذ الجديد الذي يحكم العالم (الطاقة والسلاح والمال). ويبدو أن هذه العناصر توافرت أخيرا في روسيا. وبالطبع لن تقف أمريكا مكتوفة اليدين حيال ذلك، وستحاول بكل قوتها إنهاء الحلم الروسى، وإيقاف بوتين وتقدمه نحو تحقيق مآربه. وخطاب اوباما الاخير الذى حاول فيه إظهار العين الحمرا لبوتين، أسفر عن أعلان الاتحاد الأوروبي حزمة عقوبات إضافية على روسيا، دخلت حيز التنفيذ على الفور، واستهدفت شركات نفطية ودفاعية ومصارف روسية، بالإضافة إلى إدراج 24 شخصية روسية وأوكرانية إلى «القائمة السوداء» للأشخاص المتهمين بالضلوع في النزاع في أوكرانيا. ومنعت الولاياتالمتحدة حظر تصدير السلع والخدمات والتقنيات الداعمة للمشاريع الروسية لاستخراج النفط من المياه العميقة والقطب الشمالي. وفى المقابل رد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بسخرية على قرار الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات إضافية على روسيا، بل إنه تعدى مرحلة السخرية الى التهديد المباشر بأن تلك الاجراءات ستنعكس سلباً على أصحابها. وفى الواقع أن هذا التناحر الكلامى بين بوتين واوباما والتصريحات النارية لكليهما لاستعراض العضلات يؤكد أن هناك حالة من الرعب الامريكى من روسيا واستعادتها لقوتها خاصة فى ظل اصرار بوتين على ذلك إلى الحد الذى يجعل منه هدفاً يعيش من أجله، ومها أكدت التقارير أن أمريكا مازالت تفوق الجميع في الإنفاق والخبرة العسكرية. وعلى عكس الصينوروسيا، لكون الولاياتالمتحدة تمتلك نمواً منقطع النظير في شبكة التحالفات الدولية. ففي السنوات القليلة الماضية، انضمت ماليزيا، ميانمار، فيتنام، والفلبين إلى هذه الشبكة طلباً للحماية من الصين. إلا أن روسياوالصين تسير بخطى ثابتة نحو إنهاء تلك الهيمنة الأمريكية، ومجموعة البريكس والدور الذى تلعبه الدولتان فى صراعات العالم أكبر دليل على أن روسيا تكسب فى كل يوم خطوة جديدة نحو تحقيق حلم القيصر الروسى بوتين.