المقاولون العرب تنتهي من طريق وكوبري ساكا لإنقاذ سكان أوغندا من الفيضانات    الأولى من نوعها.. تعرف على أهمية الزيارة المرتقبة للسيسي إلى تركيا    حزب الله يعلن مقت ل أحد عناصره في قصف للاحتلال    «شيخ أزهري اتهمها بالزنا».. انهيار ميار الببلاوي في بث مباشر    اليوم .. جهاز المنتخب يتابع مباريات الدوري    سعر اليورو مقابل الجنيه اليوم السبت 27-4-2024 بالبنوك    انخفاض أسعار الدواجن اليوم 27 أبريل    كندا تخصص أكثر من مليوني دولار لصناعة المسيرات الأوكرانية    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في المنتدى الاقتصادي العالمي    إسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت ومركبات مدرعة ودبابات "ليوبارد" إلى كييف    بورصة الذهب تنهي تعاملاتها الأسبوعية بخسائر تتجاوز 50 دولارًا | تقرير    اليوم، الاجتماع الفني لمباراة الزمالك ودريمز الغاني    طقس أسيوط.. انخفاض درجة الحرارة العظمى 33    بعد قليل.. الحكم في اتهام مرتضى منصور بسب عمرو أديب    المتهم خان العهد وغدر، تفاصيل مجزرة جلسة الصلح في القوصية بأسيوط والتي راح ضحيتها 4 من أسرة واحدة    اليوم.. الجنايات تنظر محاكمة متهمي "خليه المرج"    اليوم .. الحكم في اتهام مرتضى منصور بسب عمرو أديب    أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 27 أبريل 2024    دينا فؤاد: أنا مش تحت أمر المخرج.. ومش هقدر أعمل أكتر مما يخدم الدراما بدون فجاجة    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    محمد جبران رئيسا للمجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب    قوات الاحتلال تشن حملة اقتحامات واسعة لعدد من مدن وبلدات فلسطينية    وليد عبدالعزيز يكتب: السيارات وتراجع الأسعار    توقعات الفلك وحظك اليوم لكافة الأبراج الفلكية.. السبت 27 أبريل 2024    حكم الشرع في الإسراع أثناء أداء الصلاة.. دار الإفتاء تجيب    "كنت ببعتله تحياتي".. كولر يكشف سر الورقة التي أعطاها ل رامي ربيعة أثناء مباراة مازيمبي    للحماية من حرارة الصيف.. 5 نصائح مهمة من وزارة الصحة    تحذير دولي من خطورة الإصابة بالملاريا.. بلغت أعلى مستوياتها    د. محمد كمال الجيزاوى يكتب: الطلاب الوافدون وأبناؤنا فى الخارج    نتيجة انتخابات نادي القضاة بالمنيا.. عبد الجابر رئيسًا    «المركزية الأمريكية»: الحوثيون أطلقوا 3 صواريخ باليستية على سفينتين في البحر الأحمر    "اتهاجمت أكثر مما أخفى الكرات ضد الزمالك".. خالد بيبو يرد على الانتقادات    لدورة جديدة.. فوز الدكتور أحمد فاضل نقيبًا لأطباء الأسنان بكفر الشيخ    3 وظائف شاغرة.. القومي للمرأة يعلن عن فرص عمل جديدة    الدكتور أحمد نبيل نقيبا لأطباء الأسنان ببني سويف    2.4 مليار دولار.. صندوق النقد الدولي: شرائح قرض مصر في هذه المواعيد    دينا فؤاد: الفنان نور الشريف تابعني كمذيعة على "الحرة" وقال "وشها حلو"    عمل نفتخر به.. حسن الرداد يكشف تفاصيل مسلسل «محارب»    حضور جماهيري كامل العدد فى أولي أيام مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير .. صور    شعبة البن تفجر مفاجأة مدوية عن أسعاره المثيرة للجدل    قبل مواجهة دريمز.. إداراة الزمالك تطمئن على اللاعبين في غانا    والد ضحية شبرا يروي تفاصيل مرعبة عن الج ريمة البشعة    بعد حادث طفل شبرا الخيمة.. ما الفرق بين الدارك ويب والديب ويب؟    تنفع غدا أو عشا .. طريقة عمل كفتة البطاطس    تحرير 17 ألف مخالفة مرورية متنوعة على الطرق السريعة خلال 24 ساعة    في سهرة كاملة العدد.. الأوبرا تحتفل بعيد تحرير سيناء (صور)    الترجي يحجز المقعد الأخير من أفريقيا.. الفرق المتأهلة إلى كأس العالم للأندية 2025    أرقام مميزة للأهلي بعد تأهله لنهائي دوري أبطال أفريقيا    علي فرج يهزم مصطفى عسل ويتوج بلقب بطولة الجونة الدولية للإسكواش    مقتل 4 عمّال يمنيين بقصف على حقل للغاز في كردستان العراق    السيسي محتفلا ب"عودة سيناء ناقصة لينا" : تحمي أمننا القومي برفض تهجير الفلسطينيين!!    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    قلاش عن ورقة الدكتور غنيم: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد    أعراض وعلامات ارتجاج المخ، ومتى يجب زيارة الطبيب؟    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستثمار في التعليم الخاص بالقاهرة 3 اضعاف المحافظات
المتفوقون في الثانوية العامة من هم؟ ومن أين يأتون؟
نشر في الوفد يوم 06 - 09 - 2014

قدم الأستاذ جمال غيطاس تحليلاً نقدياً لنتائج الثانوية العامة 2013/ 2014 في جريدة الوطن عدد 2/7/2014، ولعل أبرز ما توصل إليه وكان مثاراً للجدل والنقاش التربوي هو وجود طلاب راسبين في مدارس المتفوقين،
وكان يجب على وزارة التربية والتعليم أن تقدم جواباً شافياً لتلك الظاهرة، إلا أن الوزارة لم تفعل ذلك للآن لأنها مرفوعة من الخدمة أصلاً، من هنا، فنحن نحاول أن نقدم قراءة نقدية تربوية للمتفوقين، من أين أتوا؟ ومن هم؟ وهل المدرسة بوضعها الحالي وبيئة التعلم السائدة فيها تساعد على التفوق؟ وهل قامت بدورها نحو إنجاز هذا التفوق أم أن هناك مدرسة موازية، تعليم ظل آخر نراه ونشاهده أمام أعيننا ولا نحرك ساكناً تجاهه لأننا جميعاً أصحاب مصالح معه؟
لقد تقدم لامتحان الثانوية العامة هذا العام حوالي 450.408 ألف طالب وطالبة، حضر منهم الامتحان فعلاً حوالي 436.073، منهم 252.850 من الشعب العلمية و183.223 من الشعب الأدبية وبلغت نسبة النجاح الكلية 76.63% بنسبة 82.24% للشعب العلمية، و68.90% للشعب الأدبية، وكانت نسبة النجاح للبنين 74.5% مقابل 78.3% للبنات أي أن نسبة نجاح البنات أعلى من البنين.
ونحن هنا نقصد بالطلاب المتفوقين، هؤلاء الطلاب الذين حصلوا على مجموع درجات 409.5 درجة بنسبة 99.9% إلى هؤلاء الذين حصلوا على مجموع درجات 405.5 درجة بنسبة نجاح 98.9%، أي أن الفارق لتلك المجموعة بين الحد الأدنى والأعلى لا يتجاوز أربع درجات وبنسبة 1%، ولقد بلغ عدد هؤلاء الطلاب المتفوقين على مستوى الجمهورية حوالي 2281 طالباً وطالبة موزعين على محافظات الجمهورية 26 وعلى المدارس الثانوية الحكومية والخاصة ونقصد أيضاً بالمدارس الخاصة كل تعليم غير التعليم الحكومي المجاني، فهناك مدارس خاصة ومدارس لغات ومدارس تجريبية ومدارس أجنبية ومدارس خاصة استثمارية عالية التكاليف.
كما أن عدد المدارس التي نتحدث عنها هنا في هذا التحليل النقدي هي تلك المدارس الحكومية والخاصة التي تفوق طلابها وفق المعيار السابق، وهذا لا يعني ألبتة أنه لا توجد مدارس ثانوية حكومية أو خاصة أخرى في تلك المحافظات، والنقاش والتحليل هنا ينصرف بالأساس إلى تلك المدارس التي تفوق طلابها في امتحانات الثانوية العامة النظام الجديد.
والجدول التالي الذي قمنا بتركيبه من نتائج الثانوية العامة يشمل البنين والبنات، كما يشمل الشعب العلمية والأدبية، ونحن هنا نكتفي بتحليل النتيجة العامة وليس على مستوى الشعب أو الجنس، فهذا أمر في حاجة إلى دراسة أخرى، والجدول التالي(1) يوضح عدد المدارس الحكومية والخاصة في كل محافظة، وكذلك عدد الطلاب المتفوقين بكل من المدارس الحكومية والخاصة ونسبتهم إلى طلاب المدارس الحكومية.

جدول (1)
يوضح عدد المدارس والطلاب المتفوقين في المدارس الحكومية
والخاصة لامتحانات الثانوية العامة الجديدة 2013/2014

وبقراءة الجدول السابق قراءة تربوية اجتماعية نقدية نستطيع أن نستخلص العديد من النتائج والقضايا التربوية التى هي في أمس الحاجة إلى مزيد من الدراسة والبحث، وأهم وأبرز تلك النتائج ما يلى:
أن محافظة أسوان ومحافظة البحر الأحمر والوادي الجديد وشمال سيناء ومرسى مطروح وكلها محافظات حدودية تتسم بالفقر وسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، لا يوجد بتلك المحافظات مدارس خاصة تفوق طلابها، فضلاً عن أن الطلاب الذين تفوقوا في المدارس الحكومية أعدادهم قليلة للغاية، فمحافظة أسوان 15 طالباً وطالبة من إجمالي عشر مدارس فقط. والبحر الأحمر 5 طلاب من إجمالي ثلاث مدارس حكومية تفوق طلابها، والوادي الجديد سبعة طلاب من إجمالي مدرستين فقط وتلك نسبة أعلى من محافظة أسوان والبحر الأحمر، أما محافظة شمال سيناء فقد تفوق طالبان من مدرستين فقط، ومرسى مطروح طالبان من مدرسة واحدة فقط.
وعلى الرغم من فقر الإمكانات وتدني الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وعدم رعاية ودعم الدولة لتلك المحافظات، إلا أن طلابها رغم كل تلك الظروف استطاعوا أن يحققوا تفوقاً علمياً وأكاديمياً وفق معيار الامتحانات السائد في نظامنا التعليمي الذي نتحفظ عليه مؤقتاً.
إن المحافظات التي يزيد عدد المدارس التي تفوق أبناؤها على أربعين مدرسة، وهي محافظة الدقهلية 85 مدرسة حكومية مقابل 7 مدارس خاصة وبنسبة 8.2%، وكان نصيب الطلاب المتفوقين بالمدارس الحكومية حوالي 22.3 مقابل 39 طالباً وطالبة للمدارس الخاصة بنسبة 17.5%، أي نسبة تفوق الطلاب فاقت نسبة عدد المدارس الخاصة إلى الحكومية إلى حوالي الضعف.
أما محافظة الشرقية فقد بلغ عدد المدارس الحكومية بها 56 مدرسة في مقابل 7 مدارس خاصة وبنسبة 10.7% للمدارس الخاصة، وعلى صعيد الطلاب بلغ عدد الطلاب المتفوقين في المدارس الحكومية 103 مقابل 16 للمدارس الخاصة وبنسبة 15.5% أي أن نسبة الطلاب المتفوقين بالمدارس الخاصة ضعف المدارس الحكومية بالمقارنة بحجم المدارس ذاتها 10.7%.
وفي محافظة الغربية بلغ عدد المدارس الحكومية 56 مدرسة مقابل أربع مدارس خاصة وبنسبة 7.1%، وعلى صعيد الطلاب المتفوقين في المدارس الحكومية بلغ 169 طالباً وطالبة مقابل 17 في المدارس الخاصة، ونسبة الطلاب المتفوقين بالمدارس الخاصة تضاعفت مرة ونصف 10% بالقياس إلى عددهم ونسبتهم 7.1%، أما محافظة القاهرة والأكبر من حيث عدد المدارس، حيث بلغت حوالي 77 مدرسة حكومية مقابل 72 مدرسة خاصة، وبلغت نسبة المدارس الخاصة 93.5%، وعلى مستوى الطلاب المتفوقين بلغ عددهم في المدارس الحكومية 167 طالباً وطالبة، مقابل 107 في المدارس الخاصة وبنسبة 66.8%.
وهنا يتضح أن العاصمة الكبرى التي تحوي العشوائيات والفئات الفقيرة والمهمشة وكذلك الفئات الوسطى والعليا والطبقة المخملية في المجتمع، يكاد يتعادل عدد المدارس الخاصة مع الحكومية، ويتفوق عدد الطلاب بالمدارس الخاصة أكثر من الحكومية بنسبة 66.8%، وهذا يعني أن الاستثمار في التعليم الخاص عال جداً بالقاهرة ويتنامى، ولعل الواقع المعيش يؤكد ذلك حيث إن عدد المدارس الخاصة يفوق العدد بالمحافظات لثلاثة أضعاف تقريباً.
أما الموقف بمحافظة القليوبية والمنوفية، فإنه عكس ذلك تماماً حيث بلغ عدد المدارس الحكومية بالقليوبية 55 مدرسة مقابل ست مدارس خاصة بنسبة 10.9%، وعلى صعيد الطلاب المتفوقين بلغ العدد في المدارس الحكومية 128 مقابل 21 بالمدارس الخاصة وبنسبة 16.4%، أي أن التعليم الخاص والاستثمارات في مجال التعليم قليل. وفي المنوفية بلغ عدد المدارس الحكومية 75 مدرسة مقابل ثلاث مدارس خاصة فقط وبنسبة 4.0% وعلى صعيد الطلاب بلغ عدد الطلاب المتفوقين بالمدارس الحكومية 270 طالباً وطالبة مقابل 16 بالمدارس الخاصة وبنسبة 5.9% أي ما يعادل نسبتهم في عدد المدارس، والملاحظة الهامة هنا في محافظة المنوفية أن المدارس الخاصة وضعها متدنٍ من حيث العدد ونسبة تفوق الطلاب بها.
وفي محافظة كفر الشيخ بلغ عدد المدارس الحكومية 44 مدرسة مقابل ثلاث فقط للمدارس الخاصة بنسبة 6.8%، وعلى مستوى الطلاب بلغ عدد الطلاب بالمدارس الحكومية 124، مقابل 7 بالمدارس الخاصة وبنسبة 5.6%، وهنا تجدر الإشارة إلى أن محافظة كفر الشيخ لا ينتشر فيها التعليم الخاص، والطابع الغالب عليها التعليم الحكومي على مستوى المدارس وعلى مستوى الطلاب المتفوقين.
ونلاحظ من الجدول السابق أن العدد الأكبر للمدارس الخاصة كان في المدن الكبرى، القاهرة، الجيزة، الإسكندرية، والإسماعيلية والسويس، وعلى مستوى الطلاب المتفوقين بتلك المدارس كان النصيب الأكبر للإسكندرية 71.6% ثم القاهرة 66.8% ثم الإسماعيلية 62.5% والجيزة 75%، وهذا يعني أن محافظات الصعيد والريف والوجه البحري والمحافظات الحدودية لم يكن للمدارس الخاصة الدور البارز في التفوق بالنسبة للطلاب أو التفوق في عدد المدارس، وهذا يعني بالضرورة أن انتشار التعليم الخاص يتركز في العواصم الحضرية تحديداً وأن المدن ومحافظات الصعيد والوجه البحري والمحافظات الحدودية، الاستثمارات في مجال التعليم فيها منخفض على الأقل في المستوى الذي أظهرته الدراسة فيما يتعلق بالطلاب المتفوقين بمجموع من 98.9% إلى 99.9%.
هذا فضلاً عن ملاحظة جديرة بالاهتمام أن الطلاب الذين حصلوا على مجموع 409.5 بنسبة 99.9 قد بلغ حوالي خمسة طلاب منهم طالب واحد من مدرسة خاصة هي مدرسة «المصرية المتعاملة الخاصة» بمحافظة الشرقية والأربعة الآخرين من مدارس حكومية، واثنان من محافظة القاهرة، «مدرسة عبد المنعم واصل الثانوية بنات»، و«مدرسة مصر الجديدة النموذجية»، والطالب الرابع من محافظة المنيا من مدرسة «ملوي الثانوية بنين»، والطالب الخامس والأخير من محافظة الدقهلية من مدرسة «دنديط الثانوية المشتركة»، وهذا يعني أن أعلى نسبة للتفوق كانت لصالح المدارس الحكومية- 4 مقابل واحد للمدرسة- وليس لصالح المدارس الخاصة.
والسؤال الذي يطرح نفسه علينا الآن، إذا كانت المدارس الخاصة قد حصلت في تلك الفئة 98.9% إلى 99.9% بما يعادل عددها، حيث بلغت نسبة أعدادها 25.6% للمدارس و21.6% للطلاب، فلماذا لم تحقق تفوقاً أكبر من ذلك علماً بأنه من المفترض في هذه المدارس أنها مدارس أفضل من حيث البنية الأساسية والتجهيزات وكثافة الفصول ومكانة ووضع المعلمين والمدراء، أي أن المدارس الخاصة هي الأكثر قابلية للتفوق بحكم وضعها ومكانتها وتكاليف الدراسة بها.
والسؤال المعاكس الذي يفرض نفسه علينا الآن: لماذا تفوق طلاب المدارس الحكومية التي تفتقر للكثير من الإمكانات المادية والبشرية على مستوى التجهيزات والمعدات وكثافة الفصول المرتفعة والمعلمين والمدراء، فضلاً عن تواجدها جميعاً في محافظات الصعيد والريف، تلك المحافظات التي مازالت تعاني قلة بل ندرة اهتمام الدولة بها، منذ زمن طويل وللآن. إذن ما سر تفوق هؤلاء الطلاب؟ هل التفوق يعود إلى قدرات وإمكانات الطلاب أنفسهم؟ أم يعود إلى المدرسة وبيئة التعلم الغائبة؟ وإذا كان التفوق يعود إلى الطلاب- فلماذا يذهب العديد من الطلاب إلى المدارس الخاصة التي يعتقد الكثير منا أن سر النجاح بها، وأن التعليم بها أفضل من المدارس الحكومية الفقيرة؟
أعتقد أن تلك الأسئلة وغيرها كثير لابد أن يجيب عنها الخبراء ورجالات التربية والمشتغلين بالعلم التربوي، وسنحاول هنا أن نجيب عنها من وجهة نظرنا: إن التفوق في تلك المدارس الحكومية والخاصة لا يعود إلا لوجود «مدرسة موازية، تعليم موازٍ، تعليم ظل»، والذي يسمى في الأدبيات التربوية الشعبية «الدروس الخصوصية»، هذا التعليم الموازي وتلك الدروس الخصوصية هي التي تقف خلف تفوق الطلاب بالتعليم عامة، سواء أكان تعليماً حكومياً مجانياً أم تعليماً خاصاً، وبكلفة باهظة في مدارس خاصة أو لغات أو تجريبية أو مدارس أجنبية واستثمارية.
وظاهرة التعليم الموازي/ الظلي الذي ساد أصبح قرين نظامنا التعليمي الرسمي منذ مطلع السبعينيات وللآن، هو الذي يسود نتيجة أساليب التقويم- الامتحانات- التي لا تقيس سوى أدنى قدرة للإنسان، هي قدرة التذكر التي تعتمد على التلقين والحفظ، ويُعظم ذلك ويُكرسه أن الامتحانات لها نموذج إجابة محدد من قبل الوزارة والطالب الذي يبدع أو يعتمد على تفكيره وخياله ويخرج عن النص- نموذج الإجابة- هو الطالب الفاشل الراسب، أما الطالب ذو الذاكرة الحديدية فهو الطالب النابه المتفوق الذي يحفظ عن ظهر قلب.
إذن طريقة التدريس التي تعتمد على التلقين ثم الحفظ والتذكر وطريقة التقويم- الامتحان- التي تقيس بُعداً واحداً للإنسان، هي التي كرست وعظمت التعليم الموازي/ الظلي، الدروس الخصوصية، وحصرت التفوق في الحفظ وليس الإبداع أو المغايرة أو الابتكار، ومن هنا لم يعد للمدرسة دور ألبتة في التعليم، وأصبح التعليم الموازي هو البديل الشعبي للتعليم والمدرسة الرسمية. ومما يدعم ويؤكد هذا أن الطلاب الأوائل في امتحانات الثانوية العامة يقولون هذا بكل وضوح وشفافية أنهم قد أخذوا- تعاطوا- دروساً خصوصية في جميع المواد، بل وصل الأمر ببعضهم أن صرح بأنه لا يذهب إلى المدرسة لأنه لا يستفيد منها شيئاً، وهذه بعض شهادات واقعية لطلاب الأوائل للثانوية العامة للعام 2012/2013، 2013/2014:
أكد الطالب أحمد شرف سعيد بمدرسة «ملوي» الثانوية للبنين والحاصل على المركز الأول في الثانوية العامة شعبة علمي علوم أن والده يعمل مهندساً، وأنه كان ينظم وقته بين المذاكرة في المنزل والدروس الخصوصية التي كان يحصل عليها في جميع المواد الدراسية، ومما يلفت النظر أن مدرسة «ملوي» الثانوية للبنين الطالب الحاصل على 99.9% لهذا العام والعام الماضي من تلك المدرسة المتفوقة بالدروس الخصوصية.
وأكدت الطالبة ياسمين أمين عبد الله أمين الفائزة بالمركز الأول على مستوى الجمهورية شعبة علمي علوم، وحصلت على مجموع 409.5 درجة بنسبة 99.9 أكدت أنها كانت تحصل على دروس خصوصية في جميع المواد، كما أكدت الطالبة يمنى سالم جمعة «بمدرسة سراي القبة الثانوية» والحاصلة على مجموع 409 درجة قد أكد والدها أن الطالبة لم تكن تذهب للمدرسة واعتمدت بشكل كامل على الدروس الخصوصية وهو ما ساهم في تفوقها (جريدة الأهرام 16/7/2014).
وفي نتائج الثانوية العامة للعام الماضي 2012/2013 أكد كل الطلاب العشرة الأوائل أنهم يحصلون- يتعاطون- على دروس خصوصية في جميع المواد وأن بعضهم لم يكن يذهب إلى المدرسة أصلاً نظراً لعدم استفادته واستيعابه منها.
أكدت الطالبة سلمى خالد محمد عبد العزيز الحاصلة على المركز الأول مكرر بمجموع 407.5 من مدرسة «سانت جان أنتيد» أن وراء تفوقها الحصول على الدروس الخصوصية في جميع المواد، وأكدت الطالبة منة مصطفى عبدالعزيز العواض كما أكد والدها (بالمعاش)، لم أبخل على ابنتي بأي نفقات طوال سنوات الدراسة، فقد أنفقت عليها 12 ألف جنيه مصري في العام الواحد دروساً خصوصية و10 آلاف أخرى مصروفات المدرسة عن آخر عامين، وأكدت الطالبة سارة محمود غانم أنها كانت تذاكر قرابة العشر ساعات يومياً وساعدها على التفوق قدرتها العالية والسريعة في استيعاب المذاكرة إلى جانب الدروس الخصوصية التي كنت آخذها في جميع المواد (جريدة الأهرام 17/7/2012، ص27).
هذه نماذج فقط للأوائل التي تؤكد أن التعليم الموازي/ الظلي- المدرسة الموازية- الدروس الخصوصية لم تقتصر فقط على طلاب المدارس الحكومية، بل طالت وتطول المدارس الخاصة والأجنبية وجميع أنواع وأشكال التعليم في مصر، والجدول (2) يوضح نسب الطلاب الذين يحصلون على دروس خصوصية في المواد الدراسية بجميع مراحل التعليم لعام 2009/2010.
جدول (2)
نسب الطلاب الذين يحصلون على دروس خصوصية
في المواد الدراسية بجميع مراحل التعليم لعام 2009/2010

النسبة من الطلاب الذين يحصلون على الدروس الخصوصية فى كل مادة على حدة.
المصدر: مجلس الوزراء، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، استطلاع رأي أولياء الأمور حول مشكلة الدروس الخصوصية- ديسمبر- 2010، ص8.
ولقد كشفت دراسة صادرة عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء لعام 2010، أن الدروس الخصوصية تستهلك نحو ألف مليون ساعة في السنة (أي مليار ساعة سنويا) دروس خصوصية، وهو زمن- حسب الدراسة- يكفى لبناء ثلاثة سدود مماثلة للسد العالي كل عام، كما أكدت الدراسة أن الدروس الخصوصية تستنزف نحو 22 مليار جنيه من دخل الأسرة المصرية سنوياً.
التعليم الموازي/ الظلي- المدرسة الموازية- الدروس الخصوصية هي كلمة السر في التفوق، وليس نوع التعليم حكومياً أو خاصاً أو أجنبياً أو قدرات الطالب الذاتية، إنها القضية التي يجب أن ينصرف إليها البحث والدراسة والاهتمام، وعلى الوزارة أن تدرك تلك المهمة الوطنية وأن تطرح خطط الإصلاح والتطوير بدءاً من أساليب التقويم، وكفى حديثاً عن حذف الحشو من المناهج وتطويرها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.